هل نجح الانقلابيون في إشغال تركية بنفسها !؟ وما يرتبه ذلك على السوريين الجادين القاصدين

زهير سالم*

نعم لقد أخفق الانقلابيون في تركية في مشروعهم الآثم الهادف إلى تقويض النظام الديموقراطي الوحيد في منطقتنا العربية والإسلامية .

وبالمقابل فقد نجح الشعب التركي ، والقوى السياسية التركية ومن ثم الحكومة التركية في التصدي للانقلابيين ، وإسقاط مشروعهم ، وحقق الجميع انتصارا يستحقون عليه مع التهاني الصادقة ، الإكبار والتبجيل .

إلا أن ذاك الإخفاق وهذا الانتصار لا يمنعانا أن نقول : إن الانقلابيين الأخفياء ( الدوليين والإقليميين ) ، قد نجحوا ، في الوقت نفسه ، في إغراق الدولة التركية في شبكة من التحديات الداخلية ، تشغلها إلى حد كبيرعن التفكير ، بله مباشرة دورها ، الإقليمي والدولي ، في حرب يسعّرها على العرب والمسلمين ، مربع ( الشر الصهيوني – الصفوي – الأمريكي – الروسي ) . وأن نؤكد أنه سيكون الانعكاس الأكبر للانشغال التركي ، على الساحة الأكثر سخونة في سورية المبتلاة بمؤامرة دولية كبرى عز فيها المتفهم وقلّ الناصر والمعين ..

ولقد سبقت الانقلاب المحبط من قبل محاولات كثيرة لإشغال تركية بنفسها وبمشكلاتها تحقيقا لتهديدات الملالي ومظاهريهم الذين ظلوا يرددون نشعلها من : من ( بحر قزوين إلى خليج العرب ) . فتمت إثارة قوى وتيارات عنصرية وطائفية داخل تركية ، وتم افتعال مشكلات عرفنا في إطار هذا الانقلاب أنه كان منها : إسقاط الطائرة الروسية بتداعياتها وانعكاساتها السلبية المتعددة على تركية وعلى سورية والسوريين .

اليوم وقد أصبح انشغال القيادة التركية بتداعيات الانقلاب الفاشل أمرا واقعا . ولا أحد يستطيع أن يتكهن بصيرورة الوضع في تركية ، وصيرورة السياسات فيها ..

واليوم ولا أحد يستطيع أن يماري في الفراغ الذي سيحدثه هذا الانشغال التركي بالشأن الداخلي ، ولا في الثغرة التي سيخلفها على المستويين السياسي – والثوري ، فإن المطلوب من قوى الجد والصدق على الساحة السورية ، أن تبادر لإعادة تقدير موقفها وتدبر أمرها ، على مستوى ما حصل ، وفي إطار التوقع والاستشراف لما يمكن أن يحصل ..

إن الأمر الذي تواجهه ثورتنا وشعبنا جد وليس بالهزل . إن الهروب من مواجهة التحديات لا يحلها . وإن التهويم في عالم الأمل بلا عمل هو العجز بعينه ( والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ) . إن اللجوء إلى الدعاء هو أول أمرنا وآخره على أن يكون الكامخ بينهما من الحق الذي أمر به ربنا وشرعه لنا ديننا . عزم وتصميم وبصيرة وثبات .

ندرك أن العبء كبير ، وأن الثغرة كبيرة ، ولكن هذا لا يعني أننا لا نستطيع حيال الثغرة الكبيرة شيئا ، ولو أن نحاول على مستوى التفكير . التفكير الجاد يقودنا إلى حسن التقدير ، وحسن التقدير يحدد خطوات التدبير .

إن الشمس والقمر بحسبان . والزمن الذي يجري هو لمصلحة عدونا . وقديما حفظنا ، لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد . (( فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ )) نأمل ألا تذهب الصرخات أدراج الرياح ، فوالله إن الله سائلنا ، وإن الله محاسبنا . وجهد المقل الجاد في مكانه يكون من الكثير الطيب الذي يؤتي ثمره كل حين بإذن ربه ...

سيظل أملنا في الله كبير ، واعتمادنا عليه سابق ، وثقتنا أنه ناصرنا لا حدود لها ...

نسأل الله أن يعين من ابتلاهم بهذا الأمر ، وأن يلهم السداد للمتصدرين . والذكرى التي لا نملك غيرها نريد . والله حسبنا ونعم الوكيل ...

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية