تغير الوقائع في سوريا

التحرير

نيويورك تايمز

24\1\2015

بالعودة إلى أكتوبر الماضي, صرح وزير الخارجية جون كيري بأنه لن يكون هناك سلام في سوريا طالما أن الرئيس بشار الأسد "لا يزال محور السلطة" هناك. ولكن حتى الآن, لا يزال المسئولون الأمريكان مصرون على أن أي حل سياسي طويل المدى في سوريا بحاجة إلى تنحي الأسد. ولكن الحقيقة المقلقة هي أن الدكتاتور الشرس لا زال متمسكا بالسلطة وأن على الولايات المتحدة وحلفاءها التعايش معه, على الأقل في الفترة الحالية.

يبدو أن السيد كيري اعترف بذلك ضمنيا عندما طالب الأسد بتغيير سياساته, ولم يكرر دعوته الدائمة له بالتنحي.

في العام الماضي, تغير الوضع في سوريا بسرعة دراماتيكية. الدولة الإسلامية (داعش), تسيطر حاليا على نصف البلاد تقريبا, في حين أن المتمردين الذين تعتمد عليهم أمريكا لهزيمة الأسد أصبحوا أكثر ضعفا في مواجهة المكاسب المتزايدة التي يحقهها النظام.

لا يبدو أن هناك فرصة لأن يتخلى الأسد عن السلطة طواعية في أي وقت قريب أو أن المتمردين من غير الدولة الإسلامية سوف يكون في وسعهم إجباره على ذلك ما لم تتدخل الولايات المتحدة مباشرة, وهو الأسلوب الذي يرفضة الرئيس أوباما تماما. التاريخ الحديث يدعونا لنكون متواضعين في توقع تغيير النظام. باستثناء تونس, فإن الدول التي أطاحت بزعمائها خلال حركة الربيع العربي عام 2011 إما أنها استبدلت الطغاة القدماء بطغاة جدد أو أنها انحدرت نحو الفوضى.      

إضافة إلى ذلك فإن الخطر الأكبر لم يعد يتمثل بالأسد ولكن بالدولة الإسلامية, خصوصا إذا استمرت في التوسع في سوريا, وجذبت المزيد من المقاتلين الأجانب إلى صفوفها واستخدمت أراضيها لشن هجمات على الغرب. تشير دراسة جديدة أجريت من قبل مؤسسة راند, التي تقوم بإجراء الدراسات لصالح الحكومة, بأن انهيار نظام الأسد, في حين أنه مستبعد الآن, إلا أنه سوف يكون "أسوأ نتيجة ممكنة" بالنسبة للمصالح الأمريكية – حيث سوف يحرم سوريا من أن تكون دولة مؤسسات وسوف يؤدي ذلك إلى خلق المزيد من الفراغ  لصالح الدولة الإسلامية والمتطرفين الآخرين المنتشرين في سوريا الذين سوف يعملون على إشاعة الفوضى. 

هذا السيناريو كان مستبعدا تماما عام 2011 عندما بدأ السوريون احتجاجاتهم السلمية ضد حكومة الأسد الاستبدادية. دعا الرئيس أوباما والزعماء الغربيون الأسد إلى التنحي وضغطوا عليه بفرض حزمة من العقوبات. رد الدكتاتور من جانبه وبدعم من روسيا وإيران,  جاء بشن الغارات الجوية وإلقاء البراميل المتفجرة, وأشعل حربا أهلية حصدت أرواح حوالي 200000 سوري وأدت إلى دمار هائل.

ومع استمرار الحال على ما هو عليه, فإن القتال في سوريا يثير تساؤلات صعبة ويضع الولايات المتحدة أمام خيارات صعبة. ولا يزال أسلوب الرئيس أوباما في التعامل مع الصراع أكثر العوامل الناقصة في حملته ضد الدولة الإسلامية. في حين أن الأمريكان والأسد يقفون أمام نفس العدو ظاهريا, إلا أن الطرفان لا يتعاونان رسميا. مع أن الطائرات الأمريكية المقاتلة تنتهك المجال الجوي السوري لقصف أهداف الدولة الإسلامية. إذا كان الخطر الرئيس هو الدولة الإسلامية والهدف هو هزيمتها, هل يمكن للغرب عند مرحلة ما أن يكون مضطرا للعمل مع الأسد؟

تقول الإدارة بأنها تدرب المتمردين السوريين لمساعدة الولايات المتحدة في حملتها الجوية ضد الدولة الإسلامية, ولكن هؤلاء المقاتلين لن يكونوا جاهزين للمشاركة في القتال حتى أشهر قليلة قادمة وهناك شكوك حقيقية حول ما إذا كانوا فعالين في القتال. معرفة مستقبل سوريا على المدى الأطول أمر أكثر تعقيدا. إذا كانت الطريقة الوحيدة لإنهاء الحرب الأهلية وتشكيل جبهة مشتركة ضد داعش هو إيجاد شكل من الاتفاق السياسي يتضمن روسيا وإيران, حلفاء الأسد الرئيسيون, وتركيا والسعودية, خصومه الأساسيون, فمال الذي على واشنطن فعله لتعزيز موقفها والتأثير على النتيجة النهائية؟

يرى المسئولون الأمريكان الآن ظهور إجماع دولي حول الحاجة إلى حل دبلوماسي طويل الأمد بين الأسد وخصومه من المجموعات المتمردة. كما أن هناك مصلحة لوقف إطلاق نار طويل الأمد بقيادة الأمم المتحدة في المجتمعات المحلية مثل حلب الأمر الذي ربما يشكل أساسا لسلام أوسع. وكما أوردت صحيفة التايم, فإن الروس يحاولون جلب الطرفين إلى حوار نهاية هذا الشهر بهدف إحداث تغيير أكثر تدرجا في سوريا.

ولكن من غير الواضح مدى واقعية هذه الأفكار, ويبدو أن لا أحد أشار إلى كيفية ربط هذه القطع المتناثرة لتكون خطة لعب متماسكة. ويتضمن ذلك الجمهوريون الذين يسيطرون على الكونغرس حاليا ويقضون وقتهم في نقد سياسة أوباما الخارجية, على الرغم من أنهم لا يقدمون أي بدائل واقعية. فكرة أن قوة من السوريين المعتدلين يمكن أن تسقط الأسد أثبتت أنها غير واقعية, حتى مع إصرار سياسيين مثل السيناتور جون ماكين على نقيض ذلك. 

يجب أن يكون للكونغرس دور في تقديم المشورة حول كيفية شن هذه الحرب الجديدة ضد الدولة الإسلامية. ولكنه يتهرب من واجبه, وبعد أشهر من العمل العسكري الأمريكي في العراق وسوريا, فقد فشل في إجازة أو حتى مناقشة الكيفية التي يجب أن تجري فيها هذه الحرب الغامضة.