الأدب الذي نريد

عبد الله الطنطاوي

الأدب الذي نريد

نظرة متأنية إلى ما قدمناه في هذا الموقع , تبينت حقيقة الأدب الذي نريده في هذه الأيام العصيبة , المليئة بالكوارث , و المآسي , و الفواجع , التي دخلت إلى بلادنا , و اقتحمت الأسوار الكرتونية التي تعب حكامنا الكادحون بإنشائها و ابتنائها , حتى أشفق رقيقو القلوب عليهم , و على عضلاتهم ,   و على أعصابهم من النصب و الاحتراقفالحرائق في كل مكان من وطننا العربي  , و عالمنا الإسلامي , بحيث لم يبق قطر إلا و فيه من المآسي مالو وزع على أهل الأرض لوسعهم و زيادة ...

ولو جسنا خلال الحارات العتيقة , و الأزقة التي كثر ما أنفق  أصحاب (الشهامة) من أصحاب (الفخامة) عليها , لوجد نا كل بيت قد فقد حبيباً أو أكثر , في الحروب العبثية , و تكاد تكون كلها بينية , و في السجون والمعتقلات التي لم توفر  شريفاً إلا و دهمته و نكبت أهله بواحد أو أكثر من أبنائها .

مضى القرن العشرون بخسيس الهزائم على سائر الصعد , و هاهو ذا القرن الجديد (يبشر) بالجديد من الهزائم النفسية و الفكرية و العسكرية      و السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية , و (أحباؤنا) الحكام (البررة) يسعون بين البيوت السود التي يحسبونها بيضاً (كبرت صورة تخرج من عيونهم) من أجل إرضاء  ذوي العيون الزرق و البشرة الشمعية هناك ,    و أصحاب القبعات الصغيرة هنا .. بقربنا ..فوق أرضنا .. داخل قدسنا .. على أرض فلسطيننا  .. من شامير إلى رابين , و من بيريز إلى باراك فالشارون الأحقر ..

فهل بعد هذا (المجد) من مجد نسعى إليه , و نريح قلوبنا التي تموت كل يوم ألف مرة من شدة (الفرح) بمايقترفه (الشوارين) و اتباعهم من أجل سلام (الشجعان) في غزة و الضفة و العراق , و بما يقدمه (الثوار) لنا نحن الفقراء البسطاء المستضعفين على أيديهم , المقهورين بأيديهم , المقتولين بأيديهم , المنفيين بأيديهم المعتقلين بأيديهم المنكوبين بأيديهم ... قاتلهم الله أنى يؤفكون . هل تدع لنا كل هذه (الأمجاد)فرصة للتغزل بذوات العيون النجل , و القدود المياسة و ذوات الدل و الدلال ,؟

لا يا سادة

لا يا شعراءنا و أدباءنا و كتابنا و مفكرينا , فالوقت جد و ما يراد بالمنطقة خطير  , فالخرائط ترسم من جديد , و سوف تكون الحدود غير الحدود , و سوف تكون الدول غير الدول ..

ستحتوي الخرائط الجديدة على كيانات أو كانتونات جديدة , تريح بني صهيون  أكثر مما هم مرتاحون الآن و طوال الخمسين سنة الماضية . لا نريد الغزل .. و نريد الإنجاب .. فنحن مقبلون على حروب حقيقية , لا كتلك التي (خاضها) عنا الحاكمون بأمرهم ..و سوف نحتاج إلى ملايين المجاهدين لإيقاف الغزاة من الخارج و الغزاة المستبدين من الداخل .

نريد حداة الركب ,حماة الحمى , يشدون العزائم , و هم يحدون بالجهاد , و يهزجون للقتال , و يضفرون تيجان الغار للمنتصرين على أنانياتهم و مصالحهم و شهواتهم .

نريد الأدب الذي يتناسب مع طبيعة الحياة المتفجرة التي تجتاح منطقتنا العزيزة على أهلها الأحرار , الأبرار,والتي غدت ذليلة بفعل الأذلاء من المفروضين عليها أمام أبالسة الفرنجة ليذلوا الشرفاء من أبناء هذه الأمة المجاهدة و التي لا ينبغى لها إلا أن تكون أمة الجهاد و الاستشهاد , حتى تقف أمام سيول التتار القادمين من وراء البحار , حيث البيوت السود ,و القلوب السود , و العقول السود , منتجة أسلحة الدمار الشامل التي لم يستخدمها سواهم , و يبدو أنه لن يستخدمها اليوم و غداً سواهم ..

من هنا ينبغى أن نبدأ و ننطلق و نواصل المسير المبارك قبل أن تحل بنا الندامة و لات ساعة مندم .

 

عبد الله الطنطاوي