الحاج عباس حسن السيسي داعية الحب في الله

المستشار عبد الله العقيل

(1337 - 1425هـ / 1918-2004م)

مولده ونشأته

ولد الشيخ عباس بن حسـن السيسي يوم 28/11/1918م في مـدينة رشيـد بالبحيرة، وحصل على دبـلوم المدارس الثانوية الصناعية، وتطوَّع بمدرسة الصناعات الحربية، بتوجيه من فضيلة المرشد العام الإمام حسن البنا، والتحق بورش سلاح الصيانة بعد التخرج.

تعرَّف على دعوة الإخوان المسلمين سنة 1936م، وبايع الإمام البنا على الالتزام بمنهج الدعوة والجهاد في سبيل الله.

نشاطه الدعوي

اعتقل سنة 1948م مدة ستة أشهر، ثم في سنة 1954م مدة عامين، وفُصل من الخدمة سنة 1956م، ثم اعتقل مجددًا سنة 1965م، وخرج بعد تسع سنوات عام 1974م.

كان الأستاذ السيسي من دعاة الإخوان الأفذاذ، فقد كان يصل إلى قلوب الناس بحسن خلقه، وبشاشة وجهه، وجمال أسلوبه الدعوي، بالترفق بالناس، وإدخال السرور إلى قلوبهم، ومشاركتهم في مشكلاتهم، وتعميق العلاقة بهم، وإقامة أواصر الحب معهم، والتلطف بالصغير، والصبر على الجاهل، وتمتين الصلات الاجتماعية معهم، عن طريق التزاور، ومشاركة الناس في أفراحهم وأتراحهم.

وهو بسيط في مظهره، باسم الثغر، واسع الصدر، حليم على من يسيء إليه، ودود لإخوانه، رفيق بجيرانه وزملائه، وكان خفيف الظل، لا يُرى إلا مبتسمًا، كثير الدعابة لإدخال السرور على من حوله، ولكن بأدب الإسلام، يروي القصص بأسلوب مشوق جميل، ويهدف من كل ذلك إلى استمالة قلوب المدعوين إلى دعوة الحق، ومنهج الحق، ودين الحق، صبَرَ في كل المحن التي تعرض لها.

له إسهام كبير في نشر الدعوة داخل مصر وخارجها، وله محبون وتلامذة في أكثر أنحاء العالم العربي، وفي الغرب.

والأستاذ السيسي من الرعيل الأول لجماعة الإخوان المسلمين الذين حملوا رسالة الدعوة، وثبتوا على حملها، والتصدي لكل قوى الظلم والجور التي سعت لتعطيل المسيرة، أو إيقاف القافلة.

كان يستوعب الشباب وحماسهم، ويوجه هذا الحماس لخير الأمة والدعوة، وكان يعالج تطرف أفكارهم بالحب واللين، ويقول: سنقاتل أعداءنا بالحب.

ومن طرائفه التي سمعتها منه: أنه كان يركب «الترام» مرة، فداس على قدم رجل من الركاب، فقال له الرجل: أنت حمار؟ فكان جواب الحاج عباس بمنتهى اللطف: لا أنا سيسي، فضحك الرجل، وكانت أحاديث دعوية بينهما.

ويُجمع الذين زاملوه في السجن، أو شاهدوه في حال المرض، أنه كان دائم الابتسام مع القريب والبعيد، والعدو والصديق، حتى مع السجانين الذين كانوا يعذّبونه وإخوانه في السجون، وكانوا يطلقون عليه: معلم الحب والذوق، ويعتبرون مدرسته الدعوية، مدرسة الحب في الله، لأنه صاحب البسمة والقلب الكبير، ولأنه لا يؤمن بالعنف.

وكان له دور كبير في سبعينيات القرن الماضي، في التأثير على شباب الجامعات، في الابتعاد عن العنف ونبذه منهجًا وطريقًا في الدعوة إلى الله.

وكان له أكبر الأثر في اعتدال المزاج والسلوك الإسلامي، خاصة في مدينة الإسكندرية، فقد كان يحرص على التواصل مع الشباب، ويكثر من اللقاءات بهم، من خلال الندوات والمحاضرات، فكانت جهوده هذه فتحًا كبيرًا للدعوة الإسلامية في أوساط الشباب وغيرهم.

ولقد أكرم الله الكثير من شباب الجامعات المصرية في الإسكندرية والقاهرة وغيرها، بالالتزام بهذا المنهج الوسط، والبعد عن التشدد والتزمت، والانخراط في صفوف الإخوان المسلمين، باعتبارهم الجماعة التي تلتزم بمنهج الكتاب والسنة، وما أجمع عليه سلف الأمة، بعيدًا عن التزمت أو التفلت، ومن غير إفراط ولا تفريط، ولا جمود ولا تطرف: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا } (البقرة: 143).

معرفتي به

لم تُتح لي فترة الدراسة بمصر من سنة 1949م - 1954م كثرة اللقاءات مع الأستاذ عباس السيسي، فكنتُ أراه على بعد، ولكن الصلة توثّقت بيني وبينه بعد أن زارنا في الكويت، وشرَّفني بداري، وحضر الندوة الأسبوعية يوم الجمعة، وتحدّث فيها إلى الإخوة الحضور حديثًا شيقًا ممتعًا، جعلهم يتعلقون بهذا الداعية، وتنشرح صدورهم لهذا الأسلوب الدعوي الفريد، الذي يأسر القلوب، ويستثير مكامن الخير في النفوس، ويبعث فيها الحيوية للانطلاق في الدعوة إلى الله دونما تأخير، وتكررت اللقاءات معه، فلم يكن يُدعى إلى ندوة أو حديث في أسرة أو كتيبة أو رحلة، إلا استجاب لها، في أي منطقة في الكويت، ومع أي مجموعة. وترتب على هذا، بفضل الله، دخول مجموعات كبيرة من الشباب والكبار من الكويتيين أو المقيمين على حد سواء في دعوة الإخوان، وكانت تلك النشاطات المباركة من الأشياء التي ما زال يذكرها شباب الإخوان في الكويت، ويدعون لأستاذنا الحاج عباس السيسي بالمغفرة والرحمة والرضوان عند الملك الديَّان.

وحين استقر به المقام في ألمانيا، كنتُ أزوره كثيرًا مع إخواني من سائر الأقطار العربية والإسلامية في كل عام تقريبًا، لنتدارس أوضاع المسلمين ومشكلاتهم، وهموم الدعوة الإسلامية في أنحاء العالم، ونبحث في الوسائل الناجعة لتحقيق أهداف الإسلام، والارتقاء بمستوى المسلمين، وكسب المزيد من الشباب إلى الصف الإسلامي والإعداد التربوي للدعاة، والتحرك على المستوى الفردي والجماعي لتكثير سواد العاملين للإسلام، ودعم صمودهم، والارتقاء بوسائل الدعوة لتناسب العصر والقطر، مع الحفاظ على الثوابت والأصول، وآخر زياراتي له بألمانيا كانت بصحبة أم مصطفى حين زارت أختها أم معاذ سنة 1985م.

وبعد عودته إلى مصر، زرته أكثر من مرة في الإسكندرية ورشيد، وتناولت في بيته الطعام المتعارف عليه عندهم، وكان من الأسماك بأنواعها وبمختلف أنواع طبخها.

وزرتُ مكتبة القبس التي أنشأها، وسافرت معه إلى القاهرة لحضور لقاءات الإخوان ومكتب الإرشاد.

كما سعدت به في زيارته لنا بمكة المكرمة، ثم شاء الله أن يبتليه بالمرض الذي أقعده في الدار بالإسكندرية، فكنت أهاتفه بين فترة وأخرى للاطمئنان على صحته، ولإبلاغه سلام إخوانه خارج مصر، وكان كلانا يسرّ بسماع صوت أخيه ولو عبر الهاتف، ونحمد الله على نعمة الأخوة في الله التي جمعت بيننا على غير أرحام ولا أنساب ولا مطامع أو مصالح، بل أخوة في الله، لإعلاء كلمة الله، نبتغي بها وجه الله، ونرجو بها رحمته، ونسأله جنته.

من أقواله

«الدعوة إلى الله فن، والصبر عليها جهاد.

والدعوة إلى الله حب، والحياة في سبيل الله أشق من الموت في سبيل الله ألف مرة.

إن الجهاد بالحب في الله، هو الفرصة المتاحة، والسياسة المباحة، التي لا تعوقها حدود ولا يصادرها قانون، لأنها نبض وهواتف ومشاعر وأحاسيس.. والحب في الله هو السبيل الذي ليس له نظير ولا مثيل.

الإسلام ذوق، والإسلام لطائف، والإسلام أحاسيس ومشاعر، هذا الدين يتعامل مع النفس البشرية، يتعامل مع القلوب والأرواح.

هذا الدين لم يبدأ باستعمال العضلات، ولا خشونة الكلمات، ولا بالتصدي والتحدي، ولكن بالكلمة الطيبة، والنظرة الحانية، قال تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} (البقرة: 83).

لما كانت رسالة الإسلام موجهة إلى عامة الناس على الأرض، كان من الضروري أن يتصدر لهذا المجتمع الواسع دعاة على مستوى من العلم والقدرة والقدوة، والدراية بأسرار النفس البشرية، يتحلون بالصبر، وانشراح الصدر، والفراسة، والبصيرة: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (يوسف: 108)، ولا بد من استنهاض إمكانات الحواس الربانية في جذب القلوب، وتآلف الأرواح والمعايشة في رحاب حركة الدعوة ومجالاتها الواسعة، وهذا يكون بالكلمة الطيبة، والدعوة بالحسنى، والجدل - إن اقتضى الأمر - بالتي هي أحسن، والقدوة الصالحة، ذلك أن طهارة الهدف تستلزم في عرفنا طهارة الأسلوب في تحقيقها، ونبل الغاية يقتضي نبل الوسيلة حتمًا، فالدعوة تقتضي فهمًا دقيقًا لكل مراحلها، وأهدافها، وما تريد في المستقبل، وما طريقها في تحقيق أهدافها.

لقد ظلت العبادات عند كثير من المسلمين محصورة في شكل دون روح، فالمسلم يؤدي عبادته، ويتقوقع في ذاته وخصوصيته، دون الاهتمام بأن الإسلام رسالة ودعوة، وبهذا انكمش دور المسلم الاجتماعي والحركي، فلم يمتد إلى جميع قطاعات المجتمع، لينقله ويصبغه بصبغة الإسلام حقيقة وعملاً، مشاعر وشعائر، لبناء الأمة الإسلامية، وتحقيق الآمال».

وقد وفقه الله إلى إصدار العديد من الكتب والرسائل التي تؤرخ للدعوة، وتتحدث عن أحداثها وشخصية قائدها الإمام الشهيد حسن البنا، ووسائل التربية والدعوة إلى الله، وكيفية مخاطبة القلوب، ودعوة الناس إلى الخير، وقد أسس «دار القبس» للنشر بمدينة الإسكندرية.

من أهم مؤلفاته:

- رشيد المدينة الباسلة.

- من المذبحة إلى ساحة الدعوة.

- الدعوة إلى الله حب.

- حسن البنا: مواقف في الدعوة والتربية.

- الطريق إلى القلوب.

- جمال عبد الناصر وحادثة المنشية.

- في قافلة الإخوان المسلمين.

- حكايات الإخوان.

- الحب في الله.

- دعوة الإخوان حب.

- الذوق سلوك الروح.

وبالإضافة إلى هذه المؤلفات، كانت له اهتمامات بتسجيل تاريخ الجماعة عن طريق إجراء الحوارات والمقابلات مع الإخوان القدامى، بالصوت والصورة في دار القبس بالإسكندرية، ونرجو إخواننا في الإسكندرية وأبناء الفقيد أن يحرصوا على أن تخرج هذه المقابلات المسجلة، ليستفيد منها جمهور الإخوان الدعاة في كل مكان، فهي علم ينتفع به.

 

قالوا عنه:

يقول فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين الأستاذ محمد مهدي عاكف:

«إن الجماعة فقدت برحيل الأستاذ عباس السيسي واحدًا من القلوب التي كانت تنبض بحب الدعوة، وتحيا لها، مسخرة كل طاقاتها لله (عز وجل).

عزاؤنا أن الله اختاره إلى جواره في أيام الشهر الكريم شهر رمضان المبارك، واختصَّه بيوم عيد للمسلمين هو يوم الجمعة، ولئن كان قد رحل عن دنيانا، فإن سيرته تحيا ما بقيت دعوة الله، وتنبض حياته في قلب كل قارئ لكتبه التي أثرت مكتبة الدعوة، فاللهم تقبّله في الصالحين، وأنزله منازل الشهداء والصديقين، وأكرم ضيافته يا أكرم الأكرمين».

ويقول د. محمد حبيب النائب الأول للمرشد العام:

«لقد غاب عنا الحاج عباس السيسي بجسده، ولكنه لم يغب عنا بروحه وخفة ظله، فقد ألف الكثير من الكتابات، ومنها: «الذوق سلوك الروح» فكان (رحمه الله) روحًا متألقة.

طلبتُ منه مرة أن يصف لنا الأستاذ الإمام حسن البنا بكلمة واحدة، فقال: أقول كلمة قالها الكاتب الصحفي أحمد بهجت، واصفًا الإمام الشهيد: «إنه الرجل المتوهج».

ومن وهج الإمام البنا، استمد الحاج عباس السيسي تألقه وتوهجه، وما أحوجنا إلى هذا الصنف الفذ من الرجال الذي لم تفارقه البسمة أبدًا حتى في أوقات الشدة، فكان (رحمه الله) يحن علينا، ويضعنا تحت جناحيه، ويملؤنا بعطفه، رغم ما عاناه في السجون والمحن التي لم تزده إلا صلابة وقوة وعمقًا ورسوخًا، ثم جاءه المرض، فصبر صبرًا جميلاً، ما وهن وما فتر، وكان حزنه الشديد وألمه أنه لا يستطيع الحركة حتى يطل بنظراته على الإخوان المسلمين.

لقد كان نقطة مضيئة في دعوة الإخوان المسلمين، وهب حياته للإخوان ولدعوة الإخوان، وكان كريمًا معها».

ويقول المهندس خيرت الشاطر النائب الثاني للمرشد العام:

«ودعنا رجلاً من رجالات دعوة الإخوان المسلمين البارزين، الذي كان وسيظل معلمًا بارزًا في مسيرة دعوتنا، حيث كان له دور متميز في داخل هذه الدعوة المباركة، سواء في مرحلة التأسيس، وحتى مطلع الخمسينيات، أو في مرحلة المحن والسجون من الخمسينيات وحتى مطلع السبعينيات، ثم في مرحلة استئناف وإعادة التأسيس منذ السبعينيات وحتى مرضه في السنوات الأخيرة، وليس فقط على مستوى الإسكندرية، ولا على مستوى مصر بأسرها، بل على مستوى العالم العربي والعالم كله، ولقد ترك آثارًا واضحة وبصمات في كل مكان ذهب إليه وارتبط اسمه بالحب والبشر».

ويقول الأستاذ جمعة أمين عبد العزيز:

«ننعى اليوم رجلاً من رجالات الدعوة، ربى رجالاً عدة، ولو أردنا أن نكتب تاريخه، ما وسعنا سفر من الأسفار، عشنا معه عمرًا، فلم نر فيه حقيقة إلا قول الله (عز وجل):

{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} (الأحزاب: 23). فكان نعم الرجل، ونعم المربي، ونعم المجاهد، تعرفه مجالس الإخوان في مصر، ويعرفه من عاش معه في أوروبا وأمريكا، ويشهد له رجال وشباب قابلهم من كل بقاع الدنيا، وله بصمة في نفوسهم.

لقد رحل عنَّا أخ حبيب، ومعلم وأستاذ، عشت معه، وكنا معًا كما قال ربنا: {ﯲ ﯳ ﯴ .ﯶ ﯷ ﯸ} (طه:31-32)، فكان نعم الرجل والأستاذ والمربي، إنه رجل لا يموت، لأن تاريخه باق فينا وأثره. لقد صُبَّ عليه البلاء صبًا، وأصابه المرض فترة طويلة، ولكنه كان نعم الرجل الصابر المحتسب، كنا نزوره في مرضه، فنجد لسانه قد أثقل عليه في الكلام، ولكنه بمجرد لقاء إخوانه وجلوسهم معه فترة، نجد لسانه وقد انطلق لمجرد رؤيته لإخوانه، كان يفيض حبًا، وكان بمثابة الماء الذي يروي نبت الدعوة وزرعها، لقد كان كتابًا صفحاته مضيئة.. علمنا فيها أن الدعوة حب، وعلمنا أنه لا عنف في دعوتنا، كتبها في كتبه، وبثَّها إلينا، وربَّانا عليها، وعلقها في بيته ليراها كل زائر، لقد ترك لبنات ولبنات يشتد بها البناء ويعلو بإذن الله.

لا نملك إلا أن نرفع أكف الضراعة إلى الله في هذه المصيبة، كما وصفها الله تعالى، مصيبة الموت، مؤكدين {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} وإن كان غاب عنَّا الأستاذ عباس السيسي، فقد ترك خلفه تلاميذ ملء السمع والبصر، نسأل الله أن يتقبله في الصالحين، وأن يثبتنا على الحق ويلحقنا به على خير».

ويقول عنه الشيخ سعيد حوَّى:

«الأخ عباس السيسي ممن عايش الأستاذ البنا، ونهل من معينه العذب، فتجسدت فيه معاني هذه الدعوة في صفاء ورواء، ومن أعلى ما تجسد فيه: خُلق الإخاء، فهو صافي المودة، كثير العطاء، حيثما توجه نشر من عبير روحه الحب، فلا يكاد يجتمع مع أخ حتى يشعل في قلبه نور الإخاء في الله حارًا متوقدًا منيرًا، لأنه هو كذلك، فتراه يغرف منه الصغير، ويرتشف منه الكبير، وهو بطبيعته شفاف النفس، حسّاس الوجدان، مع تأمل عميق، وفراسة صادقة، وفطرة صافية، وقدرة كبيرة على أن يحيط الكبار والصغار بعطفه، وأن يتجاوز عن الأخطاء، ويغضّ الطرف عن الزلات، ويتحمّل في الله المصيبات، مما جعل الكثيرين من شبابنا يتعلقون به بمجرد أن يعرفوه، لأنهم يجدون عنده حبًا بلا مصلحة، وأبوّة بلا مطالب شخصية، وأخوة تتقارب في أجوائها فوارق السن والقدر، بسبب من تواضع لا يعرف إلا الحدود الشرعية».

وفاته

توفي يوم الثامن من شهر رمضان سنة 1425هـ الموافق 22/10/2004م، بعد مرض طويل، ولكنه كان الصابر المحتسب حتى لقي ربه وقد صُلِّي عليه في «مسجد الحق» بمدينة رشيد عقب صلاة العصر، وحضر تشييع الجنازة أكثر من خمسة وعشرين ألفًا، في مقدمتهم المرشد العام محمد مهدي عاكف الذي أمّ المصلين في صلاة الجنازة، ودُفن في مقابر مدينة رشيد.

رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته، مع النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا.

وسوم: العدد 856