إن تجاهل الحقائق لا يلغيها .. والإعراض عنها لا يحمينا من تبعاتها

زهير سالم*

حصوننا مهددة من داخلها ..

ومنذ أن أطلقت نائبة وزير الخارجية الإسرائيلي " تسيبي هوتوفلي " تصريحاتها التي هي أقرب للاعترافات يوم الأربعاء الماضي 6/ 11/ 2019 أنتظر أحدا من الذين تقلدوا أمرنا أن يحمحم كفرس عنترة ، وأن يضع نقطة على حرف ، وأن ينبه على حقيقة ، وأن يدعو إلى موقف بمقتضى ..ولكنك تكاد تجد القوم على أرائك القرارات صرعى كأنهم أجداث نخل خاوية .

وكل ما سأنبه عليه هنا لا يمس بحال أهلنا الكرد الطيبين من الذين كانوا منا وكنا منهم على مدى قرون لحضارة أنجزناها ولمجد بنيناه معا . مسمى الكرد المقصود فيما سأكتب في هذا المقال هو المسمى نفسه الذي قصدته صاحبة التصريحات التي أعلق عليها حتى لا يظل مائي صافيا فلا يصطاد فيه مصطاد ..

مصدري فيما سأنقل : وكالة رويترز ذات المصداقية الخبرية 6/ 11، 2019 أي قبل ثلاثة أيام فقط من اليوم الذي نحن فيه .

وما قالته " تسيبي " هو تعبير عن تطور عملي في امتداد المظلة " الصهيونية " على مكونات ديموغرافية ، دينية عرقية " أكثر من المجموعة اليهودية محدودة العدد التي شكلت منذ مطلع القرن العشرين قوامها .

وكان رامي مخلوف ابن خال بشار الأسد قد كشف منذ الأيام الأولى للثورة السورية عن مثل هذا الالتحام الذي ظنه البعض تحالفا فإذا هو انصهار كشفت سنوات الثورة المنصرمة عن جديته وصدقيته وعن الوفاء المتبادل في لحمته .

تقوم النظرية الصهيونية الجديدة على قاعدة أن منتسبيها ليسوا هم أبناء أقلية دينية واحدة في العالم والمنطقة ، وأن مظلة هذه المنظمة قد تشمل بعضويتها ورعاياتها أبناء الكثير من الأقليات وأحيانا من الأكثريات ، وأن تعدد الزيجات السياسية غير محظور.

فيشعر اليهود  مؤسسو الصهيونية العالمية أنهم قد تعرضوا لعمليات اضطهاد وتطهير على مدى تاريخهم الطويل ، فمن بابل الهولكست النازي  الرهيب، وأنهم حتى بعد أن انتقلوا إلى فلسطين ما زالوا يتعرضون لعمليات نبذ ورفض من قبل الأكثرية المسلمة العربية ، وعلى قاعدة كل غريب للغريب نسيب ، فقد وجدت المنظمة الصهيونية المتجسدة في صورة الحكومة العبرية في كل الأقليات حلفا ونسبا تحتفي به وتتكئ عليه..

المنظمة الصهيونية وهي تقدر النتائج الإيجابية الكبيرة التي حصلت عليها من تحالفها مع بيت الأسد والطائفة التي يمثلونها ؛ ما تزال تطمح إلى توسيع قاعدة هذا التحالف على مستوى سورية والمنطقة ..أسهل نصر أن تخترق حصون عدوك من داخلها . وأن تكون لك دشم ونقاط ارتكاز واستناد داخل حصونه .

حسب الفقه الصهيوني الجديد الأقلية الحاكمة في سورية  ليست الأقلية الوحيدة التي يمكن أن تندمج في تحالفاتها فتفيد وتستفيد . ضد الأكثرية التي يتناقض معها الجميع بمن فيهم الأقلية الصهيونية في فلسطين المحتلة ، والأقلية الصفوية في إيران المتشيعة ثم باقي الهوامش والأقليات ..

هذه ليست لائحة اتهام يصدرها رجل مثلي ضد أحد ولكنها واقع استراتيجي تعيشه منطقتنا وتعاني منه شعوبنا . وأصبحنا نحن ضحاياه . وغدا الصمت عنه نوع من تجاهل الداء الخبيث يسري في الأجسام .

 إن كل الذي أقرره في هذا المقام هو من كلام نائبة وزير الخارجية العبرانية ومن وجد في نفسه الجرأة والشجاعة فليرد عليها لا علي ..

وسنظل في موقفنا الوطني دعاة إخوة وطنية . ومحبة إنسانية . ودولة مدنية تسوي بين المواطنين في الحقوق والواجبات : فلا استئثار ولا امتياز .

وأحب شيء إلى قلبي أن تخرج جهة ذات مرجعية كردية وطنية فترد على نائبة وزير الخارجية العبرية كلامها بحقائق تكذب الحقائق لا بعناوين وشعارات وكلام كمخض الماء ..

ففي تصريحها الأربعاء الفائت 6/ 11 /  حسب وكالة رويترز تقول نائبة وزير الخارجية العبرية تسيبي هوفلي :

" إن إسرائيل تساعد أكراد سورية "

وتقول : إن الرئيس الأمريكي ترامب عرض على نتنياهو أن يكون جسرا للمساعدات الأمريكية الإنسانية لأكراد سورية ..

ويؤكد ترامب لنتنياهو : إن أكراد سورية تعرضوا لتطهير عرقي ، يعني أنهم شركاء اليهود في الجرح ..

تضيف نائبة وزير الخارجية العبرية :

إن إسرائيل تلقت الكثير من الطلبات لتقديم الخدمات ولاسميا في المجال الدبلوماسي والإنساني .

في المجال الدبلوماسي تعني تبييض الصحائف عند الدول ذات الشأن بدأ من الولايات المتحدة ، والاتحاد الروسي ومرورا بدول الاتحاد الأوربي ، وانتهاء بدول الإقليم ومن هنا تابعنا هذه الهبة الزنبورية ضد عملية نبع السلام ..وضد الدور التركي المحدود المضاد للسياسة العالمية

تعترف هوتوفلي :

" ندرك المحنة الكبيرة التي يعانيها الأكراد ونساعدهم من خلال عدة قنوات"

 فأي محنة كبيرة وفصائلهم في تحالف مباشر مع الأمريكيين والروس وبشار الأسد ومع حلفاء بشار الأسد لعل السوريين يعقلون ؟!

تؤكد هوتوفلي:

"نشعر بالفخر لوقوفنا إلى جانب الشعب الكردي .." وتؤكد بلغة عبرانية لا لبس فيها :

" إسرائيل لها مصلحة كبرى في واقع الأمر في الحفاظ على قوة الأكراد . وقوة الأقليات الأخرى في منطقة شمال سورية باعتبارهم عناصر معتدلة وموالية للغرب .."

وإن مما يجعل مثل هذه التصريحات والاعترافات ذات مغزى أكثر جدية ومصداقية، التصريحات الأمريكية متعددة المصادر على تمسك الإدارة الأمريكية على مستوى الخارجية والبنتاغون على حبس مخرجات النفط السوري لدعم هذا الجسم الإرهابي المريب ..

اعترافات وبينات جديرة بأن يضعها العقلاء من الوطنيين على أجندة العمل الوطني ليروا قرارهم ، وليستقبلوا من أمرهم ما استدبروا ..وليعلموا أين يذهبون ؟!

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية