ماذا تريد الأمة من أدبائها

عبد الله الطنطاوي

في النصف الثاني من القرن الماضي، عندما كشرت أمريكا الهمجية عن أنيابها الزرق، وحاولت افتراس بعض الشعوب والدول الصغيرة المستضعفة، في فيتنام، وكوريا، وبعض بلاد العرب، وبعض الدول الإفريقية.هبّ أدباء العرب وشعراؤهم  وفنانوهم ينافحون عن تلك الشعوب، وامتلأت الصحف من جرائد ومجلات بقصائدهم ومقالاتهم وقصصهم ومسرحياتهم ورسوماتهم، وكذلك كان من بعض الإذاعات العربية الرسمية، وكل الإذاعات والتلفزيونات العربية رسمية.. 

.. انطلق هؤلاء ينددون بوحشية أمريكا، وبأطماعها، وبانتهاكاتها الخطيرة للكبير والصغير من حقوق الإنسان، ولو جمعنا أو أحصينا ما كتبوه في هذا الميدان الإنساني الرحيب، لكان لنا منه مجلدات في سائر الأجناس الأدبية.

وقد رُبّينا على ذلك الأدب في خمسينيات القرن العشرين وستينياته وسبعينياته، فما بالنا لا نقرأ ولا نسمع إلا القليل من الأدب المقاوم في هذه الأيام التي يخوض فيها مجاهدو الأمة وشرفاؤها من الشباب أضرى المعارك في فلسطين الحبيبة، وفي العراق المظلوم؟

ما بال فناني هذه الأمة المنكوبة بالكثير من أبنائها، حكاماً وشعوباً، علماء ومثقفين، ما بالهم يملؤون وسائل الإعلام، وخاصة المسموعة منها والمنظورة، رقصاً، وميوعة، وانحطاطاً أخلاقياً ما عرفته أمتنا في غابر أيامها؟ حتى إن المشاهد لما تبثه الفضائيات يحسب أننا نعيش أسعد أيامنا وأحلاها، وكان بلادنا محررة مستقلة، من كل غزو خارجي استيطاني جاء يهلك الحرث والنسل ، ليذل الكرامات، ويقضي على ديننا، وقيمنا، وينهب ثرواتنا، ويجعلنا عبيداً ليس لنا من رسالة في هذه الحياة سوى خدمته، والتسبيح بحمده، فقد جلب إلينا (ديموقراطيته) العجيبة، كما كان جلب لنا هذه الأنظمة الثورية التقدمية، لتذل الشعوب، وتنهب خيراتها، وتحكمها بالحديد والنار..

كأن الجولان قد تحرر وعاد إلى وطنه الأم، سورية الجريحة التي تئنّ تحت ثقل حاكميها الذين لم يدركوا حتى هذه اللحظة، أن السلطة التي أهدتهم إياها أمريكا ذات يوم، قد قررت أمريكا نفسها سحبها منهم، فقد انتهت أدوارهم الخسيسة تجاه الشعب السوري الأبّي الذي عملوا على ترويضه أكثر من أربعين سنة، وباؤوا بالفشل، لأنه شعب حيّ ذو كرامة ودين، وإذا طأطأ رأسه طوال أربعة عقود، لئلا تُهدَّم مدنه وقراه وأحياؤه ومنازله، ولئلا تهتك أعراضه، ويزج بنسائه وأطفاله في السجون والمعتقلات، ولئلا يُقتل أبناؤه في الشوارع، والبيوت، والأسواق الشعبية تحت ذرائع مختلفة، وكلها زائفة مكذوبة..

إذا طأطأ شعبنا رأسه ذات ليلة سوداء ممتدة في الزمان والمكان، حتى وصلت إلى باريس (صلاح البيطار) ومدريد (نزار صباغ) وألمانيا (بنان الطنطاوي) وسواها من البلاد الأجنبية والعربية.. إذا فعل شعبنا ذلك، لقسوة حاكميه، فإنه قد بدأ يتململ، وسوف يثور وثورته – هذه المرة – لن تبقي من الظالمين الفاسدين ولن تذر..

وكأن بلادنا العربية قد تخلصت من طواغيتها، وأكابر مجرميها.. ولذلك انطلق الراقصون والراقصات، في كل بقعة إعلامية، وفي الفضائيات، كما في السينما، والمسارح..

يا أدباءنا وفنانينا وشعراءنا وكتابنا..

يا علماءنا ومفكرينا..

الدماء الزكية على أرض المقدسات فلسطين، والعراق، وكل مكان وطأته أمريكا المتخلفة قيماً إنسانية.

الأوطان المحتلة في فلسطين والعراق وجولان سورية الحبيب..

والشعوب المقهورة التي يستذلها طواغيتها ومجانينها المتأمركون والمتصهينون والشعوبيون..

كلها تستصرخ ضمائركم، وعقولكم، وقلوبكم، وأقلامكم، ونخوات العروبة والإسلام في دمائكم، لتجعلوها في الأوائل من سلالم أولوياتكم في هذه الحياة التعيسة البائسة التي تحيونها وتعيشونها مع شعوبكم.. فهل أنتم تسمعون استغاثاتها؟

 

عبد الله الطنطاوي