حول ما جرى في قرية قلب لوزة

زهير سالم*

وكأنه لا يكفي الشعب السوري ما يقع عليه من قتل وتدمير وتهجير على يد عصابات الأسد وحلفائه المجرمين ، وكأنه لا يكفي السوريين القتلُ الأسدي ، الذي هو أقرب إلى حرب الإبادة التي تشن على جميع السوريين من جميع الأديان والمذاهب والأعراق والأعمار ؛ حتى تنضم إليها الأخبار التي وردت منذ أمس من قرية (قلب لوزة ) في ريف إدلب فهزت ضمائر السوريين ، ,وأقلقت نفوسهم ، وزادت معاناتهم ، وصبغت الأفق أمام أعينهم بلون قاتم لا يبشر بكثير من الخير ، وفتحت الباب للمزاودات الطائفية أمام قوى محلية وإقليمية ، كان شيمون بيريز الإسرائيلي أبرز المزاودين فيها !!

وبدون الدخول في أي من التفاصيل حول ما جرى .. فإننا نستنكر ونشجب أن يكون السلاح هو الوسيلة الأقرب لحل أي نوع من الخلافات بين الناس . وإذا كان بشار الأسد قد ألجأ السوريين بحماقاته إلى السلاح فإن أحدا من العقلاء لا يجوز أن يقتدي به أو أن يسير على طريقته . لتبقى العقول والقلوب عند أولي الألباب والنهى هي الوسيلة الطبيعية لحل كل أشكال الخلاف بين بشر أسوياء في تكوينهم طبيعيين في جبلتهم .

وكذا فإننا نستنكر كل أشكال القتل النزق ، القتل المستهتر ،الذي يمتد في لحظات من الانفعال ليحصد أرواح العشرات من الناس ، ونراه هو الآخر جريمة أخرى مستنكرة ومدانة يجب على الذين يقدمون أنفسهم بديلا للظالم المستبد الفاتك المبير أن يترفعوا عنها ، وأن يقدموا لكل العالم أنموذجا متميزا من النبل والسمو والحكمة ..

لم تكن الثورة السورية ، كما أرادها ويريدها أبناء المجتمع السوري مشروعا للقتل، بل لقد كانت ثورة على من احترف القتل . بل لقد كان ثوارها أبدا ( من الذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا ) ، فكيف تمتد الأيدي إلى مهج الناس وأرواحهم بالطريقة التي تابعنا ، والتي تعطي الظالم المستبد وكل المتربصين بهذه الثورة حول العالم ذرائع التوظيف والتشهير ..

إن استنكارنا لاعتماد السلاح وسيلة لحل المشكلات التي ستواجهنا عند كل منعطف ، والتي يمكن أن تحل بغيره ؛ شرعي إسلامي مبدأي وموضوعي . وكان معاوية رضي الله عنه يقول ( إن لا أضع سوطي حيث تبلغ كلمتي ، ولا أضع سيفي حيث يبلغ سوطي ) . في الشخصية المعجونة بالعدل والبر يبقى دائما للعقل وللقانون دورهما في احتواء المواقف وحل النزاعات  .

إن استنكارنا  لما نعتبره جريمة قتل واستهتار، لا يمكن أن تسوغها أي ذرائع يحاول البعض أن يختبئ وراءها ؛ لا يقل عن استنكارنا لجريمة أولئك الطائفيين الذين يحاولون أن يوظفوا الواقعة الشاذة المنفردة لتشويه وجه الثورة الجميل ، وإرادة رجالها في الإصلاح دون الفساد ، وفي حرصهم على صون العدل وحماية الحياة .

إن مجتمع الألفة والمحبة والتواصل هو الذي خرجت هذه الثورة تدعو إليه . كما إن كرامة الإنسان وصون دمه وعرضه وماله هي المقاصد الأساسية لشريعة الإسلام . وإننا لنتطلع إلى ترجمة عملية لكل الأدبيات الجميلة التي تعلمناها من سير الصحابة الكرام والقادة العظام في القسط والبر والوفاء ...

ولا نملك في هذا المقام  إلا أن نتوجه بأحر مشاعر العزاء لأسر الضحايا من جميع المواطنين في قرية قلب لوزة ، كما ندعو بالشفاء العاجل للمصابين . منددين بكل محاولات التوظيف والتهييج الطائفي في الوقت الذي تحرز فيه الثورة السورية انتصاراتها في منطقة السويداء وجبل العرب الأشم بشكل خاص .

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية