الديوان الإسبرطي

معمر حبار

أنهيت قراءة كتاب: "الديوان الإسبرطي" الأستاذ: عبد الوهاب عيساويAbdelouahab Aissaoui، دار ميم للنشر، الجزائر، الطبعة الأولى، السداسي الثاني، 2018، من 387 صفحة. فكانت هذه الأسطر:

أوّلا أدوات قراءة وفهم الكتاب:

كجزائري قرأت الكتاب من زاوية تعداد جرائم الاستدمار الفرنسي في الجزائر ووحشيته وسطوه على أعراض وخيرات الجزائر. من حقّ القارئ العربي والأعجمي والغربي أن يقرأ الكتاب من الزاوية التي شاء ولا أتدخل في قراءاته. لقراءة الكتاب واستيعابه لابد من قراءة: بدايات الاحتلال الفرنسي للجزائر. وشهادات الأسرى الغربيين قبل الاحتلال الفرنسي للجزائر. وشهادات الذين عايشوا الاحتلال في بداياته من طرف الفرنسيين المحتلين والغربيين والجزائريين. ومعاهدة الاستسلام. والحياة الاجتناعية والعلمية والأخلاقية. الأسواق في الجزائر. والأخلاق الحسنة والسيئة والرذيلة. وضرائب تركيا والاحتلال الفرنسي. ونظرة الجزائريين والأتراك للأمير عبد القادر. ونظرة الأتراك والاحتلال الفرنسي للجزائر والجزائريين. أسباب احتلال الجزائر. وعظمة خزينة الجزائر. وتكالب الأوروبيين على الجزائر وخيراتها. وفساد حكام الأتراك. وغيرها من الكتب التي لها علاقة بالكتاب ولا يمكن فهم الكتاب دونها وتساعد القارىء الناقد على فهم الكتاب جيّدا ومن كلّ النواحي. لفهم الكتاب فهما عميقا لابد من قراءة بدايات الاستدمار الفرنسي وأواخر الوجود العثماني في الجزائر. الجزائري والفرنسي والتركي: كلّ منهم يقرأ الكتاب من زاويته وانطلاقا من حضارته وثقافته وتاريخه ومراجعه ورموزه. وما يهمني كجزائري هي تلك الإهانة والتعذيب والنهب والاحتلال الذي تعرضت له الجزائر على يد المحتل الفرنسي. استوحى الكاتب عنوان كتابه "الديوان الإسبرطي" مما ظلّ يرددّه الفرنسي كافيار في أحاديثه بـ "إسبرطة" وهو يتحدّث عن الجزائر. وقد قال في آخر سطر من الجزء المخصّص لكافيار قوله وبالحرف الواحد في صفحة 126: "هذه المدينة التي تسمى الجزائر لم تكن إلا إسبرطة".

ثانيا شخصيات الكاتب:

اختار الكاتب 5 شخصيات تتحدّث بحرية وصدق عن أواخر الحكم العثماني وبدايات الاستدمار الفرنسي وهي: كافيار، وديبون، والسلاوي، ودوجة. كافيار: يمثّل الاستدمار الفرنسي لكن من زاوية أنّ المعني تعرّض للأسر من طرف الأتراك في وسط البحر وهو صياد يصطاد السمك لقوت يومه. وتعرّض للعبودية كما هو شأن كلّ أسير يسقط في أيدي الأتراك، وكذا الإهانة والتعذيب والركل والشتم والجوع الذي تعرّض له من طرف الأتراك. وظلّ كافيار يحمل هذه الذاكرة التي رافقته طوال سنوات. وما أن علم أنّ فرنسا المحتلة ستحتلّ الجزائر كان أوّل من شارك وبقوّة وحماس وإيمان ليحتل ويحرق الجزائر بسبب ماعاناه على أيدي الأتراك. ديبون: يمثّل إعلام الاستدمار الفرنسي الذي يبدو في ظاهره "محايد" لكنّه في حقيقة الأمر هو أداة من أدوات تثبيت الاستدمار والنهب وإطالة عمره بوسائل ناعمة رقيقة. وهو من المفروض أن يكون ناقل حرب لا طرفا فيها يفتخر باحتلال الجزائر ويرى أنّ الاحتلال إنجاز لابد أن يضاف لإنجاز الأهرامات. مايدل على حقده وبغضه على الجزائر ولو ظهر أنّه المراسل المحايد.السّلاوي: يمثّل الرجل الجزائري الحر الأصيل الذي يحارب ظلم الأتراك وظلم الاستدمار الفرنسي حين يتعلّق الأمر بإهانة الجزائريين. وكما واجه ظلم الأتراك انضم أيضا مع إخوانه الجزائريين في محاربة الاحتلال الفرنسي حين استغلوا غفوة الأتراك واحتلوا الجزائر عبر سيدي فرج. ويرى أنّ الرذيلة كانت في عهد الأتراك وبرعايتهم وهي الآن بيد المحتل الفرنسي ورعايته. وفي نفس الوقت يحارب الاحتلال الفرنسي بكل ما أوتي. وهو الذي حارب المحتل في سيدي فرج ويتمنى الالتحاق بالأمير عبد القادر لينضم لصفوفه وفعلا انضم إليه.ابن ميار: هو عثمان خوجة لاريب في ذلك من خلال التفاصيل الصغيرة المذكورة في الكتاب ودون أن يشير إليها الكاتب أنّها لعثمان خوجة. كسفره لفرنسا سنة 1833، وكونه عضو في لجنة إحصاء خزينة الجزائر وهي في الحقيقة نهب الخزينة. ودفاعه عن أملاكه وحدائقه وأمواله وبساتينه الشخصية. ويمثل حكم الأتراك والحلم التركي الذي يريد أن يعود لحكم الجزائر لكن الاستدمار الفرنسي لم يسمح له بذلك. وابن ميار مدلّل القصر والغني والثري. تظاهر أنّه يدافع عن الجزائر لكنّه في الحقيقة يدافع عن استرجاع أملاكه وقصوره وبساتينه وحقوله الخاصة. فشل في الأخير في الحصول على حماية الأتراك له ولم يستجب الاستدمار الفرنسي لمطالبه. ومن خلال ابن ميار يعرف المرء حسنات العثمانيين وسلبياتهم بكلّ صدق وأمانة باعتباره ابن القصر التركي. وكان شاهد عيان على الاحتلال الفرنسي وعلى النهب المنظم لخزينة الجزائر على يد الاستدمار.دوجة: تمثّل الرذيلة التي فرضها عليها الأتراك واستغلّت أبشع استغلال من قبل، والرذيلة التي فرضها عليها الاستدمار الفرنسي حين احتلّ الجزائر. وظلّت تعاني استغلال الماضي لجسدها من طرف الأتراك ومازالت تعاني استغلال جسدها من طرف الاستدمار الفرنسي. وتمثّل الرذيلة التي أجبرها عليها العثمانيون والاستدمار الفرنسي معا وكلّما حاولت التخلّص منها منعها العثماني من قبل والفرنسي من بعد.

ثالثا  إنصاف الكاتب لجميع الشخصيات:

