مآسي الاحتلال ومخازيه في معتقلات العراق

عصام العطار

مآسي الاحتلال ومخازيه في معتقلات العراق

الأستاذ عصام العطار

في سجون العراق ومعتقلاته الآن ألوف وألوف

عشرة آلاف كما تدعي سلطات الاحتلال

وعشرات ألوف كما تقول مصادر أخرى ..

هؤلاء المعتقلون حُجبوا وحُجِبت أخبارُهم عن العيون والأسماع ، إلا قليل مما يتسرّب إلى الخارج فيصفُ أو يُخبر عما وراءَ الجدران من المآسي والأهوال

لماذا اعتقلوا ؟

لا يكاد يعرف ذلك أحد!

ماذا يُفْعَلُ بهم وكيف يُعاملون ؟

لا يكاد يدري بذلك أحد!

وإن كان الأكثرون يؤكّدون أن الأكثرين من المعتقلين إنما اعتقلوا شُبْهَةً أو صُدْفة ، دون سبب أو مبرّر حقيقيّ ، وأنهم أبرياء إن إن افترضنا أن مقاومة الاحتلال جريمة وليس ذلك بالفرض الصحيح

لا يجري تحقيق قانوني نزيه ، ولا تكون محاكمة قانونية نزيهة تُبَرِّأ أو تدين ، ولا تفتح هذه المعتقلات أبوابَها ليخرج الأبرياء من الجحيم

وَتبُثُّ شبكةُ ” سي.بي.إس نيوز “يوم الأربعاء الماضي تلك الصور المقزّزة المفزعة الرهيبة التي تمّ التقاطها في سجن ” أبو غريب “ في أواخر العام الماضي ، والتي تهبط بالإنسانية والإنسان إلى أسفل دركات الوحشية والانحطاط

ألوانٌ قديمة ومُحْدَثة ومبتكرة من التعذيبِ الجسديّ

والتعذيبِ النفسيّ

وما هو أشدُّ وأنكى من انتهاكِ إنسانيةِ الإنسانِ وحُرُماتِه وكرامته ، وتَعْرِيَةِ الإنسان ، والعبثِ الأليم الْمُهين بأعضائه التناسلية ، واغتصابِه المذلّ البشع ، وبناءِ هَرَم من الأجساد العارية يتكوّم بعضُها فوق بعض ، وتُجْبَر على أن يغتصب بعضها بعضاً

وجنودٌ أمريكيون من الجنسين ينظرون بسعادة وسرور إلى هذا المشهد الذي صَمّموه ونفّذوه ، ويتلذّذون بما يشاهدون ، وتنطلق من أفواههم وأساريرهم الضحكات ، ومن أيديهم وسائر جوارحهم الحركات والإشارات

ويعلن الرئيس ” بوش “ استنكاره للحادث ، ويعلن ” بلير “ استنكاره أيضاً ، ويَعِدُ بعضُ المسؤولين بالتحقيق

ولكن هذا الحادث الرهيب ، وهذه الصور المزلزلة ، كان مكشوفاً ومعروفاً من العام الماضي ، ولم ينكشف للمسؤولين الأمريكيين وحلفائهم يومَ الأربعاء الماضي ، فأين ما قاموا به من التحقيق ؟ وأين ما اتخذوه من التدابير وأوقعوه من العقوبات إن كانوا صادقين ؟ .. لم ينبس أحدٌ منهم ببنت شفة ، ولم يقوموا – كما يظهر – بأيّ عمل ، قبلَ أن تُنْشَرَ الصُّوَر ، ويَنْتَشِرَ الخبر على الناس قبل يومين

 

وليس هذا الذي اكتشف في سجن ” أبو غريب “ شيئاً شاذّ اً معزولاً ؛ فالتعذيب الجسديّ والنفسيّ ، بهذا الشكل أو ذاك من أشكاله ، أمر شائع في سجون العراق ومعتقلاته – كما يذكر ذلك عراقيون مطّلعون وناشطون في حقوق الإنسان ، وأنهم قد اشتكوا من أمور ، وأبلغوا عن حالات ، فلم يجدوا عند المسؤولين إلا « أُذُناً من طين ، وأُذُناً من عجين » كما يقول المثل

ولكن فليطمئنّ القارئ الكريم ، فلقد بدأ بعد ما بثته شبكة ” سي.بي.إس نيوز “ اهتمامٌ بالأمر ملحوظ :

فلقد قالت الكولونيل ” جيل مورجينتالر “ المتحدثة باسم الجيش الأمريكي في بغداد – كما نقلت لنا ذلك جريدة الأهرام - :

- « إنّ البريجيدير جنرال : ” جانيس كاربينسكي “ المسؤولة عن المعتقل قد يتمّ إعفاؤها من القيادة ، أو تحرم من الترقية ، أو قد تتلقّى خطاب تأنيب بعد تحقيق آخر ، إداريّ غير جنائيّ ، فيما يتعلق بأحداث سجن ” أبو غريب “ »

كل هذا بصيغة الاحتمال والتشكيك : « قد » ؛ فقد يكون هذا العقاب وقد لا يكون!

ويا له من عقاب هائل كبير : أن تتلقى الجنرالة المشرفة على المعتقل الذي وقعت فيه الجريمة الهائلة الكبيرة – على سبيل الاحتمال لا الجزم – خطابَ تأنيب !!!

ما أرخص دماءَ العراقيين وأعراضَهم!

ما أرخص دماء العرب والمسلمين وأعراضَهم!

بل ما أرخص دماء الإنسان وعرضه في هذا العالم والعصر ، وما أفدح ظلم الأقوياء للضعفاء ، وقسوة الأقوياء على الضعفاء!

 

إننا نطالب بلجنة دولية محايدة بإشراف ” الأمم المتحدة “ ، للتحقيق في هذه الجريمة النكراء ، وفي أمثالها من الجرائم في مختلف سجون العراق ومعتقلاته ، ومدى التزام سلطات الاحتلال بالقوانين الدولية واتفاقات جنيف في معاملة الأسرى والمعتقلين والسجناء

ونطالب بالإفراج الفوري عن كل من في السجون والمعتقلات من الأبرياء

 

ولا يزال المحتلون ، رغم كلّ هذه المآسي والجرائم يَدَّعون ويدّعون ويدّعون : أنهم جاءوا لتحرير العراق ، والانتصار لحقوق الإنسان في العراق ، وما أعظم المسافة بين الدعوى العريضة الكاذبة والواقع الملموس !!

 

وبعد ؛ فإننا نقول للعالم كلّه :

إذا لم يقف البشر جميعاً صادقين مخلصين مع الحقّ والحرية وحقوق الإنسان بالأفعال لا بمجردّ الأقوال ، فعلى الإنسانية كلّها وعلى الإنسان السلام