الاحتلال الروسي في سورية 30/ 9/ 2015 .. جردة عاجلة

زهير سالم*

فرض الاحتلال الروسي للأرض السورية واقعا جديدا كان يقتضي من قوى المعارضة والثورة السورية تطورا استراتيجيا لائقا , تطور استراتيجي يدرك الفرق بين العمل على إسقاط مستبد والعمل على مقاومة محتل . محتل متفوق مطلقا بكل المعايير المادية ، قد أطلقت القوى الدولية الأخرى يده ، وأدارت الظهر لجرائمه بل تماهت إلى حد كبير معها .

بالأمس فقط كان السيد " غير بيدرسن " المبعوث الأممي لسورية يقول : إنه لن يصلح حال سورية بوجود خمسة جيوش على أراضيها !! ويبدو أن السيد بيدرسن لا يحسن العد الحقيقي فالروسي والإيراني والصهيوني واللبناني والعراقي والأمريكي مع تحالفه بدوله الخمسين كل أولئك أصبحوا اليوم من الدول المتزاحمة والمتدافعة على الأرض السورية ..

ولكن " الاحتلال الروسي " لسورية كان الأسوأ وكان الأعنف وكان الأقسى وكان الأبشع .. والمتعاونون معه من كل السوريين لا يقلون عنه في كل ما قلنا وما سنقول.

كنت أتمنى أن يكون ما أكتبه في هذه الذكرى ممنهجا أربط كل تصريح وكل واقعة بتاريخه وسياقه .. ولكن لا بأس أن أعتمد على ذاكرة حية أسوق من خلالها بعض العناوين وبوصلتي في كل ما أكتب : الصدق أمام الله .. والوفاء لسورية ، تاريخها وإنسانها وأرضها ويومها وغدها ..

الاحتلال الروسي لسورية محطات سريعة ..

- منذ ثلاثين أيلول / سبتمبر / 2015 بدأ الطيران الروسي في قصف السوريين قتل الأحياء ، وتدمير العمران ..تحت ذريعة معنونة بالحرب على الإرهاب ,,,,

- وحصل بوتين على الغطاء الدستوري من المرجعيات الروسية بتواجد القوات المسلحة الروسية خارج حدود دولته ..

- وحصل على البركة الصليبية من بطرك الكنيسة الأرثوذكسية في موسكو . وهذا أمر مهم ..بل أكثر أهمية مما يقدره الكثيرون . أهميته بالنسبة لبوتين الصليبي لا تقل عن أهميته بالنسبة لبوش المناظر يوم قرر الحرب على العراق . تنافس قديم بين دول الصليب لا يجوز أن ينسى في القرن الحادي والعشرين .

والأعجب أن العلمانيين بوش وبوتين أحبا أن يباشر معركتهما في ذبح المسلمين في العراق وفي سورية باسم الصليب ثم يحدثنا علماني مخمور عن علمانية لا تميز بين العقائد والأديان !!

وحصول بوتين على مباركة الكنيسة الأرثوذكسية لعملية ذبح المسلمين في سورية أمر مهم ليدرك السوريون الأبعاد الحقيقية للحرب القذرة التي يفرضها عليهم الكثيرون.

وهو أمر مهم لأنه يذكرنا بتصريحين سابقين للافروف وزير الخارجية في دولة بطرك المحبة الأرثوذكسي ؛ الأول مشهور حفظه الكثيرون ، وهو أنه من الخطر أن يُسمح لأهل السنة أن يحكموا سورية وأنهم - أي الروس لن يسمحوا بذلك !!

والثاني قوله ذات يوم من أيام الثورة المجيدة : إنهم جاؤوا إلى سورية لحماية "الأرثوذكس" و هكذا تصريح أقرع رطب ولزج على البلاط ..!!

وتنظر في خلفية هذا التصريح فتجده تكرارا لما كان يردده القيصر الروسي عن "حماية الأرثوذكس " من رعايا الدولة العثمانية في الرد على تحالف الدولة العثمانية مع الفرنسيين الكاثوليك ..!!

- وحتى لا نعود إلى هذه الحقيقة المرة والكريهة والممقوتة من طرفنا نحن المسلمين مرة أخرى في هذا السياق ، يجب أن نذكر أيضا تصريح الناطق باسم قاعدة الاحتلال في حميميم أن الروس ما جاؤوا إلى سورية إلا لحماية الأرثوذكس ..بالطبع يعيش هذا الطائفي حالة طائفية مقيتة لا يرى المسيحيين إلا في الأرثوذكس فقط ، وينسى أن في سورية ست عشرة طائفة مسيحية من أرثوذكس وكاثوليك وبروتستانت وكلدان وآشور وسريان ولاتين وأرمن وغيرهم وغيرهم .. وأن وكل هؤلاء صاروا بفضل سياسات حافظ وبشار الأسد التدميرية إلى ما يقارب 5% من السكان .

