دساتير الأزمات تعمق الأزمات .. لا تنقذ وطنا ولا تحل أزمة

زهير سالم*

الذاهبون إلى دستورية جنيف على صدور ضحايا السارين يدوسون

ليس عبثا أن يتحدد الرابع والعشرين من آب موعدا للقاء القتلة مع المفرطين . فموعد اللقاء الحميمي بين أطراف الجريمة ، يجب أن يتم قريبا من ذكرى المجزرة التي كانت الأشد والأقسى على قلوب السوريين . قريبا من ذكرى مجزرة السارين التي تكرست وظلت جرحا يصيح على المدى . وخطْوأً فوق صدور الأطفال التي ما تزال في مخيلة كل سوري حر تحشرج بالسارين ، سيلتقي في الرابع والعشرين من آب أي بعد ثلاثة أيام من ذكرى الجريمة الأبشع ، القتلة المجرمون مع الأدعياء المساومين !! وزعموا من أجل أن يفصلوا لسورية دستورا جديدا أقل سوء أو ربما أكثر من دستور 2012 ، المعروف باسم دستور قدري جميل . وما ندري ماذا سيضيف السيد قدري جميل وأشياعه الحاضرون بقوة في اللجنة الدستورية العتيدة على النسخة الجديدة من دستورهم الجديد ؟!

يعلم كل السوريين ، وعلى اختلاف انتماءاتهم ومشاربهم وتوجهاتهم الدينية والمدنية ، أن مشكلتهم الأكبر لم تكن يوما مع نصوص الدستور ، ويعلم جميع السوريين - غير الأغبياء والعملاء - أن الفظائع والجرائم التي ارتكبت وما تزال ترتكب في سورية لا تغطيها شرعة في دستور ، ولا مادة في قانون . وأن المطلوب الأول لثورة كلفت السوريين مليون شهيد وخمسة عشر مليون مهجر ، الأخذُ على يد المجرمين ، وإعادة السلطة في سورية إلى يد " الإنسان " . وإذا كان لنا أن نعيد صياغة المطلب الثوري فنقول للعالم أجمع إن مطلبنا الأول في سورية هو "أنسنة السلطة " ، إخراجها من يد الموصوف بلغة الرئيس الأمريكي ترامب ، ووضعها بيد إنسان ، فقط إنسان ، وبعد ذلك سيسهل على السوريين كل شيء ، ولن يحتاجوا إلى بيدرسون ولا إلى جيفري ، ولا إلى جنيف ، ولا إلى 150 مشحون إليها ؛ فالسوريون هم دائما الأقدر على التعايش ، والأجمل في الإبداع فيه ..!!

 

في حديثه عن الحوار المرتقب غدا في جنيف بين عُوْد بشار الأسد وقشره ، يقول السيد بيدرسون لا تنتظروا المعجزة ..ونحن نقول له بل نحن ننتظر الكارثة . سيكون الحوار في جنيف غدا بين وكيلين لبيدرسون ولجيفري ومن ثم لترامب . لن يكون هناك ممثل واحد لثكالى وأرامل وأطفال سورية ، وهذا لا يجوز أن ننساه ، وما يجب أن تعرفوا أننا نعرفه فلا تنسوه ..

وحين سيكون الذاهبون إلى جنيف منشغلين بالبحث عن الطاسة الضايعة ، سيمد السيد الأمريكي جيفري خطوه على سكة أخرى مغايرة ، في زيارة للمنطقة تستغرق ستة أيام ، غير مبال بجنيف ولا بمن في جنيف ، ولا بما سيقال أو يقرر في جنيف ..فأي استخفاف وأي ازدراء للجنيفيين سيكون هذا ..؟!

ودائما لن نمل من التأكيد ..

إن ما حصل في سورية لم يكن حربا أهلية . لم يكن حربا لا دينية ..ولا مذهبية ..ولا عرقية ..وعلى الرغم من الحرص الأسدي - الروسي - الأمريكي على توصيف الثورة السورية بالحرب الأهلية فإننا يجب ألا نمل من تكرار رفض ذلك ونفيه والتمرد عليه ومحاربة زاعميه ..ليست ثورة السنة ضد العلويين ، ولا ثورة المسلمين ضد المسيحيين ، ولا ثورة الكرد والعرب بعضهم ضد بعض .. بل هي ثورة المستضعفين ضد الظالمين والأحرار ضد المستبدين .

وعلى الرغم من قسوة الجراح وعمقها وبعد غورها فإن الإنسان السوري الأعرق في الحضارة ، يعرف كيف يميز بين المجرم وبين أداة الجريمة أو أدواتها ..ويعلم كيف يتعامل مع الأدوات بما يستحقون من شفقة .. أو من ازدراء ..

مطلبنا الأول : أن تعود سورية الوطن والدولة إلى أيدي أبنائها ..وأن يحاسب في سورية على الجريمة المجرم قبل الأداة ..

لا شراكة مع المجرمين . لا شراكة مع القتلة والمغتصبين . لا شركة مع الذين أبادوا شعبنا بالسارين وبالكلور وبالفراغي والارتجاجي والمشع وبغبي البراميل ..

لا لخدعة تعديل الدستور ولا للذاهبين إلى جنيف المتاجرين بدماء الأبرياء ..فالدساتير الوطنية لا تصاغ إلا في البحبوحة الوطنية . دساتير الأزمات تعمق الأزمات ، ولا تحل أزمة ..لقوم يعقلون ..

الله أكبر .. والنصر لإرادة الحرائر القابضين على جمر الثورة بثقة وإيمان ويقين

الله أكبر ..والنصر لدماء الشهداء ، وعذابات المعذبين ، ولتضحيات المضحين من المهجرين والمشردين

1لله أكبر .. وليسقط كل الطغاة والمستبدين و المجرمين ..وكل الخونة المتآمرين والمتواطئين والمفرطين ...

الله أكبر ..ولا أحد في جنيف ولا في الدستورية ولا في المعارضة البيدرسونية يمثل الشهداء ولا المعتقلين ولا المهجريين ، ولا السوريين على أرضهم يرتع في أديمهم الاستبداد والفساد والطاعون ..

ألا شاهت منهم الوجوه .. وقبح فيهم اللكع ومن يرجوه.

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية