رحلاتي إلى الجزائر

رحلاتي إلى الجزائر

حسين الأعظمي

الحلقة (1)

فكرة مختصرة

يعود تاريخ أول رحلة لي الى أرض الجزائر العربية ، الى أواخر تموز (July) حتى بداية آب (August) من عام 1979 ، وذلك في مهرجان الموسيقى التقليدية الدولي الذي أُقيم بالجزائر ، حين شاركت فرقتنا الموسيقية الأثيرة (فرقة التراث الموسيقي العراقي) التي أسسها والدنا الروحي الموسيقار الراحل منير بشير قبل انتصاف السبعينات من القرن الماضي .. وكنت من الأعضاء الأوائل لهذه الفرقة ، وهي تابعة إداريا الى دائرة الفنون الموسيقية في وزارة الثقافة والاعلام ، وفي هذه السفرة الفنية كنت بصحبة فنانين كبار على رأسهم فنانة القرن العشرين مائدة نزهت فضلا عن بقية الفنانين الآخرين الكبار كالفنان المخضرم عباس جميل والمطرب الكبير عبد الجبار الدراجي والمطرب ابراهيم العبد الله ، اضافة الى اعضاء الفرقة الموسيقية ، حيث كنت أصغرهم سناً ، وفي وقتها تجولنا في بعض المدن وأقمنا بعض الحفلات في مدن البليدة والشريعة وتيزي ووزو وسيدي فرج وأخيراً في قاعة (الموقار) الشهيرة بالعاصمة الجزائرية التي تم تسجيلها تلفزيونيا ..

قدِّر لي أن أعود الى هذا البلد العربي الأبي ، بعد أكثر من ربع قرن من الزمان ، بدعوة كريمة من الديوان الوطني للثقافة والاعلام من خلال مديره العام الاستاذ لخضر بن تركي الذي كنت قد سمعت عنه الكثير قبل تعرفي على شخصه الكريم في نيسان 2005 عندما إلتقينا إبان حضورنا (مؤتمر المهرجانات العربية) بامارة الشارقة في الامارات العربية المتحدة الذي أقامته مؤسسة يبوس للانتاج الفني في القدس من 20 الى 24 نيسان 2005 في إطار مهرجان بينالي الشارقة وتحت رعاية سمو حاكم الشارقة الدكتور سلطان بن محمد القاسمي ..

وفي الشارقة توطدت علاقتي بالاستاذ لخضر بن تركي حيث كنا نلتقي في أغلب أوقات غدائنا وعشائنا في الفندق وفي تجوالنا خارج الفندق .. وقد نتج عن ذلك ، دعوته الكريمة الى الجزائر لاقامة بعض الحفلات الرمضانية ومناسبة مرور اكثر من خمسين عاما على الثورة الجزائرية الباسلة في تشرين الاول (October) من نفس العام 2005 ..

 

مجموعة من اعضاء فرقة التراث الموسيقي العراقي في الجزائر اواخر تموز1979 من اليمين المرحوم حسن النقيب والمطرب عبد الجبار الدراجي وباهر الرجب وحسين الاعظمي وابراهيم العبد الله ومائدة نزهت والمرحوم عباس جميل وابراهيم عبد نادر ..

أترك تفاصيل يوميات سفرتيَّ الاولى عام 1979 والثانية عام 2005 الى الجزائر ، وكذلك يوميات سفرتي الى الشارقة بالامارات العربية المتحدة 2005 ،ٍ لانها مدونة في أحد أجزاء كتابي المخطوط (من ذاكرة أٍسفاري) وأبدأ معكم أعزتي القراء الكرام من احدث سفراتي هذا العام الى الجزائر في كانون الثاني (January) .. موعد افتتاح الجزائرعاصمة للثقافة العربية لعام 2007 .. وهي رحلتي الثالثة الى الجزائر ضمن تسلسل رحلاتي اليها ، وبعد أكثر من شهرين منها كانت رحلتي الرابعة عند مشاركتي في المؤتمر الدولي في موضوع الحضارة الاسلامية بالأندلس في أوائل نيسان (April) هذا العام .. وقد سبقتُ ذلك حين نشرتُ لكم قبل أسابيع سفرتي الى القاهرة منتصف آذار (March) من هذا العام ومشاركتي المزدوجة في البحث والغناء ..

 في البحث ، كان عنوان بحثي (المقام العراقي في خمسةٍ وسبعين عاما 1932 – 2007) وحفلتي ضمن سلسلة حفلات الفنانين العرب على هامش المؤتمر الذي أقامه المجمع العربي للموسيقى في ذكرى مرور 75 عاما على انعقاد أول مؤتمر للموسيقى العربية كان قد عقد بالقاهرة عام 1932 .. وكانت حفلتي في يوم 13/3/2007 على مسرح الجمهورية الكبير وسط القاهرة ، حيث تم تمويل هذا المؤتمر من قبل شركة الاثير العراقية للاتصالات المتنقلة MTC .. ولعلمكم اخوتي الافاضل , ان هذه اليوميات سأُعدّها من جديد وأُصدرها ككتاب في الجزائر او في بيروت ان شاء الله , وإليكم سادتي القراء ما دوَّنتهُ لكم عن رحلتيَّ الى الجزائر وهي الرحلة الثالثة والرابعة 2007 في سلسلة رحلاتي إليها ، مع شكري الجزيل لتجشمكم عناء القراءة ..

ودمتم لأخيكم

*********************

 

 الجزائر

 عاصمة الثقافة العربية

 2007

 في الأيام الأخيرة من عام 2006 فوجئت باتصال هاتفي جاءني من أخي الفنان الجزائري المعروف محمد بوليفة ، وهذا الفنان تربطني به علاقة طيبة ، حيث كان هو وفنانة جزائرية اخرى وهي المطربة حميدة تريمة ، من طلبتنا في معهد الدراسات النغمية العراقي منذ أواخر السبعينات حتى انتصاف الثمانينات ، وهما اليوم يشغلان منصبي مديري معهدين للموسيقى في الجزائر .. فمحمد بوليفة مدير المعهد الوطني للموسيقى في الجزائر العاصمة ، وحميدة تريمة مديرة المدرسة الموسيقية في مدينة عنابة .. على كل حال ، نظرت الى هاتفي فوجدت المكالمة قادمة من الجزائر بعد ان شاهدت الرقم على الشاشة الصغيرة للهاتف ، ولكن الفنان محمد قال لي انه يتحدث من سورية من خلال هاتفه الجزائري , وأردف قائلاً , ان مكالمته هذه هي للتأكد من وجودي في عمان ، وما دام الامر كذلك فإنه سيأتي الى عمان خلال هذه الايام .. ولكنه فاجأني مرةً أُخرى حين إتصل بيَ من عمَّان في اليوم الثاني 25/12/2006 الذي صادف عيد الميلاد المجيد (Merry Christmas) وأخبرني بضرورة لقاءنا على وجه السرعة , لأنه والوفد الذي برفقته سيعودون عصر اليوم مرة أُخرى الى دمشق في طريقهم الى الجزائر ، ولن يمكثوا سوى ساعات قليلة في عمَّان ، وفي جعبتهم أعمال ثقافية في سورية والأردن لابد ان ينجزوها في هذا الوقت القليل ..!

 كانت مكالمته هذه من هاتف السفارة الجزائرية في عمان .. وما هي إلا دقائق حتى جاءتني سيارة السفارة لتأخذني إليهم ، وفي السفارة إلتقيت بسعادة السفير الجزائري في عمان د. علي عروج ، إذ كنتُ على معرفةٍ به منذ أن إلتقيت بسعادته اول مرة في آثار جرش ظهر يوم 5/12/2005 عندما ذهبت وصديقي الكاتب الأردني الكبير فخري قعوار الى جرش للقاء معالي السيدة خليدة تومي وزيرة الثقافة الجزائرية وهي في طريقها الى أرض الوطن عن طريق دمشق , حيث سبق لي التعرف على معاليها يوم رعت أول حفلة لي في جولتي الفنية الجزائرية يوم 26/10/2005 بقاعة الموقار في العاصمة الجزائرية .. كذلك إلتقيت بسعادة السفير الجزائري في بغداد د.مصطفى بو طورة الذي تعرفتُ على سعادته عندما كان حاضراً في حفلتي يوم 21/7/2006 ضمن الاسبوع الثقافي العراقي الذي أُقيم بعمَّان في فندق (راديسون ساس) .. كذلك كان لقائي بأخي محمد بوليفة حميماً جداً .. ثم تعرفت على اعضاء الوفد الجزائري وهم د. محمد العربي الزبيري ، وهو أُستاذ جامعة وسياسي معروف ، والسيدة حورية محمد مدرِّسة الباليه في وزارة الثقافة ، و الكاتب الصحفي فريد معطاوي ..

 لم نتحدث كثيرا , وهمَّ الجميع بالخروج لتناول الغداء في مطعم (ابراهيم السلطان) في منطقة أُم أُذيْنة بعمان بدعوة من سعادة السفير د. مصطفى بو طورة .. وبعد حين إنظم إلينا الاعلاميِّان الاردنيِّان رشاد ساوة والسيد عبد العزيز ......... ؟ اللذين أتشرف بمعرفتهما لاول مرة ، وعلى طاولة الغداء الذي أخذ اكثر من ساعتين من الوقت ، دار الحديث عن زيارة الوفد الذي جاء يحضِّر ويهيٍئ للافتتاح الجماهيري والرسمي للجزائر العاصمة الثقافية العربية لعام 2007 إعتباراً من يوم 11/1/2007 ، فجرى الحديث عن شخصيات بكافة الاختصاصات من العراق والأردن يمكن دعوتهم لحضور هذه التظاهرة التي ستعيشها الجزائر طيلة عام 2007 وكذلك تم الحديث عن فرقة موسيقية عراقية شعبية وفرقة أردنية مناظرة للمساهمة مع بقية وفود الدول العربية الاخرى التي تمت دعوتها في وقت سابق ، وإتفقنا على التخاطب عن طريق الانترنيت خلال الأيام القريبة القادمة من أجل تسمية بعض الأسماء من الشخصيات المختلفة الاختصاصات .. ومن حيث المبدأ فقد تمَّت دعوتي شخصياً لحضور الافتتاح مطلع العام القادم ..

 اقتربت الساعة من الخامسة عصراً وقد همَّ الجميع بالانصراف ومغادرة المطعم ، ونحن في الطريق مررنا في مكتب السيد عبد العزيز والسيد راشد ساوة في عمارة بسمان مقابل فندق القدس بعمَّان ، وخلال دقائق غادر الوفد الجزائري متوجهاً الى دمشق في طريق عودته الى أرض الوطن ، بعد أن قضينا ظهرية جميلة جداً ، ثم تفضل السيد راشد ساوة وأوصلني الى بيتي في جبل الحسين بعمَّان ..

 بعد أيام قليلة ، إتصل بي سعادة السفير د. مصطفى بو طورة في ظهر يوم 3/1/2007 ودعاني للِّقاء ، وفي الرابعة عصراً جاءتني سيارة السفارة وأخذتني الى سعادة السفير وتحدثنا بالموضوع وقال إن وزارة الثقافة الجزائرية ترغب بحضور الفرقة القومية للفنون الشعبية العراقية وليس الفرقة المقترحة سابقاً ، ولابد من العمل سريعاً على تهيئة الفرقة القومية حيث لا وقت لدينا .. طمأنتُ السيد السفير ووعدته خيراً ، وفي اليوم التالي عملت المستحيل حتى إستطعت أن أحصل على هاتف أخي الفنان الكبير فؤاد ذنون رئيس الفرقة القومية للفنون الشعبية الموجود في دمشق ، بمساعدة أخي الاعلامي المعروف شاكر حامد الذي أخبرني بوجود الفنان فؤاد في دمشق وأعطاني رقم هاتفه ، وعلى وجه السرعة إتصلت بسعادة السفير د. مصطفى بو طورة وأعطيته رقم الهاتف ليتسنى الاتصال به وترتيب كل شئ يرغبون به ، شكرني كثيراً ، وبذلك تخلَّيتُ عن مسؤولية تحضير الفرقة الموسيقية الشعبية .. رغم أنني كنت قد أرسلت الكثير من أسماء الشخصيات العراقية ممن كان حاضراً في ذاكرتي الى أخي الصحفي فريد معطاوي في نفس اليوم 3/1 عن طريق عنوانه الأٍلكتروني ..

 بعد عصر يوم 7/1/2007 كنت مع أخي وصديقي الغالي فؤاد الجنابي على موعد مع المجلس الثقافي الشهري للفنانة العراقية سميرة عبد الوهاب التي بدأت باولى جلساته في بيتها بعمَّان في الشهر الماضي 7/12/2006 (وتم تحديد اليوم السابع من كل شهر موعدا لاقامته ) ، وكانت الجلسة الاولى في هذا اليوم 7/12 باستضافة الشاعر الشعبي عباس جيجان الذي أسمعنا الكثير من قصائده الجميلة .. وفي الجلسة الثانية لهذا المجلس الثقافي بعد مرور شهر على الجلسة الاولى التي صادفت هذا اليوم 7/1 تم إختياري لإلقاء محاضرة عن المقام العراقي ، وقد سبق للفنانة سميرة إقامة هذا المجلس في الكاليري الذي كانت تديره ببغداد منذ عدة سنوات ..

 في محاضرتي هذا اليوم التي شملت محاور عديدة فيما يخص المقام العراقي ، كانت قناة الجزيرة الفضائية القطرية موجودة وسجلت لقطات كثيرة من المحاضرة فضلاً عن لقاء قصير معي وآخر مع الفنانة سميرة .. وعُرض التقرير التلفزيوني عصر اليوم التالي من قناة الجزيرة ، وقبل أن أُلقي محاضرتي بقليل كان سعادة السفير الجزائري د. مصطفى بو طورة قد إتصل بي وقد بدا عليه الاهتمام بموضوع مكالمته هذه ، ودعاني ظهر الغد الى السفارة لأشغال ضرورية تتعلق بفناني العراق المزمع دعوتهم الى الجزائر ..! وأخبرني ان د. محمد العربي الزبيري موجود الآن في دمشق وسيأتي ظهر الغد الى عمَّان لهذا الغرض ..

 في ظهيرة اليوم التالي 8/1/2007 إتصل بي سعادة السفير د. مصطفى بوطورة وأبلغني بوصول د. العربي الزبيري الى عمَّان ثم أرسل سعادته سيارة السفارة التي اقلَّتني الى السفارة .. تحدثنا قليلا ثم خرجنا الى مطعم .................. ؟ في أُم أُذيْنة ايضاً ، وعلى طاولة الغداء تم كل شئ ..! حيث بدأ سعادة السفير الحديث بإخباري أن الفرقة القومية العراقية للفنون الشعبية لن تستطيع الحضور الى الجزائر هذه الايام ، أي خلال افتتاح الجزائر عاصمة الثقافة العربية لهذا العام 2007 لأسباب أهمها صعوبة جمع أعضاء الفرقة في ظل الظروف الآنية التي يعيشها العراقيون ، وعليه لابد أن نعود الى الفرقة التي تم الإقتراح على مشاركتها منذ البداية إنطلاقا من الرغبة القوية من قبل الاخوة الجزائريين بضرورة مشاركة العراق في هذه التظاهرة الشعبية التي ستطوف شوارع العاصمة الجزائرية في أكبر إحتفال جماهيري تشهده العاصمة الجزائرية يوم 11/1/2007 ، ناقشنا الموضوع ، ثم قلتُ لسعادة السفير والسيد د. العربي الزبيري , إن قضية الاعتماد على عازفين عراقيين موجودين في الأردن يبدو صعباً حالياً لظروف العراقيين الحالية في الاردن ، وذلك تجنباً من عدم إمكانية دخولهم مرة اخرى الى الأردن عند العودة من الجزائر .. على كل حال إتصلنا بعازفين عراقيين موجودين في سورية ، وبعد جهد جهيد إستطعتُ تكوين فرقة إيقاعية بمختلف الآلات الايقاعية منها الطبلة والطبل والخشبة والمزهر والرق والطار اضافة الى عازف على آلة الزرنة ، وكان عددهم ستة (6) وهم محمد خميس خلف وعمر احمد مجيد (عازف الزرنة) ورافل احمد مجيد واحمد بدر حمد وجواد كاظم جواد وهشام عباس عبد الرحمن .. وبعد ذلك تم الاتصال بالسفارة الجزائرية في دمشق وكذلك مكتب الخطوط الجوية الجزائرية في دمشق وأبلغنا العازفين بالذهاب الى السفارة الجزائرية بدمشق للحصول على الفيزةٍ ، وتم ترتيب كل شئ ، حتى أن السائق الخاص بسعادة السفير د. مصطفى بو طورة أخذ جوازي وذهب به الى السفارة الجزائرية بعمَّان للحصول على الفيزة .. وهكذا لم ننهي غداءنا حتى تم ترتيب كل شئ ، عندها تقرر السفر هذا اليوم الى سورية ومن هناك مباشرة الى الجزائر ..! شعرت ببعض المفاجئة من سفري بعد الغداء مباشرة ، ولكن الامر لابد منه حيث لا وقت لدينا لتضييعه .. وهنا أٍتذكر كلمة قالها السيد د. محمد العربي الزبيري ونحن لم نزل على طاولة الغداء ، بأن وفدي فلسطين والعراق لوحدهما فقط قد تم دفع كافة تكاليف سفرهما الى الجزائر نظراً لظروف البلدين العربيين ، في حين أن بقية الدول العربية المشاركة كانت تذاكر طائرة وفودها على حسابها ..

 كان الأستاذ د. العربي الزبيري قد قدِمَ من دمشق بسيارة سعادة السفير الجزائري في دمشق .. مع السائق السوري وليد ..... ؟ خرجنا من المطعم وإتجهنا الى بيتي في جبل الحسين بعمَّان واتصلتُ بأولادي لأجل تحضير حقيبة السفر ، وبسبب الحالة السريعة والمستعجلة ، فقد نسيت بعض الأغراض التي أحتاجها في سفري .. وفي الساعة الخامسة عصراً تقريباً تحركت بنا السيارة متوجهة الى دمشق حتى وصلناها في المساء وذهبنا الى السفارة الجزائرية وقد كان أهم شئ عندي هو الاتصال بشقيقي الغالي محمد واثق أبي هدى الذي مضى على وجوده في دمشق أشهراً لصعوبة دخوله الى الأردن في ظل الظروف الحالية ، آملا لقاءه ، وهو أخي الأكبر ، وبعد الاتصال به من قبل هاتف السفارة فوجئ جداً بوجودي في دمشق ، ورغبنا طبعاً أن نلتقي ولكنني إكتشفت أن مكان إقامته بعيد نسبياً عن السفارة الجزائرية ، فضلاً عن الوقت القليل المتبقي للذهاب الى المطار للسفر الى الجزائر .. فاكتفينا بهذا الهاتف وهو أضعف الايمان رغم إلحاحهِ بالمجئ ، وفي هذه الاثناء كان الاستاذ د. العربي الزبيري قريباً مني وقد إستمع بطبيعة الحال الى بعض المكالمة وفهم أنني لن ألتقي بأخي محمد واثق بسبب بُعد مكانه عن السفارة وضيق الوقت .. فسألني ، هل هو أخوك ..؟ فأجبته : نعم ، فما كان منه إلا أن أمر سائق السفارة بتوصيلي الى أخي لتحقيق اللقاء ، وقد كان موقفاً نبيلاً منه ، وإتصلت بأخي وأخبرته بمجيئي إليه واتفقنا على المكان ،ٍ وما هي إلا دقائق حتى وصلتُ إليه وكان لقاءاً مثيراً جداً حيث لم أُشاهد أخي يبكي في حياتي كلها ، فرحاً بهذا اللقاء أم حزناً من ظروفنا التي يعيشها كل العراقيين ، أفعمتني هذه اللحظات وأجَّجتْ مشاعري ، فرحاً أم حزناً ، حتى أنا لا أدري ما أقول .. أراد بي الذهاب الى شقته اذ كانت معه السيدة زوجته وإبنته إلهام ، ولكن السائق إعتذر عن الذهاب لعدم إمكانية ذهاب سيارة السفارة الى هناك ، فضلا عن أن الوقت قد أدركنا فعلاً بحيث لم أستطع الذهاب معه الى الشقة وقررتُ المغادرة فوراً بوداع تملؤه الحسرة ..

 في هذه الأثناء كنت قد إتصلت من هاتفي الأردني بأخي وليد حسن الحيالي أبي خالد وأخي مؤيد اكرم السامرائي أبي أركان ، وهما من أصدقاء الطفولة ، وما هي إلا دقائق قليلة حتى وصلا ومعهما خالد ومروان إبنا وليد وخرجت وإيَّاهم من السفارة نتجول في المدينة وتناولنا العشاء معاً ثم عدتُ الى السفارة بعد ان ودعتُهمْ حتى تواروا عن الأنظار .. وفي هذه الأثناء كنت أيضا قد إتصلت بخال أولادي السيد غسان الجبوري وبعض أصدقائي وإعتذرت طبعاً عن اللقاء وبقيت في السفارة حتى تكامل أعضاء الفرقة الشعبية كلهم ، ثم تحركت بنا سيارة السفارة متوجهة الى مطار دمشق الدولي والساعة تشير الى انتصاف الليل ، ولم تقلع بنا الطائرة الجزائرية في وقتها المحدد ، وتأخرت أكثر من ساعة ..

 قدِّرَ لأعضاء الفرقة الشعبية العراقية خلال ساعات أن يغادروا دمشق في الساعات الاولى من صباح يوم التاسع من كانون الثاني 2007 ليصلوا الى الجزائر عند الساعة السابعة والربع صباحا بتوقيت الجزائر ، في سفرة فنية مفاجئة ، لم تكن في حسبانهم ..!! هبطت بنا الطائرة الجزائرية في مطار الجزائر بومدين الدولي والظلام لم يزل قائما ..! حيث يتأخر الشروق في الجزائر في مثل هذا الوقت من العام ، ويذكر ان فرقة (أُميَّة) الشهيرة للفنون الشعبية السورية كانت في الطائرة معنا وهي مدعوة أيضا الى تظاهرة الجزائر .. وفي المطار إستقبلتنا وسائل الاعلام المختلفة ، وأُجريت معي وبعض اعضاء الوفد ومع الاخوة السوريين لقاءات تلفزيونية وصحفية عديدة ، ثم إستقلت فرقتنا الشعبية سيارة ( حافلة ) خاصة بالوفود وتوجهت الى الفندق وأخذتني سيارة صالون خاصة برؤساء الوفود الى الفندق نفسه وهو (فندق سفير مزفران) الكائن في مدينة زرالدة على البحر الابيض المتوسط مباشرة في منطقة من اجمل مناطق السياحة الجزائرية .. وهي تبعد عن العاصمة أربعين كيلو متر تقريبا ..

 في مساء هذا اليوم نفسه جاءت سيارة خاصة وأخذتني أنا وأخي رئيس الوفد المصري السيد محمود عيسى رئيس فرقة التنورة لفنون التراث الشعبي المصري الموجود مع فرقته قبل يوم من وصولنا ، الى دار الاذاعة والتلفزيون الفضائي الجزائري حيث تم اللقاء بنا معاً في برنامج (خليك معانا) الذي تقدمه المذيعة سهام ، دام نصف ساعة تقريبا على الهواء مباشرة .. وقد كان مجمل الأسئلة والأجوبة تدور حول المناسبة الثقافية للعاصمة الجزائرية العربية ..

 في صباح اليوم التالي 10/1 جاءني أخي وصديقي العزيز السيد مختار حيدر الذي سبق أن تعرفت عليه في الجزائر العاصمة تشرين اول عام 2005 , كان لقاؤنا حميماً ثم ذهبنا بسيارته الى وسط المدينة حيث إشتريت بعض الملابس لحاجتي إليها في الجزائر لأنني نسيت بعض الاغراض بسبب العجلة التي غادرنا بها عمان الى دمشق عصر يوم 8/1 .. وبعد ذلك فضَّلت تناول غدائنا وسط العاصمة في أحد المطاعم المطلة مباشرة على البحر الابيض المتوسط ، ولم نعد الى الفندق إلا والساعة تقترب من السادسة مساءا ..

 في اليوم التالي 11/1 وهو اليوم المشهود الذي لم تشهده مثله الجزائر منذ زمن قد يكون بعيداً ، إنها التظاهرة الثقافية التي لم يسبق لأي افتتاح ثقافي أن يكون بهذه الضخامة والفخامة من الاعداد والتهيئة وحسن التنظيم .. فبعد أن تناولت الوفود إفطارها الصباحي في الفندق ، هب الجميع الى السيارات الكبيرة الواقفة في باب الفندق ، فصعد كل وفد في السيارة المخصصة له وانطلقت السيارات متوجهة الى وسط المدينة في مكان إنطلاق التظاهرة .. ثم صعد رؤساء الوفود بالسيارات المخصصة لهم ،ٍ فكنت في سيارة واحدة مع أخي المصري محمود عيسى والسيدة فاطمة بو حمدون رئيسة الوفد السوداني .. وعندما وصلنا الى حديقة كبيرة وسط العاصمة حيث تجمَّعت فيها كل الوفود العربية بفرقها الفنية الشعبية وقد أخرج كل وفد آلاته الموسيقية الشعبية وطبوله الايقاعية المختلفة ومعها طبعاً الفرقة الشعبية العراقية ، وأخذ الجميع يعزف ويغني ويرقص ، كل فرقة على إنفراد في آن واحد ، حيث تبعد فرقة عن أُخرى بعض الامتار ، وأصبح الجو مشحوناً بالأُلفة والمحبة والتوادد والتقارب والتفاعل الكبير بين أبناء الشعب العربي جميعاً .. وفي هذا الخضم كانت عشرات القنوات التلفزيونية الفضائية والصحافة وكل وسائل الاعلام العربية والأجنبية تغطي هذه الفعاليات العفوية قبل ان تبدأ تظاهرة الافتتاح الجماهيرية ، وتلتقي برؤساء الوفود والفنانين في جوٍ هائلٍ من الإلتحام الأخوي .. وإستمر الأمر على هذا الوضع أكثر من ساعتين ..! حتى أُعلن عن بدء الافتتاح الجماهيري الشعبي , فقد هيأ الاخوة الجزائريون سيارات كبيرة (شاحنات) وضع على ظهرها رموزا آثارية وتراثية شامخة يتميز بها كل بلد عربي ، تم نحتها وإعدادها من قبل فنانين رسامين تشكيليين جزائريين .. فكانت سيارة الوفد العراقي قد تزيَّنت بنحت جميل لملوية سامراء وآثار بابل وأسدها الشامخ ونخلة العراق الشامخة وعلاء الدين والمصباح السحري .. وهكذا كانت سيارات الوفود الاخرى مزينة برموز بلدانها ..

 إن الواقع كان مثيراً للدهشة ، فقد إصطف أكثر من مليون مواطن جزائري على جانبي الشارع الرئيسي وسط العاصمة الجزائرية الموازي للبحر الابيض المتوسط , ينتظرون ويستقبلون قدوم مواكب الوفود الفنية العربية وسط تشجيع وترحيب مستمر دون توقف ودون كلل او ملل ، وعندما بدأت هذه المواكب بالمسير معلنة الافتتاح الجماهيري الشعبي كان يفصل كل موكب عن الآخر حوالي مئة متر او أكثر بقليل وهي تعرض فنونها الشعبية من رقص شعبي وغناء وعزف موسيقي وايقاعي فضلا عن خلَّب الاطلاقات النارية الصوتية ابتهاجا بهذه المناسبة الثقافية المهيبة ..

 كل ذلك عزيزي القارئ يمكن أن اقول عنه انه في كفَّة ، رغم فخامة المسيرة ، فقد كانت الكفَّة الأُخرى موكب السيارة التي تحمل الفرقة الشعبية العراقية ، إذ سرعان ما بدأت مسيرتها حسب تسلسلها مع بقية المواكب ، حتى زاد الجمهور كله إنفعالاً وهتافاً مستقبلاً موكب الفرقة العراقية بهتافات وشعارات وقبلات للعراق الجريح ، وإستمر الحال هكذا طيلة المسيرة التي سارت أكثر من ثلاثة كيلو مترات وسط هذا الحشد الجماهيري الكبير ، وعندما وصل موكب الفرقة العراقية أمام منصة المسؤولين والشخصيات ، وقف الجميع تعاطفاً مع محنة العراق يصفقون ، بل يشاركون الجماهير في هتافاتهم .. فقد كان مشهداً عظيماً فاق جميع التصورات ، فلم يسبق لي ان مررت بحالة من المشاعر والانفعال خلال وقت المسيرة كله بمثل هذه اللحظات الخالدات ، إذ يصعب عليّ شرحها والتحدث عنها ..

 كانت تظاهرةً وافتتاحاً ثقافياً ناجحاً بكل المقاييس ، ناجحاً بكل ما تحتويه هذه الكلمة من معنى .. بورك لإخوتنا الجزائريين نجاحهم الثقافي هذا , بورك لهم قائداً وحكومةً وشعباً .. والى مزيد من النجاحات الثقافية والفنية ..

 في الساعة الثالثة بعد ظهر اليوم التالي 12/1 زارني في الفندق الاخوة الاعزاء الصادق بخوش والشقيقاٍن الشاعراٍن المعروفاٍن سمير سطوف والدكتور ميشيل سطوف ومعهما صديقاً لهم هو السيد فرحان صالح ابو كامل .. بالنسبة الى أخي الصادق بخوش وأخي سمير سطوف فقد سبق ان تشرفت بمعرفتهما في بغداد أيام مهرجان بابل الدولي 2001 وقد كانا برفقة وفد الجزائر الفني المشارك في المهرجان .. ثم توطَّدت علاقتي بهما خلال هذه السنين ، أما الدكتور ميشيل سطوف , فقد تشرفت بمعرفته الشخصية في تشرين اول 2005 في الجزائر العاصمة خلال الجولة الفنية داخل الجزائر التي أقمت فيها بعض الحفلات في العاصمة الجزائرية ومدن اخرى ، رغم أنني كنت أتحدث معه بالهاتف قبل هذا التاريخ .. أما السيد فرحان صالح أبو كامل فقد تشرفت بمعرفته في هذه الزيارة وهو صاحب مجلة (أٍحداث) اللبنانية ..

 طبيعي كان لقاؤنا حميماً جداً .. جلسنا في كافيتيريا الفندق وتجاذبنا أطراف أحاديث شتى وقد ساد الجلسة الجو الأخوي والمشاعر الجميلة ، ومكثوا وقتاً لم نشعر بمروره ، وغادروا عند الخامسة عصراً تقريباً على أمل اللقاء مرة اخرى ..

 في هذه الاثناء كانت الوفود تتحضَّر وتتهيأ للذهاب الى القاعة (البيضاوية) بالمركب الرياضي محمد بو ضياف الكبيرة المبنية على شكل بيضة ، وهي من أشهر القاعات الرياضية في أفريقيا ، وذلك لحضور الافتتاح الرسمي للعاصمة الجزائرية ، عاصمةً للثقافة العربية لعام 2007 الذي أُطلق عليه اسم (افتتاح زهوة وفرحة) ، وفي هذه الليلة فوجئت بوجود أخي الحبيب الاستاذ المسرحي الكبير قاسم محمد أبي زيدون وكذلك وجود أخي الحبيب الفنان نصير شمة ، وكان لقاءاً جميلاً حقاً ، وقد كان قريباً منّا بعض الفنانين السوريين الكبار ، أتذكر منهم صباح فخري ومنى واصف وممثلين آخرين ..

 أُعلن عن بداية الافتتاح وبدأ الاحتفال الكبير برعاية السيدة وزيرة الثقافة خليدة التومي وحضور السيد عمرو موسى الأٍمين العام للجامعة العربية وضيوف آخرين فضلاً عن المسؤولين الجزائريين .. دام الاحتفال زمناً قارب ثلاث ساعات دون ملل بسبب تنوُّع فقراته الكثيرة لإبراز التراث والتطور الحضاري للجزائر مع مساهمة من بعض الفنانين العرب ودول أُخرى أهمها إسبانيا .. وبصراحة كان الافتتاح عملاً كبيراً بُذل فيه مجهود يصعب تكراره أدهش كل الحاضرين من الجزائريين والضيوف ، مما يدلل على أن الاخوة الجزائريين كانوا قد صرفوا وقتاً وجهداً يصعب تصوره .. وخرج الجميع من القاعة البيضاوية وهم مبهوريٍن وقد أصابتهم الدهشة والاعجاب من هذا الانجاز الفني والثقافي للجزائر العربية .. وقد علقت الصحافة عن بدء الاحتفالات الثقافية بالكثير من التعليقات والاخبار ، ومنها هذه المجموعة ..

 الصفحة الأولى > معرض الصحافة > عاصمة الثقافة بعيون الصحافة

معرض الصحافة

عاصمة الثقافة بعيون الصحافة

 خصصت الصحافة الوطنية والعربية ، الكثير من الفضاءات لتظاهرة" الجزائر عاصمة الثقافة العربية 2007 " وبمختلف ألوان وفنون الصحافة ، وهذا منذ انطلاق التظاهرة إلى اليوم . وكعينة عما كتبت مختلف المنابر الصحفية منذ الافتتاح الرسمي إلى اليوم، لا بأس أن نقدم لقرائنا الأفاضل هذه المتابعة الوجيزة .

الصحافة الجزائرية مواكبة مستمرة للحدث الثقافي العربي

 بحكم قربها من الحدث ، وقصد الوصول إلى قرائها ، قامت الصحافة الوطنية منذ افتتاح التظاهرة إلى اليوم بتغطيات صحفية عديدة ، شملت مختلف الفعاليات التي تعرفها التظاهرة حسب البرنامج المسطر . كما توقفت كثيرا عند التدشين الرسمي للتظاهرة .

الخبر

 فهذه جريدة "الخبر " و في سياق تعليقها على الاحتفالية الشعبية التي جرت وقائعها بشوارع الجزائر العاصمة ثمنت هذا الاستعراض الشعبي الثقافي ، " في سابقة هي الأولى من نوعها منذ بعث تظاهرة العواصم الثقافية سنة 1996 بالقاهرة، ارتأت الجزائر أن ترمي بالثقافات العربية للشارع كي تحتضنها الجماهير والشعوب.." حيث فصلت في استعراض اللوحات الفنية التي استمتع بها الجمهور الواسع الذي كان على جنبات الطريق ، والحضور الرسمي ، حيث علقت الجريدة " أما عن أول عربة عربية شقت مسلك التظاهرة، فقد كانت المملكة العربية السعودية، التي استثناها المضمون من الترتيب الهجائي المعتمد في تسلسل مرور العربات، باعتبار أن المجسم المختار كان الكعبة الشريفة نقطة التقاء أغلبية العرب ومحور ذوبان اختلافاتهم، ومرت العربة تحت أنغام المزيج الذي أبدع فيه الموسيقار قويدر بوزيان ، وعلى ذات الوقع الموسيقي الرفيع، زلزلت فيروز الحضور برائعتها الخالدة ''سنرجع يوما'' لترافق مرور عربة فلسطين ".

الجزائر

أما صحيفة " الجزائر نيوز " فقد كتبت عنوانا بالبنط العريض استلهمته من شعار الاحتفالية "فرحة وزهوة " ، لخصت فيه بأسطر فرعية أن الجزائر كعاصمة للثقافة العربية اختارت أن تستقبل ضيوفها العرب في بانوراما فنية تجسدت في أنماط التنوع الثقافي الذي تزخر به ، وأن الافتتاح الرسمي للتظاهرة أخذ صورة عرس عربي بخصوصية جزائرية . حيث تناولت الصحيفة تفصيلا ، الكثير من جوانب الحدث وزواياه من بينها العرض الفني ''فرحة وزهوة'' الذي جاء في مجمله، تقول الجزائر نيوز مجسدا لذاكرة الجزائر التاريخية و الثقافية خصوصا، بلد في رحابة هذا الكون الشاسع يضع له الأسلاف تاريخا من الحياة، ينحدر من أعماق الصحراء الإفريقية، ليلتقي ويمتد على ضفاف المتوسط، حيث العاصمة، البهجة على نشوة البياض يستقبل المطرب ''حميدو'' في حرارة متوسطية ''ضيوف الله'' بنشيد ''فرحة وزهوة''، كلمات طالما ترنمت في الأصداء منذ ظهورها في سنوات الستينيات، مثلما ترنمت همسات ''البوقالة'' في سكون السطوح المضاءة تحت نور القمر، عاصمة التقاليد والتراث هي كذلك عاصمة الشباب المعاصر، ''الراب'' يكتسح الشارع ليقول كلمته، في عرض ساخن لكل من " لطفي دوبل كانون" و" يوسف سداس"، عضو فرقة أنتيك سابقا، ''مرحبا بكم في عاصمة الثقافة العربية، ثقافة في نظرتها الكلاسيكية لاتعترف بالهجانة و''التبعية'' الغربية، .

لتشير الجريدة لإعجاب الضيوف باللوحات المجسدة للتراث العربي الأصيل والصور الكلاسيكية شعار الوحدة العربية، التي تكسرت من زيفها في مفاجأة جديدة، لوحة حلبة الحياة، وهي تروي أطفال بيروت، صبرا وشتيلا، أطفال غزة، وبحار الدماء التي استنزفتها ''الكارثة العربية'' في مشروعها لضياع السلام كما أضافت الصحيفة . الحدث نفسه أولت له الصحف الجزائرية الناطقة باللغة الفرنسية ، اهتماما معتبرا.

المجاهد

منها عميدة الصحف الجزائرية "المجاهد " التي ترى في التظاهرة مناسبة لعرض كل الثراء والتنوع العربي الثقافي بالجزائر ، والذي بدأ يوضع حيز التنفيذ بهدوء ، بعد الافتتاح الرسمي والشعبي للتظاهرة ، معتقدة أن الغنى الثقافي الذي يزخر به الوطن العربي سوف يعرض في الجزائر عاصمة الثقافة العربية وهذا بافتتاح تظاهرة الأسبوع الثقافي المصري الذي دشن الأسابيع الثقافية العربية

الوطن

 من جهتها عنونت جريدة الوطن الناطقة بالفرنسية "الجزائر عاصمة الثقافة العربية " عرض افتتاحي ترحيبي " تناولت فيه الصحيفة وقائع السهرة الفنية الافتتاحية التي جرت بالقاعة البيضاوية بحضور كبار ضيوف الجزائر .

للإشارة فقد تابعت الصحافة الوطنية ، مختلف الفعاليات التي تشهدها الجزائر ، وقدمت بخصوصها التغطيات ، والمقالات ، فضلا عن الحوارات والاستطلاعات الصحفية ، مبدية اهتماما نتمنى أن يتوسع مع مرور الوقت ، كون الإعلام هو رافد وحضن الثقافة .

الصحافةالعربيةصدمة جمال ، وعتاب أخوي !

 أما الصحافة العربية فقد تابعت من خلال مراسليها بالجزائر ، افتتاح التظاهرة باهتمام كبير ، ناقلة الحدث الثقافي العربي بالجزائر منذ الافتتاح ، كما فتحت صفحاتها للعديد من المقالات بهذا الخصوص كتبها أدباء ، ومسؤولون عن الثقافة في البلاد العربية .

الأهرام العربي

فنقلت الأهرام العربي، أن الجزائر أصبحت منذ ‏12‏ يناير الماضي عاصمة للثقافة العربية‏ ، ووجهة من المنتظر أن تشد إليها الرحال مختلف الأسماء الثقافية العربية من كتاب وشعراء وفنانين ومبدعين في شتى المجالات‏ .‏ الجزائر التي استبشرت خيرا ببداية السنة الأمازيغية الجديدة ، تقول "الأهرام العربي" ، في مقال مطول بعنوان " ربيع ثقافي بالجزائر " والتي يحتفل بحلولها المجتمع الجزائري عبر مختلف مناطقه دون استثناء‏,‏ تأتي سنة الثقافة العربية في أجواء مختلطة بالأمل والحذر من وضع مترد هو حقيقة كانت واضحة المقاصد في كلمة رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة‏,‏ وكذلك عند عمرو موسي الأمين العام للجامعة العربية حين يتعلق الأمر بمستقبل أمة تعيش يوميا هجوما كاسحا علي مضامينها ومرجعياتها الثقافية‏.‏

بكثير من الأمل في غد أوفر حظا ، تضيف صاحبة المقال ، تستقبل الجزائر العام‏2007‏ وعبر مختلف ولايات الوطن‏,‏ حيث لم تر الجزائر في إعطاء إشارة انطلاق فعاليات الجزائر عاصمة الثقافة العربية في بداية السنة الأمازيغية الجديدة تناقضا مع روح الاحتفال بالبعد الثقافي والإنساني والتاريخي للبلدان العربية بقدر ما كان الدافع تشبثا بميزة جديدة تضاف إلى رصيد الثقافة الجزائرية العربية الإسلامية‏,‏ ولكن أيضا ذات البعد الأمازيغي‏. في نفس السياق تضيف الأهرام ، "ويبدو أن الترتيبات والتحضيرات التي استعدت لها الجزائر منذ بداية عام‏2006‏ وشكل من أجلها الرئيس بوتفليقة هيئات ولجانا إدارية وثقافية متعددة‏,‏ وأهلت من خلالها العاصمة وغالبية ولايات الوطن والتي ستستضيف فعاليات متوازية وفي توقيت واحد على مدار العام كانت على قدر النجاح الذي أشبع الحضور العربي حيث ظهرت العاصمة الجزائرية في أبهى صورها تغطيها الأعلام والبيارق وصور الفنون والثقافات العربية‏,‏ ناهيك عن ورشة عمل مطولة استطاعت تغيير معالم العاصمة وتجديد وافتتاح عشرات المسارح والقاعات والتي أهملتها سنوات الدم والإرهاب في الجزائر لأكثر من عشر سنوات لاستقبال ضيوف الجزائر على مدار العام‏ ".

الاتحاد

 لقد تركت التظاهرة والتنظيم وجمال مدينة الجزائر الأخاذ انطباعا جميلا لدى الكثير من الضيوف وهذا ما جاء على صفحات الكثير من الجرائد العربية ، فوزير الثقافة السوري رياض نعسان آغا ، الذي رأس وفد بلاده إلى الجزائر كتب في جريدة الاتحاد مثمنا مثل هذه التظاهرات :" أتيح لي أن أشارك في حفل افتتاح احتفالية الجزائر عاصمة للثقافة العربية، وأحسب أن من أفضل ما أنجزته الأمة أمام تحديات العولمة الثقافية هو هذه الاستجابة الإيجابية الواعية المتمثلة في إحياء العقد العربي، وفي إعلان العوْربة في مواجهة العولمة، عبر رؤية جديدة منفتحة تستعيد من خلالها الأمة تمسكها بالهوية الثقافية، وتفسر الثقافة القومية تفسيراً واسع الطيف يضم في سعته كل الثقافات المحلية التي أسهمت في إنتاج هذه الثقافة وتحدثت بلغتها. متوقفا عند بعض الثنائيات الجميلة التي لاحظها في الجزائر ، ومقدما انتقادا أخويا لقطاع الإعلام العربي من وحي التجربة السورية في "حلب" بقوله :" ونرجو لاحتفالية الجزائر أن تقدم النموذج الذي تفيد منه الثقافة العربية في كل عواصمها، وندعو الإعلام العربي إلى دعم هذه الاحتفالية ومواكبة برامجها، فقد قصَّر الإعلام العربي كثيراً تجاه حلب عاصمة الثقافة الإسلامية هذا العام.

الثورة

الأديبة والروائية السورية هيفاء البيطار ، لم تصبر على الرجوع إلى سوريا ، من فرط صدمتها من جمالية الجزائر بمناسبة حضورها التظاهرة ، حيث أرسلت مقالا إلى صحيفة الثورة السورية عبرت فيه عن انطباعات جميلة ، لمشاهداتها و لقاءاتها بالجزائر حيث كتبت " لا أبالغ أن الجزائر أصابتني بصدمة جمالية . مضيفة بإحساس مرهف ، رهافة حس الأدب "هناك مدن تحرك فيك من اللحظات الأولى شهية حب الحياة ، ومدن أخرى تحسها مغلقة دونك كما أن هنالك حاجز بينك وبينها

، و لما توقفت عند الجزائر قالت :" الجزائر مدينة أخاذة الجمال وشامخة . على البحر وغنية بالغابات ولها نظام معماري مميز وجميل "

كما تأثرت الدكتورة البيطار بمستوى النقاش الذي لمسته في بعض الفعاليات التي حضرت ، مثمنة مثل هذه التظاهرات في كسر العزلة الثقافية بين الأشقاء العرب . و تختتم بقولها : " لا معنى لحياة إلا من خلال ثقافة ما وهدف ما ، وإلا تحول عمرنا إلى تراكم زمني لا معنى له " مؤكدة أن الجزائر من خلال هذه التظاهرة " ستكون عاصمة للأمل بحياة أفضل أكثر غنى وتفاؤلا "

 هذا غيض من فيض عما كتب عن عاصمة الثقافة العربية ، في الجزائر وخارجها ، ونحن لازلنا لم نخطو الخطوة الأولى ، وإلى اللقاء مع موعد ثقافي جميل آخر .

  ***************

 في ساعة مبكرة من صباح اليوم التالي 13/1 تم إيقاظ كل الوفود قبل السابعة ، حيث الظلام لم يزل مخيما بعد ، وقد أُعد الافطار الصباحي مبكراً لمن يرغب بتناوله ، ثم تحرَّكت السيارات الخاصة بالوفود ثم تبعتها سيارات رؤساء الوفود متوجهة الى القصر الرئاسي (قصر الامم) ، وبعد أن وصل الجميع ومضي بعض الوقت ، دخلوا الى القاعة الرئيسية للقصر عند العاشرة من هذا الصباح ، وبعد ان إستقروا في أماكنهم من سادة مسؤولين كبار في الحكومة وضيوف ، وقد أوشك الوقت الحادية عشرة ، خرج الى منصة الخطابة في مسرح القاعة وسط تصفيق الحاضرين كل من د. المنجي بو سنينة الأمين العام للمنظمة العربية للثقافة والتربية والعلوم (الأليسكو) ، ثم السيدة خليدة تومي وزيرة الثقافة ، ثم فوجئ الجميع وعلا التصفيق بدخول فخامة الرئيس الجزائري عبد العزيز بو تفليقة ، واستمر ذلك لحظات وهو يحيِّ الحاضرين جميعاً ، بعد ذلك دخل السيد عمرو موسى الأٍمين العام لجامعة الدول العربية ،ٍ وجلس معالي السادة الأٍربعة على طاولة الخطابة حسب تسلسل دخولهم من اليمين الى اليسار ، أدارت الجلسة السيدة خليدة تومي وزيرة الثقافة ، وتحدثت بصورة مختصرة عن المناسبة الثقافية للجزائر العربية بهذه الكلمة ..

 

كلمة التقديم لمعالي السيدة خليدة تومي وزيرة الثقافة في حفل الاستقبال الذي أقامه فخامة السيد رئيس الجمهورية على شرف المدعوين في افتتاح تظاهرة الجزائر عاصمة الثقافة العربية.

بسم الله الرحمن الرحيم و به نستعينٍ

و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين

صاحب الفخامة السيد رئيس الجمهورية

أصحاب السيادة و المعالي

أصحاب السعادة

السيدات و السادة رجالات الفن و الثقافة

ضيوف الجزائرالأفاضل

أيها الحضور الكريم

هذه الجزائرُ بتاريخِهَا العَريقِ الضَّاربِ عَميقًا في الحضَارةِ الإنسَانيةِ تستَقبلكُم، أيُّها الأشِقَّاءُ، كأبدعِ مَا يكونُ الاسْتِقبَالُ، و ليسَ أبْدَعَ منَ اسْتِقبَالِ الثّقَافةِ، مُبَاهِيَةً بِوُجُودِكُم الشّعْبَ الجزائريَّ الأبيَّ، و قدْ سَعَيْتُمْ سَعْيَكُمْ الجميل إليهَا منْ مَشرقِ الوطنِ العَربِيِّّ إلى أقْصَى مَغْربِهِ، تََشْهَدُونَ و تعيشون مَعَهاْ عُرسَهَا الثقَافِيَّ و هي عاصمَة الثقافَةِ العربية بِكُلِّ رَوَافِدِهَا و امْتِدَادِهَا و زَخَمِهَا، و قد اسْتَعَادَتْ بَهَاءَهَا و ألَقَهَا بَعدَ سنواتِ المِحنَةِ، لِتَخْرجَ مُعَافَاةً، مُحَنَّاةً بِالثقافةِ بِفَضلٍ مِنَ الله الذي أوْدَعَ حِكْمتَهُ في فَخَامة رئيسِ الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، نصير الحق و فارس السلام، فكانَ الوِئَامُ المَدَنِيُّ الذي آزَرَتْهُ المُصَالحة الوطنيةُ فَانْطَفَأتْ بِهِمَا مَعًا الفِتْنَةُ لِتُشِعََّ جَزائرُ العِزََّةِ والكرامةِ.

فخامة الرئيس

 أيُّها الحضُور الكريم،

لقد افتتحنا تظاهرتنا أول أمس باستعراض شعبيٍّ تاريخِيِّ بَهيجِ ، في شوارع العاصمة، البَهْجَةِ المَحْرُوسَةِ، فكانت فُسَيْفِسَاءُ منَ الألوْانِ البَهيَّةِ، زَخَمٌ مُتَنَوِّعٌ منَ الثقَافَاتِ العربيَّةِ.

و تَواصَلَ العُرس أمس بِدَايَةً في قَلبِ القصبة العَتِيقَة العَابِقَة بِرَوَائِحِ الحَضَارَة العربية الاسلامية مِن خِلال إحْيَاءِ عِيدِ "يناير" الذي نَشْتَركُ فِيهِ مَعَ الكَثيرِ مِن دُول شمَال إفريقيا و الذي يُمثِلُ الخُصُوبَة و بِدَاية السَنة الزرَاعِية، و الذي نَحْتَفِي بِهِ إحْيَاءً لثُراتِنَا الثقافي غَيْرِ المَادي، فَكَان إحتفالاً تَعَانَقَ فِيهِ أبْنَاءُ القَصَبة و أطفالهَا مع مَسؤولِي البِلاد و عَلَى رأسِهِم مَعالي السيد وزير الدولة وزير الداخلية و معالي السَادة وُزراء الثقافة العَرَب، فَكَانَ مَوعِدًا عَرَبِيًا فِي قَلْبِ القصبة، قلب الجزائر النَابِض بِدِمَاء شُهدائِها و أوليائِها الصَالحين و مِدَاد مُبدِعيها و فَنَانيها.

و تَوَاصَلَ العُرسُ سَهْرَة أمْس بِحَفْلٍ فَنِيٍ بَهِيْج، أبْدَعَ فِيْهِ الإنسَانُ الجَزائري أبْهََي الألحْان و الألوان، و غَرَدَتْ فِيْهِ الكَلِمَات أجْمَلَ قَصَائِدِهَا.

و لَمْ يَكُنْ لِهَذِهِ الأعْرَاس أنْ تَكُون لَوْلاَ العِنَاية و الرِعَاية و المَنْزِلَةَ الرَفِيْعَة التِي أنْزَلهَا فخامَةُ رئيس الجمهورية للثَقَافة، لَيْسَ ذَلك غَرِيْبًا على رَئِيسٍ مُثَقَفٍ، مُؤْمِنٍ بأهَمِية الثقافة فِي تَثبيتِ دَعَائمِ المجتَمع و في تحْصين الأجْيَالِ الصَّاعِدَة، فباسمِ جَميع المُثَقَفين و الفنَانين أقُولُ لَكُم فَخَامة السيّد رئيس الجمهورية ألْفَ أَلْف شُكر.

 *****************

 ثم اعطت السيدة الوزيرة الدور للاستاذ د. المنجي بو سنينة ليلقي كلمة منظمة الأليسكو من مكان جلوسه على الطاولة مضمِّناً كلمته شئ عن تاريخ الجزائر الثقافي , وهذه هي كلمته ..

 كلمة الأستاذ الدكتور المنجي بوسنينة المدير العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم الأٍليسكو

في الافتتاح الرسمي لتظاهرة "الجزائر عاصمة الثقافة العربية "

فخامة رئيس الجمهورية

معالي السيدة خليدة تومي وزيرة الثقافة

أصحاب المعالي والسعادة

السيدات الفضليات والسادة الأفاضل

 

 قبل أقل من نصف قرن من هذا اليوم التاريخي الذي تجمعنا فيه الثقافة العربية الواحدة والموحدة لنا جميعا ، كانت الجزائر ماتزال تخوض معركتها التحريرية ضد الاستعمار الفرنسي . وكان النصر قاب قوسين أو أدنى ، وكانت الشعوب العربية ، بمختلف أقطارها مشرقا ومغربا في انتظار الحدث السعيد ، حدث استقلال الجزائر الذي لم يكن أحد يخامره أدنى شك في أنه آت ، وأنه يشق طريقه للانبلاج مثل فلق الصبح ، لكن الذي كان يدور على الشفاه ، ويتردد على الألسن ، وكان موضع تساؤل ، ومبعث قلق وحيرة هو الصورة التي كانت غائمة وغائبة عن الجزائر الثقافية التي خشي الكثيرون من أن تكون قد تشوهت وفقدت أصالتها ، وانصهرت في هوية المستعمر الذي كان شدد قبضته وأمعن طوال قرن وثلث القرن في اجتثاث الجزائر من أرومتها وعروبتها ومنابتها الحضارية ، وطمس هويتها ومسخ ثقافتها وقضى على لسان قومها .ذلك أنه بقدر ماكان النضال الوطني والسياسي والكفاح المسلح يأخذ مداه في أجهزة الإعلام المختلفة العربية والدولية ، وكان محل متابعة ومشاهدة ومعاينة في الصحف والإذاعات والتلفزات ، فإن النضال الثقافي والفكري والحضاري كان خلف الواجهة ، وكان يلعب دوره المؤثر في تواضع واحتشام وبذات الفاعلية إن لم نقل أنه كان أحد أحيانا من الواجهتين السياسية والعسكرية ذاتهما .

 إن المتأمل في التاريخ الثقافي للجزائر ، سوف يلاحظ ظاهرة فريدة في بابها ، أن الثقافة في الجزائر كانت صنوا للسياسة في النضال المشترك ضد المستعمر وكانت ظهيرا لها ، بل كانت الثقافة في معظم الأحيان سابقة للسياسة وممهدة ، ومحرضة ومؤججة لها .وقد برزت هذه الظاهرة وتجسمت بجلاء منذ أول ثورة مسلحة شنها الأمير عبد القادر ضد الاستعمار الفرنسي ، حيث زاوج هذا الأمير في نضاله بين السيف والقلم ، فكانت يد على الزناد ، وأخرى في المداد ، وكان يرى أن القلم ينبغي أن يتقدم السيف ، وأن العلم والمعرفة هما السند المكين للكفاح الوطني حتى أنه أعفى الطلاب من الالتحاق بصفوف الجهاد ، معتبرا طلب المعرفة بحد ذاته كفاح في ساحة أخرى لاتقل شأنا عن ساح المعركة ، أو ليس هو القائل :

فإن شئت علما تلقني خير عالم وفي الروع أخباري غدت توهن القوى

وقد ترسم خطى الأمير المناضل الشاعر معظم المصلحين والثائرين والكتاب والشعراء في الجزائر في تلك الحقبة وفي كل الأحقاب الموالية ، حتى أنه ليصح القول بأن الثقافة في الجزائر هي التي هزمت الاستعمار وكانت جوهر النضال الوطني ومضمونه ومحوره ، بل إنها كانت أشد فتكا وأمضى أثرا في بعض المراحل من ضروب الكفاح الأخرى ، وأقدر على الصمود والمجابهة وركوب المخاطر ، وتقديم الثمن الباهظ .

 على أن الظاهرة الأكثر بروزا في قراءة صور الثقافة في الجزائر أنه في كل مراحل تاريخ هذا البلد العزيز وجد علماء ومصلحون ومفكرون عجز الاستعمار على قهرهم وترويضهم وهزمهم رغم أنه لم يكن لهم من سلاح سوى أقلامهم وحبرهم وصحفهم وكتبهم وقرائحهم .

 في مطلع القرن العشرين كان هناك المناضلان الخالدي الذكر عمر راسم ، وعمر بن قدور ، وكانا بمفرديهما وبقلميهما فقط من شن حملة قلمية وفكرية ضارية على الاستعمار مترسمين في ذلك خطي الأمير عبد القادر إلى أن أخذ المشعل عنهما العلامة المصلح عبد الحميد بن باديس ورفاقه في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في الثلاثينيات وما بعدها ، من أمثال مبارك الميلي ، والبشير البراهيمي ، وأحمد سحنون ، إضافة إلى علماء آخرين من غير الجمعية أمثال الشيخ ابراهيم اطفيش ، وأبي اليقضان ، والسعيد الزاهري ، والأمين العمودي ، هؤلاء جميعا كانوا يمثلون الثقافة المناضلة عن الهوية ، وعن الروح العربية الاسلامية ، وعن اللغة العربية التي قبضوا عليها قبضهم على الجمر ، ليحافظوا بذلك على الرسالة وينقلوها بأمانة إلى الأجيال التي تعيش الآن مرحلة الاستقلال ، مزهوة بذاتيتها وثقافتها وحريتها .

 إن من حق الجزائر أن تفخر اليوم في هذا المحفل العربي الثقافي بشهدائها من المفكرين والمبدعين أمثال أحمد رضا حوحو والعربي التبسي ، والأمين العمودي والربيع بوشامة ، والحبيب بناسي الذين لم يتحمل الاستعمار صلابتهم ، وحدة أقلامهم وجرأة أفكارهم فأعمل فيهم سلاحهم وواجههم بالرصاص والمشانق بدل المحاورة والمقارعة بالفكر وتحمل الرأي المناهض كما من حقها أن تزهو برجالاتها الأفذاذ من الكتاب الذين تعرضوا للسجن والاضطهاد توفيق المدني ، ومفدي زكرياء ، والشيخ صالح بن يحيى ، وأضرابهم كثير .

إن الحركة الوطنية الجزائرية ، إن امتازت على غيرها من الحركات المماثلة لها في الوطن العربي ، فبنظرتها للتحرر بأن يكون شاملا أو لايكون ، أن يكون تحررا سياسيا وثقافيا واقتصاديا وحضاريا .وهو ماتحقق بالفعل بفضل هذا النضال الجماعي الذي تمازجت فيه الثقافة بالسياسة وبالكفاح المسلح .

السيدات الفضليات

الأساتذة الأجلاء

الحضور الكريم

 تلك هي صورة الجزائر الثقافية المعاصرة وهي التي أهلتها لأن تختار وبإجماع الدول العربية قاطبة عاصمة للثقافة العربية بعد مضي خمس وأربعين سنة فقط على استقلالها الوطني ، وإنكم لتشاركونني القول دونما شك ، بأنها صورة من أنصع الصور وأروعها بين الدول الشقيقات ، وأنها تستحق كل هذا الاهتمام ، وهذا لحضور المشرف من كل المسؤولين المثقفين والمفكرين العرب الذين يحضرون هذا الحفل إكبارا لهذا الشعب ، وتقديرا لنضاله الوطني ونضاله الثقافي ، واعتزازا بكل المكاسب التي حققتها الثقافة العربية في الجزائر التي كانت على الدوام سندا للنضال الوطني ، ومجالها العربي والإسلامي إلى الانخراط في موكب المناضلين بالرأي ، وبالفكر في العالم بأسره .

 على أن ذلك كله لم ينطلق من فراغ ولا كان محض توهم أو خيال ، إنه سلسلة من تاريخ طويل حافل بالعلماء والشعراء والكتاب أنجبتهم هذه الأرض المعطاء على مر القرون والأحقاب ، بدءا من الدولة الرستمية التي ظهرت في القرن الثاني الهجري وعلى عهدها تأسست أولى المكتبات في هذه الربوع ، مرورا بالدولة الحمادية في بجاية وحتى الدولة الزيانية بتلمسان .ففي هذه المحطات التاريخية الهامة نشطت الثقافة ونشط الإبداع ، وظهر العديد من العلماء والشعراء والكتاب والأطباء والعلماء من أمثال ابن الخلوف ، وعبدالله بن يونس ، الفضل البجائي ، والقطان ، وابن مرزوق ، وحتى في الظروف التي شهدت فيها الجزائر انحسارا سياسيا وثقافيا على عهد الدايات الأتراك في القرون السادس والسابع والثامن عشر الميلادية فإن الفكر والثقافة حافظا على حضورهما الفاعل من خلال علماء وأدباء كانقاوسي ، والونشريسي ، والمغيلي ، والأخضري ، وابن الفكون ن وابن حمادوش ، وعن هؤلاء نقل المعاصرون الرسالة التي حملوها بأمانة إلى هذا الجيل الذي شهدت الثقافة الجزائرية المعاصرة من خلال ابداعاته نقلة نوعية في الشكل والمضمون ،في الشعر والقصة والرواية ، في البحث والدراسات والتحقيق والتحقيق مما سيكون له آثار إيجابية على تطور الأدب العربي والثقافة العربية في الجزائر ، وعلى نهضة الوطن العربي كله ، وقد بدأنا نلمس طلائع هذه النهضة في كتابات وإبداعات العديد من الكتاب الجزائريين ، سواء منهم من يكتب باللغة العربية التي لم تعد الكتابة بها محل جدال أو اختلاف أو تشكيك أو اللغات الأخرى التي كانت نافذة البعض على التثاقف ، وكانت الكتابة بها لأسباب قهرية أو طوعية بعيدة كل البعد عن الشعور بالاستلاب أو التنكر للهوية والأصالة .

السيدات الفضليات

السادة الأجلاء

 ماكنت لأستعرض هذه المحطات الثقافية عبر هذا التاريخ الحافل لهذا البلد العزيز الذي نكن له ولمثقفيه ومفكريه كل التقدير والامتنان والاعتزاز لما قدموا من تضحيات جسام ، لولا أن المناسبة كانت تقتضي أن ألمح في عجالة للأسباب والدواعي التي أوجبت اختيار الجزائر عاصمة للثقافة العربية لهذه السنة ، والجزائر لاتعني هنا العاصمة وحدها إنما نعني بها الجزائر الدولة والشعب والأرض والتاريخ ، والنضال الثقافي والوطني والشهداء .

