بين تدنيس المصحف وتدنيس القرآن

الدكتور الشيخ علاء الدين زعتري

بين تدنيس المصحف وتدنيس القرآن

الدكتور الشيخ علاء الدين زعتري

[email protected]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

فالمسلم يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله؛ دون تفريق بين احد منهم، ولا تجريح بنبي مرسل، ولا تنقيص من قدر كتاب منـزل، قال تعالى: ]آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير[[البقرة:285].

وما من مسلم سمع خبر تدنيس المصحف إلا حزن وتألم، وتكدر وتكلم.

ولا شك بأن فعل أعداء الله من أبشع الأعمال، وأقبح الأفعال، وأفظع التصرفات التي يكاد يتمزق لها القلب، ويشتعل الرأس منها شيباً، وتتفطر لهولها السماء، وتنشق الأرض وتخرُّ الجبال هدَّا.

إن هذا العمل الدنيء لهو دليل جديد على الاستخفاف بمليار إنسان يدينون بهذا القرآن ويؤمنون بأنه كلام الله أنزله على محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

والذين يدنسون المصحف فجرةٌ غادرون، وعن قيم الحضارة بعيدون، وهم في نظر الأخلاق مجرمون.

والذين ينتهكون حرمة المساجد ويلوثونها وإن كانوا في هيئة البشر إلا أنه ليس لهم منها إلا مظهر الصورة، أما الإنسانية فهي منهم براء.

والذين ينتهكون حرمة الإنسان الذي كرَّمه الله واختاره وميزه؛ فيقتلونه بغير حق، أو يعرِّضونه للتعذيب، أو يسلطون عليه كلابهم، ويَتَحَدَّون عقيدته وإيمانه هم أشرار أشرار أشرار؛ وإن تبجحوا بكلمات منمقة تتحدث:

عن (الحرية) وهي المزيفة.

أو تعد بـ(الديمقراطية) وهي قمة الاستكبار.

أو تخدّر الناس بـ(المساواة)، وهم أرباب التمييز العنصري والديني.

ماذا نحن فاعلون تجاه هذا الحدث وأمثاله، فالمسؤولية عظيمة جداً، والأمر خطير، والخطب جسيم وعظيم.

ألم يبقَ في قلوب المسلمين ذرة من حياة، وقطرة من غَيْرَة، ونخوة ومروءة، وهذا أقل ما تبرأ به الذمة وما يُدفع به غضب الله.

يقول سبحانه: ]يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم[.

ويقول سبحانه: ]يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله[.

وقال عليه الصلاة والسلام: "إن الناس إذا رأوا المنكر ولم يغيروه أوشك الله أن يعمّهم بعقاب من عنده".

أما يخشى المسلمون إن سكتوا على هذا المنكر العظيم أن يزيدهم الله ذُلاً إلى ذُلَّهم، وأن يسلِّط عليهم أعداءهم وينـزع البركة منهم، ويشتت شملهم ويفرِّق كلمتهم.

لقد هانت الأمة حتى وصل الحال بأعدائها إلى المساس بكتاب الله، والإهانة ليست للكتاب الله فهو الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه, بل الإهانة كانت لأمة هجرت القرآن.

فالعدو أحقر من أن يدنس كلام الله وقرآنه، ولن يستطيعوا الوصول إليه، ولكنهم استطاعوا الوصول لإهانة الأمة.

أمة الفضائيات الهابطة, والأكاديميات (الستارتية) الداعرة, والأغاني الماجنة، والعري الفاضح.

انظر إلى البيوت حيث لا تكاد تفرق بين بيوت كثير من المسلمين وبيوت غيرهم, فالزوجة في كلا البيتين عارية، وصوت الفضائيات والأغاني ينبعث من البيتين كليهما, وترك الصلاة منتشر هنا وهناك.

هل تعجبون من فعل الأمريكان بكتاب رب العالمين؟ فهم أعداء حاقدون.

إذا كانت أمريكا دنست المصحف وأهانته، فكم من المسلمين مَن اتخذه وراءه ظهرياً، وطبق حكم الجاهلية في التعامل مع المال بالربا، ومع الدم قتلاً وسفكاً وثأراً، ومع الأعراض هتكاً وتساهلاً.، قال تعالى: ]أفحكم الجاهلية يبغون، ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون[، وقال: ]فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليماً[.

ألم تُجعل قراءة القرآن مهنة وعملاً يعتاش به؟!!.

ألم يُكتف بتطريز مقدمات الحفلات به؟!!!.

ألم يُجعل دلالة ورمزاً على الموت عند سماعه؟!!!.

فإذا جاء وقت العمل به شك البعض فيه وفي صلاحيته.

قال تعالى: ]أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض، فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا، ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون[.

إذا كان العدو قد دنس المصحف فالمسلمون دنسوا القرآن حين لم يبق منه إلا أحكام على استحياء في بعض الأحوال الشخصية، ورُكِن على الرف في كثير من الشؤون الحياة في العالم الإسلامي.

الآن لو فتشنا في براميل القمامة ستجد فيها قطعاً من أوراق المصاحف مختلطة مع ما تحتويه القمامة عادة.

فمَن الذي أهان المصحف أولاً؟!!، ثم إن غير المسلمين لا يعترفون بالمصحف إجمالاً حتى يطالبوا باحترامه، أما المسلمون فقد آمنوا به واعتقدوا بما فيه، فأين هم من العمل به؟!!!.

وقب الختام أقول: اقترب الفتح المبين بعد هذا الفعل الشنيع.

ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن المسلمين يوم كانوا يحاربون الروم؛ فتستعصي عليهم بعض الحصون ويصعب عليهم فتحها، حتى إذا وقع أهل الحصن في عرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استبشروا خيراً بقرب فتح الحصن.

يقول: فوالله لا يمر يوم أو يومان إلا وقد فُتِح الحصن عليهم بإذن الله جل وعلا.

ثم قال: ((كانوا يستبشرون خيرا بقرب الفتح إذا ما وقعوا في سب الله أو سب رسول الله مع امتلاء قلوبهم غيظاً على ما قالوه ...

إن ما حدث ينطبق عليه قول تعالى: ]لا تحسبوه شراً لكم بل هو خيراً لكم[.

فالتفاؤل قائم، وتلمُّس جوانب الخير ظاهر في أن أمريكا تتساقط من قلوب الناس وهو مُؤْذِن بسقوطها.

فأبشروا أيها المؤمنون وأمِّلوا أيها المسلمون؛ فالعدو مخذول بإذن الله، والظلم مرتعه وخيم.

أسأل الله أن يحمي هذه الأمة وأن يحفظها وأن يذل أعداءها وأن يجعل الدائرة عليهم.

جامع الصديق ـ حلب الجميلية

‏الجمعة‏، 11‏ ربيع الثاني‏، 1426هـ

‏20‏ أيار‏، 2005م