النكسة: الأسباب والمخرج

د.غازي التوبة

قد مر خمسون عاماً على النكسة التي وقعت في 5 / حزيران / 1967، وقد احتلت إسرائيل في نهاية هذه النكسة: سيناء من مصر، والضفة الغربية من الأردن، والجولان من سورية، فما هو الوضع الآن بعد مرور نصف قرن على تلك النكسة؟

 الأمور تزداد سوءاً، والعالم العربي يزداد استسلاماً لإسرائيل وتفككاً، فقد وقّعت دولتان عربيتان الصلح مع إسرائيل وهما مصر عام 1977، والأردن عام 1993، وكذلك منظمة التحرير الفلسطينية وقّعت اتفاق أوسلو مع إسرائيل عام 1993 الذي اعترف بإسرائيل كدولة احتلال، لكن اسرائيل لم تعترف بحق التقرير للشعب الفلسطيني.

 ثم جاء الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، ليُنهي الجبهة الشرقية المتمثلة في الجيش العراقي، ثم جاءت الاضطرابات في سورية لتجعل الجيش يتفكك، فبهذا أصبحت إسرائيل آمنة من جميع محيطها.

 لم يكن احتلال إسرائيل للقدس عام 1967 هو أول احتلال لها، فقد احتل الصليبيون القدس عام 1099، واحتلوا ساحل بلاد الشام جميعه، كما احتلوا مناطق واسعة في بلاد الشام وتركيا، ولكن مع ذلك بدأ أول انتصار عليهم عندما حرّر عماد الدين الزنكي (الرّها) عام 1144 من الصليبيين، وكان ذلك الانتصار بداية الصعود للقوى الإسلامية التي انتهت بمعركة حطين عام 1187 واسترجاع القدس.

 وعند مقارنة الأوضاع في الفترتين نجد تبايناً كبيراً، فهناك انتصار كبير بعد 45 سنة على احتلال القدس، ثم كان هناك انتصار كبير في "حطين" عام 1187، وإنهاء للوجود الصليبي في المنطقة كلها بشكل نهائي، في حين اننا نجد على الجانب الآخر أن إسرائيل ما زالت تتمدد وتتوسع وتتمكّن بعد 69 عاماً من وجودها في فلسطين، فلماذا هذا الاختلاف في النتائج؟

 نجد أن الأسباب هي:

1- تصادم القيادات المعاصرة مع وحدة الأمة الثقافية وأبرزها الدين، في حين تصالحت القيادات السابقة معها.

وكانت الاشتراكية التي سادت في الستينيات هي الأيديولوجية التي تبناها نظام عبدالناصر في مصر، ونظاما البعث في سورية والعراق، وتعتمد هذه الأيديولوجية على محاربة الدين في المجتمع لأنها تعتبره سبباً للانحطاط والتقهقر والتأخر، في حين أن القيادات السابقة كعماد الدين الزنكي، ونور الدين الزنكي، وصلاح الدين الأيوبي، كانت متصالحة مع الدين.

2- النزعة التجزيئية عند القيادات المعاصرة، في حين وجود النزعة التوحيدية عند القيادات السابقة.

تغلبت النزعات التجزيئية القطرية في التعامل مع قضايا الأمة عند القيادات المعاصرة في جعل النتائج سلبية على أرض الواقع، ويمكن أن نضرب مثالاً على ذلك ما فعله جمال عبدالناصر في مؤتمر القمة العربي لعام 1964، إذ أنشأ منظمة التحرير الفلسطينية التي أصبحت مسؤولة عن القضية الفلسطينية، وبهذا انتقلت القضية الفلسطينية، فبعد أن كانت قضية الأمة بعد الحرب العالمية الأولى وساهم في القتال على جبالها السوري والعراقي واللبناني إلخ....، أصبحت عام 1964 خاصة بالفلسطينيين، وقس على ذلك بقية القضايا.

في حين أن القيادات السابقة كانت ذات نزعة توحيدية، فبعد أن حكم عماد الدين الزنكي الموصل عام 521هـ، حكم حلب عام 522هـ، ثم استولى على حماه في العام التالي، ثم حكم مصر عام 532هـ، ثم انتزع "الرها" من الصليبيين عام 533هـ - 1144.

3- غياب الاستقلال الاقتصادي في العصر الحديث هو أحد عوامل خسارتنا للحرب، في حين تحقق الاستقلال الاقتصادي في الدولتين الزنكية والأيوبية.

لقد كان السبب المباشر لمعركة حزيران عام 1967 هو أن مصر كانت تتلقى قروضاً مجانية من القمح من قبل أمريكا، ثم أوقفت أمريكا فجأة هذه القروض معاقبة لجمال عبدالناصر على بعض المواقف السياسية، فردّ عبدالناصر على تلك الخطوة بسحب البوليس الدولي الذي كان يقف حاجزاً بين مصر وإسرائيل، فاعتبرت إسرائيل هذه الخطوة إعلان حرب، ثم وقعت النكسة.

لقد كان افتقاد الاستقلال الاقتصادي للدول العربية في العصر الحاضر هو أحد العوامل في ارتهان القرار السياسي والعسكري بيد الخارج، لكننا نرى في المقابل أن الدولتين: الزنكية والأيوبية، صاغا اقتصادهما ليكون في خدمة الدولة الحربية، فبعد أن كان الاقطاع الإداري هو السائد في الدولة السلجوقية، أصبح الإقطاع العسكري هو الخط الاقتصادي المتبع لدى الدولتين: الزنكية والأيوبية، وهو الأنسب لتجييش الجيوش في مرحلة مواجهة الصليبيين.

الخلاصة: هذه هي العوامل التي جعلت ميزان القوة والانتصارات تبدأ بعد 45 عاماً لدى الدولة الزنكية فحررت "الرها" عام 1144، في حين مرّ على النكبة 69 عاماً وعلى النكسة 500 عاماً ولم تستطع الدولة العربية المعاصرة أن تحرر شبراً واحدةً مما احتلته إسرائيل، ليس هذا فحسب، بل إن الأمور تسير من سيئ إلى أسوأ في الوقت الحاضر.