- ويوم قرر بوتين احتلال سورية ، حاول الكذب والتمويه على الناس فأعلن عن مهمة محدودة مدتها ثلاثة أشهر فقط ..

- ثم بعد عام من الاحتلال أعلن انتهاء المهمة واحتفى بها ، وها هو اليوم يدخل عامه الخامس وفي كل يوم يغوص أكثر في دماء السوريين الأبرياء من المستضعفين من الرجال والنساء والأطفال !!

وما يزال بوتين يتبنى المطالبات بإعادة اللاجئين وإعادة الإعمار . وكتابة الدستور الذي يستجيب له فيه من السوريين لفيف.. !!

- في ظاهر الأمر تدخل بوتين بأسطول جوي . وأخذ بذلك ضوء أخضر من المؤسسات الروسية ذات الصلة . وفي حقيقته سمح بوتين لبعض الشركات بتجنيد فرقة ضخمة مقدر عددها بالآلاف من مرتزقة المتقاعدين من الجيش الروسي . وتحمل هؤلاء المهام الأكثر قذارة للاحتلال الروسي . وكل هذا موثق بل يحتاج إلى مزيد من التوثيق من السوريين السوريين .

- بدأ بوتين مهمته القذرة بغارات جوية مكثفة لإنقاذ عميله الذي طالما ردد أنه لولاه لسقط في أيام . ولكن لم يمض إلا أعوام حتى أصبح الاحتلال الروسي مسيطرا على الفضاء السوري . وعلى جملة الأرض السورية وكل من عليها من الآخرين مجرد أتباع . ثم حظي هذا الاحتلال بموجب معاهدات دولية على ثلاثة قواعد في سورية : قاعدة عسكرية في حميميم - وأخرى للقيادة والسيطرة شمال اللاذقية وثالثة قاعدة بحرية تستغرق كل ميناء طرطوس .

- حظي الاحتلال الروسي بموجب المعاهدات على حقوق كثيرة من التنقيب عن النفط والغاز في البر والبحر . كما وضع يده بموجب السندات على كامل الناتج القومي السوري لأعوام ..

- احتل بوتين سورية تحت شعار محاربة الأهداف ولكن الواقع يشهد كذب دعواه . فقد كان بنك أهداف قواته في سورية يتركز في قصف : المساجد - المدارس - المستشفيات - الأسواق الشعبية – مراكز تجمع الناس وأهمها الأحياء الشعبية الفقيرة وأبواب الأفران.

- جعل الاحتلال الروسي من الأرض السورية مختبرا ومن الشعب السوري أحياء تجارب لأسلحته الاستراتيجية والتكتيكية على السواء ؛وتصريحات بوتين ووزير دفاعه شويغو حول هذا تحتاج إلى حصر وتوثيق . وآخرها ما كان منذ أسابيع عن تعديلات مهمة أدخلت على بعض الأسلحة نتيجة عملية التجريب .

- استخدم الاحتلال الروسي ضد الشعب السوري العديد من الأسلحة المحرمة دوليا بما فيها القنابل العنقودية والفراغية والارتجاجية والصواريخ البعيدة المدى التي أطلقت من البحر تارة ومن الأراضي الروسية والإيرانية أخرى على المدن الآهلة بالسكان ...

- قدم المحتل الروسي نفسه كضامن لحل سياسي في سورية بموجب اتفاقية أستانة ولكن تبين بعد التجارب واحدة بعد أخرى أن بوتين يتنفس كذبا وزورا وبهتانا ..وأن لا قيمة بالإطلاق لأي كلام يتكلمه روسي لا في ميدان الأخلاق العملية ولا في ميدان الأخلاق السياسية ، وإنما العجب من سوري يصدقه ويذهب معه إلى حفلة التعري تحت عنوان الدستور .

تجاوز عدد ضحايا الاحتلال الروسي من المدنيين وجلهم من النساء والأطفال عشرات الآلاف . وما زالت المجزرة مستمرة على كل المستويات ..

- واستغل المحتل الروسي قبل الاحتلال وبعده موقعه في مجلس الأمن فاستخدم منبر الأمم المتحدة لشرعنة الجريمة ، وحماية المجرمين ، وتجريم الأبرياء . وسيبقى ثلاثة عشر قرار فيتو روسيا لعنات تاريخية تلاحق التاريخ الروسي والدولة الروسية وبوتين الرهيب إلى أبد الآبدين ... آمين

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية