في حرمة رمضان وفي جميل وعده ..

وصام رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة رمضانات، منذ أن فُرض صوم رمضان في السنة الثانية من الهجرة.

وينظر من متّعه الله وبلّغه، خلفه فيرى نفسه قد صام رمضانات كثيرة ستين أو سبعين، فيرجو الله مؤملا مشفقا، وينظر أمامه فيتساءل : هل نختم رمضان بخير ؟! وهل يكون لي بعد رمضان رمضان ؟! اللهم يا رب رمضان بارك لنا في رمضان .

وكثير ما تقعد ببعض الناس الراحلة، فمع علو الهمة، وتوفر العزيمة، واستبداد الشوق إلى عيش فرحة الصائم الأولى ساعة فطره ؛ يتلو المسكين لنفسه وعلى نفسه " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين"

كثيرة هي الأعذار التي  تبيح الفطر للصائم والصائمةً، منها أعذار موجبة، ومنها أعذار مرخصة. وسواء كان العذر هذا وذاك ، وسواء كان العذر عارضا، بحيث يكون بمكنة المعذور أن يقضي الصيام بصيام ، أو كان قد أغلقت على المعذور عبادة الصيام فلم يبق له إلا الفدية يدفعها طعام مسكين ..

فإن من حُرم من ذواق الصوم الجميل، لم يحرم ولا يحرم من بركة الفضائل والنفحات التي تحملها نسائم رمضان ..

والعذر مهما تكن مشروعيته ، ليس سببا لاستباحة رمضان ، وكسر حرمته، والمجاهرة بما يضطر إليه المعذور من أكل وشرب وقد يكون عذره سفرا قريبا ..

الحق للمعذور  بكل أصناف العذر بأن يأكل ويشرب في نهارات رمضان ، من غير مجاهرة ولا استعلان، وإنما يحفظ للشهر  المبارك الفضيل الجميل حرمته ومكانته وهيبته ..

ونشأنا في بيئة كنّا إذا ضُبطنا ونحن نأكل في أيام رمضان، ونحن أطفال صغار توجه إلينا عبارة المداعبة: مفطر ؟!! لا تأكل أمام رمضان لكي لا يقلع لك أسنانك !!

فالحفاظ على الحرمة مع الترخص الإجباري او المقدر ، هو شأن أهل رمضان من الذين يدخلون الجنة من باب " الريان "

ومن جهة أخرى فإن ما يعد به رمضان من الفضل والرحمة والمغفرة والتقوى، وفضل ليلته التي هي خير من ألف شهر لا يحرم،من كل ذلك مترخص بالأكل والشرب في نهار رمضان ..

فكل القربات المقترنة بشهر رمضان تظل مشروعة بحق من اضطر إلى رخصة فترخص. ويبقى مشروعا في حقه القيام والذكر وتلاوة القرآن والتقرب من الله بجملة القربات شأنه شأن الصائم فهو وإن أفطر بعذره ممن تشملهم فضائل رمضان ونفحات رمضان ، ما تعرض لها وحرص عليها ، بالدعاء للقريب المجيب..

جميع حصائد الألسنة من كذب وغيبة وبهتان ونميمة والسعي بالفتنة، والسخرية من الناس ؛ محرمة وهي من كبائر الفواحش في كل الأوقات ، وهي في رمضان أشد حرمة ونكارة ... ومن وجد عذرا شرعيا للإفطار في رمضان فإن عذره لا يشمل بكل تأكيد أن يمارس مثل هذه المهلكات...!! واعتد الإمام أحمد "الغيبة" من المفطرات، مستحضرا حديث المرأتين اللتين قيل لهما : قيئا فقاءتا دما عبيطا . وقال عنهما رسول الله صلى الله وسلم عليه " صامتا عما أحل الله وأفطرتا على ما حرم الله ".

رمضان مظلة لفضل الله تجمعنا ، ورمضان كله خير وبركة وعطاء ومواهب ومنّة ومن فاتته فريضة الإمساك عن الطعام والشراب فلا تفوتنّه بركات القيام والتلاوة والذكر والاستغفار والحضور مع الله..

الصائم في نهاره وليله كالمصلي القائم بين يدي الله؛  إلا أنه يدخل ويخرج ويتصرف وما أخنع العبد يكون بين يدي مولاه فيلهو عنه أو يأتي  بما يغضبه ..

وأجمل الصوم صوم القلب عن السوى ...

اللهم اقسم لنا من خير رمضان أجمل ما قسمت لعبادك المصطفَين الأخيار.

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 924