جمهورية شاشان

(1)

تحتل الشيشان قلب القوقاز، تحدّها من الشمال والشرق داغستان ومن الجنوب جورجيا ومن الغرب أقليم أوسيتيا الشمالية وتبلغ مساحتها 19 ألف كم².

·    الجغرافيا : تتكون أراضي الشيشان من السفوح الشمالية لجبال القوقاز الشاهقة، تكثر فيها الأنهار المنحدرة بشدة من الأعالي، وكذلك الروافد العذبة لتلتقي بنهر (الترك) الكبير. البلاد رقعة خضراء كثيفة الأشجار غنية بالغابات، وهي ذات مناخ معتدل رائع، تتميز بيوتهم ببساتينها الواسعة الجميلة.

·    السكان : يبـلغ تعـداد الشـاشـان حوالي مليـوني نسمة كلهم من المسلمين السنّة وهم شديدو التمسك بدينهم رغم أنهم دخلوه متأخرين في عهد العثمانيين، يُقال إنهم من أصول عربية، ويتكلمون لغة داغستانية بلهجة شاشانية مميزة. تبلغ نسبة الشيشان 60% وهم يسكنون المرتفعات، والأنغوش 15% ويسكنون في السهول والروس 20%.

·        أهم المدن : العاصمة (غوروزني) وهي غنية بالنفط.

الزراعة : رغم الأراضي الخصبة وتوفر المياه، إلا أن البلاد متخلفة في ميدان الزراعة، ويرجع ذلك إلى نظام المزارع الجماعية الذي طُبّق في عهد الشيوعيين. أهمل الشاشان زراعتهم واتجهوا للأعمال الحرفية والوظائف.

الثروة المعدنية : البترول هو ثروة البلاد الرئيسة. تتركز حقول النفط حول العاصمة (غوروزني) وسط البلاد ويستثمرها المستوطنون الروس لحساب جمهورية روسيا الاتحادية.

شعوب القوقاز من الشعوب المنكوبة تاريخياً، فقد خضعت لجميع الإمبراطوريات التي قامت عبر التاريخ: اليونانية والرومانية والفرس والصينيين. وبعد سقوط الساسانيين حكم الرومان ثانية حتى الفتح الإسلامي. استمر العهد الإسلامي حوالي خمسة قرون عرفت خلاله بلاد القوقاز الاستقرار والازدهار. حكم المنطقة السلاجقة.. ثم المغول والتتار واستمر حكمهم حتى سيطرة روسيا القيصرية على بلادهم. والشيشان شعب متدين شديد الاعتزاز بوطنيّته وبسبب ذلك لقوا الكثير على يد القياصرة. لم يترك الشعب الشاشاني المحتل القيصري يهنأ له عيش، فقامت ثورة الشيخ (منصور أنابا) لتشعل الأرض تحت أقدامهم عام 1791م واستمرت الثورة مشتعلة ست سنوات حتى أُسر قائدها ومات في السجن.

اتّبع القياصرة سياسة بالغة القسوة للقضاء على جذور المقاومة الشاشانيّة التي انتشرت أخبارها في مجمل المناطق الإسلامية المجاورة. فقد اعتمدوا القسوة البالغة والإعدامات وتنشيط التبشير الأرثوذكسي وفرضه، وتخريب غابات وزراعات البلاد، وأخيراً فتحوا باب الهجرة، فحدثت موجة هجرة إلى البلاد العربية ولقد أدت تلك السياسة الماكرة إلى قمع البلاد وركونها للسلطة في موسكو على يد القائد الداهية (يرمولوف) عام 1822م.

يسجل التاريخ أن الحركات الإسلامية الصوفية قادت الجهاد الشاشاني ضد الاحتلال القيصري والشيوعي وأهمها النقشبندية والقادرية. كما قامت ثورة غازي مللا عام 1832م والتي حرّرت أجزاء كبيرة من (شاشان أنغوشي). كتب الجنرال الروسي (تورناو) وقد شارك في حرب (غازي مللا): (إن شعب شاشان ومقاتليه يستحقون الإعجاب والتقدير كخصوم شجعان) !! واستشهد الشيخ (غازي) في ثاني محاولة إسلامية لتحرير البلاد من الاحتلال القيصري.

أسس ستالين جمهورية الشيشان ذات الحكم الذاتي عام 1944م، ونفى شعبها عام 1945م بعد اتهامهم بالتعاون مع النازية. استمر اعتقال الشعب الشيشاني في سيبيريا حتى العام 1957م حين سُمح لهم بالعودة وتشكيل جمهورية تحت إشراف وحكم روسي مباشر.

مُنعت اللغة العربية في النظام التعليمي باعتبارها لغة (رجعية) يُعاقب كل من يتكلم أويكتب بها. واللغة الروسية إجبارية وهي اللغة الرسمية المفروضة على السكان المسلمين.

نظراً لأصول الشاشان العربية فهم يقدّسون العرب ويرون فيهم جلال الإسلام وقدسيّته ويكره الشاشان الخدمة في الجيش الروسي باعتبارهم غزاة مغتصبين.

 أعلنت جمهورية الشيشان استقلالها.، وألغى الجنرال جوهر دودايف الذي انتخب رئيساً للجمهورية يوم 27/10/1991م، حالة الطوارىء التي فرضها الرئيس الروسي يلتسن.. دعا شعبه إلى التعبئة العامة. وحاصر الحرس الوطني الشاشاني القوات الروسيّة التي تم إنزالها في المطار للقضاء على إجراءات الاستقلال. خرج الآلاف إلى الشوارع.. وأعلنوا أنهم سيدافعون عن جمهوريتهم حتى الموت. الروس لم يسلموا باستقلال جمهورية الشيشان وان كانوا تحاشوا المواجهة وانسحبت قواتهم الى أنغوشيا. وراهنت على انهيار نظام دودايف من الداخل. وأوقفت تزويد غروزني بالسيولة النقدية وقطعت عنها الإمدادات الغذائية ورفضت الدخول في أية مباحثات معها ما لم تعلن عودتها عن فكرة الاستقلال.

·    في 15 فبراير 1993م دعا دودايف مواطنيه لتأييد مشروع دستور جديد ينص على إقامة محاكم إسلامية، وقال أن هذه المحاكم ستطبق الشريعة الإسلامية في مسائل الحقوق المدنية والأحوال الشخصية وانه سيتم استفتاء سكان الشيشان على مشروع الدستور في 19 فبراير 1993م. تضمن المشروع الجديد تعزيز السلطات الرئاسة وتشكيل برلمان من مجلسين، وحل المحكمة الدستورية الحالية والاستعاضة عنها بمحكمة عليا.

وذكرت وكالات الأنباء أن الدستور الجديد سينص على أن الشاشان (دولة حرة وديمقراطية) في منطقة القوقاز.

تحاول الحكومة أن تعطي الإسلاميين حرية كاملة في الحركة.. وأن تتجاوب مع مطالبهم قدر الامكان.

·    يشن الاعلام الروسي حملة عنيفة ضد الجنرال (المتمرد) ويتهمه بأنه حاول تنصيب نفسه (إماماً) وانه أجرى اتصالات لهذا الغرض مع جماعات متطرفة التقى قادتها اثناء زيارته المفاجئة إلى لبنان اواسط مايو (1993م).

·    الوضع في منتهي الخطورة.. فقائد الشيشان يدعو شعبه لإخراج الروس بالقوة من الشاشان.. والروس عينوا سيرغي شاخراي حاكماً جديداً لمنطقة شمال القوقاز وأحكموا قبضتهم على طرق المواصلات المارّة عبر البلاد.. مما يعني احتمال حرب جديدة روسيّة- قوقازية. المعارضة المدعومة من روسيا نظمت نفسها في (مجلس مؤقت) في شمال الشيشان وأعلنت خلع الرئيس دودايف من منصبه. وفي شرق البلاد تقوم مجموعة أصغر من المعارضة بقيادة أرسلان لوبازانوف. ولا ينظر الشعب إلى هؤلاء نظرة احترام فهم في نظره مجرد جواسيس للروس. وعلى الرغم من الدعايات التي يشنها الإعلام الروسي.. فإن الرئيس دوداييف مازال يسيطر على معظم مناطق الشيشان وخاصة العاصمة.

