لماذا سمحت إسرائيل لإيران بدخول سوريا وتريد الآن طردها؟

د. فيصل القاسم

ليس سراً أبداً أن أمن إسرائيل من أهم مقدسات أمريكا وأوروبا وحتى روسيا وكل الأنظمة العربية عموماً. لقد أقسم الجميع منذ عقود وعقود على حماية أمن إسرائيل بكل السبل والوسائل، حتى لو تطلب ذلك التضحية بالمصالح الخاصة لتلك الأطراف. أمن إسرائيل لا يعلو عليه أمن في العالم، وبالتالي لا يمكن أن يسمح الغرب وعلى رأسه أمريكا للطير الطائر أن يخترق أو حتى يقترب من حدود إسرائيل المقدسة. ولا ننسى أن أهم أوراق اعتماد الطواغيت والجنرالات العرب الحاكمين في دول الطوق هي حماية أمن إسرائيل أولاً وأخيراً. ولا ننسى ما قاله ابن خال بشار الأسد رامي مخلوف في بداية الثورة حيث كشف لأول مرة دون مواربة أن أمن إسرائيل من أمن النظام، أي أن أمن إسرائيل سيتضرر كثيراً فيما لو سقط النظام لأن مهمته الأولى الحفاظ على أمن الدولة العبرية.

وغالباً ما تعمل إسرائيل بعقلية الملك حيرود عندما يتعلق الأمر بحماية أمنها، فليس هناك مجال للمجازفة مطلقاً ولو كانت نسبة الخطورة واحداً بالمليون. ومعروف أن الملك حيرود قد قام ذات يوم بقتل كل المواليد الجدد عندما قالوا له إن أحد المواليد سيصبح ملكاً وسيهدد عرشك، فاغتال كل الرضع خشية أن يصبح أحدهم فعلاً ملكاً ذات يوم يهدد ملكه. ولا ننسى كيف قامت الدولة العبرية بتدمير المفاعل النووي العراقي وهو على الهيكل خشية أن يصبح العراق صاحب قوة نووية تهدد إسرائيل. ليس مسموحاً بأي سلاح في المنطقة يمكن أن يهدد إسرائيل ولو واحداً بالمائة. وقد شاهدنا في الماضي كيف وصلت الطائرات الإسرائيلية إلى أفريقيا عندما تعرض أمن أحد مواطنيها للخطر. إسرائيل بعبارة أخرى مستعدة أن تذهب إلى أقاصي المعمورة لمواجهة أي خطر يمكن أن يهدد أمنها حتى لو بعد مائة عام. الضربات الاستباقية الإسرائيلية عمل مقدس في الاستراتيجية السياسية والعسكرية الإسرائيلية.

وبما أن إسرائيل تخشى على أمنها من مخاطر قد تكون في آخر الكون، فكيف يا ترى سمحت لعشرات الميليشيات الإيرانية الداعشية الشيعية وعلى رأسها حزب الله اللبناني الذي تزعم أنه يهددها، كيف سمحت لها بدخول سوريا بكل عتادها وعديدها وأن تصل إلى حدودها في القنيطرة ودرعا؟ كيف سمحت لقاسم سليماني أن يشرب الشاي على بعد ضربة حجر من بحيرة طبريا؟ لقد قالها سليماني أكثر من مرة إنه كان يستمتع صباحاً بمنظر بحيرة طبريا وهو يشرب الشاي على مقربة منها. هل يعقل أن الصواريخ وعشرات الألوف من المرتزقة الإيرانيين وصلوا إلى تخوم الجولان السوري المحتل ولم تشاهدهم الأقمار الصناعية الإسرائيلية والأمريكية؟ هل كانت الكهرباء مقطوعة في إسرائيل وقتها يا ترى؟ بالطبع لا.

