كتاب الحق المر - حسن البنا

أنا واحد من الذين صحبوا «حسن البنا» وتربوا على يديه وأفادوا من علمه، قد لاحظت في دراستي الطويلة للرجال أن الله جمع في"حسن البنا" مواهب عدد من الزعماء الإسلاميين الكبار أمثال : «جمال الدين الأفغانی»، و «محمدعبده»،

و «رشید رضا» ، فكان إذا تحدث بين الناس التقى في حديثه ما تميز به أولئك الرجال كما تلتقي الأشعة في عدسة صافية تجمع ما تفرق وتضاعف أثره !!.

كان «جمال الدين» أول من أبصر الحقد التاريخي في ضمير الاستعمار الغربي، ونبه المسلمين إلى أن أوروبا لا تزال تحمل ضغائن «بطرس الناسك» في تعاملها مع المسلمين ..

وكان محمد عبده» أول من أحس حاجة الأمة إلى تربية واعية ، تتعهد سلوكها بالعقل المؤمن، وتحرس نظامها بالشورى العامة ..

وكان «محمد رشيد رضا» ترجمان القرآن وشارة السلفية الصحيحة والمفتي العارف بأهداف الإسلام والمستوعب لآثاره ..

شاء الله أن يكون حسن البنا» وريث هؤلاء فكانت محاضراته في المدن والقرى علما وأدبا وثقافة وكياسة، وقلما يفلت سامع له من التأثر به والانقياد إليه، وعلى هذه الدعائم نهضت جماعة الإخوان المسلمين، وانتشرت في أرجاء العالم الإسلامي، فكانت بمرشدها العام تجديدا لأمر الدين، وتحصينا لكيانه من الغزو الثقافي والسياسي الذي نال منه وأساء إليه .

من الظلم اعتبار جماعة الإخوان حزبآ جل نشاطه العمل السياسي في وطن من أوطان الإسلام، إن الدائرة التي عمل فيها «حسن البنا» أرحب كثيرآ، إنها تردید الغايات القرآن الكريم التي ذكرها في هذه الآية : •{ ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين }• ..

لقد كان الإمام الشهيد يبعثر العلم في خطبه كما يبعثر الزارع الحب في أرضه، وأعانته على ذلك موهبة لم تعرف في تاريخنا الثقافي إلا لأبي حامد الغزالي، فقد كان «أبو حامد» قادرآ على أن يشرح للعامة أفكار الفلاسفة ويجعل ما تعقد منها كلاما سهلآ سائغا، كذلك كان «حسن البنا» رضي الله عنه يلخص لسامعيه حقائق الدين والدنيا، ويوجههم برفق وحب إلى ما يريد من خدمة الإسلام وتجاوز المرحلة التاريخية الصعبة التي يمر بها أو التي كبا فيها ..

وجهد الإمام الشهيد كان لابد أن يلفت إليه أعداء الإسلام فاغتالوه لتستريح الشياطين منه ..

وما كان «حسن البنا» ولا الأقربون منه يخدمون الإسلام بالعنف أو ما يسمى الآن بالإرهاب ..

وقد قابلته يوم مقتل الخازندار - مستغربآ ما حدث - وكان القتلة من الإخوان - فأقسم بالله أن القاتل لو كان في السماء لبحث عن طريق يصعد إليه ليمنعه مما فعل !.

وقد شعرت بأن بعض الإسلاميين يفقدون وعيهم أمام بعض الأحداث، ولكن ما ذنب حسن البنا وجماعة الإخوان كلها ؟.

إن الرسالة التي حمل لواءها " حسن البنا " يجب أن تبقي، وهي رسالة يستحيل أن يكرهها مسلم مخلص لله ورسله،

ولا تزال جماعة الإخوان بعد عشرات السنين من اغتيال

" حسن البنا " أعدل الجماعات الإسلامية، ولا يزال التاريخ الإسلامي المعاصر بحاجة إليها ..

وأحسب أن الذين يهاجمونها إما أبواق لأعداء الإسلام، وإما جهلة لا يدرون شيئا، والمرحلة التي نمر بها خطيرة، وقد قررنا ألا نموت بما نحمل من رسالات الله ..

محمد الغزالي .

……………………………

هذا النص لايحمل مَدْحاً لجيل اليوم بل هو حجة عليهم ، فلا يُضيّعوا هذا الإرث العظيم ولا يخطئوا البوصلة وليعلموا أنهم يحملون رسالة واضحة تركها لهم السلف ، فليتقوا الله في أنفسهم وفي هذا الإرث الطيب الذي ورثوه .

وسوم: العدد 877