في ظل الأزمة المستمرة على مدى ثلاثة أعوام تتواصل الانقسامات في صفوف الشعب الشيشاني. ففي منطقة ناديثيريتشني التي تقطنها أغلبية من الكازاخ الروس يتحصن عمر افتورخانوف رئيس المجلس المؤقت. وهذه المنطقة غنية بالنفط وفيها مصانع تكريره. كما أن روسلان لابازانوف الضابط السابق في الحرس الجمهوري تحصن في مدينة أرجون وأسس حركة العدالة. في 6سبتمبر 1994م شنت القوات الحكومية هجوما واسعا استعادت فيه السيطرة على المدينة. المعارضة على اختلاف نزاعاتها تؤيد استقلال البلاد باستثناء عمر افتورخانوف.. الذي يرفض الاستقلال.

زعماء شمال القوقاز عقدوا اجتماعا لهم في نالتشيك وصرحوا بأن سياسة الرئيس دودايف أصبحت عنصر خلخلة في المنطقة.

رسلان حسب اللاتوف رئيس البرلمان السابق دخل على الخط وشكل مجموعة وساطة ودعا إلى حل القضية سلميا للحيلولة دون دخول الروس إلى الجمهورية.

للروس مصلحة كبيرة في تنحية دودايف.. الذي يطمح فيما يبدو إلى تزعم منطقة شمال القوقاز بكاملها..

الصراع على أشده، فروسيا لا تستطيع التفريط بالشيشان خوفا من خسارتها لكامل المنطقة.. ورئيس الشيشان يهدد بان افغانستان ستبدو باهتة بالمقارنة مع الحرب القوقازية الجديدة إذا أقدمت روسيا على زج قواتها في النزاع. يصرحون بأننا سنقاتل حتى النهاية فليس أمامنا خيار آخر.

·    في ديسمبر 1994م أنذرت حكومة روسيا جوهر دوادايف بإلقاء السلاح والدخول في مفاوضات لاعادة الشاشان إلى الحظيرة الروسية.. ورفض دودايف الإنذار وطالب بانسحاب القوات الروسية التي أطبقت على غروزني من ثلاث جهات. قرار يلتسن هو الأخطر الذي أقدمت عليه موسكو خلال الـ 51 عاما الماضية.. وهناك خطر حقيقي في تفجير برميل البارود وامتداد المعركة لتشمل القوقاز باكملها.

الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة التي طالما تشدقت بحريات الشعوب قالت إن قضية الشاشان قضية داخلية روسية.

في دراسة نشرتها مجلة ميدل إيست بوليسي الأمريكية ذكرت أن الغرب لن يتدخل في عملية الغزو الروسي للشيشان لأن الهجمات موجهة إلى ما يسمى بالأصوليين الإسلاميين.

انغوشيا المقاطعة القوقازية المجاورة انضمت إلى صفوف الشاشان وأكد رئيسها رسلان أوشيف أن حرب القوقاز بدأت مما حدا بالكرملين إلى اتهامها بإعلان الحرب على روسيا. كما بدأ تشكيل وحدات للدفاع الشعبي في داغستان.. وعقد في نالتشيك عاصمة كبردنيا - بلقاريا مؤتمر طارئ لشعوب القوقاز طالب الرئيس الروسي وقف العدوان فورا وأكد أن شعوب القوقاز ستنهض كلها لمساعدة الاشقاء الشاشان. وفي أذربيجان أصدر شيخ الاسلام في باكو بيانا أيد فيه غروزني. أما أبخازيا فقد أعلنت حالة التأهب بين صفوف قواتها المسلحة.

المعارضة الشاشانية التي كانت تحارب دودايف لاخذ مكانه أعلنت انهم سيوجهون رصاصهم نحو الروس إذا تدخلوا مباشرة في الحرب ضد بلادهم.

أزفستينا الروسية علقت على قرار الحرب فقالت: الحرب قد تفرز جبهة إسلامية متحدة مناهضة لروسيا في الداخل والخارج.