لا يمكن لبندقية أو صاروخ أن يدخل سوريا من دون إذن إسرائيلي. وبالتالي فإن إيران وروسيا دخلتا بالدرجة الأولى بضوء أخضر إسرائيلي وأمريكي تحديداً لمهمة محدودة. لقد وجدت أمريكا وإسرائيل نفسيهما في مواجهة الثورة السورية في ورطة تاريخية وقد كان أمامهما خياران، الخيار الأول أن يتركا الشعب السوري يقضي على النظام الحامي لإسرائيل في دمشق، ويقيم دولة ديمقراطية حضارية حداثية صناعية تنافس إسرائيل. ومعروف عن الشعب السوري أنه إذا تحرر يمكن أن يحقق المعجزات، فلم يصل السوريون إلى أي بلد في العالم إلا وتفوقوا في كل المجلات، لكنهم لا يستطيعون أن يفعلوا شيئاً في بلدهم لأن مهمة النظام الحاكم إجهاض أي نهضة سياسية أو اقتصادية أو ثقافية أو تكنولوجية في سوريا يمكن أن تهدد سلامة إسرائيل وأمنها ومستقبلها. لقد حكم آل الأسد سوريا لنصف قرن تقريباً بناء على خدماتهم التي يقدمونها للدولة العبرية في مجال دعس الشعب السوري وتكبيله بأجهزة المخابرات ومنعه من تحقيق أي نهضة أو تقدم يؤثر على إسرائيل. لقد كان نظام الأسد وما زال بمثابة كلب حراسة أو كلب صيد يعمل لصالح إسرائيل وأمنها وبقائها الدولة الأهم في المنطقة. ولو سمح بأي نهضة في سوريا لما بقي يوماً واحداً في السلطة.

ماذا تفعل إسرائيل عندما وجدت كلب حراستها على وشك السقوط وأن السوريين يمكن أن ينجزوا ثورة تصبح مضرباً للمثل في المنطقة؟ بالطبع لا يمكن مطلقاً أن تسمح بهذا، فقد نامت إسرائيل قريرة العين على مدى عقود بفضل الأنظمة العسكرية التي داست الشعوب وخنقتها وعدت أنفاسها، فكيف تسمح تل أبيب بأن تتحرر تلك الشعوب لتهددها؟ مستحيل. وجدتها وجدتها، صاحت إسرائيل، لنسمح لإيران بدخول سوريا، فنضرب عصفورين بحجر واحد، أولاً نقضي على الثورة السورية وثانياً نؤسس لصراع شيعي سني يدوم لعقود وعقود وربما قرون. تعالي يا إيران إلى سوريا كي تدمري الثورة السورية وتحمي كلبنا الوفي في الشام. أنت أهون الشرين بالنسبة لنا، ومن السهل التعامل معك فيما لو ركبت رأسك وطالبت بأثمان عالية مقابل تدمير سوريا وتهجير السوريين وتخريب ثورتها والقضاء على أحلام شعبها بأن يكون حراً أبياً محترماً في دولة ديمقراطية حرة لكل أبنائها.

باختصار فقد كانت إيران بالنسبة للإسرائيليين والأمريكيين الخيار الأفضل والأسهل. وعندما بدأت تطالب بنفوذ كبير في سوريا وترفع صوتها ضد إسرائيل التف الحبل الأمريكي حول عنقها إلى حد أن أمريكا منعتها من تصدير النفط لأي بلد في العالم مع العلم أن النفط يشكل 44% من مصدر الدخل القومي في إيران.

لقد سألوا مستشار الأمن القومي الأمريكي الشهير بريجنسكي ذات يوم: «ألستم نادمين على صناعة تنظيم القاعدة والجماعات الإرهابية الأخرى التي انقلبت عليكم الآن وأصبحت تهددكم،» فأجاب بريجنسكي: «لقد كان أمامنا خياران: أن نترك الاتحاد السوفياتي أقوى منافس لنا في العالم يهددنا، أو نصنع جماعات إسلامية متطرفة تستطيع أن تساهم في القضاء على الاتحاد السوفياتي، فوجدنا أن الخيار الثاني أسهل وأفضل بكثير، حتى لو عادتنا فيما بعد». وهكذا تعاملت إسرائيل مع السماح لإيران بدخول سوريا. لقد وجدت أن إجهاض الثورة بواسطة إيران ومنع قيام دولة سورية حرة مستقلة على حدودها أفضل بكثير وأقل خطورة من السماح بنجاح التحول الثوري والديمقراطي في سوريا. بعبارة أخرى لقد كانت إيران مجرد أداة في المشروع الأمريكي الإسرائيلي في المنطقة، وكما هو معروف فإن الأدوات كمناديل الكلينكس تكون في الجيب قبل الاستخدام، وبعد الاستخدام تُرمى في سلة الزبالة.