إرهابيون وقوات برية وشعب سوري: كلمات متحاربة

القدس العربي

في تصريح لوزيرة سلاح الجو الأمريكي ديبورا لي جيمس أمس الثلاثاء قالت إن الحملة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" تتطلب وجود "قوات على الأرض". الأمر ضروري بحسب الوزيرة لأن القوة الجوية "لا يمكنها أن تحتل أو تدير أراضي" مضيفة "هنا نحتاج إلى قوات على الأرض"، ممثلة ذلك بقوات الجيش العراقي والمقاتلين الأكراد وفصائل المعارضة السورية "المعتدلة".

سبقت تلك التصريحات يوم الاثنين الماضي ما قاله رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو حول الحاجة "لاستراتيجية موحدة للتحالف الدولي" تسمح لتركيا بشن عمليات عسكرية برية وجوية وذلك لأن انسحاب "الدولة الإسلامية" سيدفع "مجموعات إرهابية أخرى لملء الفراغ"، ويفهم من هذا التصريح أن المطلوب من "القوات البرية" المذكورة منع تشكيل كيان كردي محاذ لتركيا، يشكله "المقاتلون الأكراد" الذين تريد أمريكا الاستعانة بهم للتخلص من تنظيم "الدولة"!

آخر المصرّحين من الجانب الإيراني كان علي أكبر ولايتي وزير الخارجية الأسبق والمستشار الخاص للمرشد علي خامنئي، الذي قال إن طهران لن تتردد في إرسال "قوات برية" إلى سوريا لدعم نظام الرئيس بشار الأسد و"لمقاتلة الإرهابيين ومن يدعمهم من الدول في المنطقة"، والمقصود بالقوات البرية طبعاً الحرس الثوري الإيراني (المتواجد أصلاً في سوريا) ومن يدور في دائرته من ميليشيات لبنانية أو عراقية، أما الإرهابيون فهم، في التعريف الإيراني، كل من يقف في وجه النظام السوري ويضم ذلك طبعاً "فصائل المعارضة السورية المعتدلة"، وربما المقاتلين الأكراد أيضاً.

ما يلاحظه المتابع لهذه التصريحات هو وضوح الإيرانيين في مقاصدهم من دعم النظام السوري ورئيسه فيما يركّز الأمريكيون على هدف واحد: القضاء على تنظيم "الدولة الإسلامية"، ويقايض الأتراك مشاركتهم البرية ضد "الدولة الإسلامية" بمنع حلول الأكراد، الموالين لحزب العمال الكردستاني في سوريا، مكان تنظيم "الدولة".

ولو تابعنا تصريحات بقية الأطراف العالمية والإقليمية صاحبة النفوذ على الأرض السورية لوجدنا تصريحات مشابهة يتفق فيها الجميع على "محاربة الإرهاب" ولكنهم يختلفون على من هم الإرهابيون، وبالتالي يرفضون تدخل بعض "القوات البرية" لخصومهم ويقبلون بجزء منها.

وبعد تصريح قبل أيام لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الذي جعل تعريف من هي التنظيمات الإرهابية في سوريا ضرورة على مؤتمر فيينا السبت المقبل أن يضعها على جدول أعماله (وتبعه تصريح روسي مشابه أمس) وما سبقهما من تأكيدات على أن بقاء الرئيس السوري بشار الأسد أمر يقرّره "الشعب السوري"، تتزايد المعارك الطاحنة على الكلمات بقدر المعارك الطاحنة على الأرض.

هل يُعتبر الذين تقصفهم طائرات النظام في دوما وحلب وحمص وحماه "شعباً سورياً"، وإذا كان الأمر كذلك فهل يعتبر قصف طائرات النظام السوري وروسيا (وأمريكا أيضاً) للمدنيين السوريين إرهاباً أم أن الإرهاب هو خصيصة الشعوب لا الدول؟

اعتبر الرئيس السوري بشار الأسد في خطاب له مرة السوريين الذين يشكلون "حاضنات شعبية" للمناطق المحررة من سيطرة النظام ضمن الأعداء وهم بالتالي لا يعتبرون شعبا سوريا، ولعل حسابات روسيا وإيران أيضاً المتأكدة من فوز الأسد في "انتخابات ديمقراطية" أن الـ14 مليون لاجئ ونازح صاروا خارج تعريف الشعب السوري.

حرب الكلمات هذه المقصود منها "انتخاب" شعب سوريّ مختصر يعيد "انتخاب" رئيسه المؤبد وينسجم مع تعريفات النظام السوري وحلفائه الروس والأمريكيين، وكذلك "تلبيس" من يقاومون هذا النظام وحدهم تهمة الإرهاب.

من جهة أخرى، لا تبدو الولايات المتحدة الأمريكية شديدة الانشغال بأسباب هذه الحرب الجهنمية وعواقبها على "الشعب السوري" بقدر انشغالها بحرب افتراضية مع "الدولة الإسلامية" كما لو كان ذلك التنظيم غزواً من المريخ لا علاقة له بكسرها للعراق وإشرافها على "اجتثاث" البعث وحل الجيش العراقي، ثم بانشغالها في الحفاظ على النظام السوري بدعوى محاربته.

بمعركتها الجانبية هذه ضد "الدولة الإسلامية" تعيد واشنطن بدورها تعريف الكلمات بالطريقة التي تناسبها، والتي قد تتبدّل حين تحتاج ذرائعيتها ذلك، ونفهم بالتالي "زجرها" أمس لغرام إيران المستجد بالقواميس والذي يقول ما معناه أن أمريكا، وحدها، من يحتكر تفسير معاني الكلمات.