فإلى هؤلاء جميعا شهداء وأحياء ، تاريخا وأرضا وشعبا كل الإكبار والإجلال ، ومن حقهم علينا أن نأتي لتكريمهم للمعاني التي ذكرت بعضها ، ولولا أن الوقت المتاح لإجزاء هذه التحية المقتضبة ماكان يسمح بالإلمام بكل مايجب أن يقال في مناسبة عظيمة كهذه ، وفي حق عاصمة كالجزائر حافلة بالتاريخ والأمجاد والأعلام والانجازات الهامة والتراث الحضاري الزاخر لكان مجال الاستعراض والإطناب بلا حدود أو توقف .

 الشكر موصول ومرفوع في أسمى معانيه وأياته إلى فخامة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة رئيس الجمهورية الجزائرية الذي يرعى حفلنا هذا بعنايته المعروفة ورعايته المعهودة للثقافة وأهلها ، وإلى السيدة وزيرة الثقافة خليدة تومي كل تقديرنا وامتناننا ، كما للمشرفين على الإعداد والاستقبال والسهر على متابعة البرنامج السنوي لهذه الاحتفالات كل الشكر والإكبار .

إننا على يقين من أن هذه السنة الثقافية ستكون حاشدة حافلة للفعاليات والنشاطات ، داعين الدول العربية جميعها للمشاركة في هذه المناسبة دعما لأواصر الأخوة ، ووصلا للحمة الثقافية المنشودة ، وإيفاء بدين مستحق علينا لهذا البلد العزيز الأثير .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

 ********************

 بعد كلمة د. المنجي ، جاء دور الامين العام للجامعة العربية الاستاذ عمرو موسى ليلقي كلمة الجامعة العربية من مكان جلوسه أيضاً بعد أن قدمته السيدة الوزيرة , التي ضمَّنها عن المناسبة الجزائرية وعن الثقافة العربية ككل , وهذه هي كلمته ..

 

كلمة السيد عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية

في الافتتاح الرسمي لتظاهرة "الجزائر عاصمة الثقافة العربية

السيد الرئيس

 إنه لشرف كبير لي أن أشارك في افتتاح العام الثقافي العربي ، في هذه العاصمة البهيجة ، الجزائر ، التي تحتفل بتنصيبها عاصمة للثقافة العربية على مدى عام 2007 . حقا أن هذه المناسبة لها مذاق خاص ، وهذا الحشد الكبير والاحتفال القيم يمثل رسالة تأتي في وقتها تماما ومن عاصمة عربية لها ثقلها ودورها بالإضافة إلى تاريخها .

ويسرني أن أقدم التهنئة الخالصة إلى الجزائر كلها ، أقدمها إليكم سيادة الرئيس وإلى أهلنا في الجزائر ...إلى كل جزائري وجزائرية على هذه الأرض الطيبة ، أو أينما كانوا .إن الحدث ضخم وله معان كبيرة وعديدة . فيجدر أولا التنويه بأن هذا العام يأتي والثقافة العربية ، التي هي الرافد الرئيس للثقافة الإسلامية ، أقول الرئيس ولا أقول الوحيد ، لاتزال تتعرض لهجوم كاسح على قواعدها وعلى أفكارها بل على مضامينها ومراجعها .

السيد الرئيس

 أن تكون هذه المدينة عاصمة للثقافة المفترى عليها ، يضع على عاتق الجزائر من المسؤولية مثلما يضع على جيدها عقدا يزينها من ورود الشعر والأدب والإبداع . إن الجزائر بتنوع أركان ثقافتها العربية الإسلامية ، والعرض الرائع الذي جاب شوارعها أمس قد أبرزها ، والأمسية الفنية الرائعة التي رعتها وقدمتها وزارة الثقافة ، تعطي المثل على هذا العالم العربي المتعدد العناصر ، الغني بها والثري بمنطلقاتها ...العالم العربي القادر على مواجهة الهجمة بالحجة والبرهان ، بالأداء الرفيع وبتأكيد دوره الأدبي والتاريخي والعلمي .

 إننا نعيش مرحلة خطيرة من مراحل تطور النظام الدولي الذي وضع على جدول أعماله إلى جانب المسائل السياسية والاقتصادية والأمنية ، بندا يتعرض لحضارات الأمم وتنافسها بل وتصادمها أسموه صراع الحضارات ، وهو اسم على غير مسمى ..إنه في حقيقته بين الغرب والإسلام ...استخرجته من أضابير الماضي سياسات مغرقة في المحافظة واليمينية في بعض الأوساط الغربية ، لتواجهها ممارسات على شاكلتها .والمهم هنا هو أن نحسن اختيار أسلحتنا في هذه المواجهة ، وأمضاها هو سلاح العقل ، سلاح المنطق ، يلاح التاريخ .ولكن أيضا سلاح التقدم واللحاق بالعصر ، فلا يمكن أن نقارع المستقبل بالماضي ، أو نعيش الحاضر كزوار مشاهدين لاكمساهمين وفاعلين والأمر الثاني الذي يؤكد أهمية كون الجزائر عاصمة للثقافة العربية هو الإسهام الكبير لأبنائها وبناتها في ترقية وتحقيق عالمية هذه الثقافة وتقديمها إلى القارئ العالمي من خلال مبدعيها بل مبدعي العرب من أبنائها .فمن منا لايذكر فارس السيف والقلم الأمير عبد القادر الجزائري .

من لا يذكر الشيخ عبد الحميد بن باديس ، أو الشيخ البشير الإبراهيمي ، أو محمد العيد آل خليفة أو شاعر الثورة الجزائرية مفدي زكريا أو محمد راسم عميد المنمنمات ... بل من منا لايعرف هؤلاء الكتاب الجزائريين الذين كتبوا بالفرنسية فعبروا عن روح عربية إسلامية ، أذكر منهم مالك بن نبي ومولود فرعون وكاتب ياسين ومحمد ديب وآسيا جبار .

السيدات والسادة

 إن سنة الثقافة العربية والتي تحمل لواءها الجزائر سوف تضيف الجديد إليها من خلال بعدها الإفريقي والمتوسطي ، توسيعا لفضاءاتها وتعميما لإشعاعها ، لقد قامت الثقافة ظهيرا قويا للسياسة في نضال الجزائر التاريخي ضد الاستعمار ، وذلك تواصلا مع ما فجرته الثورة الجزائرية من إبداعات وخاصة في الفكر النضالي بعد أن أصبحت ملهمة للعديد من المفكرين والفنانين والمبدعين العرب .

ومن حسن الطالع أن يتزامن انطلاق هذه التظاهرة الثقافية مع تنظيم أسبوع الفيلم الأمازيغي بمدينة تلمسان إحدى حاضرات الثقافة العربية الأوسع بالجزائر ، وبداية السنة الجديدة الأمازيغية 2957 . والتي أود أن أعبر عن خالص التهاني بمناسبتها .ونظرا لما يمثله هذا البعد من تأثير إيجابي على حركة الفكر والثقافة العربية الإسلامية التي تنصهر فيها الثقافات الشقيقة المحلية من أمازيغية وكردية وغيرها لتشكل بهذا التنوع الفسيفسائي لوحة فنية متكاملة ، ومنبعا غزيرا بتنوع إنتاجه لإثراء الثقافة العربية الجامعة والفكر الإنساني الأشمل . وقد تكون هذه المناسبة فرصة سانحة لتسليط الضوء على ماقدمه المبدعون المغاربيون في مجال الثقافة والفكر لأشقائهم في المشرق العربي ، حتى تستقيم حقيقة أن الفكر والإبداع الثقافي في المغرب العربي هو جزء أساسي من ثقافة العرب يتعين الاهتمام به والاستناد عليه في عموم منظومة الأدب العربي تاريخا ومعاصرة .

 كما أود أن أؤكد في هذا الصدد أنه إذا كانت السياسة العربية تفرق في بعض الأحيان بين الأشقاء في العالم العربي ، فإن الثقافة العربية ماتزال العنصر الجامع بينهم ، حيث تشكل الضمير النابض ، والحصن المنيع ضد أي اختراق للهوية الواحدة والانتماء القومي .

السيدات والسادة

 إذا كان لنا أن نقر بأن المعركة الحضارية والثقافية دائرة بيننا وبين دوائر غربية معينة ، فلابد أن نقر أيضا بأننا نقبع في مؤخرة الركب الدولي في مجالات الإنتاج الثقافي والابداع الفكري والطرح العلمي .ليكن عام 2007 ، ولتكن ريادة الجزائر خلالها ريادة للنهوض بالثقافة والفكر والعلم ، وأن تكون الدعوة الصادرة من هذا المكان وهذه المدينة العظيمة دعوة جدية لانطلاق ورفع راية الإبداع والارتفاع بالإنتاج الأدبي والفني والعلمي وتحقيق عالميته ، والانطلاق نحو المستقبل .

 ويسعدني في النهاية أن أحيي الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ، وهو من هو في معرفته وخبرته بالعالم ومايدور فيه ، وأن أعبر عن الثقة في حكمته وحكمة إدارته لهذه المعركة الثقافية السياسية التي تدور رحاها في عالم مضطرب .

وفقكم الله ... والسلام عليكم ورحمة الله..

 

 **********************

 

 وأخيراً جاء دور فخامة الرئيس عبد العزيز بو تفليقة ، وعند تقديمه للحاضرين من قبل السيدة الوزيرة ضجَّت القاعة بالتصفيق والترحيب بكلمته ، وقد نهض من مكانه ليقف أمام منصة الخطابة وألقى خطاباً تاريخياً ضمَّنه معلومات قيَّمة عن الجزائر وتأريخها الثقافي وتطورها المعاصر وآفاقها الحضارية , وهذا هو خطابه التاريخي بهذه المناسبة ..

 وثائق عاصمة الثقافة

النص الكامل لخطاب الرئيس بوتفليقة بمناسبة الافتتاح الرسمي لسنة "الجزائر عاصمة الثقافة العربية"

 

ألقى رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة اليوم السبت خطابا لدى إشرافه على الافتتاح الرسمي لسنة "الجزائر عاصمة الثقافة العربية 2007" هذا نصه الكامل:

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه إلى يوم ا لدين

أصحاب الدولة والمعالي والسعادة

حضرات السيدات والسادة رواد الفكر وحاملي مشعل الفن والإبداع

 تغمرني السعادة والابتهاج والجزائر واسطة العقد في الجناح المغاربي لأمتنا العربية وجوهرة من لآلي المتوسط تتوج عاصمة للثقافة العربية لسنة 2007 وتحتضن ربوعها الرحبة من الشمال إلى الجنوب أعلام الثقافة وفرسانها من الموهوبين والمبدعين ممن تميزوا برهافة الحس والوجدان وتبنوا القضايا الكبرى لأمتنا العربية وكانوا وما زالوا ضميرها الأمين ولسانها المبين وسندها القوي المكين.

 إني لأرحب بكم من صميم الفؤاد. وأنتم تبتهلون في هذا اليوم الموعود من شهر يناير سنة الثقافة العربية التي يلتقي طيلتها الأشقاء من مختلف أقطار الوطن العربي من أقصاه إلى أدناه للتعرف عن قرب على ما تزخر به الجزائر من مآثر وتراث وفنون متنوعة في وحدة ومتعددة في تناغم وانسجام وللتأكيد على ما يجمع بين شعوب أمتنا العربية والاسلامية من أواصر القربى التي دونها التاريخ المشترك وحفظتها الحضارة ووحدها اللسان العربي المبين.

لعله من حسن الطالع أن يتوسط هذا اليوم من يناير عددا من الأعياد ومنها عيد الحرث والبذر والتفاؤل بالخصب الذي تحتفي به منذ القدم مجتمعاتنا الفلاحية وذلك بعد أن احتفينا بعيد الرحمة عيد الأضحى المبارك وأداء فريضة الحج إلى بيت الله الحرام وأعياد رأس السنة الميلادية 2007 واستقبال رأس السنة الهجرية في الأول من محرم 1428 وكأن العناية الإلهية ودورة الزمان أرادت أن يكون في هذا الاقتران والتتابع ما يذكرنا جميعا بوحدة الانسانية في المبدأ والصيرورة والمعاد.

 إنه تزامن يدعونا من جديد للإخاء والتسامح بين الأديان والمذاهب والتواصل بين الحضارات وهو ما نادت به الشرائع السماوية وأقرته القوانين التي وضعها العقل السليم.

إني أرى في هذا اللقاء بين أهل الفكر والفن والإبداع على امتداد ساحتنا العربية الحبلى بالتحولات حدثا على درجة كبيرة من الأهمية في هذه الحقبة الحرجة من تاريخ أمتنا العربية وهي في حاجة إلى مراجعة وتقويم ماضيها القريب والبعيد والبحث عن مخرج من وضعية التخلف والاستضعاف والتبعية وما يتهددها من مخاطر كثيرة من الداخل والخارج وتدرك نخبنا المفكرة والمبدعة أن وطننا العربي على الرغم من ثرواته وموقعه الجيوسياسي الممتاز ونضالات شعوبه لايزال بعيدا عن مقدمة الركب.

 لن يكون ذلك الموقع وتلك الثروات مصدر قوة ومناعة إلا إذا تظافرت الإرادات وتكاتفت الجهود لتحقيق تنمية تبدأ بالإنسان وتعود ثمارها إليه فردا وجماعة ولا شك في أنه لا تنمية بدون ازدهار الثقافة وتوطين المعرفة واحتضان المواهب والعناية بالنبغاء من الشباب في المدارس والجامعات ليجدد الخلف وينمي ما قام به السلف ويكون الغد أكثر تقدما ورقيا من الأمس.

 إنكم أيها المثقفون من مفكرين وأدباء وفنانين وحفظة تراثنا المادي والمعنوي على امتداد الوطن العربي مهبط الأديان السماوية ومنبت الحضارة الانسانية منذ أقدم العصور إنكم بحق ثروة الأمة الباقية والمتجددة وعينها البصيرة بواقع حال مجتمعاتنا وما وراء الواقع من نذر وبشائر قد لا يراها الإنسان العادي.

 إن النخبة لا تستحق هذا الاسم إلا إذا فهمت عصرها وتصدرت الصفوف الأمامية التي تصنع المستقبل وتمهد الطريق للتحولات الكبرى التي تنتظرها شعوبنا للخلاص من أغلال التخلف وترسيخ ثقافة الديمقراطية التي تقوم على حقوق وواجبات المواطنة وحرية الفرد في التعبير والتفكير والإبداع بلا حدود ولا قيود سوى تلك التي يقرها المجتمع وأخلاقياته المرعبة".

 إن دور ومكانة أهل الفكر والإبداع لا يقتصران على مناسبة أو مهرجان ولو تواصل لمدة أسابيع وشهور. بل ينبغي أن يكون في كل أوان وفي كل مكان وزمان.

فأنا على قناعة تامة وإيمان عميق بأهمية معيار الموهبة الخلاقة والكفاءة العالية والاستحقاق الذي يميز هذه الفئة من مجتمعاتنا فلم تحدث نهضة أو تقدم بدون أن يتصدرها ويبشر بها رواد من المفكرين والأدباء والفنانين الذي أدركوا متطلبات عصرهم وشخصوا أوضاعه شعرا ونثرا ومسرحا وغناء وأناشيد بالفصحى وبالعامية وبالنحت والرسم وأعادوا إحياء وإثراء التراث بما فيه من تصوف وعرفان. قد يصيب الطليعة من تلك النخبة الضر. وقد يتجاهلهم قومهم إلى حين. وقد تغمرهم الطمأنينة والرضى إذا تحولت أفكارهم وإبداعاتهم إلى قبس من نور يوقظ الهمم ويستنهض المجتمع ويحرر العزائم من اليأس والوهن.

 إن وراء وأمام كل التحولات الكبرى قادة من الفاتحين في ميادين العلم والفن والأدب كما يشهد على ذلك تاريخ الحضارة الإنسانية في الشرق والغرب منذ أقدم العصور وإلى يوم الدين هذا.

 من الواجب وأنا أرحب بكم في هذا اليوم المشهود أن أؤكد لكم بأن عاصمة الجزائر الوفية لذاكرتها التاريخية ستبقى على الدوام مدينة لأولئك المفكرين والأدباء والفنانين الأحرار الذين وقفوا إلى جانب كفاح شعبنا العادل وسخروا فنون الأدب والفكر الصادق من روائع الشعر والقصة والرواية والمقالة والمسرحية إلى الصورة الفوتوغرافية والأفلام السينمائية وغيرها من أشكال الفن والقول الشعبي التي تمثل جزءا من ملحمة الثورة الجزائرية ينبغي أن نرى فيها تراثا مشتركا لأمتنا العربية ونموذجا يحتذى لوحدتها المعنوية وصفحات ناصعة في ذاكرتها الجماعية فقد كانت الثورة الجزائرية بسنواتها السبع والنصف المجيدة ملحمة العرب والمسلمين والشعلة التي وحدت الأمة.

 إن جزائر الأمس واليوم لتذكر باعتزاز ذلك العطاء الرائع والغزيرالذي ساهم فيه إلى جانب المبدعين العرب العديد من أحرار العالم أنصار الحرية الذين واجهوا الكثير من التضييق والترهيب والوعيد في بعض البلدان الغربية وفي فرنسا بالذات.

ولكنهم واصلوا جميعا النضال بمختلف الوسائل والأشكال. واختاروا عن قناعة الوقوف إلى جانب الحق والعدل والحرية.

 إن هذا الجمع من أصحاب المواقف الحرة والرسالة الانسانية سيبقون نجوما لامعة في ليل الظلم والقهر والعدوان. لقد كانوا أوفياء للمثل والمبادئ السامية فاستحقوا مقاما ساميا في سجل الضمير الحي للإنسانية.

 لعلي لا أغالي إذا قلت بأن كتاب وأدباء ذلك الجيل والعديد من الرعيل الذي جاء بعده قد استلهموا أيضا من ملحمة الثورة الجزائرية وكفاح شعبها الطويل والمرير.

فقد أدركوا بحسهم المرهف وفكرهم الوقاد أن الجزائر كانت على موعد مع التاريخ. وأنها تخوض ثورة شعبية ذات أبعاد حضارية وإنسانية لا شبهة فيها. لا توجهها رياح من معسكر الشرق ولا تستعملها قوى من معسكر الغرب في صراعات الحرب الباردة والتنافس من أجل الهيمنة والنفوذ.

 لقد كان الهدف الأول لثورة الجزائر وغاية مسعاها هو تحرير الجزائر من الكولونيالية الباغية واستعادة الكرامة والحرية لذلك كانت ثورة الجزائر القضية الأولى - ونتمنى ألا تكون الأخيرة - التي وحدت المثقفين العرب على اختلاف مذاهبهم الفكرية وانتماءاتهم الإيديولوجية وجنسياتهم القطرية لقد كان بين أولئك المثقفين ما يقترب من الإجماع على انتصار الثورة الجزائرية هو مكسب استراتيجي ورصيد عظيم للأمة العربية ولكل المقهورين في شتى أنحاء العالم من القارة الإفريقية إلى ربوع آسيا وأمريكا اللاتينية".

أصحاب الدولة والمعالي والسعادة

حضرات السيدات والسادة

 إن الأمر واحد سواء أتعلق بالأمم أم تعلق بالأفراد: فاللهث الجنوني وراء تلبية الحاجات المادية يكسب حقا النمو والنماء لكنه يؤدي كذلك إلى الوقوع في العزلة.

والثقافة هي الترياق المتاح ضد العزلة بصفتها فضاء للتواصل ولإقامة الأواصر والصلات بين بني الإنسان الأواصر والصلات الحبلى بشتى أنواع التضامن والجالبة للتقدم والرقي.

إن الثقافة ليست ظاهرة ثانوية إنها تنبع من تملك المكون الإجتماعي للتراث المتعدد الأشكال لحضارة مشتركة بين جملة من الشعوب. فالخصوصية الثقافية لكل مجموعة إنما تكمن في فعل التملك هذا الإرادي والانتقائي. إن الأمر يتعلق بمكسب يتطور على مر القرون مكسب تتحكم فيه الظروف وتعتوره تحولات بل وحتى فترات انقطاع. لقد قال مالك بن نبي: "ليست الثقافة علما بل هي جو يتحرك ضمنه الإنسان الذي يحمل حضارة في حناياه. إنها وسط يكون فيه كل تفصيل من التفاصيل مؤشرا ينم عن مجتمع يسعى إلى مصير واحد".

ومن ثمة فإن الثقافة هي في رأيه تلك التركيبة من العادات والملكات والتقاليد والأذواق والأعراف والسلوكات والمشاعر التي تعطي لحضارة ما وجهها وملامحها وتزودها كذلك بقطبيه العبقرية والروح".

 إنهما قطبان مولدان للأواصر والصلات مقاومان لعوادي الزمن وليس للمسافات عليهما تأثير. إنها أواصر من صلب مزايا وأفضال الثقافة العربية التي تفضلتم بجعل الجزائر العاصمة قلبها النابض في مطلع عام 2007 هذا.

إن الثقافة شفوية كانت أم حدسية أو شعبية أو مكتوبة أو مكتسبة لدى كل أمة من أممنا قد ضعف جانبها بفعل قصور في القدرة على التكيف مع التغيرات الشديدة غالبا التي تعرضت لها مجتمعاتنا ومع محيط خارجي تعددت مظاهره.

 إن ارتفاع عدد السكان في بلداننا خلال بضعة عقود من الزمن إلى ضعفي بل ثلاثة أضعاف ما كان عليه قد أدى إلى تقهقر الثقافة الشعبية وتراجعها أمام الشعبوية.

وأدى زوال دولة المن والسلوى إلى إفقار شرائح بأكملها من الساكنة في حين أن اختفاء الإيديولوجيا والثقافة الرسميتين اللتين تروج لهما الدولة الأمة جردها مؤقتا من المعالم التي بها تسترشد وتهتدي.

 إن الفراع الذي خلفه العجز الثقافي سرعان ما سدته رؤية دينية مختزلة وحاقدة سرعان ما سخرت لخدمة استراتيجيات عنيفة غايتها الاستيلاء على السلطة استراتيجيات تجلت في الجزائر بأقصى مظاهرها خلال "العشرية السوداء". إذ أصبح المثقفون الذين ينشطون الحياة الثقافية في البلاد الهدف المفضل لإرهاب عاث في الأرض فسادا بلا وازع ولا ضمير.

والسخط المتولد عن تفاقم الخروقات التي طالت أبسط حقوق الفلسطينيين الإنسانية وعن الاعتداءات الخارجية المتعددة المقترفة في الشرق الأوسط زاد الذهنيات راديكالية في العالم العربي بما لايخدم الازدهار الثقافي ولا يتواءم معه.

إننا في سائر بلداننا قد دفعنا ضريبة باهضة لهذا التطور المضاعف الداخلي والخارجي من حيث تدهور التجليات الوطنية للثقافة العربية. ونحن نقف الآن في مفترق الطرق: فإما أن نوفق في الرد ونعيد إن اقتضى الأمر اكتشاف مضمون ثقافة عربية عادت إليها حيويتها وتشارك بإنسانيتها وأنوارها في إقامة مجتمع واثق من نفسه وفي إيجاد عالم أكثر انسجاما وإما سيحكم علينا تيهاننا الثقافي بأن نصبح لقمة سائغة وفريسة سهلة للثقافات المسيطرة التي تفرضها القوى المهيمنة.

 إننا نملك الوسائل والإرادة لرفع التحدي: ولأجل هذا ينبغي لنا أن نتساءل بعيدا عن الصور التقزيمية والتنميطية عما تمثله في القرن الحادي والعشرين ثقافات العالم العربي هذه النابعة من الفضاء الحضاري الذي هو شركة بيننا".

"ما كان تساؤل كهذا ليجد إطارا أفضل من الجزائر لإعمال الفكر حوله ذلك أن بلادنا تمثل نقطة التقاء حضاري كان يوصف في ما مضى بالعربي الأندلسي وصار يوصف اليوم بالعربي الإسلامي بالمعنى الواسع. إنها بلاد تزخر بثقافة عربية وأمازيغية في الآن ذاته وبرصيد لغوي ثلاثي ثري بلغات متجذرة في واقعنا الوطني التعددي وبلغة حتى وإن كانت "لغة منفى" في حكم مالك حداد هي بمثابة "غنيمة حرب" منتزعة من المستعمر المهزوم على حد قول كاتبنا الملهم. وإنني أقترح فيما يتعلق بالبحث عن التساؤلات بشأن فحوى الثقافات التي توحدنا أن ينصب تفكيرنا على ثنائيات ثلاث.

 أبدأ أول ما أبدأ بذكر الثنائية المتمثلة في "الهوية والثقافات العربية" إن الثقافة الوطنية مثلما تعاش في كل بلد من بلداننا هي بالفعل جزء لا يتجزأ من هويتنا. لكنها لا يمكن مع ذلك أن تكون بديلا لها. ذلك أنه خلافا لمفهوم الثقافة فإن مفهوم الهوية مرتبط بالانتماء الاقليمي أو الجيني. إن المفهوم هذا هو أصلا مفهوم يتجلى من خلال "نحن" و"هم". عكس ذلك فإن الثقافة مثلما تريدها قيمنا العريقة تنبذ ما يسميه الأستاذ محمد أركون "أيديولوجيات الإقصاء المتبادل".

إن الخلط بين هويتنا الوطنية والثقافة العربية يعني كذلك إيجاد فضاء موات لتكاثر الصور النمطية التي تغذي كراهية الفضاءات الحضارية الأخرى. فسرعان ما يدعي في أصقاع أخرى بالويل والثبور على العالم العربي برمته وعلى "عرب" ينظر إليهم على أنهم طرف في نزاع مع الغرب. إن ضروبا من التفكير المختزل ومن التعميمات المتسرعة يدفع بها لتبرير الشكل الجديد الذي اتخذته معاداة السامية والمتمثل في كراهية الاسلام.

 إن إحلال الهوية محل الثقافة بمناسبة وبغير مناسبة قد غذى كراهية الأجنبي التي تستهدف جالياتنا في الخارج. إنه يرمي بهذه الجاليات في غيتو افتراضي يخفي العوامل المشتركة التي تجمعها بالسكان المحليين وقيمة وتنوع إسهام أعضائها في مجتمع بلاد الإقامة بصفتهم حرفيين أو محامين أو باحثين أو رياضيين أو عمالا متطوعين.

 وخلافا للهوية فإن الثقافة لا تصدر عن أمر. إنها أولا وقبل كل شىء حوارداخل المجتمع وحوار بين المجتمعات. إن مآلها هو أن تتخطى الحدود الوطنية لتشمل سائر فضائها الحضاري وتتفتح على العالمية. من ثمة يصبح من قبيل التعسف أن نعتد بالثقافة كوسيط لخاصية بعينها ومن قبيل الزيغ أن نتذرع بها لإضفاء المشروعية على اعتبار العروبة مرادفا للغيرية العقيمة بدل التنوع الخصب.

 إن افتتاح هذا الملتقى يوم رأس السنة الأمازيغية المخلد لتربع الفرعون الأمازيغي شاشناق الأول على عرش مصر قبل 2957 سنة خلت هو في الآن ذاته رمز وتذكير بهذا التنوع بصفته عربونا يضمن حيوية الثقافة

 وهذا يسوقنا إلى التطرق إلى الثنائية الثانية ألا وهي "الثقافات العربية والعولمة" لنوصي بتسيير أكثر انسجاما لأصالتنا تسيير يتكيف بالتساوق مع تكفله بما يزخر به تراثنا العريق من ثراء مع مقتضيات الحاضر ويزيد الثقافة حيوية وعنفوانا مع السهر على ألا تكون ممجدة للماضي فحسب وإنما على أن تكون مولية وجهها شطر المستقبل ومتفتحة على العالمية.

 إن القول بتفتح الثقافة في العالم العربي على العالمية لا يعني مع ذلك أنه يلزمها بأن تتشبع بالثقافة الغربية انطلاقا من منظور "نشر" التقدم الذي يتعين عليها الانصياع والخضوع له طوعا باسم الحداثة. إن ثقافتنا سيتهددها حينذاك خطر الغرق والذوبان. ولن تصبح اللغة العربية وغيرها من حوامل رموز ثقافتنا سوى أوعية حاملة لمفاهيم أجنبية لا صلة لها بواقعنا. ولن تصبح ثقافتنا في نهاية المطاف إلا الوعاء العربي لمنتوج أجنبي.

 إن خطرا كهذا الذي سبق وأن حاق بالنهضة العربية خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشرازداد تفاقما اليوم بفعل مد العولمة المكتسح والعاتي".

" إن محاولة وقاية ثقافات العالم العربي من المد هذا قد تم بعد وسمها بالتخلف وبرفض العقلانية التي أتاحت بروز عصر الأنوار في الغرب. وحسب النظريات "النشرية" التي غالبا ما ينادي بها مستشرقون من ذوي النوايا الحسنة فإن الثقافة العربية ستبقى بذلك حبيسة مدونة لا تتغير من المعايير ومن المواقف العاطفية التي لا تفرد للعقلانية مكانا وتجعل من ثمة ذهنياتنا غير قابلة للتكيف مع "الحضارة الحديثة".

 إننا نرفض بقوة هذه النظريات التي تعمد إلى الخلط بين الحداثة والتغريب ومع ذلك لا ينبغي لنا أن نتوقع متخوفين في شرنقة أمجادنا الثقافية الماضية بالخضوع والخنوع لدعاة التقليد العقيم. بالعكس إنه ينبغي لنا إعادة ابتكار الثقافة العربية بتيسير تفتح ضمن مجتمعاتنا موات للإبداع ولا يكون "بدعة" بمفهومها القديم المرادف للضلالة.

 ومن هنا أنتقل إلى الثنائية الثالثة المتمثلة في "الثقافة العربية والحرية" إن فضاء حرية كل فنان وكل مؤلف والذي طالب به اعتبارا من القرن الثاني للميلاد أبوليوس ابن بلدة مداوروش الجزائرية من المفروض ألا يحده إلا احترام حرية الغير.

 إن الشعر بتفتقه في فضاء جرى تحريره على هذا النحو سيصبح كما قال مولود معمري:

" كلمة الشاعر المجنحة التي لا تخضع للقواعد المفروضة. بينما تنبجس قريحة الفنان وهي حسب ألبير كامو "العيش على التخوم وتلقف ما يستعصي على الأفهام وإعطاء شكل لما لا شكل له".

 وفي نهاية المطاف إن إعادة ابتكار الثقافة العربية التي يشارك فيها الشاعر الذي دعاه أدونيس إلى أن يكون "صانعا لعالم جديد" تنبذ التفريق الوهمي بين "التقليد" و"التجديد" إنها تدعو إلى تثمير التراث الثقافي التقليدي لكل منا بالاعتماد على منهج علمي وليس بالتغني بالمآثر والأمجاد.

كما أنها تدعو كلا منا إلى اقتفاء الأسلاف قبل أن يطمح إلى أن يصير مثلهم من "الأدباء المنسجمين مع عقيدتهم حقا لكن مع زمانهم كذلك".

إنها تقتضي قبل ذلك منظومة تربوية عالية الجودة وتتطلب أخيرا صياغة مناهج مبتكرة قمينة بوضع حد لتدهور التراث الثقافي الكلاسيكي ورسم المسار الأسلم للثقافة العربية المستقبلية صوب العصرنة ويمكن لذلك أن يكون لما لا برعاية المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم "ألكسو".

 إن التفاعل بين ثقافات المشرق الذي يشمل بلاد الفرس والمغرب العربي ومعه الأندلس ساهم منذ آلاف السنين في إثراء فضائنا الحضاري.

لقد كانت الجزائر ولا تزال محركا للتفاعل بين المشرق والمغرب. فمنذ القرن الثاني للهجرة كانت بلادنا الممر الذي تسلكه حتما الحركة الفكرية من العباسيين في الشرق نحو بني مروان في الأندلس شمال غرب المتوسط. كما كانت الجزائر فيما بعد موئلا للمتصوف الأندلسي الكبير ابن عربي وهو في طريقه إلى المشرق ولابن رشد الذي تفند عقلانيته فرية اللاعقلانية التي رميت بها الحضارة العربية ظلما وإفكا ولابن خلدون الذي دون فيها مقدمته الشهيرة. إن تفتح الجزائر على الثقافات العربية من شرق حوض المتوسط إلى غربه مجسد في تراثنا الموسيقي الذي استوعب على المنوال نفسه الموسيقى الأندلسية زاد الناجين من محاكم التفتيش والموسيقى التي جاءت من بلاد الرافدين والتي يدل اسم الموصلية على أصلها دلالة واضحة.

إن الاحتلال الاستعماري وضع حدا لهذا التفتح وسعى إلى إبادة ثقافتنا الوطنية طبقا لمسار اضطهادي وصفه فرانز فانون وصفا بليغا في مؤلفه "المعذبون في الأرض".

وكان من آثار ذلك الاضهاد ليس إخماد ثقافتنا بل خلاف ذلك إذكاء الوعي الوطني. فمن مؤلفات الأمير عبد القادر في منفاه إلى الآثار الأدبية والدينية لابن باديس في قسنطينة برزت نهضة حقيقية ثقافية عربية إسلامية تجاوب معها وردد صداها أدب ناضل من أجل الحرية من خلال أعمال كل من كاتب ياسين ومحمد الديب على وجه الخصوص".

"ومع الاستقلال استعادت الجزائر مكانتها في الرواية العربية بفضل إنتاج كتاب مقتدرين من أمثال عبد الحميد بن هدوقة والطاهر وطار وأحلام مستغانمي على سبيل المثال لا الحصر الذين عالجوا مشاكل مجتمعنا ببراعة وحصافة. وكان تنظيم المهرجان الأول للرواية في الجزائر العاصمة سنة 2002 سندا لهذا التطور الواعد. ومثل هذه المبادرة جديرة بأن تتجدد دوريا بقدر ما يجدر تشجيع عقد ندوات متلفزة للتعريف بمنتوجنا الأدبي.

 إن الجزائر وبعد بعض المماطلات عمدت إلى تشجيع التعبير الأدبي الجزائري بالعربية أولا و هي الوطن الأم بطبيعة الحال دون إقصاء وسائل التعبير الأخرى ذلك أن المهم في المجال الفني إنما هو جمال المؤلف ورونقه وليس اللغة التي تنقله إلى المتلقين وكفى. لذلك سعدنا لإحراز آسيا جبار على العضوية في الأكاديمية الفرنسية هذه الكاتبة التي نقدر عاليا إسهامها في إضفاء العالمية على ثقافتنا بواسطة لغة فولتير لكن بروح جزائرية صرفة.

 إنه يبقى علينا فعل الكثير على المستوى الوطني لتشجيع تفتق مواهب جديدة في الفنون التشكيلية وفي الآداب ولكي يجد كل المبدعين في الجزائر المناخ التكنولوجي والإداري والمالي المواتي لنشر أعمالهم في بلدهم. إننا مصممون على تدارك تأخرنا في هذا المجال.

إن ترقية ثقافة الكتاب بل الشغف بالكتاب في الجزائر وتكثيف إشعاع العالم العربي لا يمكن أن يستغنيا عن الوساطة ما بين الثقافات التي يضمنها تعزيز قدرات الترجمة. فبفضل الترجمة. تسنم العالم العربي قديما من بابل إلى غرناطة مرورا بقسنطينة وبجاية وتلمسان قمة الثقافة. ومن خلال مسعى كهذا يمكننا أن نرتقي بسرعة إلى مستوى مماثل من الامتياز. من ثمة أحيي قرار الجامعة العربية القاضي بإنشاء مركز عربي للترجمة واختيار الجزائر العاصمة مقرا له. وعلى مستوى المنطقة العربية وحتى على المستوى الوطني يمكن إحداث جوائز قيمة بمشاركة القطاع الخاص لتكريم المبدعين الفنيين العرب الذين غالبا ما يتوقف الاعتراف باستحقاقهم على لجان تحكيم من خارج حدودنا.

أصحاب الدولة والمعالي والسعادة

حضرات السيدات والسادة

 إننا نأمل أن تكون سنة "الجزائر عاصمة الثقافة العربية" في مستوى التوقعات ومن بين ما نأمل الاهتمام بالنشر الأفقي للثقافة فأمية الحرف مرض مزمن والأمية الثقافية داء عضال فإذا تباطأ التكامل والتنسيق في بعض الميادين السياسية والاقتصادية والتجارية بين الشعوب فإن التبادل الثقافي وخاصة منه المنتوج الأكاديمي والأدبي والفني ذو المستوى الرفيع ينبغي ألا يحتاج إلى تأشيرة وإننا لنتطلع إلى اليوم الذي يتزايد فيه الانتاج المشترك المقروء والمسموع والمرئي وأن يصبح متداولا على امتداد الساحة العربية وأن يتنقل الباحثون المبدعون داخل الوطن العربي وفي المهجر بحرية ويشكلون فرق بحث مشتركة وبتمويل مشترك في إطار الجامعة العربية ومنظمتها للتربية والثقافة والعلوم وبمبادارت أخرى من منظمة المؤتمر الاسلامي وهيئتها المتخصصة أيضا في نفس المجال ولها برنامج العواصم الثقافية لأكثر من خمسين بلدا ولليونسكو جهد مشكور في كل الميادين التي أشرنا إليها فهي التي أقرت العقد العالمي للتنمية الثقافية وبرنامج العواصم الثقافية الذي انطلق من أوروبا ويتواصل في مختلف أقطارنا العربية وسوف تكون الجزائر بإذن الله على موعد أيضا مع الثقافة الإفريقية في نوفمبر من هذه السنة 2007.

 إن مثل هذه الأولويات العاجلة لا تكفي فيها التوصيات ولو كانت بليغة بل ينبغي أن تتحول إلى خطة عمل محكمة وعلى المدى الطويل. ومن المهم على وجه الخصوص العناية بثقافة الطفل والشاب الذي لا يجد بين البيت والمدرسة الكثيرمن المنتوج الثقافي والترفيهي الذي يصله بواقع بلاده وعيون تراثه وما يساعده على استلام المشعل في القرن الواحد والعشرين وهو وثيق الصلة بحضارته وجذوره وليس غريبا في نفس الوقت عما يجري في عصر الحاسوبية والمعلوماتية والجينوم وعلوم الفضاء.

ليس من باب التفاؤل العاطفي أن ندعو لاستبدال اليأس بالأمل والشك بالثقة في النفس وأن نتصدى للعجز باستنهاض الهمم وتكاتف الإرادات وتفعيل القدرات إننا لا نرى عدوا لأمتنا أخطر من التخلف ولا نرى سبيلا للتخلص من أثقاله ومضاعفاته سوى طريق الإصلاح الشامل الذي لا يخاف في حق الأمة ومستقبلها لومة لائم.

 وفقكم الله لخدمة الفكر والثقافة في الوطن العربي وفي تبليغ الرسالة الحضارية لأمتنا إلى البشرية جمعاء.

 أشكركم على جميل صبركم وكرم إصغائكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".

 *************

 شكرت السيدة خليدة التومي فخامة الرئيس لدعمه المالي والثقافي الكبير لهذه المناسبة منهيةً بذلك جلسة هذا اليوم والخطاب التاريخي لفخامة الرئيس عبد العزيز بو تفليقة .. وفي صدد الدعم المالي لفخامة الرئيس لهذه المناسبة الثقافية ، فقد سبق للسيدة الوزيرة أٍن صرحت في لقاء طويل معها نشر في العام الماضي 2006 في مجلة دبي الثقافية ، بأنه تم رصد ملياري دولار لهذه المناسبة الثقافية طيلة عام 2007..

 في بهو القاعة الواسعة تجمَّع الجميع في إنتظار وقت الغداء مع فخامة الرئيس وضيوفه وجميع الموجودين ، وكان وقتاً تفاعلَ وتعارفَ فيه الجميع في جوٍ مفعم بالاخوة والتآلف العربي .. بعد ذلك دعي الجميع الى مائدة الغداء الكبيرة وتناول الجميع طعام غدائهم تلبية لدعوة فخامة الرئيس الذي كان وجوده وسط الجميع قد أٍضفى هيبةً ووقاراً ، فضلاً عن الضيوف العرب كالأمين العام للجامعة العربية السيد عمرو موسى ود. المنجي بو سنينة والسادة رئيس وأعضاء الحكومة الجزائرية وباقي الضيوف الآخرين ..

 في الحقيقة ؛ إن الأيام الثلاثة التي مرَّت 11و12و13/1/2007 كانت مكثّفة ، يوم الافتتاح الجماهيري ويوم الافتتاح الرسمي في القاعة البيضاوية ، حتى يوم الخطاب الرئاسي في قصر الأمم .. بعد هذه الأيام بدأت بعض الوفود التي ليس لها عملاً آخر تهمُّ بالمغادرة بالرغم من أن الاخوة الجزائريين حثّوا الكثير منهم على البقاء لتقديم نشاطهم الفني في العاصمة أو في المدن الاخرى ، وقد لبّى الأكثرية هذه الدعوة ومكثوا اياماً أُخر ليقدموا أعمالهم الفنية ..

 في يوم 14/1 زارنا الى الفندق ظهراً الصديق العزيز الأٍستاذ لخضر بن تركي المدير العام للديوان الوطني للثقافة والاعلام ، وهو الشخصية الاقرب الى السيدة الوزيرة في قيادة وتنظيم هذه التظاهرة الثقافية التي تستمر حتى نهاية هذا العام 2007 من خلال دائرته الفنية والاعلامية .. إجتمع السيد لخضر مع رؤساء الوفود ، وركَّز حديثه عن النشاطات الفنية للوفود وشؤون سفرهم وإقامتهم داعياً الى بقاء الفرق الموسيقية وفنونها الشعبية أياماً أُخر ، وقبل أن يغادرنا وجَّه لنا دعوة لتناول العشاء خارج الفندق في أحد الأمكنة السياحية مساء اليوم ..

 بعد ظهر هذا اليوم جاءني أخي وصديقي مختار حيدر أبو خليل وزوجته الاعلامية السيدة فاطمة ولد خصال ومعهما أحد كبار الفنانين الجزائريين وهو محمد طاهر الفرجاني وإبنه الفنان سليم الفرجاني وصديق آخر نسيت إسمه ، في هذه الدقائق تشرفت بمعرفة هؤلاء الفنانين المتخصصين بالغناء الأندلسي والمدرسة القسنطينية في هذا الفن العريق ، وقد كان هذا اللقاء حميماً ومتفاعلاً وودياً للغاية تحدثنا فيه عن الموسيقى والغناء والتراث القسنطيني باعتبارهم من مدينة قسنطينة ، وخلال اللقاء أهداني الفنان محمد الفرجاني (قلم حبر) كان في جيبه للذكرى مع CD عدد 2 من نتاجاته الغنائية وهما ألبوم – لو كان سلطان الملاح – والألبوم الآخر - ياظالمة غاب فلك لحباب – وكذلك كان الفنان سليم قد أهداني هو الآخر شريط كاسيت من أحد ألبوماته الغنائية ، ولم يذهب هذا اللقاء سدى دون أن تلتقط بعض الصور التذكارية .. وقبل مغادرة الفنانين قدَّم لي الفنان محمد الفرجاني دعوة لحضور حفلة تكريمه يوم 25/1 من قبل الاذاعة والتلفزيون الجزائرية في حالة بقائي الى ذلك اليوم في الجزائر ..

 غادر الضيوف وبقي أخي مختار وزوجته ، فاستأذنت منهما وصعدت الى غرفتي ثم عدت جالباً معي نسخة من كتابي الاول (المقام العراقي الى اين .؟) ونسخة من كتابي الثاني (المقام العراقي بأٍصوات النساء) مع بعض ال CD من نتاجاتي الغنائية وأهديتها إليهما حتى غادرا شاكراً لهما زيارتهما ولقاء الفنانين ..

 في المساء كنت ساهراً مع رؤساء الوفود ملبياً دعوة صديقنا الاستاذ لخضر بن تركي على العشاء وقد كانت ليلة جميلة حقا ..

 في ضحى اليوم التالي 15/1 أخذتني سيارة خاصة بالوفود الى دار الاذاعة والتلفزيون الجزائرية ، حيث أُجري معي لقاءاً مطولاً لحلقتين من حلقات البرنامج الأثير (في رحاب الطرب) الذي تعده وتقدمه الاعلامية المعروفة فاطمة ولد خصال ، كان الحديث فيه منوَّعاً ، عن المناسبة الثقافية للجزائر وعن المقام العراقي وعن حياتي الفنية وغير ذلك .. ويذكر أن هذا البرنامج سبق أن أجرى معي أكثر من لقاء وأكثر من حلقة سواء في العراق اوالجزائر ، فكان اللقاء الاول عام 1995 في بغداد عندما حضرت الاٍعلامية فاطمة ولد خصال الى بغداد لتغطية مهرجان بابل الدولي ، واللقاء الثاني كان في الجزائر 2005 عشية جولتي الغنائية الجزائرية في العاصمة والمدن الاخرى ..

 مساء هذا اليوم غادر زملائي الموسيقيون أعضاء الفرقة الشعبية الى دمشق مقر إقامتهم معتذرين عن البقاء فترة أُخرى في الجزائر لتقديم حفلات أُخرى ،ٍ وذلك للنقص الواضح في مضمون عناصر الفرقة ، فهي فرقة شعبية ليس فيها غير آلة الزرنة الشعبية والباقي كلها آلات ايقاعية .. ودَّعْتُهم شاكراً لهم جهودهم ومشاركتهم هذه ..

 بعد مغادرة الزملاء الموسيقيين محمد خميس وعمر احمد مجيد ورافل احمد مجيد واحمد بدر حمد وجواد كاظم جواد وهشام عباس طبانة .. أخذتني السيارة مرة أُخرى الى دار الاذاعة والتلفزيون حيث ظهرت بصورة مباشرة من التلفزيون الجزائري الفضائي مع قنواته الاخرى التي تنظم جميعها لاذاعة فترة الاخبار المسائية الرئيسية ، وقد كان يذيعها في هذا المساء المذيع المعروف عبد الكريم بو سالم ، وحاورني بعد الأٍخبار مباشرة المذيع المقتدر نزيه بن رمضان في سؤالين عن المناسبة الثقافية للعاصمة الجزائرية هذا العام ، وعن المقام العراقي والعوامل المشتركة مع بقية تراث الشعوب العربية ..

 عدت الى الفندق لأجد الاستاذ لخضر بن تركي مشغولاً مع وفد مصريٍ فني ثان جاء تواً من المطار لينظمَّ الى الوفد المصري الموجود منذ إسبوع في الجزائر (فرقة التنورة) وذلك لاقامة إسبوع ثقافي مصريٍ تم الإعداد له مسبقاً حُدد موعد إفتتاحه يوم 17/1 .. لقد كانت الوفود الموجودة في الفندق كثيرة ،ٍ والتواجد الدائم في صالة الفندق الأرضية الكبيرة قرب الاستعلامات ) Reception ) طيلة ساعات اليوم تقريبا ، يشعرك بالحيوية والتفاعل المستمر ، وفي ذلك متعة جميلة على الدوام ..

 رغم أن فندق سفير مزفران الذي نقيم فيه في منطقة زرالدة يبعد حوالي 40 كم عن وسط العاصمة الجزائرية ، لكنني كنت أشعر أن الشعب الجزائري كله يشارك في هذه المناسبة الثقافية ، اذ نحس ذلك أينما حللنا بهم .. ومن النادر أيضا أن نلتقي بشعب كشعبنا الجزائري يرحب بضيوفه بهذا القدر من الترحيب وحسن الاستقبال .. وجوه باسمة دائماً ، فرحة مبتشرة مسرورة محبة للضيوف وهو ما عهدناه من شعبنا الجزائري الأبي ، صاحب الأكثر من مليون شهيد من أجل الاستقلال والحياة الحرة الكريمة ..

 نعود قليلا الى الماضي ، عندما أقمت أول حفلات جولتي الجزائرية يوم 26/10/2005 في القاعة الشهيرة (الموقار) وسط العاصمة الجزائرية ، كانت معالي السيدة وزيرة الثقافة خليدة التومي ترعى هذه الحفلة ،ٍ وقد بدا لي ولفرقتي الموسيقية أن الحفلة كانت ناجحة بمقياس كبير ،ٍ الأٍمر الذي حدا بالسيدة الوزيرة أن تصعد على خشبة المسرح في نهاية الأمسية وهي تصفق مع الجمهور لدقائق طويلة تارةً ، و ترفع يدي تحية مع الجمهور تارة أخرى ، وبعد ذلك إنهال الجمهور علينا يبدي إعجابه وتهنئته بما قدم له من فولكلور غناسيقي عراقي ، مضى هذا الوقت سريعاً وتفرَّق الجمهور ، ثم جاءني الاستاذ لخضر بن تركي وأخذني الى غرفة الادارة حيث كانت السيدة الوزيرة ومعها إحدى الموظفات ، وجلسنا جميعاً نستمع الى كلام السيدة الوزيرة وهي تبدي إعجابها بالعرض الفني وبالقصائد الصوفية التي غنيت بعضها في الحفلة ،ٍ وتبادلنا الحديث عن هذا الموضوع ثم ألحّت بدعوتها لي بالقدوم الى الجزائر والبقاء فيها للتدريس في كلية التراث المزمع إنشاءها قريباً .. على كل حال ، لا أُريد أن أُطيل في هذه التفصيلات لأنني كتبتها في كتابي المخطوط بجزئه التاسع تحت اسمه المؤقت (من ذاكرة أسفاري) الذي أنوي إصداره عن طريق المؤسسة الأثيرة – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – في بيروت وصاحبها الاستاذ الفاضل ماهر الكيالي ان شاء الله ..

 إن ما أُريد قوله ؛ هو أن في هذه الحفلة كنت قد تشرفت بمعرفة السيدة الوزيرة شخصياً ، وبعد أن أنهيت جولتي الفنية الجزائرية بحفلات أُخرى في مدن بسكرة وسطيف والقسنطينة عدت الى العاصمة لاغادرها عائداً الى دمشق في طريقي الى عمَّان مقر إقامتي مساء يوم الثلاثاء 1/11/2005 وفي عصر هذا اليوم زارني الاستاذ الفاضل الأمين البشيشي وهو الباحث الموسيقي الكبير والوزير أو وكيل الوزير سابقاً ، الذي تعرَّفت عليه شخصياً في القاهرة عشية حضورنا في مؤتمر ومهرجان الموسيقى العربية السابع في دار الاوبرا المصرية عام 1998 .. جلسنا في صالة الفندق الكبيرة وتحدثنا في الكثير بما يخص الموسيقى والغناء ثم أهديته كتابي الاول (المقام العراقي الى اين.؟) وكتابي الثاني (المقام العراقي باصوات النساء) إضافة لمجموعة من بعض ألبوماتي الغناسيقية بأقراص مدمجةCD وهي ألبوم ( غناسيقى بغدادية ) وألبوم ( سهرة بغدادية تلفزيونية ) وحفلة ( المسرح الوطني ) ببغداد وحفلة ( طرابلس / ليبيا ) وحفلة ( بغداريس ) وأهديت بمثل هذه السيديات والكتابين الى السيدة الوزيرة ورجوته أن يسلمها باليد , ثم غادر شاكراً له زيارته الكريمة .. وعندما حان وقت المغادرة مساء اليوم ونحن وحقائبنا في صالة الفندق ننتظر قدوم السيارة التي تقلّنا الى المطار , فوجئت بعودة الاستاذ الامين البشيشي مرة أُخرى حاملاً معه كتابين من إصدارات المجمع العربي للموسيقى من إعداده وتقديمه , وهما – وقائع المؤتمر السادس عشر للمجمع العربي للموسيقى / الجزء الاول وكذلك نفس الكتاب في جزئه الثاني .. ثم تبادلنا تهاني عيد الفطر المبارك حيث كنا في اليوم الاخير من رمضان الفضيل ..

 بعد اكثر من شهر بقليل , تحديداً في يوم 4/12/2005 إتصلت من عمَّان بالاستاذ الامين البشيشي مستفسراً منه في شأن وصول الكتابين والسيديات الى معالي الوزيرة , فقال , نعم وصلت ، فقلت للتأكد ، هل وصلت باليد .؟ فرد عليَّ مباشرة .. ألم تكن أمانة .؟ ألم تؤمِّنِّي على إيصالها باليد .؟ ثم اردف قائلا .. إن السيدة الوزيرة موجودة الآن في الاردن , فإن أردت منها شيئاً فحاول الاتصال بها ..

 ما أن إنتهت المكالمة ، شاكراً له جميله في إيصال الكتب والسيديات الى السيدة الوزيرة حتى إتصلت بأخي وصديقي الكاتب الاردني الكبير فخري قعوار باعتبار أن مجال عمله في الثقافة ورئيساً للاتحاد العام للادباء العرب لدورتين متتاليتين سابقاً ، مستفسراً منه إمكانية لقاء السيدة وزيرة الثقافة الجزائرية , وإقترح ان يؤجل الامر الى صباح الغد إن شاء الله ..

 في صباح اليوم التالي 5/12 أخبرني الاستاذ فخري قعوار بإمكانية لقاء السيدة الوزيرة في آثار جرش وهي في طريقها لمغادرة الاردن الى سورية ومنها الى الجزائر ، كان ذلك بعد إتصال الاستاذ فخري بسعادة السفير الجزائري بعمان د.علي عروج .. على كل حال ، ذهبت الى مكتب الاستاذ فخري قعوار وخرجنا بسيارته متجهين الى آثار جرش وإلتقينا بالسيدة الوزيرة وكان معها سعادة السفير الجزائري د.علي عروج وكذلك كان الاستاذ لخضر بن تركي والمستشارة الانسة نادية شريِّط .. رحبت بيً كثيرا وكذلك بالاستاذ فخري الذي يتعرف عليها شخصيا لاول مرة ، وقد بادرت السيدة الوزيرة بتذكيري في شأن قدومي الى الجزائر في كلية التراث ، فأعلنتُ لها موافقتي بكل تأكيد , وفي هذا اللقاء عرضتُ عليها رغبتي في طبع كتابي الموسوم (الاربعة الكبار في المقام العراقي) وطلبتُ من معاليها أن أكون في الجزائر عند طبعه مذكراً بالمناسبة الثقافية لإختيار العاصمة الجزائرية عاصمة للثقافة العربية 2007 .. رحَّبت كثيراً بالفكرة وتُرك الموضوع على المكاتبات عن طريق السفارة الجزائرية في عمَّان ، او المكاتبات المباشرة .. وتحدث الاستاذ فخري معها في شؤون تخص الثقافة حتى حان وقت مغادرتنا متمنين لهم سلامة الوصول الى أرض الوطن ..

 كان هذا الاستعراض في أيام 2005 هو لربط موضوع بقائي في الجزائر اياماً أُخر كادت ان تكون كثيرة فعلا في رحلة شهر كانون الثاني من هذا العام 2007 والافتتاح الكبير للعاصمة الجزائرية عاصمة للثقافة العربية ، وذلك مستغلاً وجودي الآن في الجزائر ومسالة طبع كتابي الذي كنت قد جلبته معي في CD ( قرص مدمج ) ..

 في ضحى يوم 16/1 قضيت وقتا ممتعاً في صالة الفندق مع الشاعر المصري الكبير محمد ابراهيم ابو سنة ، القادم مع الوفد المصري الثاني من أجل إقامة الاسبوع الثقافي المصري ، الذي إحتوى مواد متعددة من الفنون والادب , منها عرضاً لمسرحية (رام الله وبيروت) لفرقة الهناجر ، ومعرضاً للفن التشكيلي , ومعرضاً آخر للصور الفوتغرافية ، وندوة خاصة بعنوان (مصر والجزائر آفاق مشتركة) ، وأُمسية موسيقية لعازف البيانو المعروف محمد صالح , وكذلك معرضاً للحرف التقليدية والبيئية ، مع اسبوع للأفلام الروائية والتسجيلية , وعرضاً خاصاً لفرقة التنورة التراثية للفنون الشعبية ، إضافة الى القراءات الشعرية لشعراء مصريين معروفين وهم محمد ابراهيم ابو سنة وعماد الغزالي وشيرين عدوي ..

 كما قلت قبل قليل كنت في ضحى هذا اليوم في صالة الفندق مع الشاعر الكبير محمد أبي سنة مستمتعاً بمجالسته ، وقد أطلعني على بعض القصائد من بعض دواوينه التي كانت بحوزته ، وبسبب عدم إمتلاكه نسخاً من هذه الدواوين فقد إضطررت أن أنسخ بعضاً من قصائدها , وهي قصيدة – شتاء العروبة – من ديوانه (شجر الكلام) كان قد كتبها في 5/3/1998 وهذه هي القصيدة ..

 

 شتاء العروبة

لها أن تُرقْرِقَ أحزانَها

 في مياه الفجيعة

تبكي مقاديرَها

وتنوحَ على وتر مغترب

لها أن تموتَ

وليس لقاتلها أن يقولَ السبب

تلومُ مواقيتَها الغادراتِ

وتندبُ حظ الحياةِ

تعاقرُ فوق موائدِ

هذا الزمانِ النُّوَب

تراقبُ تحت النجومِ

 البعيدةِ

كيف تُزاحُ الى ظُلمات المغيبِ الاخير

قوافل أحلامها

في مداراتِ تاريخِها الملتهب

برابرةٌ قادمون

برابرةٌ ذاهبون

وهذي قرونٌ من الدمِ

فوق المدى تنسكب

وداعٌ طويلٌ يلوِّح

فيه زمانٌ كئيبٌ

باهواله المشرعات

لمن قد تبقَّى من الراحلينَ العرب

وبغدادُ

تَدْعو فلا يَستجيبُ

سوى قاتليها الغلاظ

يجيئون في الريح والماء

في الطائرات

وعبرَ السفائن

من كل صوب

يجيئون بالموت

 يغدو الفراتُ دماءً

وتغدو الطفولةُ أشباحً مذبحةٍ

والعروبة أُضحوكةٌ

 والنخيلُ إعتذارَ الغضب

وبغدادُ تدعو فلا يستجيبُ

لها إخوةٌ في النَّسب

فتجلسُ تحت سيوف المغولِ تُراجعُ

صفحتَها في الكتب

برابرةٌ قادمون

برابرةٌ ذاهبون

ولكنها في ختام الليالي , تَهُب

وتبدأ صولتَها من جديد

وتقرأ أشعارَها

للفصول التي أورَقت في مروج الذهب

لَها أن تحسَّ التعب

لَها أن تقاومَ هذا الجحيمَ

ووَحدتَها , عبرَ هذا النداء

الذي ينتحب

وتُطلِقَ صيحتَها في رماد الغيوب

على أفقٍ مضطرب

يُوَلَّى زمانُ الاعاجيب

يأتي الزمانُ العجب

ويُعتَقلُ الصدقُ , عند المخافر

متهماً بالكذب

متى تَنهضون

الى موعد في زحام الشُّموس

أيا عرباً ...

ينتهي جهدُهم في الصَّخَب

فأعداؤنا يَشحذون

السكاكينَ في الليل

جاؤوا لموعد قَتل

ونحنُ ننازلُهم في الخُطَب

فقوموا إغضُبوا , للهوان

فقد تحرُق العجزَ نارُ الغضب

وترجعُ بغدادُ

غرسُ العروبةِ

وترجعُ قدس العَرَب

 

 والقصيدة الثانية التي نسختها هي قصيدة – بغداد – من ديوانه (موسيقى الاحلام) مؤرخة في 23/4/2003 .. وهذه هي القصيدة ..

 بغداد

بـغـدادُ عـفوَكِ إن القولَ iiيعتذرُ
كـنـا  نُرجِّى ضُحىً يأتي iiبعزَّتَنا
تـلـك الذئابُ على أعتاب iiجنَّتِها
تـلـك الـقنابلُ والارواحُ iiشاكيةٌ
مـن  لـلـطفولة تلقى حتفَها بدَداً
تـأتي البروق على اغصان iiألوية
هـذا  الربيعُ ولا زهرٌ سوى iiدَمِها
من للعراق .؟ وقد جاءت تحاصرُهُ
من  للعروبة تذوى شمسُها iiغَربت
جـاؤوا من الغرب غرباناً iiمدجَّجةً
يـا  بـؤسَ ما حملت أيامُ iiمحنتَنا
بـغـدادُ لا تَهِني في صدِّ iiجحفلِهم
جـاؤوا  بباطلهم والزيفُ iiمنكشفٌ












غابَ  الاحبةُ والاعداءُ قد iiحضروا
هـذا  الابـاءُ الـذي خنَّاهُ iiيَنتَحرُ
زمـرٌ تـجـئ على أعقابِها iiزمرُ
تـرجو  الغِياثَ وليلُ الظِّلم iiيعتكرُ
مـن لـلـعجائز والنيرانُ iiتستعرُ
تُـعـلـى شريعةَ غابٍ سَنَّها بشرُ
هـذا  الفراتُ وقلبُ المجدِ iiينفطرُ
هـذي  الجحافلُ مثلَ الليلِ iiتنهمرُ
طـغى  الظلامُ فمن بالبأس iiيأتزِرُ
قد امطروا لهباً ما هكذا iiالمطرُ.!!!
أعـداؤنا كثروا , أحبابنا iiاعتذَروا
تـبدو  الحياةُ جحيماً أينما iiظهروا
شُـدِّي الـعزائمً إن الحقَّ iiينتصرُ

 وفي المساء من هذا اليوم جاء الاستاذ لخضر بن تركي الى الفندق ومكث في الفندق بعض الوقت ، كان يكفي أن أُذكِّرهُ بموضوع طبع كتابي ، فطلبت منه تحريك الموضوع لأن الأيام تمضي ولم نعمل شيئاً في هذا الشأن ، فطلب مني الذهاب صباح اليوم التالي الى الوزارة لتمشية الموضوع وسوف يتصل هو من دائرته ليتابع الموضوع ..

 يفضل ان أذكر شيئاً آخر ، هو انني سبق أن إستعنت بالسفارة الجزائرية ، حيث كتبتُ رسالة الى معالي الوزيرة في موضوع طبع الكتاب وتبعتها برسالة ثانية الى مستشارة الوزيرة الانسة نادية شريِّط لنفس الغرض ، ورجوتُ السفارة إيصالها الى وزارة الثقافة الجزائرية وهذه هي الرسالة الاولى ..

 

 معالي السيدة الفاضلة خليدة التومي

 وزيرة الثقافة في الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية

 وفقك الله وجعلك في علوٍ ورفعةٍ دائمين إن شاء الله

 

تحيةً واحتراماً

 هزني الشوق واعتصرني الحنين الى بلدي الحبيب الجزائر الباسلة التي زرتها اول مرة في اغسطس عام 1979 في مهرجان الجزائر الدولي للموسيقى التقليدية وأقمت عدة حفلات في العاصمة ومدن البليدة والشريعة وتيزي ووزو وسيدي فرج إضافة الى الحفلة الاخيرة في وسط العاصمة .. وهكذا قدِّر لي من خلال وجودكم على دفة الثقافة في هذا البلد العظيم أن أزورها للمرة الثانية بعد مرور أكثر من ربع قرن من الزمان عشية الحفلات التي أقمتها في رمضان المبارك من العام الماضي 2005 ومناسبة مرور أكثر من خمسين عاماً على الثورة الجزائرية العظيمة ..

 سيدتي الفاضلة

 منذ ان تشرفت بلقاء معاليكم في بلدنا الجزائر وتشرفي مرة اخرى باللقاء في مدينة جرش في الاردن الشقيق , وأنا مُنكبُّ بمعظم أوقاتي على إعداد كتابي الرابع الموسوم (الاربعة الكبار في المقام العراقي) لأجل طبعه من خلال وزارتكم الموقرة , بعد الحوار الذي دار مع معاليكم في هذا الشأن وموافقتكم المبدئية الكريمة خاصة وان جزائرنا ستكون العاصمة الثقافية لعام 2007 وهو أكبر دليل على تقدم هذا البلد في كل ميادين الحياة ..

 سيدتي

 ها أنا الان قد أكملت إعداد الكتاب بكل مقوماته التصميمية واللغوية والاخراج النهائي له في الكومبيوتر , بحيث يمكن طبعه مباشرة دون خسارة اي وقت آخر .. ارجو من معاليكم الايعاز بتمضية هذا الموضوع مع فائق شكري واحترامي لشخصكم الكريم ..

 حفظ الله العلي القدير السيد الرئيس عبد العزيز بو تفليقة ومنحه الصحة والعافية وحكومته الرشيدة وحفظ شعب الجزائر الأبي وحفظكم جميعا من كل مكروه ودمتم لأخيكم

 

حسين اسماعيل الاعظمي

الاردن .. عمان

في

[email protected]

 27/6/2006

00962795820112 mobile ..

 

 وكانت رسالتي الثانية هي لتذكير المستشارة بالموضوع لانها كانت مع السيدة الوزيرة حين إلتقيتهم أنا والاستاذ فخري قعوار في جرش بالاردن .. وهذه هي الرسالة

 

 الاخت الفاضلة نادية شريِّط

 مستشارة وزيرة الثقافة

 رعاكم الله وحفظكم من كل مكروه

 

 تحيةً طيبة

 ارجو ان تكونوا بخير وان تسعدوا بحياة واوقات جميلة بصيفٍ يتربع في ضمائرنا نحو أمل زاهٍ لجزائر آمنة ومزدهرة دوماً ان شاء الله ..

 الاخت الفاضلة

 في الوقت الذي يسرني إبداء شعور مملوء بالحبور والسعادة للنجاحات المضطردة لبلدنا الحبيب الجزائر في كل ميادين الحياة خاصة وانها ستكون العاصمة الثقافية لعام 2007 .. أكتب اليك هذه الأسطر ..

 أرجو من حضرتكم تذكير معالي السيدة الوزيرة بما دار من حديث حين أدركتكم في مدينة جرش بالأردن الشقيق وأنتم تغادرون الى سورية الشقيقة في طريق عودتكم الى أرض الوطن بوجود سعادة السفير الجزائري في الأردن د.علي عروج قبل أشهر من الان , بخصوص طبع كتابي الرابع الموسوم (الاربعة الكبار في المقام العراقي) من خلال وزارة الثقافة الجزائرية الموقرة وتمضية هذا الموضوع بعد ان أكملت إعداده وإخراجه النهائي في الكومبيوتر بحيث يمكن طبعه مباشرة دون خسارة اي وقت آخر, وسأكون في إنتظار جوابكم مع فائق شكري واحترامي لشخصكم الكريم ,

 ودمتم لأخيكم

 

حسين اسماعيل الاعظمي

الاردن .. عمان

في

27 / 6 /2006

[email protected]

00962795820112 Amman mobile ..

الاردن / عمان / جبل الحسين ص ب 922144

 

 هذا ويذكر أنه قد تم تأكيد آخر بعد حين من الوقت وبقيت أُتابع الموضوع ..

 على كل حال .. نعود الى اليوميات , حيث ذهبت الى الوزارة صباح اليوم التالي 17/1 بسيارة الوفود آخذاً برأي الاستاذ لخضر بن تركي , وإلتقيت بالاستاذ ياسر عرفات قانة مدير قسم المطبوعات في الوزارة الذي إستقبلني جيدا وبادرني بالقول ، إن معالي الوزيرة أكدت أكثر من مرة على موضوع كتابك منذ أكثر من شهرين ، أين أنت ياأخي .؟ فقلت له ، ها أنا ذا أمامك الآن .! ثم بادر واتصل بمصمم وإعداد الكتب للطبع ، السيد فاروق وأخبره بالموضوع ثم إلتفت اليَّ وقال إذهب اليه وإعطه كتابك ..

 ذهبت الى السيد فاروق في مكتبه ، وكان لطيفاً طيباً في إستقبالي ، نقل ال CD الى جهاز الكومبيوتر ثم سحبه على الورق وسلَّمني إيّاه لمراجعته آخر مرة فأخذته ومضيت عائداً الى الوزارة وصعدت الى مكتب السيدة الوزيرة آملا لقاءها فالتقيت بالسيد موسى والانسة نادية شريِّط مستشاريْ الوزيرة اللذين رحبا بي كثيراً ، وأخبراني أن السيدة الوزيرة غير موجودة في مكتبها وعدت ادراجي الى الفندق ..

 في المساء كان موعدنا إفتتاح الاسبوع الثقافي المصري في بناية قصر الثقافة الملاصقة لوزارة الثقافة تماماً ، أو هي كلها بناية واحدة , وهي قاعة فخمة للمناسبات الثقافية ، وقبل بدء الافتتاح إلتقيت ببعض الاصدقاء منهم د. محمد العربي الزبيري وقد تبادلنا بعض الأحاديث ثم دخلنا سوية الى القاعة ، وفي القاعة إلتقيت بالسيدة الوزيرة بصورة سريعة وقد رحبت بي كثيراً وأشارت لي بالجلوس في الصف الأمامي ، وأتذكر رغم سرعة اللحظات أنني قلت للسيدة الوزيرة بأنني أُريد أن أزورها في مكتبها ، فردَّت سريعاً .. أنا أنتظر ذلك ..

 ما هي إلا لحظات حتى ظهرت إحدى مذيعات التلفزيون الجزائري على منصة الاحتفال وهي تتحدث عن هذه المناسبة الثقافية .. وترحب بالضيوف وجميع الحاضرين ، وقد بدا على هذه المذيعة ، الامكانية واللباقة في اللغة والتقديم , فكانت جديرة بتقديم مثل هذا الافتتاح الثقافي للأسبوع المصري ، كانت الكلمة الاولى لسعادة السفير المصري السيد احمد ماهر عباس الذي تحدث عن هذه المناسبة وعن مضامين الاسبوع من الفن والادب ، لم يتسن لي الحصول على كلمة سعادة السفير ، ولكن مقالا صحفيا كتبه السيد رضوان قطاف في صحيفة الفجر وضح فيه كل ما نريد قوله عن الاسبوع الثقافي المصري في الجزائر .. وهذه هي المقالة ..

 

 {{انطلقت رسميا نهاية الأسبوع الماضي بقصر الثقافة، فعاليات الأسبوع الثقافي المصري ضمن تظاهرة الجزائر عاصمة الثقافة العربية 2007 ، بحفل فني وثقافي مميز عزف خلاله الشعراء المصريون على أوتار الوجدان العربي ورقصت فيه فرقة "التنورة" أجمل ما لديها وأكدت وزيرة الثقافة خليدة تومي أن المشاركة المصرية ستتواصل على مدار السنة•

 

 قال سفير جمهورية مصر العربية أحمد ماهر عباس لدى افتتاحه رسميا الأسبوع الثقافي المصري الذي حط رحاله بالعاصمة، إن مصر من الدول الأولى التي حرصت على المشاركة بقوة ضمن فعاليات تظاهرة الجزائر 2007، وأصر في ذات الوقت على ضرورة اغتنام فرصة الحفل لبعث رسالة لعواصم الدول بأن الثقافة هي السلم والتعاون والتعايش، وقال "إن مصر من الدول الحريصة على المشاركة في هذه الاحتفالية الكبيرة، يجب أن نستثمر هذا الاحتفال لبعث رسالة تحمل معنى كبيرا لممختلف عواصم الدول وهي أن الثقافة هي ثقافة تعايش ومسالمة بغض النظر عن التنوعات، وأنا أطالب بأن تتواصل مشاركة مصر طوال السنة من خلال المعارض والفرق الفنية في الأسابيع المقبلة"• ومن جهتها تشكرت وزيرة الثقافة خليدة تومي خلال هذا الحفل الافتتاح كل الإخوة المصريين على تنظيمهم أول أسبوع ثقافي في الجزائر فقالت: "كان لابد على أمنا مصر، أم الدنيا أن تجازف وتشارك هي الأولى في التظاهرة"• كما أكدت خليدة تومي أن هذه الأسابيع الثقافية تهدف إلى تكريس جسور المحبة وتعزز أواصر المودة بين القيادتين والشعبين المصري والجزائري فقالت: "إننا نؤكد على قوة التواصل بين الشعبين المصري والجزائري وعلى ضرورة زيادة أواصر العلاقة، بتوجيه من رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة والرئيس المصري حسني مبارك لأنهما يدركان الدور الإستراتيجي في تقوية اللحمة بين الشعبين"• وأشارت من جهة أخرى نفس المتحدثة إلى أن فعاليات الأسبوع المصري ستبرز التنوع الثقافي وستشمل كل الإنتاجات السينمائية والمسرحية الضخمة، ومجموعة من المحاضرات والندوات الشعرية ومعارض التراث والكتاب والصناعات الخزفية، مؤكدة عل أن هذه المشاركة ستعزز أكثر خلال المشاركة في الأسابيع المقبلة طوال سنة 2007، فقالت "إن المصريين سيشبعون عطش الجمهور الجزائري من خلال مشاركتهم القادمة المبرمجة ضمن التظاهرة عبر مختلف الفعاليات طوال السنة 2007"• ألقى مجموعة من الشعراء المصريين بعض النصوص الشعرية التي تغنت معظمها بالجزائر بلد البطولات، حيث ألقى الشاعر محمد إبراهيم أبوسنة قصيدة "مرثية لشهداء الجزائر" وأشار إلى أنه كان قد نظمها عندما كان طالب سنة أولى بجامعة الأزهر في اللغة العربية وكان معجبا بجزائر البطولات، وقال "إن كل أصدقائي من أدباء وشعراء يأتون إلى الجزائر وكلهم حب لهذا البلد الشقيق الذي أتمنى له النجاح خلال هذه التظاهرة، فالجزائر لها مكانتها الكبيرة في النضال والتميز"• وأكدت الشاعرة شيرين عدوي والشاعر عماد أحمد من جهتهما أن الثقافة العربية لا يمكن لها أن تنهض وتتحقق إلا بمثل هذا التواصل الجميل فألقى عماد أحمد على الحضور قصيدة "الرحالة" التي تغنى فيها بالجزائر وقرأت شيرين عدوي قصيدة أخرى عبرت فيها وبإحساس مرهف وقوي عن "عذاب العراق" بعدما أكدت عند صعودها فوق المنصة أن الجزائر قصيدة تمشي على الأرض وأن الجزائر وإن كانوا يسمونها بلد المليون ونصف المليون شهيد، فقد أضافوا لها واحدا من الشعراء فقالت "لقد أضافوا اليوم واحدا من الشهداء على المليون ونصف المليون شهيد هي أنا؟"• قدمت فرقة "التنورة" مجموعة من الرقصات والطقطوقات الجميلة التي تجاوب معها الجمهور الجزائري بشدة، وحضر الحفل مجموعة من الفنانين الجزائريين والدبلوماسيين المصريين والشعراء وآخرين• وافتتح معرض الكتاب الذي يشمل مجموعة من الكتب في التراث والأدب والفكر والرواية نذكر منها بعض العناوين: "ثقافة العنف في العالم العربي" للدكتور وحيد عبد المجيد، "مصر للمصريين وملك الوحوش" لأحمد ابراهيم أحمد و"ألحان السواجع" لصلاح الدين بن خليل ورواية "لا تجرح الأبيض " باللغتين العربية والفرنسية لعماد أحمد غزالي وكتاب "محاكمة صدام" لأسماعيل عبد الرحمن، والملاحظة أن الجمهور الجزائري الذي كان حاضرا أثناءها اهتم كثيرا بنوعية الكتب المختلفة والتي اشتملت على بعض قصص وكتب الأطفال• ويعرض حاليا بقصر الثقافة مجموعة من الفنانين المصريين مجموعة من اللوحات الفنية التشكيلية، حيث أكد لنا محمد طلعت محافظ المعرض المصري أنها تقدر ب 70 لوحة سيتواصل إحضارها إلى العاصمة عبر الطائرة يقدمها حوالي 14 فنانا تشكليا• كما يتضمن المعرض من جهة أخرى بعض الأشغال اليدوية التي يسميها المصريون بالأشغال "الخيامية" وتشتمل على بعض الأفرشة واللوحات النسيجية حسب ما أكده لنا العارض المصري محمد طه

-- --------------------------------------------------

التوقيع- رضوان قطاف

جريدة الفجر

www.cirtatheatre.jeeran.com }}

 

 ثم جاء دور معالي الوزيرة في كلمتها القصيرة بهذه المناسبة التي أعلنت فيها عن بدء إفتتاح الاسبوع الثقافي المصري في الجزائر ..

 الصفحة الأولى > وثائق عاصمة الثقافة > كلمة السيدة معالي الوزيرة في افتتاح الأسبوع الثقافي المصري

وثائق عاصمة الثقافة

كلمة السيدة معالي الوزيرة في افتتاح الأسبوع الثقافي المصري

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 يسعدني أن أرحب بضيوفنا الذين جاءونا من أرض الكنانة ، أرض الحضارة والتاريخ العميق ، والذين شرفونا بافتت المشاركات العربية في إطار الأسابيع الثقافية العربية وبهذه المناسبة أشكر كل الإخة المسؤولين المصريين وعلى رأسهم سعادة سفير على ترحيبهم بطلبنا لتنظيم الاسبوع الثقافي المصري ، كأول فعالية عربية مشاركة في تظاهرة عاصمة الثقافة العربية ، والتي نهدف من خلالها إلى تكريس جسور المحبة وتعزيز أواصر القربى والمودة وتدعيم التواصل التاريخي والحضاري بين البلدين والشعبين الشقيقين والقيادتين الحكيمتين .

بافتتاح هذا الاسبوع الثقافي ضمن فعاليات الجزائر عاصمة الثقافة العربية لعام 2007 فإننا نؤكد على قوة التواصل بين الشعبين على المستوى الثقافي ، ومن اجل زيادة أواصر العلاقة وتأكيد المزيد من التلاقي والتلاحم بين الشعبين الشقيقين . إ هذا التواصل الكبير بين الجزائر ومصر ، يمتد ويتنوع بتوجيه من فخامة السيد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وفخامة الرئيس حسني مبارك ، لأنهما يدركان الدور الكبير والاستراتيجي الذي تلعبه الثقافة في تقوية اللحمة بين الشعوب .

 إن هذا الأسبوع الثقافي يشتمل على العديد من الفعاليات التي تبرز التنوع الثقافي والغنى الحضاري المصري بحيث سيشمل عرض أهم الانتاجات السينمائية والمسرحية المصرية ومجموعة من المحاضرات والندوات الشعرية ومعارض التراث والكتب والفنون التشكيلية الخزفية . ونعلم أن الإخوة المصريين سيشبعون عطش الجمهور الجزائري من خلال مشاركاتهم القادمة التي برمجت ضمن فعاليات الجزائر عاصمة الثقافة العربية ، عبر مشاركتهم في مختلف المهرجانات والفعاليات طوال سنة 2007 .

 مرة أخرى أشكر ضيوفنا الأعزاء الذين نعتبرهم في بلدهم الثاني وبين أهلهم وذويهم ونقول لهم ونحن في أسبوعهم الثقافي أهلا بهم عندهم وفي بلدهم وأعلن عن الافتتاح الرسمي للأسبوع الثقافي المصري .

 شكرا والسلام عليكم ..

 كانت اولى الفعاليات قراءات شعرية لثلاثة من شعراء مصر الرائعين وعلى رأسهم الشاعر الكبير محمد ابراهيم أبو سنة ثم شاعر الشباب عماد احمد الغزالي وتلته الشاعرة الحيوية شيرين عدوي .. الذين ألهبوا جمهور القاعة بقصائدهم المثيرة التي تمحورت حول مصر والجزائر وظروف العراق ، وعلى الأخص كانت قصيدة بغداد لشيرين عدوي التي أثارت الشجون العميقة ، وبعد ذلك قدمت فرقة التنورة للفنون الشعبية عرضاً رائعاً جداً دام أكثر من ساعة ، وقد بدا أن فرقة التنورة ، فرقة على مستوى عال من حرفية العمل الفني ..

 من ناحية أُخرى ، إسمحوا لي سادتي الكرام أن أقول لكم شيئاً جديداً مغايراً لموضوعنا الفني ، فقد كان فكري مشغولا أيضاً في هذه الأثناء بافتتاح دورة كأس الخليج العربي لكرة القدم 18 الثامنة عشر ، التي تفتتح هذا اليوم في دولة الامارات العربية المتحدة ، لأنني رياضي وأُحب الرياضة كثيراً وخاصة كرة القدم رغم أنني متخصص في غيرها من الرياضة ، ومعذرة لهذه الاسطر ، وسامحوني على هذا القطع ..! لعب في افتتاح هذا اليوم بعد ان وصلتني الاخبار كل من البلد المضيف مع فريق سلطنة عمان ، وفريق الكويت مع فريق اليمن .. وعلمت بعدئذ أن المباراة الاولى فازت بها سلطنة عمان ب 2/1 وتعادل الكويت واليمن ب 1/1 .. وبقيت أعتمد على برامج الاخبار الرياضية من بعض القنوات ، لأنني لم أستطع مشاهدة معظم المباريات بسبب عدم وجود القنوات التي كانت تنقل هذه المباريات في تلفزيون غرفتي في الفندق ..!!

 في اليوم التالي بقيت متابعاً موضوع الكتاب .. واتصلت بالمستشارة الانسة نادية شريِّط طالباً منها مقابلة السيدة الوزيرة ، وبعد حين أخبرتني أن السيدة الوزيرة ستكون مساء اليوم التالي في قاعة الموقار حيث يمكن اللقاء بها هناك ..!! خيم عليَّ الاستغراب من هذا الكلام ، لم أطل الحديث ، شكرتها وألغيت من تفكيري مقابلة السيدة الوزيرة رغم ان شكوكاً راودتني في أن كلام المستشارة كان من عندها وليس كلام السيدة الوزيرة .. وفي مساء يوم الغد 19/1 فضَّلت الذهاب الى قصر الثقافة بدلاً من ذهابي الى قاعة الموقار حيث كان فيها أحد النشاطات المصرية ضمن إسبوعهم الثقافي .. وفي قصر الثقافة إستمتعت إستمتاعاً كبيراً بالعرض الاخير الذي قدمته فرقة أُميَّة السورية الشهيرة بفنونها الشعبية .. اذ غادرت الى أرض الوطن في صباح اليوم التالي ..

 في يوم 20/1 كان موعد العالم الاسلامي كله مع اليوم الاول من السنة الهجرية الجديدة ( 1 محرم 1428 ) وذكرى الهجرة النبوية الشريفة ، هجرة الرسول الأعظم محمد إبن عبد الله صلى الله عليه وسلم من مكة الى المدينة ..

 قبل الظهيرة جاءني أخي مختار حيدر وزوجته السيدة فاطمة ولد خصال ، بدعوة منهما للغداء خارج الفندق ، فذهبنا الى منطقة على البحر مباشرة تسمى (بوهارون) ومطاعم هذه المنطقة لا تقدم طعاماً غير السمك بأنواعه البحرية الكثيرة جداً , بل هي منطقة خاصة بتجارة السمك .. فكان نهاراً جميلاً حقاً ، مشمساً لطيفاً عليلاً هواؤه .. بعد الغداء تجولنا في المنطقة مشياً وسط أجواء حيوية من البيع والشراء وزحمة المطاعم السياحية المطلة على البحر الأبيض المتوسط ..

 أعود الى الرياضة ودورة الخليج العربي ، فقد ترشحت سلطنة عمان الى الدور الثاني من البطولة بعد فوزها الثاني على الكويت ب 2/1 وهو أول الفرق الصاعدة الى الدور الثاني ، وفازت الامارات على اليمن بنفس النتيجة 2/1 وكان العراق قد فاز في اولى مبارياته على قطر بهدف واحد مقابل لا شئ 1/0 ..

 خرجت صباح اليوم التالي 21/1 قاصدا الوزارة ، وكان معي بالسيارة عضوان من أعضاء الوفد المصري ، وهما السيدان الفاضلان , الصحفي والكاتب الكبير علاء الذي جاء عن جريدة الأهرام لتغطية الاسبوع الثقافي المصري في الجزائر والفنان التشكيلي محمد طلال .. وصلنا الى الوزارة وقد جُهِّزتْ للسيدين علاء ومحمد سيارة أُخرى من سيارات الوزارة وذهبا بها لإنجاز أعمالهما وبقيت السيارة التي جئنا بها من الفندق معي لحاجتي إليها في تنقلاتي ، صعدت الى السيد ياسر عرفات قانة مدير قسم المطبوعات وقادني الى مدير عام المطبوعات السيد ناصر , وتحدثنا بالموضوع , ثم إنفردت مع السيد ياسر وتحدثنا بإسهاب وقد فهمت أخيراً أن موضوع الطبع يحتاج الى وقت ربما يطول ..! لوجود بعض الروتين الذي يحتم علينا تحمل الوقت ، لم اقتنع بالنتائج هذه ، فذهبت ومعي السيد ياسر الى مكتب السيدة الوزيرة للقاء المستشارة على الاقل ، ولكن الامر مجتمعاً كان دون جدوى .. فلم يتسن اللقاء ، لا بالسيدة الوزيرة ولا بالآنسة المستشارة ..!

 في طريقي وأنا أُغادر الوزارة الى الديوان الوطني للثقافة والاعلام ، كنت على موعد مع أخي وصديقي العتيد الشاعر الكبير سمير سطوف في لقاء قصير في أحد الأمكنة المعروفة وسط العاصمة ، بسبب تعذر اللقاءات الكثيرة لبعد الفندق الذي أُقيم فيه بمدينة زرالدة ، وكان جل حديثنا في شؤون عامة ، شربت قهوتي واستأذنته بالمغادرة ولم يدم لقاؤنا أكثر من ربع ساعة ، وفي الديوان الوطني كنت مع الاستاذ لخضر بن تركي مدير الديوان ، وتحدثنا عن بعض المواضيع وقد أحسست بجدية تقبله لكلامي أكثر من أي وقت مضى وأبدى إستعداده التام لحل الكثير من العقبات ، فاستأذنته وغادرت عائداً الى الفندق .. وفي الطريق رغب سائق السيارة أن يلف بي في شوارع العاصمة , فتجول بالسيارة في أمكنة جميلة للغاية داخل العاصمة واستمتعت بجمالها الخلاب والمناظر المدهشة لسواحل البحر .. فشكرته جزيل الشكر على مبادرته هذه .. ثم عاد بي الى الفندق ..

 رغم التسهيلات الكبيرة والكثيرة من قبل إخوتنا الجزائريين في شأن التنقلات في الذهاب والاياب الى مركز العاصمة او أي مكان آخر ، إلا اننا كنا نشعر ببعض الصعوبات في لقاء اصدقاءنا ومعارفنا الجزائريين ، خاصة من قِبلِهم , لبعد المكان عن مركز العاصمة ..

 حيَّرني التنسيق الفاشل للاتحادات الرياضية الدولية هذه الايام ، فدورة كأس الخليج العربي افتتحت في 17/1 وبطولة كأس العالم لكرة اليد المقامة في المانيا أُفتتحت في 18/1 فضلاً عن إفتتاح بطولة الصداقة الدولية لكرة القدم في هذه الايام في قطر مع مشاركة معظم دول الخليج العربي فيها ..!! كل ذلك في فترة متقاربة جداً ..! مع ذلك وصلتني أخبار كأس الخليج العربي بأن مباراة العراق والمملكة البحرينية انتهت بالتعادل الايجابي 1/1 ونفس النتيجة كانت مباراة المملكة العربية السعودية مع قطر .. وفي بطولة العالم لكرة اليد كنت أُتابع مبارياتها من إحدى القنوات الاجنبية حيث لم يصعد الى الدور الثاني من البطولة غير الفريق التونسي من الدول العربية الخمسة المشاركة ، تونس ومصر والكويت والمغرب وقطر ، والفريق التونسي أيضا لم يكمل المشوار ..

 في يوم 22/1 غادر معظم أعضاء الوفد المصري ممن أكملوا فعالياتهم الفنية والادبية الى أرض الوطن .. وفي يوم 23/1 جاءتني أخباراً رياضية أُخرى تقول أن الامارات العربية فازت على الكويت ب 3/2 وتجاوزت محنتها ، الامر الذي أعطاها دفعاً في صعودها الى الدور الثاني من البطولة سوية مع الفريق العماني الذي فاز بدوره على الفريق اليمني ب 2/1 وهو فوزه الثالث على التوالي ، وبفوزه هذا يكون قد حصل على نقاط التصفيات كلها ..! وفي اليوم التالي خرج الفريق العراقي من البطولة ولم يصعد الى الدور الثالث من البطولة بفارق الاهداف عن الفريق البحريني ، بعد خسارته اما الفريق السعودي ب 1/0 وبذلك يصعد فريقا البحرين الذي فاز على قطر 1/0 والسعودية الذي فاز على العراق الى الدور الثالث من البطولة .. وكان يكفي العراق والسعودية التعادل ليصعدا معاً الى الدور الثالث ..

 قُدِّر لي أن أبقى في الجزائر حتى هذا اليوم 25/1 ، وإن يكن بسبب طبع الكتاب ، رغم أعمالي التي تستوجب رجوعي الى عمَّان لمتابعة شؤون فنية إضافة الى تهيئة البحث الذي تم تكليفي به لمؤتمر القاهرة في ذكرى مرور 75 عاما على أول مؤتمر للموسيقى العربية كان قد عقد في القاهرة عام 1932 .. وهذا اليوم هو اليوم الذي دعاني له الفنان الكبير محمد طاهر الفرجاني لحضور حفل تكريمه من قبل الاذاعة والتلفزيون الجزائرية .. وقبل أن أتوغل في سرد أحداث هذه الليلة الجميلة ، أود أن أُشير الى أنني ذهبت في ضحى هذا اليوم الى السيد فاروق مصمم كتب الوزارة ، وسحبت منه أوراق الكتاب التي سبق ان راجعتها المراجعة الأخيرة قبل الطبع ، وكذلك طلبت منه مسح الكتاب من الكومبيوتر ، ورغم إلحاحه في محاولة إقناعي بأن الكتاب سيطبع بصورة أكيدة , ولكنني كنت مصراً على سحب الكتاب بعد أن عجز قسم المطبوعات في الوزارة على توقيع عقدا معي في هذا الشأن ، فليس من المعقول أن أعود الى عمَّان دون أن أُوقع عقداً أو أي ورقة تثبت عملية ترويج طبع الكتاب ، وعليه قررت دون رجعة ، سحب الكتاب على أمل عودتي الثانية الى الجزائر بعد شهرين تقريباً لمؤتمر الحضارة الاسلامية بالأندلس ..

 نعود الى مساء هذا اليوم ، فقد جاءني أخي مختار حيدر أبو خليل بسيارته وذهبنا الى دار الاذاعة والتلفزيون بناءاً على الدعوة التي وجهت اليَّ من قبل الاذاعة والتلفزيون فعلياً لحضور حفل تكريم الفنان المخضرم محمد طاهر الفرجاني ، وفي صالة الانتظار وتوافد المدعوين الذين جاؤوا ليحتفلوا بزميلهم وفنانهم الرائد محمد طاهر الفرجاني في ليلة تكريمة والاحتفاء به عرفانا بانجازاته الفنية وتاريخه الحافل على مدى أكثر من نصف قرن من التجربة الفنية التي حافظ فيها على التراث الغناسيقي الأندلسي القسنطيني الجزائري .. تعرفت على الكثير من الفنانين الجزائريين المشاهير ، في الغناء والموسيقى والتمثيل والمسرح وبعض الرسامين التشكيليين .. ولكوني كنت الوحيد بينهم من غير الجزائريين ، فقد عبَّروا خير تعبير عن أخلاقهم وتواضعهم وحبهم للضيوف وكأنني كنت أنا الشخص المحتفى به ، تأملوا ..! وفي خضم هؤلاء الاخوة الفنانين كان فنان واحد أثار شجوني ونحن لم نزل في صالة الانتظار قبل بدء الاحتفال ، هو الفنان الكبير بو جمعة العنقيس .. ففي خضم تعارفي مع كل الفنانين القادمين الى الاحتفال ، كان أحدهم يسلِّم عليَّ ويقبلني كالآخرين ، وقبل أن يذهب ليستريح ، قال أحدهم معرِّفاً إيّاه لي ، إنه بوجمعة العنقيس .. فصحت فوراً .. بوجمعة العنقيس ..!؟ فعانقته مرة أُخرى وقلت له أمام الحاضرين ، إن لي حكاية معك دون أن تدري بها ، فبهت من كلامي ونظر اليَّ مستفسراً ، فقلت له إن إحدى حفلاتي في سفرتي الى الجزائر عام 1979 كانت في سيدي فرج ، وقبل بدء الحفلة كان هناك مكبِّر صوت يذيع أغاني وموسيقى جزائرية ، تهيئة للحفلة ، وكنت أستمع الى أُغنية بقيتْ في ذاكرتي حتى هذا اليوم ، لجمالها وتعابيرها وشجونها الجميلة ، فسألت عنها وعن مطربها ، فقيل لي إنها أُغنية (يا بحر الطوفان) والمطرب هو بو جمعة العنقيس ، والغريب فعلاً أن إسم الاغنية وإسم المطرب بقيا في بالي حتى هذا اليوم ..! وبقيت أطمح وأتأمل يوماً ما أن أسمع هذه الاغنية مرة أُخرى وأن ألتقي بمطربها ، وبصراحة كان هاجسي اللاواعي ينبهني الى الحصول على مبتغاي ، وها انا ذا اليوم وفي هذه اللحظات أتعرف على هذا الفنان شخصيا وأستذكر تلك اللحظات التأريخية في عام 1979 و قد قُدِّر لي بعد 28 عاماً أن يتحقق لي ذلك الهاجس الذي راودني كل هذه السنين ، علماً انني عندما جئت الى الجزائر في عام 2005 وأنا في دار إذاعة البهجة لإجراء لقاء مباشر معي ، سألت عن هذه الاغنية فجيئ لي بها , وعند رجوعي الى مقر إقامتي في عمَّان سمعتها لأول مرة بعد أكثر من ربع قرن من الزمان ..

 قبلته مرة أُخرى وتمنيت له الصحة والعافية ، ولكنني بصراحة لم أتوقع أن عمره الآن يناهز الثمانين عاماً ..!

 في المؤتمر الصحفي الذي أُقيم للمحتفى به الفنان الرائد محمد الفرجاني تحدث بصورة مختصرة عن تجربته الفنية وكيف غرس في نفوس أبنائه وعائلته كلها شكل ومحتوى هذا الفن الرفيع من الغناسيقى التراثية الأندلسية القسنطينية الجزائرية , حتى إشتهر إثنان من أبنائه كمغنيين وعازفين هما سليم الفرجاني ومراد الفرجاني ، وقد أجاب الفنان المحتفى به عن بعض الاسئلة التي وجهت اليه ، ورغم ذلك كان مسرورا بوجودي في ليلته هذه ، وأشار اليَّ وتحدث للحاضرين بأن الفنان الأعظمي قد أجَّل سفره لحضور هذه الامسية (بصراحة كنتُ فعلاً أرغب بحضور هذه الامسية وقد تم ذلك) .. ومن الطبيعي فقد إلتقطت صوراً فوتغرافية كثيرة مع كل الفنانين والأصدقاء قبل المؤتمر الصحفي وخلاله وفي الامسية التي أُقيمت بهذه المناسبة ، وبعد الانتهاء من المؤتمر الصحفي ، كانت فترة إستراحة للجميع تناولوا فيها بعض المرطبات والأطعمة البسيطة والمعجنات والحلويات وغيرها .. ثم نودي للدخول الى القاعة الكبيرة لاقامة الامسية الغناسيقية ، التي تم نقل كل أحداثها بما فيها المؤتمر الصحفي على الهواء مباشرة من قبل الاذاعة الجزائرية في قناتها الاولى .. وقد أدار الامسية الجميلة هذه ، الاذاعي المعروف السيد ......... ؟ حيث كان يستضيف في كل إستراحة بين فقرة غنائية وأُخرى أحد الفنانين الجزائريين للحديث عن زميلهم المحتفى به ، والحقيقة خلال الدقائق التي مرَّت منذ أن تجمع المدعوون وحتى المؤتمر الصحفي ، توطدت نسبياً علاقتي مع الفنان بو جمعة العنقيس ، وقد جلسنا بجانب بعضنا خلال الامسية كلها التي دامت حوالي ثلاث ساعات ، وقد حكى لي الفنان بو جمعة في بعض فترات الفراغ أو الاستراحات القصيرة ، عن قصة أُغنيته الشهيرة (يا بحر الطوفان) إذ تبدو القصة مشهورة ومعروفة للجميع ويبدو أيضا إنها أصبحت جزءاً من التراث ، وفوجئت بعض الشئ حين قال لي أنه سجل هذه الاغنية في الاذاعة الجزائرية عام 1965 ، وقال أيضا إن عمره الآن 78 عاما ، أمدَّ الله في عمره بصحة وعافية .. على كل حال ، فاجئني أخي المذيع ......؟ ونادى بإسمي للحضور واستضافتي أمام مايكروفون الاذاعة للتحدث بكلمة قصيرة عن الفنان الكبير المحتفى به محمد طاهر الفرجاني خلال إستضافاته المتكررة للفنانين الموجودين في القاعة .. فتكلمت عن لقائي الاول بالمحتفى به في فندق سفير مزفران قبل أيام قلائل وتحديداً يوم الرابع عشر من هذا الشهر ، وأشرت الى جمال اغنيته الشهيرة (ياظالمة) التي سبق أن أهداني إيّاها الفنان الفرجاني واستمعت إليها في سيارة صديقي العزيز مختار حيدر خلال الأيام المنصرمة ، وقلتُ أيضاً انني أجَّلت سفري فعلاً لأجل الحضور الى هذه الامسية الجميلة ومشاركتكم الاحتفاء بفنان الشعب محمد الفرجاني .. علا التصفيق واستمر حتى وصولي الى مكاني في القاعة ..

 كان المنهاج لأُمسية اليوم رغم عدم طبعه وتوزيعه على الحاضرين ، قد تخلَّل بعض المقطوعات الموسيقية ، وغنَّى إبن المحتفى به وهو الفنان المعروف سليم الفرجاني ، فاصلاً جميلاً جداً ، ثم غنى الابن الثاني الفنان مراد الفرجاني المقيم في باريس وحضر هذه الامسية الاحتفائية بوالده ليغني في مناسبة تكريمه , وكانا فاصلين جميلين حقا عبَّر كل منهما عن مزاجهما الرائق وهما يغنيان في تكريم والدهما ومعلمهما الكبير .. حتى جاء دور الفنان الأب الرائد المعلم وهو يأخذ مكانه في المسرح وسط ضجة كبيرة جداً من التصفيق والهتاف والترحيب وهو يرد على الجميع بالتحية والقبلات الهوائية من يده اليمنى ويمسك بآلته الاثيرة (الكمان) بيده اليسرى , وبعد هدوء الجمهور وانتظار بدء فقرة الفنان الفرجاني , تحدث بكلمات قليلة جداً لا أتذكر منها غير أنه قال , ان عمره الآن قد بلغ 79 عاماً ، أطال الله في عمره بالصحة والعافية ..

 قد لاتتصور عزيزي القارئ كم كنتُ مستمتعاً بهذه الليلة الجميلة التي غنى بها أبناء العائلة الفرجانية مع والدهم الذي أجاد وكأنه في ريعان شبابه ، وقد كنتُ وأنا أستمع لفنانين أصيلين حافظوا على هذا التراث العظيم من موسيقى وغناء المدرسة القسنطينية العريقة ، في جوِ عالمٍ خياليٍّ رومانسيٍّ حالم ، فكانت هذه الليلة من ليالي العمر المحسوبة ..

 ولعلني هنا ، لا أُريد أن أنسى موقف طيب ونحن نهم بالمغادرة بعد نهاية أُمسية اليوم ، من أخوين عزيزين أهدياني العدد الاول من مجلة امواج مع CD تضمن تاريخ الجزائر الحديث والمعاصر ، وهما مدير التحرير السيد صلاح الدين الاخضري والمدير الفني للمجلة السيد علال حاشي وقد أصبحا من أعز أصدقائي فيما بعد في رحلتي الثانية هذا العام لمؤتمر الحضارة الاسلامية بالاندلس أوائل نيسان 2007 ..

 في هذا اليوم 26/1 كان قد تم حجز سفري عن طريق القاهرة عمان ، ولكن لظروف ما ، أُلغي الحجز وثبت في يوم الاثنين 29/1 عن طريق تونس الى عمَّان ..

 في اليوم التالي 27/1 كان المطر غزيراً ، مع ذلك أخذتني السيارة الى وزارة الثقافة وإلتقيت بالسيد ياسر عرفات وأعلمته بسحب الكتاب من المصمم السيد فاروق ومسحهِ من الكومبيوتر على أمل قدومي ثانية بعد شهرين من الآن لحضور مؤتمر الاندلس في القرن السادس الهجري ، وما عليه إلا أن يهيء المستلزمات الروتينية التي حدثني عنها ليُطبع الكتاب خلال أيام وجودي في الجزائر بعد شهرين من الآن إن شاء الله .. عدتُ الى الفندق لأن المطر وصل بهطوله الكثيف حد الازعاج ..

 صعد الفريق العماني الى نهائي بطولة الخليج العربي للمرة الثانية على التوالي بعد فوزه على البحرين في مباراة نصف النهائي ب 1/0 .. كذلك صعد فريق البلد المضيف الامارات العربية الى النهائي أيضا بعد فوزه على الفريق السعودي بنفس النتيجة 1/0 , وهكذا يلتقي الفريقان العماني والاماراتي للمرة الثانية في هذه البطولة بعد أن لعبا مباراة الافتتاح ..

 للتأكد من حجز سفر اليوم التالي ، ذهبت صباح هذا اليوم 28/1 الى الديوان الوطني وقد تم تأكيد سفري غداً بعون الله .. ومن الديوان الوطني ذهبت الى دار الاذاعة والتلفزيون الجزائرية حيث تم إجراء لقاء صحفي مطوَّل معي لمجلة أمواج الغراء الصادرة عن القناة الاولى للاذاعة الجزائرية ، وفي مسائي الاخير في هذا البلد الكبير ، جاءني السيد وسام القيسي الذي تعرفت عليه وعلى عائلة السيد عبد الرحمن رومي الذين جاؤوا لزيارتي الى الفندق قبل أيام حال سماعهم بوجودي في الجزائر ، أخذني وسام بسيارته متجولاً في مدينة زرالدة وفي العاصمة ، ثم عاد بي الى الفندق عند العاشرة مساءاً وكان خلال جولتنا إتصل بوالده في بغداد وهو أخي وصديقي المصور الفوتغرافي وليد القيسي وتحدثنا معه وقد فوجئ بوجودي في الجزائر ..

 في الساعة السابعة من صباح هذا اليوم 29/1 جاءني السائق مصطفى ليأخذني الى مطار الجزائر بومدين ، وفي المطار إستقبلني السيد عميروش الموظف التقليدي في الديوان الوطني المسؤول عن إستقبال وتوديع ضيوف دائرة الديوان الوطني والمقيم الدائم كما يبدو في المطار ، لأنني أعرفه من سفرتي السابقة في تشرين الاول من عام 2005 .. أخذني الرجل الى صالة الاستقبال وأكمل معاملة مغادرتي حتى أقلعت الطائرة الجزائرية متوجهة الى مطار تونس قرطاج ، كان عليَّ تبديل الطائرة بأُخرى متوجهة الى عمَّان فتطلب ذلك أكثر من ثلاث ساعات إنتظار في مطار تونس ، وخلال هذا الانتظار تعرفت على بعض الاخوة العراقيين من الصحفيين الذين كانوا في الجزائر أيضا لحضور أحد المؤتمرات وأمضينا وقت الانتظار كله واتفقنا على اللقاء في عمَّان ، حتى أقلعت بنا الطائرة الأردنية في الساعة الثانية والنصف بعد الظهر بتوقيت الجزائر وتونس متوجهة الى المملكة الأردنية الهاشمية التي وصلناها بأمان الله وحفظه قبل غروب الشمس بقليل .. وفي مطار عمان عالية الدولي كان أخي العزيز السيد فؤاد الجنابي في إنتظاري الذي بادر واتصل بي وأنا في الجزائر ليعلم بموعد قدومي رغم إلحاحي عليه بعدم القدوم الى المطار مع شكري له ، ولكنه كان في المطار ، فأوصلني الى البيت وغادر الى بيته دون أن يستريح بعض الوقت معي ، مفضلاً راحتي من عناء السفر ..

 وهكذا أطوي أوراق يومياتي التي قضيتها بين ظهراني إخوتي الجزائريين الذين لن أنساهم أبداً ، وشكراً لكم أعزتي القراء ..