الأديب الداعية محمد حسن بريغش

sfgghhhtgr10521.jpg

( 1942- 2003م)

هو الأديب الداعية الذي أثرى المكتبة الإسلامية بالأدب والنقد والقصة والتأريخ والتراجم، وعاش غريباً، ومات غريباً، فطوبى للغرباء.

يعد الأديب الراحل محمد حسن بريغش (1942-2003م) من أبرز السباقين إلى الدعوة إلى فكرة الأدب الإسلامي، تشهد له بذلك جهوده المتنوعة وكتاباته المهمة في النقد بشقيه النظري والتطبيقي، وسنحاول في هذه السطور الوقوف مع سيرته، وبعض القضايا التي اهتم بها الرجل وأبدى وجهة نظره فيها.

ولادته، ونشأتـه:

ولد الأستاذ المربي محمد حسن بريغش في عام 1942م بقرية التل التي تقع على تلال مرتفعة على بعد حوالي 15 كلم شمال دمشق، وهو ينحدر من أسرة فقيرة محافظة، لذلك تفتحت عيناه، وهو "يرى والده ينحت الصخر يعده للبناء ليعيل أولاده، ويوفر لهم أسباب الحياة.

وفي ظل هذه الظروف الاجتماعية الصعبة اضطر كاتبنا لمزاولة العمل منذ أن كان طالباً لمساعدة والده الفقير، دون أن يدفعه ذلك إلى التفريط في الدراسة، أو ترك مرافقة الكتاب، بل إن هذه الظروف صقلت شخصيته، ولقَّنته كثيراً من دروس الصبر والتحمل والتعاون والأمل وعدم الضعف أو الكسل، خصوصاً، وأن والده كان يربيه وإخوته على طلب العلم، ويبين لهم أن سبيله أفضل من تتبع المناصب والأموال.

كل ذلك وغيره صاغ شخصية كاتبنا الذي عاش للفكرة الإسلامية، ونافح عنها بقلمه وفكره وعمله.

الدراسة، والتكوين:

درس بريغش المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية بالتل مسقط رأسه.

ثم انتقل إلى جامعة دمشق، ومنها حصل على "الليسانس" تخصص اللغة العربية.

وحصل على شهادة "دبلوم عامة في التربية" من جامعة دمشق.

الوظائف، والمسؤوليات:

ثم ولج حقل التعليم، فعمل مدرساً ابتدائياً لفترة قصيرة بسورية، قبل أن ينتقل إلى المملكة العربية السعودية عام 1975م، فاشتغل بالتدريس بضع سنوات.

تحول بعدها إلى العمل باحثاً تربوياً بالوكالة المساعدة للتطوير التربوي بقسم المناهج التابع للرئاسة العامة لتعليم للبنات.

هذا التطور في مراحل الدراسة والتدريس رافقه تطور في الشخصية العلمية لبريغش، ومن العلامات البارزة ذات الأثر البليغ في تلك الشخصية ما يأتي:

أـ الاهتمام بالقراء والمطالعة منذ سن مبكرة: ويعود ذلك أساساً إلى تأثير الوسط الأسري والتعليمي، وقد تحدث بريغش في سيرته الذاتية عن والده الذي كان شغوفا بالقراءة رغم أنه حرم الحصول على التعليم والشهادات، وأنه كان يشتري الكتب من حين لآخر، ويقرأ كثيرا من الكتب بشغف، وحكى في أن والده سافر ولما رجع من سفره أهدى له ولإخوة كتبا تراثية...ولا شك أن شخصية والده زرعت فيه البذرة الأولى لحب العلم والقراءة والحرص على الكتاب والتعلق به.

ثم إن بعض المعلمين الناجحين كان لهم دور في ذلك، ومنهم واحد يتحدث عنه الكاتب بإعجاب لما كان يتمتع به من شخصية قوية مؤثرة، واهتمام بالغ بالتعليم باعتباره رسالة، لا مجردة وظيفة مقابل راتب، وكان من مبادراته محاولة ربط تلاميذه بالكتاب، وله يعود الفضل في أول كتاب يشتريه كاتبنا، وهو ما يزال في الصف الخامس ابتدائي محققاً بذلك نقلة نوعية منذ وقت مبكر، سار بعدها يجمع ما أتيح له من نقود قليلة ليشتري كتبا، أو يعمد إلى استعارة أخرى فيقرأها حتى أضحى الكتاب عنصرا مهما في حياته.

ـ كثرة القراءة والمطالعة في المرحلتين المتوسطة والثانوية والشغف بالكتابة: سار بريغش في هذه المرحلة يقرأ كل ما تصل إليه يده من كتب دون أن يسأل عن أي كتاب يقرأه، فقرأ كتبا في التاريخ، وتراجم الرجال والشخصيات، وكتباً ثقافية وفكرية، وأخرى في الأدب والفلسفة والتربية وعلم النفس، وقرأ لكبار الكتاب في العصر الحديث مثل العقاد والرافعي والمازني والمنفلوطي وسيد قطب...وتأثر بأساليبهم وثقافاتهم.

وفي هذه المرحلة أخذ يتطلع على الكتابة، ويسعى إلى الانتاج، فكتب بعض الموضوعات والبحوث، وألقى كلمات وخطبا في الطلبة والمعلمين، وكتب عن بعض أدباء العصر الحديث مثل أبي القاسم الشابي، ومحمود العقاد، وأحمد الرفاعي.

ـ اختيار التخصص الأدبي في المرحلة الجامعية: من الأمور الجديرة بالذكر في سياق الحديث عن المؤثرات المتدخلة في صياغة الشخصية العلمية لبريغش أنه اختار التخصص الأدبي في المرحلة الجامعية بناء على رغبة جامحة رغم أنه كان متفوقا في الشعبة العلمية التي درسها بالمرحلة الثانوية، يقول رفيق دربه منبر الغضبان مخاطبا إياه: "...واخترت دراسة الأدب رغم الشهادة الثانوية العلمية التي نلتها وبتفوق واضح، وكان طريق الهندسة مفتوحا أمامك، ولكن ليس في الهندسة قلب وحب، أما في الأدب فالأدب شعر وشعور وشعر منثور.

وفي هذا الاختيار دليل على الأدب لم يكن عند بريغش مجرد هواية وترف فكري، وإنما كان هما مركزياً يستدعي التفرغ الكلي لأجل العطاء والإنتاج، وربما كان بمقدوره الجمع بين تخصصين أو أكثر، ولكنه ارتأى أن لا يبدد طاقاته وموهبته الأدبية بين الأدب والعلم، وفضل أن يخدم أمته من هذا السبيل.

د ـ مزاولة التدريس بعد التخرج: لا شك أن الوظائف التي تقلدها بريغش كان لها أثر كبير في بناء شخصيته العلمية، ذلك أن مزاولته للتعليم أتاحت له الاحتكاك بالناشئين، ودفعته إلى الاهتمام بقضايا التربية والتعليم، وكان من أبرز عوامل التربية التي استرعت انتباهه الكلمة الطيبة الهادفة التي تفعل فعلها في عقل الإنسان وقلبه، وتصوغ شخصيته في مراحل حياته كلها.

كما أن تفرغه للبحث في هذا الاتجاه لمدة غير يسيرة لمَّا شغل منصب باحث تربوي بالوكالة المساعدة للتطوير التربوي بقسم المناهج التابع للرئاسة العامة لتعليم للبنات بالمملكة العربية السعودية، جعله أكثر حرصا على القيم والأخلاء والآداب في حياة الإنسان المسلم عموماً والأديب خصوصاً، فكان لا يخط نقداً ولا تنظيراً إلا يتحدث عن هذا الجانب مبيناً أهمية ودوره ومتمسكاً بوظيفية الأدب ورساليته.

مؤلفاته:

والأستاذ بريغش واحد من مؤسسي رابطة الأدب الإسلامي العالمية التي كان يرأسها سماحة الشيخ أبو الحسن الندوي- رحمه الله- وكان بريغش واحدًا من أعظم المنظرين لهذا الأدب بمؤلفات متعددة منها:

1- في الأدب الإسلامي المعاصر.

2- أدب الأطفال: تربية ومسئولية

3- الأدب الإسلامي: أصوله وسماته.

4- دراسات في القصة الإسلامية المعاصرة (مع عرض ودراسة لعدد من قصص الدكتور نجيب الكيلاني).

ومن كتبه في التراجم والفكر الإسلامي:

1- التربية ومستقبل الأمة.

2- ظاهرة الردة.

3- مصعب بن عمير: الداعية المجاهد.

4- أبو بصير: قمة في العزة الإسلامية.

5- خالد بن سعيد بن العاص.

6- ذات النطاقين أسماء بنت أبي بكر.

7- أم أيمن حاضنة الرسول صلى الله عليه وسلم.

8- نسيبة بنت كعب.

كما قدم للإسلام والعربية عملاً كبيرًا جدًا هو "ديوان هاشم الرفاعي" (جمع وتحقيق)، وقد بلغت صفحاته 540 صفحة من القطع الكبير، وكان أحد الكتاب المصريين بإشراف وتوجيه من وزارة التربية المصرية قد أصدر ما سماه "ديوان هاشم الرفاعي"، ولم يقدم فيه إلا عددًا من القصائد التي توهم بأن هاشم الرفاعي- رحمه الله- كان حفيًا بالثورة المصرية التي قامت بانقلاب العساكر سنة 1952م، وأسقط مقدم "الديوان" عشرات من القصائد التي تفضح هذه الثورة، وتعرِّي الحكام الظالمين، وتحمل على الاستبداد والدكتاتورية كقصيدته "نواب الأمة" التي نظمها في يوليو 1957م, وفيها يقول مخاطبًا عبد الناصر:

وفي هذا الفلك تدور قصيدته «جمال.. رئيس الجمهورية» ومطلعها:

ويصحح بريغش- رحمه الله - معلومة غالطة، روجها ناشر الديوان في صورته الأولى الذي اعتمد على انتقاء بعض قصائد هاشم مسايرة لحكام مصر، وهي أن قصيدة "رسالة في ليلة التنفيذ"، وهي أشهر قصيدة نظمها ثم كتبت سنة 1958م، وأنها قيلت بمناسبة أحداث العراق زمن عبد الكريم قاسم، مع أن أصول هذه القصيدة توضح أن كتابتها كانت سنة 1955م، وقد ثبت أنه نظمها على لسان أحد الإخوان المسلمين الذين حكم عليهم عبد الناصر بالإعدام بعد افتعال تمثيلية محاولة اغتياله في ميدان المنشية.

كما أن هذا الديوان الذي أنفق بريغش في جمعه وتحقيقه عددًا من سنِيِّ عمره يمثل الأعمال الكاملة لهاشم الرفاعي، بما فيها مسرحيته الشعرية "شهيد بني عذرة" وكذلك زجله وشعره الفكاهي؛ وبذلك قدم للقارئ شخصية الشاعر الشهيد هاشم الرفاعي في ملامحها وأبعادها الحقيقية.

عطاء.. باركه الله:

وللأستاذ بريغش -رحمه الله- زيادة على ما ذكرت مئات من المقالات والدراسات التي نُشرت في الصحف والمجلات العربية والإسلامية.

وقارئ هذه الكتب وتلك الدراسات يحس بالمجهود الضخم الذي بذله الكاتب في كتابتها، كما تشي بدقة الاستيعاب، وسعة المعرفة، وعمق المعالجة للموضوعات التي يتناولها بالبحث، ولا عجب فقد كان رحمه الله من صغره طُلعة منهوما بالقراءة الجادة, مقبلاً على قراءة كتاب عرفوا بالعمق الذي يعتبره بعضهم غموضًا, من أمثال مصطفى صادق الرافعي وعباس محمود العقاد.

