النذير العريان

عبد الله الطنطاوي

إن ما يتعرض له الوطن من الأخطار فظيع مخيف، وسوف يطول كل من عليه من بشر، وما عليه من دابة وشجر وحجر، وما جرى ويجري على الأرض العراقية، نذير أيّ نذير، لمن يحسب حساباً أو يخشى النّذر، ولعل في طليعة من يجب أن يعي تلك النذر، ويتصدّى لتوعية الناس بتلك المخاطر، العلماء والأدباء والكتّاب والشعراء والمفكرين والفنانين، فهؤلاء هم ملح الوطن، وإذا فسدوا فسد الوطن، وإذا استناموا للأوهام، وحلّقوا مع الأحلام ،  أو حيّدتهم أنفسهم المحبطة، التي تزعم لهم أنهم مستضعفون في الأرض، مذّلون مهانون، ليس في أيديهم حيلة، وليسوا مسؤولين عن شيء مما لحق ويلحق بالوطن، وأن أصحاب الحول والطول هم (أولو الأمر) (هذه المقولة السليمة التي غدت أكذوبة فاقعة منذ عهد بعيد بعيد، وازدادت بهتاناً في هذه الأيام) وهم وحدهم المسؤولون عن مصير الوطن، أرضاً وشعباً.. (أولو الأمر الأكذوبة) هم وحدهم المسؤولون أمام الله والتاريخ عن ضياع الوطن، وليس في وسع العلماء والأدباء والمفكرين والفنانين أن يفعلوا شيئاً لإنقاذ الوطن مما يراد به، ويقول قائلهم في جلسة حوار:

- والله.. إن (المسؤولين) مستعدون لإبادة أي مظاهرة سلمية تخرج في العاصمة أو في أي مدينة أو بلدة أو قرية.. مستعدون لإبادتها بالدبابات والمروحيات وراجمات الصواريخ وسواها من الأسلحة التقليدية، وربما يستخدمون ما يخبئونه لمثل هذا اليوم العصيب من أسلحة لا يجرؤون على استخدامها مع العدو الصهيوني..

وضرب لنا الأمثال مما جرى في الثلث الأخير من القرن الماضي، من كوارث ومآسٍ كانت من الفداحة بحيث أصبح رجالنا الشجعان، كأنهم خصيان.

ومن عجب، أن يؤمّن بعض السامرين على ما كان يقوله هذا الشاعر المحبط، والأديب المفكر الدكتور أحمد سليمان الأحمد، الذي اغتالته الأيدي الأثيمة قبل عقد من الزمان.. فقد كان محبطاً في أحاديثه الخاصة، ومحذّراً من أيّ تحرك، حتى لا تقع الواقعة التي جعله تصوّرها يهرب من الوطن، لعله يحول دون وقوعها.

وكنت سمعت مثل هذا من رجل كان من (الأعمدة) ثم سفته السوافي بعد أن أخذوا منه كل ما يريدون.

وما زلنا نسمع مثل هذا الكلام المثبّط المحبط..

ولكنّ الوطن أغلى وأكبر من مظاهرة تسحقها الدبابات.. أغلى من أن يُترك للتدمير، ونحن –الأدباء والعلماء والمفكرين- لا نحرّك ساكناً من أجل الإنقاذ..

إن العواصف الهوج قد اجتاحت وطناً عزيزاً، وصارت قريبة منا، ولن تصدّها أو تردّها تصريحات وتطمينات ومقابلات وخطابات وزيارات.. فهذه أسلاك شائكة لا تستطيع منعها ولا ردّها ولا تأخير اجتياحها عن اليوم الموعود المقرر لها.. لا يردها إلا شعب موحّد قوي مؤمن.. شعب تهمه أرضه، ويهمه مستقبل وطنه، وتهمّه سمعته، ونحن هذا الشعب.. نحن العلماء والمفكرين والأدباء والفنانين.. وكل فرد منا هو النذير العريان.. أو هكذا ينبغي أن يكون.. النذير العريان، فهل من مدّكر؟

عبد الله الطنطاوي