الشاعر الإنجليزي وليم شكسبير ( 1564 _ 1616 )

ولد وليم شكسبير في ستراتفورد أون فون في أبريل ، ربما في الثالث والعشرين منه ، في 1564 . وكان والده ذا مكانة ما ، وصار عضوا في مجلس تشريعي المدينة ، ومعاونا لنائب شريفها إلا أنه عانى عقب ذلك نكسات مالية . وجائز أن يكون شكسبير التحق بمدرسة النحو في ستراتفورد حيث اكتسب قدرا طيبا من معرفة اللاتينية إلا أنه لم يلتحق بجامعة أكسفورد أو كامبريدج . وثمة أساطير حول شبابه لا حقائق موثقة . وأول سجل بين أيدينا عن حياته بعد تعميده نصرانيا هو زواجه في 1582 من آن هاثاواي . وأنجب آل شكسبير الشابان ابنة في 1583 ، ثم توأما ، ولدا وبنتا ، في 1585 . وليس بين أيدينا أي معلومات عن نشاطاته في السنين السبع التالية إلا أنه كان في لندن في 1592 بصفته ممثلا ، وبصفته كاتبا مسرحيا ذائع الصيت ؛ لأن روبرت جرين يشير مستاء ممتعضا في كتابه " كنز الحكمة .. كنز الفطنة " واصفا إياه ب " غراب مغتر يتزين بريشنا " ، وإنه " إذا يزاول مهنا كثيرة يرى نفسه المسرحي الوحيد في البلاد " . وكان في ذلك الزمان فرق ممثلين  كثيرة في لندن وفي المقاطعات الأخرى . وعلاقة شكسبير بواحدة منها أو اكثر قبل 1592 موضع تخمين وشك إلا أننا نعلم من علاقته الطويلة والمثمرة بأنجح  هذه الفرق ، وهي فرقة  رجال اللورد تشامبرلين التي صارت في ما  بعد ، حين تولى جيمس الأول العرش ، فرقة رجال الملك . ولم يكتف شكسبير بالتمثيل مع هذه الفرقة ، بل صار في النهاية مساهما بارزا في أسهمها ، والمؤلف المسرحي الأساسي فيها . وضمت الفرقة أشهر ممثلي ذلك الزمان مثل رتشارد بوربيج الذي لا ريب في أنه أدى أدوار شخصية هاملت ولير وعطيل ، وضمت أيضا كمب وروبرت أرمين الذي مثل أدوار المهرجين والمحمقين في مسرحيات شكسبير . وبنت فرقة رجال تشامبرلين وشغلت في 1599 أشهر مسارح العصر الإليزابيثي ، وهو مسرج " الجلوب " . ولم يقيد شكسبير نفسه في سنيه الأولى بالمسرح وحده ، فنشر في 1593 قصيدة أسطورية جنسية هي " فينوس وأدونيس " ، وأهداها إلى إيرل ساوثهامتون . وفي السنة التالية أهدى " عملا أخطر " إلى نفس ذلك الولي النبيل ؛ هو " اغتصاب لوكريس " ، وصار في 1597 من يسار الحال حتى استطاع شراء " المكان الجديد " ، وهو بيت بهي في ستراتفورد . وبات في قدرته أن يدعو نفسه سيدا . وكان والده حاز في السنة المنسلفة سترة عسكرية . ونجد أول سجل لعمل شكسبير الفعلي في الكتابة المسرحية في كتاب " ثمن  الفطنة الزهيد " لفرانسيس ميريز المنشور في 1598 الذي قارن فيه الشعراء الإنجليز بالشعراء القدامى حيث يقول عن شكسبير : " مثلما أن بلوتس وسينيكا أحسن شاعرين في الملهاة والمأساة بين اللاتينيين ؛ شكسبير أحسن شاعر في النوعين في المسرح " ، ويمضي فيضيف مسرحيات  " رتشارد الثاني " ، " ورتشارد الثالث " ، " وهنري الخامس " ، و " الملك جون " ، و " تيتوس أندريكوس " ، و " روميو وجوليت " في باب المأساة ، و يضيف مسرحيات " سيدان من فيرونا " ، و " ملهاة الأخطاء " ، و" حلم منتصف ليلة صيف " ، و" تاجر البندقية " ، و " جهد الحب الخاسر " ، والمسرحية المجهولة ، وربما المعادة عنونتها " جهد الحب الفائز " . وفي قدرتنا أن نسمي كل المسرحيات التي يصنفها ميرز مسرحياتٍ مأساوية باستثناء " روميو وجوليت " ، ومسرحيته المبكرة جدا " تيتوس أندريكوس " ؛ مسرحيات تاريخية ، ونوعا شعبيا من المسرحيات يعتمد على كتب تاريخية مثل كتاب " تاريخ رفائيل هولنشيد " ، ويقدم مسرحيا أحداثا جرت في ظل حكم ملوك إنجليز متعددين . وقرب نهاية القرن السادس عشر كتب شكسبير ملاهيه الرومانسية العظيمة : " مثلما تحب " ، و " الليلة الثانية عشرة " ، و " ضجة لا سبب لها " ، ومسرحيته التاريخية الأخيرة في سلسلة الأمير هال " هنري الرابع "  . وكان العقد التالي هو زمن المآسي العظيمة : " هاملت " ، و " وماكبث " ، " عطيل " ، و " الملك لير" ، و " أنطونيو وكليوباترا " . وحوالى 1610 رجع شكسبير إلى ستراتفورد مع أنه واصل الكتابة بمفرده مثلما فعل في مسرحية " العاصفة " ، وبالتعاون مع غيره مثلما فعل في مسرحية " هنري الثامن " ، وتلك هي مرحلة " الرومانسيات " ، و " المآسي الهزلية التي تشمل إلى جانب " العاصفة " " سمبلين " ، و " حكاية الشتاء " . وقد صرف شكسبير حياته أساسا إلى المسرح إضافة إلى قصيدتيه المبكرتين غير المسرحيتين . ومع هذا يذكر ميرز أن شكسبير كان معروفا في 1598 " بين خاصة رفاقه بسونيتاته الشعرية الحلوة " . وقد نشرت هذه السونيتات في 1609 . والواضح أن نشرها كان دون إذنه . وخص بقصيدته الغريبة الجميلة " أبو الهول والسلحفاة " كتاب مختارات في 1601 . وتضم مسرحيات شكسبير أبدع ما كتب من الأغاني المتباينة الأصناف . هناك ال aubade  أو أغنية الصباح ، والدعوات الرعوية المرحة ، وأغاني الحب المتنوعة ، والقصيدة القصصية التي ينشدها الشعراء الجوابون ، والمرثية الحزينة . وكلها تصور جوانب متعددة في عبقرية شكسبير وموهبته في الشعر الغنائي التي لا مضارع  لها ، وسرعة بديهته في الفكاهة ، وحساسيته العجيبة لمجالي الحياة الإنجليزية وأصواتها خاصة حياة الريف . والسونيتات ( السونيتة قصيدة من أربعة عشر بيتا . المترجم ) 

هي مأثرة شكسبير الرائجة للشعب إلا أن زمنه يخالف تمام المخالفة سلسلة السونيتات التي راجت في ذلك الزمن . زمن شكسبير يقدم قصة وإن تكن غامضة التفصيلات . وهناك ارتياب في أن تكون السونيتات التي نشرت في 1069 في نظامها الصحيح الذي كتبه . وبعض موضوعات هذه السونيتات واضحة : سلسلة منها تحتفي بوسامة شاب ،وتحضه على الزواج ، وبعض السونيتات تخاطب سيدة ، وبعضها ، مثل السونيتة رقم "  144"  ، تتحدث عن مثلث حب غريب بين رجلين وامرأة . وهناك سونيتات تتحدث عن قوة الزمن المدمرة وخلود الشعر ، وسونيتات تتحدث عن شاعر منافس ، وسونيتات مناسبات تتحدث عن التبصر الخلقي مثل السونيتة رقم " 129 " ، والسونيتة رقم " 146 " . وأثارت السيرة الخلفية لبعض السونيتات كثيرا من التكهنات إلا أن النزر من هذه التكهنات مقنع ، والمهم في الواقع هو القصائد أو السونيتات ذاتها . ومع أن لغة السونيتات في الغالب مبسطة إلا أن أسلوبها المجازي خصب . فالاستفهام : " هل لي أن أقارنك بنهار صيفي ؟! " الذي قد يفضي إلى عُجب عادي مفرط بالنفس يفضي بدلا من ذلك إلى نظر عميق في الزمن ، وتبدل الحال ، والجمال .  