منح الكاتب الحرية لكلّ شخصية في التعبير عن أحاسيسها تجاه نهايات الحكم العثماني وبدايات الاحتلال الفرنسي بحيث كلّ واحد منهم عبّر بصدق وأمانة وحرية عن مارآه وعايشه من سلبيات وإيجابيات. ولم يفضّل الكاتب شخصية على شخصية بل كان منصفا في السّماح لكلّ واحدة منها  بالتحدّث وبحرية  وبالمقارنة.أبدع الكاتب وبسلاسة نادرة ملفتة للنظر وهو ينتقل بصدق وأمانة بين أواخر الوجود التركي وأوائل الاحتلال الفرنسي عبر الشخصيات التي اختارها لتتحدّث عن تلك الحقب الزمنية التاريخية.الشخصيات التي ذكرها الكاتب وتحدّثت عن جرائم الاستدمار الفرنسي بالجزائر حقيقية كالمجرم الجلاد السفاح الجنرال كلوزيل وجنرالات آخرين وابن ميار وكافيار وديبون وغيرهم .اختار الكاتب لكتابه الشخصيات التّالية: شخصية تدافع عن الوجود العثماني بقوّة وتذكر وتعدّد خصال العثمانيين. وشخصية جزائرية تعيش على الفطرة وتحارب الظلم من أيّ كان سواء في العهد العثماني أو العهد الاستدماري الحالي. شخصية امرأة جزائرية تعيش على هامش الحياة حيث فرض عليها الطريق الخاطئ من قبل وحاليا وتحاول جاهدة أن تتوب إلى الله، ولم يتركها العثمانيون ولا الاستدمار الفرنسي الحالي لتتوب وتعود للطريق المستقيم. وشخصية تبغض الجزائريين وتسعى لإذلالهم واحتقارهم واحتلالهم ونهب خيراتهم.ترك الكاتب شخصياته التي اختارها بعناية فائقة في التحدّث بلسانها عمّا رأت وشاهدت وقارنت وفرحت وتألّمت وحزنت وتمنت وحاربت وسعت. ولم يفرض الكاتب شخصية واحدة لتتحدّث بما شاءت ومن زاوية واحدة بل فتح المجال والحرية لكلّ الشخصيات ودون استثناء. وكلّ شخصية تحدّثت عن ماضيها وحاضرها بصدق وأمانة وقارنت بما عايشت سابقا وتعيشه حاليا.تحدّثت كلّ شخصية عن مرحلة بعينها على مدار 5 فصول. وفي كلّ فصل يمنح الكاتب الشخصيات التي اختارها لتتحدّث باسمها وباسم المرحلة ومن زاويتها حتّى لايملّ القارئ وإن كان هناك بعض التكرار.الكاتب لايقف أبدا مع الاحتلال الفرنسي للجزائر بل يحاربه. والكاتب ليس ضدّ العثمانيين بل يترك من يدافع عنهم وبقوّة وصراحة وحرية ودون قيد. وفي المقابل يترك شخصياته تقارن بين أواخر العهد العثماني وبدايات الاحتلال الفرنسي للجزائر وبأمانة وصدق ودون تجني ولا تزوير ولا كذب.تحدّث الكاتب عن شخصية ابن ميار بشكل كبير. وهي شخصية تحدّثت وبإسهاب وتفصيل عن فضائل الوجود العثماني بالجزائر. وكيف كانوا يحمون المساجد والزوايا والأوقاف في داخل الجزائر وخارجها واحترامهم لقبور الجزائريين والمساجد العمرة وقراءة القرآن الكريم وصحيح البخاري وسيدي خليل ورسالة القيرواني. وراح يحنّ لعودة الحكم العثماني لما فيه من خصال حميدة. والحرية التي عرفها اليهود أثناء الوجود العثماني والمكانة التي كانوا يتمتّعون بها ويقاسمون الجزائريين الخبز والملح والسلم والأمن لكنهم خانوا العهد في اليوم الأوّل من الاستدمار الفرنسي للجزائر. و الأسواق التي كانت تعجّ بالعمال والحرفيين في كلّ صنعة والأمن والسلم داخل الأسواق دون اعتداءات. وظلّ ابن ميار يتحدّث بحزن عن زوال فضائل الحكم العثماني ويتمنى عودته. مايعني أنّ الكاتب كان صادقا في ترك شخصيته تتحدّث عن فضائل الوجود العثماني بالجزائر وتمني عودته في أسرع وقت.اختار الكاتب أن يتحدّث عن الاستدمار سنة 1833. والسؤال الذي طرحه القارئ الناقد: لماذا بالضبط هذه السنة تحديدا دون غيرها من السنوات؟ والإجابة أنّ سنة 1833 هي التي غادر فيها ابن ميار أي عثمان خوجة الجزائر بعدما ظلّ يقدّم عرائضه للحاكم الفرنسي المحتل يومها لاسترجاع أملاكه الخاصة دون جدوى فقرّر أن يحملها معه لفرنسا ويطبعها على شكل كتاب وهو "المرآة". إذن يمثّل ابن ميار وهو في الحقيقة عثمان خوجة آخر الشهود على مرحلة خروج العثمانيين وزوال حكمهم من الجزائر وبدايات الاحتلال الفرنسي للجزائر. فاختار لها الكاتب سنة 1833 كنهاية للوجود العثماني وبداية الاستدمار الفرنسي الفعلي.

رابعا دفاعا عن الأمير:

يقول ابن ميار سنة1833 وهو يمثّل العثمانيين: لم أؤمن بالأمير يوما (يقصد الأمير عبد القادر)، وما اعتقدت فيه الإمارة، كيف يفهم هؤلاء البدو تقاليدها". أقول: هذه صورة صادقة عن رؤية الأتراك للأمير عبد القادر رحمة الله عليه ورؤيتهم للجزائريين بأنهم بدو لايصلحون للحكم والإمارة. وابن ميار وهو في الحقيقة عثمان خوجة يعبّر عن هذه الرؤية قولا في كتابه "المرآة" وفعلا.يقول ابن ميار مستهزء بالجزائريين والأمير عبد القادر: "أيمكن أن تجتمع حفنة من النّاس ويعلنوا رجلا من بينهم أميرا". أقول: علماء وفقهاء منطقة الغرب الجزائري ثمّ الجزائر هم الذين أعلنوا الأمير عبد القادر رحمة الله عليهم أميرا على الجزائر. وهذه الصورة وهي صادقة تدل بوضوح لكره وبغض الأتراك للأمير عبد القادر لأنّهم يرون فيه منافسا لسلطانهم ولأنّه يملك من الصفات العظيمة والأخلاق الجليلة مالا يحلمون به.يقول ابن ميار: "كان الأولى بالجزائريين نصرة والي وهران عوض أن ينصّبوا الأمير عبد القادر". أقول: في الحقيقة والي وهران التركي سلّم وهران للمحتل الفرنسي قبل أن تطأ أقدامه الجزائر بل طلب منهم أن يسرعوا لاحتلال وهران. وهم الذين لم يحلموا باحتلالها بهذه السهولة والسرعة الفائقة.ابن ميار وهو مدلّل القصر معارض للأمير الجديد أي للأمير عبد القادر. أقول: هذه صورة حقيقية صادقة لأنّ العثمانيين لم يعجبهم التفاف الجزائريين حول الأمير عبد القادر رحمة الله عليه وكانوا يرون في ذلك تهديدا لزعامتهم ومكانتهم. ولم يعجبهم أنّ فرنسا أبرمت معه المعاهدات ويرون أنّهم أحقّ بإبرام المعاهدات منه. وابن ميار أي عثمان خوجة وهو الغني الثري المدلّل للقصر العثماني يعبّر عن رؤية العثمانيين للأمير عبد القادر رحمة الله عليه الرّافضة لوجوده وحكمه ومعاهداته وحبّ الجزائريين له. وقد صدق الكاتب في هذه النقطة. وفعلا، ابن ميار أي عثمان خوجة كان يرفض الثوار الجزائريين الذين واجهوا الاحتلال الفرنسي ويحتقرهم ويستصغرهم لأنّه يرى في ذلك تهديدا لمصالحه الشخصية التي كانت يسعى لاسترجاعها مع الفرنسيين بالعرائض وبالتملّق للمحتل الفرنسي ودون محاربته.

خامسا : مواضيع الكتاب:

يتحدّث الكاتب عن الاستدمار الفرنسي للجزائر وبالضبط سنة 1833 أي عامين بعد مغادرته للجزائر المحتلة و3 سنوات من الاحتلال الفرنسي للجزائر، وعن أواخر الحكم العثماني بالجزائر.الكتاب عبارة عن تقديم صورة صادقة عن بشاعة الاستدمار الفرنسي وجور أواخر الحكم العثماني في الجزائر وبأسلوب الكاتب الذي انفرد به. أي يتحدّث عن بدايات الاستدمار الفرنسي وأواخر الحكم العثماني بالجزائر عبر شخصيات مختلفة متضاربة.واضح جدّا أنّ الكاتب قرأ جملة من الكتب حول آواخر الحكم  العثماني في الجزائر ولحظة احتلال الجزائر من طرف المستدمر الفرنسي و3 سنوات بعد الاستدمار الفرنسي. واستطاع ببراعة أن يجمع ماقرأ في كتاب وبأسلوب أدبي يحبّب الجزائر للأنفس ويدعو للدفاع عنها والوقوف إلى جانبها.قرأت الكتاب جيّدا واسترجعت ماقرأته سابقا  بأقلام عثمانية وفرنسية وغربية وجزائرية فوجدت الكاتب صادقا وأمينا ومخلصا في وصف أواخر الحكم العثماني في الجزائر من عدّة زوايا لكنّها صادمة عنيفة لمن ألف النظرة الأحادية ويقرأ لجهة واحدة ويسمع مايريد سماعه. ووجدته صادقا وأمينا ومخلصا في وصف بدايات جرائم الاحتلال الفرنسي. وأشهد لم يكذب ولم يخن ولم يزوّر.قرأت الكتاب قراءة نقدية وأنا أستحضر مجموعة من الكتب التي تتعلّق بموضوع الكتاب، ووصلت إلى هذه الخلاصة: الكاتب كان صادقا في كلّ حرف وكلّ سطر وصفحة وفي كلّ صفحات الكتاب.الكاتب وحسب ماقرأت وقارنت: لم يكذب ولم يزوّر ولم يتّهم ولم يشوّه طيلة الكتاب وفيما قرأنا لحدّ الآن.لو أعلم أنّ الكاتب كذب وزّر واتّهم ظلما وشّوه حقائق وأخفى حقائق عمدا لانتقدته بقسوة وشدّة ورددت عليه غير آسف ولا نادم.قرأت عن بدايات الاستدمار الفرنسي من طرف فرنسيين وعثمانيين وغربيين وجزائريين عاشوا تلك الفترة وأقول الآن أنّ الكاتب كان صادقا وأمينا ومخلصا في وصف بشاعة وجرائم الاستدمار الفرنسي ووجدت تطابقا في وصفه للاستدمار الفرنسي وما قرأناه ووقفنا عليه.كلّ التحية والتقدير والاحترام للأستاذ Abdelouahab Aissaoui على الإنجاز الذي قام به. راجين تصحيح بعض ماورد في الكتاب ممّا يسيء للكتاب. ومتمنين له كلّ التوفيق والسّداد والرقي في الأعمال القادمة.لم أجد لحدّ الآن معلومة خاطئة عن بدايات الاستدمار الفرنسي للجزائر فيما قرأنا ووقفنا عليه. ولو عثرنا على ذلك لأشرنا إليه وطلبنا تصحيحه.أبدع الكاتب في رسم حقيقة الأطماع الفرنسية المحتلة تجاه الجزائر.عرض الكاتب حسنات وفضائل الدولة العثمانية ودافع عنها بقوّة على لسان ابن ميار باعتباره مدلّل القصر العثماني. وعرض مساوىء وتجاوزات أواخر الحكم العثماني وفي نفس الوقت عرض جرائم الاستدمار الفرنسي. وأشهد أنّه لم يكن مناصرا للاستدمار الفرنسي ولم يسىء للوجود العثماني بالجزائر. وكان صادقا أمينا في وصف تجاوزات العثمانيين في حقّ الجزائر والجزائريين وفي وصف جرائم الاستدمار الفرنسي في حقّ الجزائر والجزائريين.

