شفشاون مدينة ساحرة من زرقة السماء في المغرب

شفشاون مدينة ساحرة

من زرقة السماء في المغرب

بدل رفو المزوري

[email protected]

صباحاً وقبل أن ترسل الشمس أشعتها الذهبية في مدينة شفشاون، سلكت الطريق من مخيم (ازيلاند) الذي يقع على سفح الجبل المطل على المدينة صوب الصخور التي تشكل مكانا لرؤية المدينة القديمة على شكل بانورامان، لرؤية منظرها في الصباح والتمتع بضوء الصباحات الشاونية، وقتها يراود الإنسان شعور بأن هناك صراعاً ما بين زرقة المدينة وشعاعات الشمس، حيث قوة اللون الازرق في المدينة القديمة  زاد من سحرها وأما أهل المدينة القديمة لهم كلمة حول اللون الأزرق فهم يصبغون جدران بيوتهم بهذا اللون لمقاومة العيون الشريرة والحساد ولكن بالرغم من هذا القول إلا أن اللون الأزرق يمنح المدينة رومانسية فائقة وكذلك الأزقة الضيقة للغاية وطيبة الناس. تجولت في المدينة القديمة الساعة السابعة صباحاً من أجل التمتع بالازقة والهدوء واللون الأزرق وساحاتها الرائعة وبعدها كي افطر فطورهم التقليدي(البَيْصَر) وهي شوربة الفاصوليا.

في المدينة القديمة تمتزج أصوات الأطفال ولعبهم بأصوات الباعة والموسيقى الأندلسية والحضرة الشاونية، وأما الحمير فلهم حكايات وحكايات حيث تجر العربات في الازقة الضيقة، وفي الصيف ترتفع درجة الحراراة بشكل ملحوظ  لكن الحيطان الزرقاء تمتصها ولهذا يتخذها السواح قبلة لهم وبالأخص السواح الإسبان لأنها ليست بعيدة عن الحدود الاسبانية، وتمتاز المدينة القديمة بوجود مقاه شعبية خاصة  بالشاي المنعنع وبجامعها الكبير ذو منارة لها ثمان زوايا وتقع في الساحة الرئيسية حيث تجمع السواح، وأما القصبة فقد تم بناؤها من قبل مولاي إسماعيل عام 1700 م وفيها المتحف الفني ومركز الدراسات والبحوث الاندلسية .

مدينة شفشفاون تعني انظر إلى القمم، وأكثر أسماء المدن المغربية هي أسماء بربرية، وتقع المدينة بين جبلين عملاقين وقد شيدها مولاي علي بن راشد عام 1471 م وضريحه يقع في مركز المدينة. ومن المدينة القديمة وعبر الأزقة الضيقة والسلالم الحجرية ومرورا بأجمل البيوت الشاونية لغاية الوصول إلى رأس الماء وهو الماء الذي ينبع من منابع جبلية ويعد ثاني اكبر منابع المياه الجوفية في إفريقيا ومن بعيد يمكن ملاحظة الشلالات والينابيع، لكن قبل الوصول إلى رأس الماء لا بد من المرور بالمحلات المغربية الخاصة ببيع الهدايا للزوار والسواح وخاصة الزرابي والسجاد فالمغرب مشهور بالسجاد الذي يصنعه الأمازيغيون، والمطبخ المغربي مشهور بالطاجين أي الإناء الفخاري وتشيكلة متنوعة من الخضراوات واللحم والسمك أيضا ولكن المغاربة يسمون السمك بالحوت.

خلال الأيام التي قضيتها في شفشاون التقيت بأدبائها وفنانيها وأحببت أن أمد الجسور الثقافية ما بين شعبينا وتحدث لي الكاتب (المفضل الجيدي) وله روايات مخطوطة وجاهزة للطبع حين سالته ان كان الادب والفن في شفشاون ينسجمان مع جمالية المدينة وتاريخها فاجابني قائلا:فعلا الادب والفن حاضران في المجتمع الشاوني فلدينا شعراء وفنانون تمكنوا أن يصوروا مشاعر المدينة وعمق مشاعرها المتناقضة، لنا شعراء يكتبون برقة وهم مفتونون بجمالية المدينة ولياليها القمراء في الصيف، ولنا شعراء كبار في المدينة ومنهم عبدالكريم الطبال، محمد الميموني، أحمد بن ميمون، وكذلك فنانون تشكيليون  منهم محمد الخزو، محمد بن حقون، بالاضافة إلى الموسيقى الأندلسية العريقة التي لاتزال  تحافظ على الإيقاعات والمقامات القديمة.

فنانون وشعراء يلتقون في مقهى الفراشة والتي تعود لأشهر العوائل الشاونية عائلة (حجام)، ناس طيبون التقيتهم برفقة الشاي المنعنع وحدثتهم عن شعبي الجبلي وزرت الفنان الكبير والذي يعد تاريخ شفشاون محمد بن حقون في بيته الأشبه بمتحف كبير وخلال زيارتي الى مجمع محمد السادس للثقافة والفنون والرياضة رحب بي مدير المجمع الشاعر المغربي الزجال عبدالمنعم ريان وقد صدرت له عدة دواوين شعرية وتحدث لي بان المجمع يعتبر متنفساً لأبناء المدينة لممارسة أنشطتهم الثقافية والرياضية ويضم لواء الجمعيات المدنية وهو تابع للجماعة الحضرية للمجلس البلدي وشيد عام 2010 وقال بأن لديهم الرغبة في التبادل الثقافي مع اي ثقافة اخرى كيفما كانت واخذني قبل الوداع في جولة في المجمع وأهداني كتبه وقال لي أنت الكوردي الأول الذي التقيه في حياتي ..

في المدينة القديمة التقيت بشخصيات من صميم المجتمع الشاوني وكذلك دعتني سيدة لمشاهدة وتصوير دارها الذي اتخذ منه المقاومون جبهة للحرب ضد الإسبان،  وحين سألت أحدهم إن كان سبب بناء المدينة كي تكون سدا ضد الاستعمار الاسباني فلم قد تم اليوم شراء نصف المدينة القديمة من قبل الإسبان، أفلا يكون هذا أيضا استعمارا جديدا؟ فأجابني بضحكة؛ وقال إنهم ينقذون المدينة القديمة من سكانها الذين لا يعرفون قيمتها وأصالتها ووقتها تذكرت أحد افلام (داستان هوفمان) في فلمه الصغير الكبير حين قال جملته المشهورة(عدوي قتل صديقي وبهذا أنقذ حياتي من الموت).

شفشاون مدينة الزرقة والسحر والأجمل أنهم أحبوا شعبي من خلال سردي لحكايات وطني فيا ريت أن يكون هناك تبادل ثقافي بين شفشاون وكوردستان.!!!