قطوف منوعة 891

أدباء الشام

من درر الشيخ الغزالى رحمه الله:

هذا الزمان كفيل بتغيير أي قلب مهما كان ثبات صاحبه.

-هاتفت صاحبا ممن كنت أغار من صلاحه وعطائه للدين، فلمست في كلامه تهاونا وفي دينه كثيرا من اللين.

- وزارني أخ حبيب يقول أدركني فقد أصبحت أجمع صلواتي بعد أن كنت لا أقصّر في نافلتي.

- ورأيت حبيبا لم أره منذ زمن. فرأيت في وجهه انطفاءة لم أعهدها من قبل. فلم يتركني في حيرتي كثيرا، فقد أذهب بهاء وجهه طول النظر في الأجساد العارية والمشاهد الفاتنة عبر مواطن الفتنة ومشاهد الضياع. 

ناهيك عن كثير من أحبتنا الذين زاد ترخُّصهم في أمر الربا والنساء والحقوق، حتى أصبح جل دعائي من فرط ما أرى: *رب سلم سلم..*

ولما رجعت إلى نفسي وجدت وراء الأمر علتين:

*أولاهما*: ترك بعضنا لنفسه حتى يلامس الأرض بلا حاجز من إيمان، ولا اتكاء على شيء يمنعه من التمرغ في وحلها..

*وثانيهما*: انشغال المصلحين عن بعضهم حتى لم تعد تهدهد قلوب بعضنا كلمات الأخوة المذكِّرة، ولا رسائلها الموقظة كما كانت في سابق عهدها.

فإذا بمصلح الأمس يتكئ اليوم على عصا ضعيفة إن احتملته يوما لن تحتمله آخر.

رحم الله السلف، كانوا يتفقدون إخوانهم.

فيسألون عن آخرتهم خوفا عليهم من ضياع الإيمان. ويسألون عن دنياهم خوفا عليهم من العوز وهم بين الأحباب والإخوان.

ورحم الله عمر، لما علم أن صاحبا له تدنى في إيمانه حتى شرب الخمر، أرسل إليه صدر سورة غافر، ولا زال يذكره بالله حتى عاد.

*اطمئنوا على بعضكم ، وتفقدوا إخوانكم*

فمن وجدتموه ما زال منهم على الجادة فثبتوه، ومن وجدتموه يوشك على السقوط فاسندوه وأعينوه حتى توقفوه،

ومن وجدتموه قد توحَّل من طين الأرض فطهروه وطيبوه.

فما آخاك أخوك لتلاطفه وتؤاكله وتمازحه عند النماء، وإنما لتؤازره في أمر دينه ودنياه عند الشدائد والأنواء.

*فتفقدوا أحبابكم، فهم والله من أجمل عطايا ربكم*. ويكفيكم ويكفيهم أن الجنة لا يطيب نعيمها إلا بهم.

************************************

درَّاجة الشيخ الطنطاوي..

يقول الأستاذ الأديب #علي_الطنطاوي رحمه الله:

ملَلتُ من انتظار السَّيارة كلَّ يومٍ لتحملَني إلى المدرسة.

فاشتريتُ درَّاجةً وتعلَّمتُ ركوبَها ، ولكنِّي لم أُتـقِـنهُ ، فكنتُ أقفُ على حجَرٍ أو كرسيٍّ فأمتَطي الدرَّاجة ، وأمشي بها مُتعثِّرًا خائفًا.

ومررتُ بشيخٍ ـ يومًا ـ وأنا راجعٌ إلى بيتي ، فدعَوتـُـهُ ليركبَ ورائي على الدرَّاجة فيستريح من انتظار السيارة ، ويُوفِّـر أُجرَتها.

فقال : لا ياعمّ.. أخاف ترميني!.

قلتُ : يا عيب الشُّوم.. أتخافُ وأنتَ ورائي ؟.

فرفضَ وتوَسَّلَ . فقلتُ : اِركَبْ ولا تخَفْ ، فركبَ مُكرَهًا.

وسِرنا والطريقُ خالٍ ، فاعترَضَنا نهرٌ صغيرٌ عليه جسرٌ خشبيٌّ فقال : أنزِلُ وأمشي .. فقلتُ : لا ، اِبـقَ راكـبًا .

و كان الجسرُ خشَبتَين طويلتين ، فلمَّا بلغتُ وسطَ الجسر اضطربَتْ يَدايَ ومِلْتُ به فسقطَ في النهرِ وسقطتُ فيه، وسقطَت الدراجة معنا !.