سادسا أسلوب الكاتب والكتاب:

لغة الأستاذ كانت قوية أي ليست رقيقة ولا طرية والسبب يعود للطابع التاريخي الذي ميّز كتابه ووصفه لوحشية الاستدمار الفرنسي. ومثل هذا الموضوع يتطلب أسلوبا قويا كما جاء في الكتاب.استطاع الكاتب أن يبرز وحشية الاستدمار الفرنسي عبر شخصيات متعدّدة متضاربة مختلفة  لكنّها تتّفق حول وصف وحشية الاستدمار الفرنسي وبشاعته واحتقارهم للجزائريين.تميّز الكاتب في كونه لم يضع شخصية لكل فصل بل وضع الخمس شخصيات تتحدّث وعبر كلّ الفصول الخمسة وعبر كل المراحل التاريخية التي ذكرها من أواخر الحكم العثماني إلى لحظة احتلال الجزائر وثلاث سنوات بعد الاحتلال أي سنة 1833. وقد أبدع في هذها الأسلوب حين تظلّ الشخصيات ترافق القارئ عبر كافة الفصول والمراحل الزمنية التاريخية.

سابعا وصايا معمر:

أنصح بتحويل الكتاب إلى فيلم أو مسلسل أو مسرحية باعتباره يتحدّث عن حقبة تاريخية من الجزائر. والكتاب سهل بسيط يمكن تحويله إلى تحفة فنية بسهولة ويسر. طبعا، مع مراعاة مايناسب عادات وتقاليد المجتمع الجزائري وحذف الحالات غير الأخلاقية التي تعمّد الكاتب إقحامها وتكرارها.أوصي بترجمة الكتاب إلى اللّغات العالمية لأنّ الكتاب يتحدّث عن حقبة من التاريخ الجزائري تهم الجزائر وماضي الجزائر. وكم أتمنى أثناء الترجمة أن تحذف بعض اللّقطات غير الأخلاقية التي تعمّد الكاتب إدراجها وتكرارها دون داع لذلك.أوصي بقراءة الكتاب من زاوية جزائري عاش الاستدمار طيلة 132 سنة وعانى الذل والهوان والاستعباد والاحتقار والنهب والسطو.

ثامنا جرائم الاستدمار الفرنسي:

يقول كافيار: "عد يا ديبون، إفريقيا ليست أوروبا، حين تتجاوز البحر كلّ شيء مباح، لاشيء هنا لله، وكلّ شيء لقيصر". أقول: فرنسا المحتلة تتصرف مع أبنائها في فرنسا على أنّها الدولة المتحضرة وباسم الإنسانية. وفي الجزائر المحتلة تتعامل مع الجزائريين على أنّهم وحوش لايستحقون الدواء ويدفعون ضريبة الهواء ومكانتهم مع الأموات لا الأحياء فوجب في حقّهم النهب والسطو والتعذيب والإهانة والاغتصاب والسياط لأنّهم ليسوا بشر ولا يحقّ أن يعاملوا مثلنا كالبشر !تمثّلت جرائم الاستدمار الفرنسي بالجزائر في: نقل صناديق مملوءة من عظام أطفال وشيوخ الجزائريين لفرنسا. ووصف الجزائريين بـ "البرابرة". وبعدم التراجع عن احتلال الجزائر ويحثّ على احتلالها ونهبها وكسر عظامها. ولا تلتفت فرنسا للجنوب (يقصد الجزائر) إلاّ بما تحمله السفن من ذهب أمس وقمح اليوم. وندمهم لأنّهم لم يبيدوا الجزائريين رغم أنّهم قتلوا منهم الكثير كما ذكر ذلك المجرم السّفاح الجلاد الجنرال كلوزيل. وحثّ النّاس على احتلال الجزائر.الكل يريد المشاركة في احتلال الجزائر من طرف فرنسا بما فيهم القسّ الذي يزاحم الفرنسيين ويتشبّث بالقائد العام ليأذن له بالذهاب معه ويكون رفيقا لهؤلاء الجنود المحتلين للجزائر باعتباره كانت من أحلامه أن ينضم "لهؤلاء المباركين الذين يعلون من شأن المسيح".كان نابليون يحلم باحتلال الجزائر. وكان يتوق لمعرفة كلّ شيء عن الجزائر. وأرسل أفضل جنوده للتجسس على الجزائر. وحين أعدّ التقارير وتهيأ لاحتلالها أسره الانجليز لأنهم يحبون أن يستولوا على مجهودات غيرهم. أقول: حلم احتلال الجزائر كان من قبل فرنسا والانجليز وكانا يتنافسان حول نهبها واستدمارها.يتحدّث ابن ميار عن النهب والسطو الذي طال المساجد والمنابر والمكتبات إثر الاحتلال الفرنسي للجزائر. وتحطيم مئذنة جامع السيدة الذي بني قبل الأتراك وتحويل جامع كتشاوة إلى كنيسة. أقول: قتل الاستدمار الفرنسي يومها 4000 جزائري وهم يدافعون عن مسجد كتشاوة كما حدّثني بذلك فقيه عالم جزائري سنة 2010 في تعقيبه على معلومة نقلتها.يرسم ابن ميار ببراعة استهتار حكام العثمانيين بالسفن الفرنسية الكثيرة التي جاءت لتحتل الجزائر ولم يفعلوا شيئا تجاهها بل استمروا في شرب غليونهم معتقدين أن فرنسا لن تقدم على احتلال الجزائر وسنقضي عليها في يوم أو يومين. أقول: شهادة ابن ميار في غاية الأهمية لأنّه مدلّل العثمانيين ومن أقرب النّاس للقصر وأصحاب النفوذ وقد كان له نفوذ بما يملك من مال وقصور ومزارع وحقول.

تاسعا مكر وخبث اليهود:

ميمون: يمثّل مكر وخبث اليهود. يأخذ الأموال من الجزائريين ليعيد لهم بيوتهم التي استولى عليها المستدمر الفرنسي ولا يعيدها بل يطلب المزيد ليمنيهم باسترجاعها ولا يفعل. أقول: قرأت في كتاب لايحضرني الآن اسمه أنّ اليهود كانوا يتّصلون بالجزائريين ويخبرونهم أنّ الاستدمار الفرنسي سيستولي على مساكنهم ويحثّهم على بيع بيوتهم بأبخس الأثمان فيشتروها بثمن بخس دراهم معدودات ثمّ يهرولون ليبيعوها للفرنسيين بأثمان باهظة.سيطرة اليهودي ميمون على اللّجنة المكلّفة بإحصاء ونهب خزينة الدولة.استنكر ابن ميار على الداي استعانته باليهودي في التوقيع على شروط الاستسلام وهم الذين تحالفوا مع الفرنسيين لاحتلال الجزائر. ويرى أنّه أخطأ ، وهو ابن القصر والمقرّب لحكام تركيا.يرى كافيار أن ميولات اليهود تجاه المال تجعلهم يخدموننا في احتلال الجزائر. أقول: وهو ماوقع فعلا فكان اليهود أوّل من تعاون مع المحتل الفرنسي في السطو على المال وإعادة بيع سكنات الجزائريين لقادة فرنسا المحتلة وعملهم كمترجمين وخونة يدلون المحتل على اسم ودار الجزائري الثائر ضد الاحتلال.

أواخر الحكم التركي الأتراك بالجزائر:

مازال كافيار يتذكّر بمرارة وهو جاثي على ركبتيه بعدما ضرب التركي وأسقطه أرضا ليترجاهم يعفون عنه وهم يقهقهون. وندم أشدّ الندم عن تلك الحالة التي دفعته ليترجى جلاديه الأتراك. أقول: هذه الحالة هي التي جعلته يتشبث ويشارك في غزو الجزائر ونهبها وإذلالها.هؤلاء الأتراك كانوا يسعبدوننا إن لم يقتلوننا ثمّ يقولون لنا: إنّ الله أمرنا بذلك. وأصغر جندي تركي يركلك برجليه حتى تسقط أرضا.يتحدّث عن تفجير الأتراك للحصن حتّى لايستولي عليه العدو ويستفيد من ميزاته وخيراته. أقول: قرأت في كتب لايحضرني الآن اسمها أنّ الأتراك فعلا قاموا بتفجير الحصن لكن الشظايا والحجارة سقطت على رؤوسهم فأوقعت وبأيديهم قتلى وجرحى ساهمت بشكل كبير في بثّ الهزيمة والحطّ من المعنويات وكانت تلك من الأخطاء المضحكة المحبطة للعزائم التي ارتكبها الأتراك واستغلّها المستدمر الفرنسي لصالحه.كان طعام جنود العثمانيين سيّئا والبنادق قديمة. وقال الأتراك حينها: نستدرج المحتل ليدخل اليابسة ثمّ نقفز عليه. فكانت بحق الحماقة والجريمة التي قسمت ظهر الجزائر ومكّنت للمحتل الفرنسي أن يحتل الجزائر بسهولة لم يكن يحلم بها حتّى أنّ رواتب الجند تمّ تأجيلها بعد المعركة. وهل تؤجّل رواتب الجند وقت الحرب أم تعجّل قبل أوانها؟يشهد ابن ميار أنّه رأى الجزائري الحر الأصيل في وسط المعركة يحارب المحتل الفرنسي رفقة زملائه الجزائريين. وهو الذي يكرهه لأنّه ينتقد الأتراك وسلوكاتهم كفرض الضرائب المجحفة والثقيلة ضدّ الجزائريين. مايدل أنّ الجزائري يدافع عن أرضه وعرضه ضدّ المحتل ولا يهمه إن تخلى عنها الأتراك.السلاوي الجزائري يسأل ابن ميار وهو الغني الثري المقرّب للسلطان:  ماذا فعلتم للجزائر غير قهر التجار الجزائريين بالضرائب. ولا نعيش إلاّ من الأوقاف. والمستشفى الوحيد هو من بقايا الإسبان. والأندلس لم تعد منذ وعدتمونا بذلك منذ 3 قرون. ولهذه الأسباب يكره ابن ميار بشدّة الجزائريين لأنّهم ينتقدون الوضع لكنّهم هم الأوّل الذين حاربوا الاحتلال الفرنسي بصدور عارية وبطون جائعة وأرجل حافية.يقول حمة السلاوي: كنا أكثر عددا من الجيش الانكشاري. والأتراك لم يقاوموا الاحتلال وظلّوا يشربون التبغ ولم يهتموا بمواجهة الاحتلال.يصف جنود الأتراك أثناء الاحتلال فيقول: في الوقت الذي نزل جنود الاحتلال اليابسة وشرعوا ليلا في حفر الخنادق كان جنود الأتراك يغطون في نوم عميق.تحدّث عن مواجهة النساء والفقراء الجزائريين للاحتلال وفرار الأغنياء الأتراك بمجرد ماسمعوا أوّل طلقة للرصاص. وعوض أن يحارب الأتراك الاحتلال الفرنسي راحوا يتوعدون الجزائريين بعد الانتهاء من القضاء على الفرنسيين.يروي حمة السلاوي: وهو الذي يمثّل الجزائري المقدام والمحارب للاحتلال الفرنسي أنّ الباشا منع عنهم الطعام والذخيرة وهم يواجهون احتلال فرنسا للجزائر.يتحدث عن ظاهرة الاغتيالات السياسية التي كانت سائدة بين حكام تركيا في الجزائر. ويكفي أنّه في 10 سنوات الأخيرة قتل 6 حكام.