مجلة الايكونومست البريطانية (25/1/1995م) تخشى أن تكون الشيشان بداية صراعات عرقية وسياسية طويلة. لوفيغارو الفرنسية (30/10/1995م) تستغرب كيف يستطيع شعب صغير شبه أعزل أن يصمد في وجه أكثر من أربعين ألف جندي تدعمهم الدبابات وسلاح الجو والصواريخ وكل الترسانةالروسية الرهيبة. وتخلص الجريدة إلى نتيجة: أن الشعب الشيشاني والقوقاز بأكمله يعضدهم ويشد من أزرهم.

كان وزير الدفاع الروسي الجنرال غراتشيف يعلن أنه يستطيع الاستيلاء على غروني خلال ساعتين.. أما اليوم فقد توصل غراتشيف (على الأغلب) إلى قناعات جديدة.. أما الشباب الشيشاني فيقول: لم نعد نخش القوات الخاصة، إن تسليحهم ممتاز وخبرتهم عالية.. ولكنهم يقاتلون بلا روح..!

إن سكان العاصمة الروسية موسكو لا يخشون وقوع المعارك العسكرية في غروزني أو الشيشان.. بل إنهم يخشون أن تنتقل هذه المعارك إلى موسكو ذاتها!

الدمار الذي أوقعه الجيش الروسي بغروزني العاصمة وبقية المدن الشيشانية شبيه إلى حد كبير بالدمار الذي أصاب لينينغراد في الحرب العالمية الثانية.. الفرق بين الحدثين أن غروزني ستجلب الاحتقار للجيش الروسي الذي هدم المدن على رأس سكانها.

من الصعب التنبؤ بموعد وطريقة نهاية الحرب الروسية في الشيشان ولكن من الممكن القول: إن هذه بداية النهاية للاتحاد الروسي الذي قام أساسا على جماجم المسلمين..!

إن روح القوقاز التي أنعشها البطل العظيم الشيخ شامل تحت راية الإسلام والتي قاومت روسيا القيصرية أكثر من ثلاثين سنة.. عادت لتنتعش من جديد بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991م.. ولكن على يد الجنرال جوهر دودايف هذه المرة.

قطيع الذئاب

 يطلق الشيشانيّون على الوحدة الرئيسية التي تشكل العمود الفقري لقواتهم المسلحة اسم قطيع الذئاب.. ولقد شارك بعضهم في المعركة في أبخازيا ونشروا الرعب في  صفوف القوات الجورجية.. فهل ستتمكن الذئاب من حماية البلاد ضد الاحتلال والحقد الروسي.. ؟

النشيد الوطني الشيشاني الذي يقول:

في ليلة مولد الذئب خرجنا إلى الدنيا.

وعند زئير الأسد في الصباح سمونا بأسمائنا.

وفي أعشاش النسور أرضعتنا أمهاتنا.

ومنذ طفولتنا علمنا آباؤنا فنون الفروسية.

لا إله إلا الله محمد رسول الله.

لهذ الأمة (الاسلامية) ولهذا الوطن ولدتنا أمهاتنا.

وقفنا دائما شجعانا نلبي نداء الأمة والوطن.

لا إله إلا الله محمد رسول الله.

جبالنا المكسوة بحجر الصوان.

عندما يدوي في أرجائها رصاص الحرب.

نقف بكرامة وشوق وعلى مرّ السنين.

نتحدى الأعداء مهما كانت الصعاب.

وبلادنا عندما تتفجر بالبارود.

من المحال أن ندفن فيها إلا بشرف وكرامة.

لا إله إلا الله محمد رسول الله.

لن نستكين أو نخضع لأحد إلا الله.

فإنها إحدى الحسنيين نفوز بها.

الشهادة أو النصر.

لا إله إلا الله محمد رسول الله.

جراحنا تضمدها أمهاتنا وأخواتنا بذكر الله.

ونظرات الفخر في عيونهن تثير فينا القوة والتحدي.

لا إله إلا الله محمد رسول الله.

إذا حاولوا تجويعنا سنأكل جذور الأشجار.

وإذا منع الماء عنّا سنشرب ندى النبات.

فنحن في ليلة مولد الذئب خرجنا إلى الدنيا.

ونحن دائما سنبقى مطيعين لله ثم للوطن.

ولهذه الأمة.

لا إله إلا الله محمد رسول الله.