أما آن لهذا الليل أن ينجلي ؟ !

عبد الله الطنطاوي

أما آن لهذا الليل أن ينجلي ؟ ! 

 فقد طال هذا الليل و استطال حتى ظننا أنه ليس بمنقض , إلا أن ينزل الله به قاصمة. ظن بعض الناس أن عهد حمامات الدم قد انقضى بمجيء عهد جديد , و أن هذا العهد سوف يقلم أظافر الأجهزة القمعية , و يسير بالبلاد و العباد سيرة ديمقراطية , تحترم فيها الحريات  , و تصان الأرواح و الدماء , بإلغاء قانون الطوارئ و الأحكام العرفية و سائر المراسيم و القوانين و المحاكم الاستثنائية , تلك التي ألغت الدستور الذي فصل على قد الحاكم , و اختصم الناس في العهد (الجديد) بين مصدق لوعود عهد (القسم )  و مكذب , فالسياسيون المخضرمون لم يثقوا بتلك الوعود , و اعتبروها تمرير مرحلة , و السياسيون البراغماتيون و المنتفعون من كل عهد , المصفقون لكل قادم , قالوا : اصبروا و سوف ترون . و صبرنا , و فعلاً رأينا : رأينا الظلم ما يزال يجثم على صدور الناس , و رأينا العسف يغتال الحريات و الكرامات و يأكل سائر حقوق الإنسان المواطن ... رأينا استمرار الاعتقالات و امتلاء السجون بالمعتقلين , و إذلال المواطنين على سائر الصعد , في الداخل و الخارج على حد سواء , و ها نحن أولاء نشاهد الدم السوري يراق في عدد من المحافظات السورية و نسمع الادعاءات الكاذبة , و الاتهامات الملفقة لكل مواطن يصيح بصوت مخنوق : آخ ...في القامشلي و عاموده و ديريك و راس العين و عين العرب كما في حلب و عفرين و جنديرس و دمر و سواها من المدن و القرى ... اتهامات تربط تلك الآهات بالخارج و كأنها تريد أن تدفع الناس دفعا للتفكير بـ....

الأكراد مواطنون سوريون و منذ مئات السنين كان منهم – قبل الثامن من آذار 1963 – الضابط الكبير , و الضابط الصغير و الرقباء , و المساعدون , و الجنود , و الموظفون , و النواب , و التجار , و العمال , و الفلاحون , و الطلاب ...ثم عدا عليهم العادون , فسحبوا منهم جنسياتهم السورية , و أخذوا أراضيهم , و أعطوها ناساً غيرهم , و ما إلى ذلك من مظالم يعرفها كثير من السوريين .

و قد طالبوا بحقهم هذا , و لهم الحق بهذه المطالبة , فهم مواطنون سوريون و لهم كما لسائر المواطنين السوريين و عليهم ما عليهم , و أيدهم في مطالبهم الشرعية هذه سائر السوريين ما عدا الحاكمين بأمرهم .

ثم كانت الحوادث المؤسفة المؤلمة في القامشلي و لو كان الحاكمون (أولي أمر)حقيقيين يخافون على الوطن و المواطنين لبادروا إلى مراجعة تلك القوانين الجائرة و أعادوا إلى المظلومين ظلاماتهم و لم يسارعوا إلي اتهامهم بالارتباط بالخارج كما اتهموا من قبلهم كل من انتقدهم  من الإخوان المسلمين إلي الشيوعيين , إلى البعثيين (القوميين)إلي رموز (ربيع دمشق)- و ما أقساه – إلى نواب أحرار في مجلس (الشعب) إلى غيرهم من المواطنين السوريين الذين ما عرفوا الذل و الانكسار إلا في عهد الحزب القائد .

يا قوم .. أليس فيكم رجل رشيد ينبهكم إلى ما تجرون البلاد و العباد إليه من و من و من ؟

نحن هنا – في رابطة أدباء الشام – لن نضع أيدينا على خدودنا و نترك لدموعنا العنان لتسح دماً قانياً على ما ستؤول إليه أحوال وطننا الحبيب جراء هذه السياسة الاستبدادية الجائرة المستهينة بمصائر الوطن و أبنائه .

سوف نكون في ركاب الأحرار الذين قلوبهم على الوطن , و نناشد أشقاءنا الأكراد أن يبقوا مع أبناء سورية الحبيبة كما كانوا دائما  و أن يناضلوا الاستبداد و أن يقاوموا الفاسدين الذين لا يهمهم و طن و لا دم .. و كل أحرار سورية معكم في نضالكم الشريف من أجل إعادة الحقوق إلى أصحابها السوريين المظلومين عرباً و أكراداً , فنحن العرب السوريين مثلكم أيها الاخوة الأكراد السوريون فقد أخرجونا من ديارنا و قتلوا عشرات الآلاف منا و استولوا على بيوتنا و أملاكنا , و حرمونا حتى من الوثائق التي تثبت جنسيتنا السورية منذ ربع قرن , و نحن مشردون تحت كل نجم ... نحن الآن ثلاثة أجيال بلا وثائق , مثل الآلاف منكم , و قد صبرنا و ما نزال , حتى يحكم الله بيننا و بين ظالمينا بالحق , و الشعب كل الشعب معنا , و الله معنا , و لكل أجل كتاب .

 

عبد الله الطنطاوي