عاشرا أخطاء الكاتب:

أقول: للأمانة، قرأت كتب الفرنسيين والغربيين التي تتحدّث عن احتلال فرنسا للجزائر ولم أجدهم يتحدّثون عن نابليون بهذا الكم والإعجاب والعودة لأيامه كما يفعل صاحب الكتاب. ويبدو لي أنّ الكاتب بالغ وبشكل كبير وغير مبرّر وهو يتحدّث عن نابليون بإعجاب وافتخار وتخصيص كميات كبيرة من صفحات الكتاب لنابليون ودون داع لذلك. وأعتبر هذه النقطة من السلبيات التي وقع فيها الكاتب.أتّفق مع الكاتب في التحدّث عن مظاهر سوء الأخلاق لدى الأتراك بالجزائر وإقبال الأتراك والجزائريين عليها. وللأمانة، هي ظاهرة دولية عابرة للقارات تعرفها كلّ المجتمعات ودون استثناء وليست ظاهرة خاصة بمجتمع بعينه. لكن أن يغوص الكاتب في تفاصيل الأجساد العارية ووصف دقائق حركاتها فهذا ممّا أراه انحلالا خلقيا من طرف الكاتب ودعوة لبسط الرذيلة وجعلها متاحة للجميع. وهذه النقطة تعتبر من أسوء النقاط التي ظلّ يردّها الكاتب عيساوي عبد الوهاب في كلّ فصل بل يتعمّد الوقوف عليها مطوّلا وكان باستطاعته أن يتجاوزها ويكفيه أن يشير إلى الأمراض الأخلاقية لدى الأتراك والجزائريين ويستوعبها القارئ جيّدا دون التفاصيل الدقيقة التي تعتبر بحدّ ذاتها من الأمراض الأخلاقية.

أخطاء وقع فيها بعض القراء:

من الأخطاء الشنيعة المنكرة أن يأتي قارئ ويقتطع مقطعا بعينه ويقول: انظروا كيف يهاجم الكاتب الوجود العثماني بالجزائر ! ويتعمّد في نفس الوقت إخفاء مقطع يثني على الوجود العثماني بالجزائر ويتحدّث عن خصاله. وهذا ممّا لايليق بالقارئ الذي من المفروض أن يتّصف بالصدق والأمانة في النقل والعرض والمقارنة.حين يقرأ القارئ الناقد شخصية من الشخصيات التي اختارها الكاتب عيساوي وينقل عنها  قولها في: العثمانيين أو الفرنسيين أو الجزائريين؟ عليه أن يعرف أوّلا: من هذه الشخصية؟ هل هي من المساندين للاستدمار الفرنسي؟ أم مساندة للوجود التركي؟ أم تحارب الاستدمار الفرنسي؟ حينها لايتفاجىء ممّا جاء على لسان الشخصية لأنّ الكاتب كان صادقا في النقل وفي حديث كلّ شخصية عن حقيقتها وطبيعتها دون كذب ولا تزوير تجاه الوجود العثماني أو الاستدمار الفرنسي أو مقاومة الاستدمار الفرنسي.

خلاصة: لقاء مع الكاتب عيساوي عبد الوهاب عبر الخاص

راسلني الأستاذ عيساوي عبد الوهاب Abdelouahab Aissaoui عبر الخاص بعدما تابع ماكتبته عن كتابه "الديوان الإسبرطي" عبر صفحتي. فقال: مساء الخير أستاذ معمر، ورمضانك مبارك، تصومه في العافية إن شاء الله. قد اطلعت على السلسلة التي كتبتها،  وشاكر لك، قد نتفق وقد نختلف، وهذه سنة الكتابة والحياة. ولكنني صدقا أحترمتك.أجبت: السّلام عليكم. أوّلا: سأجمع ماكتبته في سلسلتي عبر مقال وأختار مايناسبه. ثانيا: لك منّي بالغ التحية والتقدير والاحترام على ماقمت به. وتستحق كلّ الثناء والشكر على ما أنجزت. ثالثا: أسأل الله لك التوفيق والسّداد. رابعا: لن أبوح بسرّ إذا قلت لك أنّ الفترة التي اخترتها والشخصيات التي تحدّثت عنها -على العموم- أعرفها جيّدا وقرأت عنها بشكل كبير وكتبت عنها ولذلك انفعلت وتجاوبت مع الكتاب. خامسا: نقدي للكتاب نابع من قراءاتي حول الفترة والشخصيات. سادسا: لم أندم على ثناء قدّمته لك وللكتاب. وإنّي على استعداد لأقوم بما يجب تصحيحه إذا قدّمت سوء ماعرضناه من نقد ونزعم أنّه الصواب. سابعا: واصل ولا تتراجع. ثامنا: لاتلتفت لمن يشتم ويسبّ عن غير علم ولا قراءة ولا دراية. والتفت لمن يقرأ ويقارن وينتقد ولو أزعجك انتقاده. صح صيامك.ختم اللّقاء بقوله: رائع، الملم بالتاريخ يستوعب تفاصيل كثيرة ليست متاحة للآخرين. نعم، سأحاول هذا، والله الموفق. صح صيامك أستاذي وشكرا لك مرة أخرى.