مجدداً.. اللعبة العظمى في الشام

أحمد موفق زيدان

احتدمت اللعبة العظمى في سوريا أخيراً بين قوى إقليمية ودولية، وغدا المربع الشامي -الذي لا تتجاوز مساحته 185 ألف كيلو متر مربع- يستقطب صراعات دولية وإقليمية خطيرة، وبعد أن كان وقود الصراع السوريين أنفسهم، تحول اليوم إلى صراع بين هذه القوى التي بدأت تساوم بعضها بعضاً على حساب السوريين ودمائهم وأشلائهم، فبعد رحيل مليون شهيد سوري، وأكثر من 12 مليون مشرد صحى الضمير الأميركي عارضاً المنطقة الآمنة بعمق 30 كم في الشمال السوري، مقابل وقف تركيا لعملياتها العسكرية ضد عفرين ولاحقاً ضد منبج، لكن الرد التركي حتى الآن هو الرفض وعدم نقاش هذا الأمر، مطالبة الأميركيين بوقف تسليح الإرهابيين الكرد -حسب وصفهم- بل وسحب الأسلحة التي قدمت لهم، وإرغامهم على الانسحاب إلى شرقي الفرات.

باتت واشنطن تدرك حجم الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبته يوم تخلت عن الشام لصالح روسيا، ولذا فهي تسعى إلى تفشيل سوتشي، وتسعى مع ذلك إلى طرح الجريمة الكيماوية الأسدية، بحيث تتم محاسبة الأسد ومن خلفه روسيا، ولعل اجتماع باريس الأخير كان مؤشراً على إعادة ترتيب الدول الغربية لأولوياتها في سوريا، والمعتمدة على ما يبدو حتى الآن على إزاحة الأسد، وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية السورية، وهو الأمر الذي ينسف الاحتلال الروسي وكل خسائره، ويبدو معه كمن تاجر بتجارة الفحم، فلن يناله في النهاية سوى سواد الوجه واليدين.

واشنطن تدرك أن التحرك التركي الأخير إنما يتحرك في فضاء حجزته واشنطن لنفسها، فليس لديها لاعب داخلي في المنطقة الآن، إلا عصابات كردية باعت نفسها للآخر، وبالتالي فالتحرك التركي في عفرين يعني مهاجمة حلفائها، وإن كانت عفرين حتى وقت قريب من الحرملك الروسي، ولكن بالمحصلة، فإن العصابات الكردية تتمتع بالحماية الأميركية ومتحالفة معها تحت لافتة محاربة تنظيم الدولة، وهي التي تعتبر القوات البرية لها في المنطقة السورية المفيدة بالجزيرة، نظراً لاختزانها ثروات الشام من نفط وغاز، وسلة خبز الشام من الحبوب، ومصدر حياة الشام كذلك من مياه وكهرباء وسدود، وبالتالي فإن الطُعم الذي ابتلعه الروس وحلفاؤها، من أن سوريا المفيدة -بحسب التعبير الفرنسي القديم- هي الساحل ودمشق، والذي كان قبل اكتشاف النفط والغاز والسدود فيها، كان في الحقيقة طعماً أميركياً، أسكرهم عما يجري في الجزيرة السورية، وأهميتها الاستراتيجية الحقيقية.

الآن اللعبة كبيرة واللاعبون كثر، فالروس ينسقون مع الأميركيين، ولا أحد يدري كيف ستكون عملية عفرين التركية، فهل سيواصل الأتراك مع الجيش الحر تقدمهم باتجاه منبج، إذ حينها سيصطدمون مع الأميركيين نظراً لوجودهم فيها، واستمرار العمليات العسكرية بين العصابات الكردية والجيشين التركي والسوري الحر يعني استنزاف العصابات الكردية، الأمر الذي سيضطرها إلى سحب قواتها من الجزيرة السورية باتجاه عفرين ومنبج لتعويض قواتها فيهما، وهو الأمر الذي سيهدد كل مكتسبات الأميركيين هناك، ويعرضها لخطر عودة تنظيم الدولة أو ثوار العشائر من أبناء المنطقة، وربما لقوات الحشد الشيعي العراقي القادم من وراء الحدود.

اللعبة معقدة، ولكن الشاميين عليهم أن يراقبوا هذا الصراع الدولي والمنطقوي بحذر وبذكاء، والتركيز معه على عودة الجيش الحر إلى الجزيرة السورية، فهي المنطقة المفيدة للثورة، وهي القادرة على تمويلها، وقادرة أيضاً على خنق العصابات الطائفية في القرداحة، من حيث منع الكهرباء والوقود عنها.