اعترافات ..

تحت هذا العنوان سأسجل جملة من اعترافاتي بأخطائي التقديرية في مسيرة الثورة السورية ...

علما أنني لم أكن في أي لحظة صاحب قرار ولا سلطة، ولا أقضي بين الناس، ولا أتحمل وزرا جماعيا من أمرهم لا في سيرورة قرارهم ، ولا في التصرف بمقدرات ثورتهم ..

سأقوم بهذه المراجعة الذاتية، وبنفس متأن وطويل ، وأظن أن أصحاب القرارات الجمعية، وكل في مرحلته، مدينون للشعب السوري بمثل هذه المراجعات، وأن يعترفوا أين أخطؤوا التقدير ، وأين أخطؤوا التدبير وأن يعزموا على إصلاح ما تقدم من أخطائهم ...وإلى الاعتراف رقم واحد ..

الاعتراف رقم واحد ...

هل كانت تقدر، أو تظن- يا زهير - أن بشار الأسد وزمرته، يمكن أن يتسفلوا في السلوك البشري، والخيانة الوطنية، والتوحش الذاتي إلى الحد الذي نزلوا إليه ؟؟؟

اعترافي : لا ...أبدا، وكنت أظن أن لتسفلهم وخيانتهم وتوحشهم قاعا ترسو هذه الأمور عليه ...

وأصبحت بعد هذه الثورة كلما قرأت قوله تعالى ( ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ) استشعر معنى الهوة التي لا قرار لها ...قاع يهوي به الحجر في جهنم سبعين خريفا...

ولا تظنوا هذا أمرا نظريا أو هجائيا محضا، بل هذا التقدير الخاطئ، وبآثاره الإنسانية والوطنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية له دور كبير في سلامة القرار الوطني العام ..

بعض الناس يظن التوحش " إنسانيا " فقط، ولكن بيع الوطن لكل راغب ليس عملا إنسانيا ؛ بل هو فعل سياسي واضح الماهية والدلالة والآثار والتبعات. يموت الكثيرون واقفين دفاعا عن أوطانهم . أم الولد الحقيقية تتركه لأم أخرى ، ولا تسلمه لسكين الحكيم سليمان.

بعض الناس يظن أن الطائفية هي استئثار فئة ما بمقدرات وطنية عامة ، ولكن الطائفية الأبشع هي ضرب شرخ عميق في البنية الوطنية، ويكون ضحاياها من كل الأطراف، لحساب منفعة شخصية مهما قيل فيها تبقى رخيصة. بشار الأسد لا يبالي اليوم بالكراهية تعمر قلوب كل السوريين تجاه بعضهم ، منها ما هو ظاهر، ومنها ما هو مثل الداء الدوي. بشار الأسد لا يبالي بالجوع يفتك بالسوريين كل السوريين، ولا يبالي بالمرض، ولا يبالي بانهيار المنظومة الخلقية، ولا التعليمية.... وفي كل هذا أنا أتكلم عن " كل السوريين " ولم أكن أقدر أن المشاعر الأولية لأي كائن يمكن أن تغور أكثر في هذه المنحدرات. وآخر أمره اليوم هو يريد أن يغلق شريان الحياة أو قصبة التنفس عن ملايين السوريين، ولا يبالي أن هؤلاء كانوا يوما ... وأنهم سيكونون يوما ...

هل تتصورون أن الروسي - مع عدوان الروسي وقبحه وانحطاطه وتسفله- يمكن أن يكون في أي لحظة أقل توحشا على سوري آخر من بشار الأسد وزمرته؟؟؟ أليس هذا ثمرة ما قامت عليه استراتيجية " خفض التصعيد" والقبول بالروسي - على سوء الاختيار وبؤسه - ضامنا وموئلا . وإليكم المعادلة الشائهة التي صاغها بشار الأسد : سوري يجد في الروسي المحتل الشائه كنفا يدرأ به توحش سوري آخر . وتتكسر على مسند هذا التوصيف كل السرديات والأدبيات والمحفوظات والقيم ....

في الحكايات المحكية كثيرا ما يتكلمون عن الرضيع ترضعه الذئبة الأم مع جرائها، ولكن بشار الأسد وزمرته انحطوا عن مثل هذه الذئبة ..وأنا شخصيا لم أكن أتصور سوريا واحدا يمكن أن ينحط إلى المستوى الذي انحط إليه هؤلاء الذين لا تجد اللغات الإنسانية عنوانا نشير به إليهم ..

أعلم أن كثيرين سيجدونها فرصة للتعليم على هذا الاعتراف، وأنهم كانوا يعلمون ويعرفون ويقدرون !! وكل الذي أملكه أن أستحضر قول مولاي رب العالمين ( قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ ) ويقدّر على شاكلته، ويدبر على شاكلته، ويظن على شاكلته ...

ولا والله ما كنت أقدر ولا أظن أن سورياً يبلغ به الانحطاط والتسفل والخيانة والتوحش ما بلغ ببشار الأسد ومشايعيه العمليين ...

وإلى الاعتراف التالي أستودعكم الله ..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 935