ولم يكن النهر عميقًا ، ولكنْ كان نجِسًا، وكان مَجراهُ طينًا.

أمَّا الدراجةُ فالتوَى عمودُها الفقري ، وأمَّا نحنُ فخرَجنا بشَرِّ حالٍ ، وترَكـتـُهُ يُلقي في سَبِّيْ ( مُنولوجًا ) طويلًا ، لو كنتُ في غير هذه الحالة لأخذتُ قلمًا وورقًا وكتبتُ الشتائمَ المُبتكَرة التي نطقَ بها.

ولا أدري من أين اقتبسها.. فهي أوسَخُ من كلِّ ما قالهُ الشُّعراء، بل أوسَخُ من النهر الذي سَقَطنا فيه !! .

ولكن الحق هو أنِّي كنتُ مُستحقًّا لها.

..........

الذكريات (319/2).

************************************

*قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى:*

*جوهر المرء في خِلال ثلاث:*

*كتمان الفقر حتى يظنَّ الناس من عفّتك أنك غنيّ*

*وكتمان الغضب حتى يظنَّ الناس أنك راضٍ*

*وكتمان الشدّة حتى يظنَّ الناس أنك متنعّم.*

(مناقب الإمام الشافعي للبيهقي: ٢/١٨٨)

************************************

سأل الطلاب شيخهم المفسر  :

مُحَمَّد الطَّاهِرُ بْنُ عَاشُور

المتوفى سنة 1393هـ رحمه الله تعالى

ما الفرق بين قوله تعالى :

( يريدون أن يطفؤوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره) التوبة

وقوله تعالى :

( يريدون ليطفؤوا نور الله بأفواههم والله متم نوره) الصف ؟

فقال رحمه الله تعالى :

الفرق بين الآيتين هو كالآتي :

أن آية التوبة في الكفار،

وآية الصف في المنافقين.

فالكفار يحاربون الإسلام صراحة (يريدون أن يطفؤوا نور الله)

(ويأبى الله إلا أن يتم نوره). .. الآية

وأما المنافقون فحربهم غير مباشرة فهم يعملون مشاريع وخطط وأساليب  (ليطفؤوا نور الله)

( والله متم نوره) .. . الآية

فلما كانت إرادة الكفار صريحة قوبلوا بإرادة صريحة (ويأبى الله)

وأما المنافقون فلما كان قصدهم بمشاريعهم وخططهم إنقاص الدين قوبلوا بنقيض قصدهم

( والله متم نوره ).

وفي هذا بشارة لأهل الإسلام بالانتصار الدائم على أعداء الدين سواء كانوا ظاهرين أو مندسين .

فأبشروا فإن دين الله متين .

وأن الحق سينصر

وإن الله سبحانه وتعالى ليملي للظالم

حتى إذا أخذه لم يفلته إن أخذه أليم شديد .....

# *لا غالب إلا الله*

************************************

من روائع ابن خلدون رائد علم الاجتماع العربي، أنه كتب في مقدمته الشهيرة في القرن الرابع عشرالميلادي :

- عنـدمــا تـكثــر الجبــايـة تشرف الدولة على النهـايــة .

- وعندما تنهار الدول يكثر المنجمون والمتسولون والمنافقون والمدّعون.. والكتبة والقوّالون.. والمغنون النشاز والشعراء النظّامون.. والمتصعلكون وضاربو المندل.. وقارعو الطبول والمتفيهقون ( أدعياء المعرفة ) .. وقارئو الكفّ والطالع والنازل.. والمتسيّسون والمدّاحون والهجّاؤون وعابرو السبيل والانتهازيون.. تتكشف الأقنعة ويختلط ما لا يختلط.. يضيع التقدير ويسوء التدبير.. وتختلط المعاني والكلام.. ويختلط الصدق بالكذب والجهاد بالقتل..

عندما تنهار الدول يسود الرعب ويلوذ الناس بالطوائف.. وتظهر العجائب وتعم الإشاعة.. ويتحول الصديق الى عدو والعدو الى صديق.. ويعلو صوت الباطل.. ويخفق صوت الحق.. وتظهر على السطح وجوه مريبة.. وتختفي وجوه مؤنسة.. وتشح الأحلام ويموت الأمل.. وتزداد غربة العاقل وتضيع ملامح الوجوه.. ويصبح الانتماء الى القبيلة أشد التصاقا.. والى الأوطان ضربا من ضروب الهذيان...)

ابن خلدون المقدمة