ولا تكف بنية السونيتة عن تعزيز قوة الاستعارات فيها ، وكل رباعية في السونيتة رقم " 73 " تنمي صورة التلبث ، وصورة الزوال والهمود لفصل من السنة ، ليوم ، لنار ، إلا أنها تحوي إقبالا على حياة ما . وقد تكون الرباعيات الثلاث متساوية ومتلاحقة في عملها للتهيئة للخاتمة في المقطع ، وربما تحوي الأبيات الثمانية الأولى بيانا ما ، وقد تتجه الأبيات الستة الأخيرة اتجاها مختلفا كليا عما سبقها من الأبيات مثلما هي الحال في السونيتة رقم " 29 " . والهدف البلاغي النهائي للسونيتات حقيق أيضا بتنبه يقظ . وبعض هذه الأهداف يستهل بذكرى مروية ، وبعضها يستهل بصيغة الطلب ، وأهداف أخرى تطلق خبرا في صورة مثل تتبعه بتفصيله . وتأتي صور السونيتات من مصادر متعددة واسعة تشمل البستنة وركوب البحر والقانون والزراعة والعمل وفن الرسم والفلك والأمور المحلية . والعواطف لا تتقيد بما كان في فكر عصر النهضة من يأس على مثال ما في عواطف الشخص المحب في شعر بترارك الروماني . إنها في السونيتات تشمل الفرح والزهو والأسى والخجل والتقزز والخوف . وواضح أن شاعر السونيتات هو كاتب  المسرحيات العظيمة . وعندما توفي شكسبير في ستراتفورد في 1616 لم تكن أي طبعة مجموعة قد نشرت من مسرحياته ، وبعضها كان نشر في طبعات منفصلة رباعية القطع دون إشرافه التحريري ، وأحيانا من مخطوطات ، وأحيانا من كتب مسرح مستعجلة ، وأحيانا من نصوص منتحلة حفظتها سجلات مختزلة يدويا من عرض مسرحي معين ، أو أعاد صياغتها ممثل أو متفرج من ذاكرته . وفي 1623 نشر اثنان من شركة شكسبير هما جون هيمنجز وهنري كوندل المجموعة الكبرى لكل المسرحيات التي ارتأيا أنها أصلية ، وتسمى الملف الأول ، وقد طبعا أحسن النصوص التي كانت لديهما وفق رؤيتهما . ويضم الملف رسالة إلى " التشكيلة الكبرى من القراء " تحثنا على قراءة شكسبير مرارا وتكرارا ،وإن لم نحبه ، يقول هيمنجز وكوندل ، فهذا برهان جلي على أننا لا نفهمه . وفي الملف الأول وثيقة تمهيدية أخرى غير الرسالة هي قصيدة لمنافس شكسبير الكبير والناقد المناكف له بن جونسون ؛ يؤكد فيها تفوق شكسبير لا على كتاب المسرح الإنجليز وحدهم ، بل على كتاب المسرح اليونان واللاتين ، واستهل قصيدته بما صار رأيا عالميا في شكسبير : 

" ألا ابتهجي بنصرك يا بريطانيا يا وطني ! 

فلديك من تفخرين به ،  

ذاك الذي تجله كل مسارح أوروبا . 

إنه لا ينتمي لعصر واحد، 

بل لكل العصور . "   

                              *** 

*أغنية من مسرحية " مثلما تحب " : في  ظل شجرة الغابة الخضراء  

من يحب أن يستلقي معي في ظل شجرة الغابة الخضراء ، 

ويرتجل أغنيته الطروب  

متناغمة مع أغنية الطائر ؟! 

إلي ! إلي ! إلي ! 

ها هنا لن يرى عدوا . 

لن يرى سوى الشتاء ، 

والجو العصوف . 

من أحب أن ينأى بنفسه عن  

متاعب الطموح ، 

وأن يحيا في ضوء الشمس  

يبحث عن قوته ، 

ويفرح بما يكسبه منه فإني أهيب به : 

إلي ! إلي ! إلي ! 

هاهنا لن يرى عدوا ، 

لن يرى سوى الشتاء ، 

والجو العصوف .  

*عن " مقتطفات نورتون المختارة من الأدب الإنجليزي " . 

وسوم: العدد 924