وقد عبر عن هذه الحقيقة في مقال نشره بمجلة الفيصل ومما جاء فيه:.. كنت أقرأ كل ما تصل إليه يدي من الكتب الثقافية والفكرية والأدبية والنفسية والتربوية؛ مما رسَّخ لدي حب القراءة للتعلم، والمعرفة، وليس للتسلية والمتعة، وجعلني أصبر علي قراءة الكتب المختلفة في اللغة والشعر والنقد, والسير والتاريخ والمجتمع دون ملل أو إكراه".

وفي كتبه الرائدة عن الأدب الإسلامي، لا يكتفي بالتنظير والتقعيد لهذا الأدب، بل يعطي اهتمامًا خاصًا للجانب التطبيقي، متخذًا من إبداعات الأدباء موضوعات يعرضها على التنظيرات النقدية بأمانة وصدق, دون تعسف أو افتعال، ودراساته عن أعمال نجيب الكيلاني وغيره من المبدعين تقطع بهذا التوجه السديد.

توجيه من مَعين الخبرة:

ومن معاناته، وتمرسه في عالم الفكر والأدب يطرح على الناشئين والباحثين هذا التوجيه السديد الرشيد.. لا بد من التأكيد أن طريق الثقافة والفكرة والأدب طويل، يبدأ به الناشئ، بدافع الأمل وتحقيق الذات، ولكنه بعد عشر سنوات يشعر أنه ذرة في محيط.

وكلما أوغل في سفره ازداد يقينًا بأن عالم الفكر، أو عالم الثقافة، أو عالم الأدب رحيب وكبير، وأنه مهما صنع الفرد فلن يستطيع أن يصل إلى الغاية التي يريد، فإذا ازدادت معرفته، وقويت تجربته ازداد إحساسه بأنه لا يزال جهولاً بعيدًا عن الغاية، ولهذا تخبو عنده تلك المشاعر الطفولية التي دفعته في بداية الطريق، وتحل محلها دوافع القيام بالواجب، والإسهام - بقدر الطاقة - في الوصول إلى الحقائق، وتربية الأجيال وبناء المجتمعات، ومحاربة الزيف والباطل، وحماية الأمة من اعتداءات الشياطين، والدعوات الماكرة".

أدب الأطفال:

وفي كتابه القيم عن أدب الأطفال يتحدث عن أهمية هذا الأدب، وآثاره في تربية الطفل، وتوجيهه إلى قيم الحق والتقوى والجمال، فهو- كما يقول- يستطيع أن يزود الطفل بالقيم الثابتة بالتصوير والرسم، ليرى الطفل واقعًا إسلاميًا, وصورة إسلامية, ويرى في ذلك القدوة الحسنة في صورة الأبوين, وصورة الأسرة المسلمة التي يشيع فيها الحب والوئام، وتظللها الآداب الإسلامية، ويرى في حناياها روح الإيمان؛ لأن طفل اليوم أصبح وسط مؤثرات كثيرة ومتضاربة: البيت, والمدرسة, ووسائل الإعلام, والطريق والنادي, والأصدقاء, والمجتمع بكل ما فيه من تناقضات ومغريات وأصوات وألوان وأضواء وكلها تشده إلى جهاتها والطفل موضع نزاع بين هذه المؤثرات لانعدام الانسجام, والتخطيط, والتوافق في مجتمعاتنا".

رحم الله محمد حسن بريغش الذي عاش للأدب الإسلامي والكلمة الأمينة النظيفة، معتزًا بدينه وقيمه، زاهدًا في الأضواء والمظهر وزخارف الحياة.

وعاش الرجل العظيم شامخًا مترفعًا على من حاولوا الإساءة إليه، وإبعاده عن ميدان هو أجدر الناس به، وأقدرهم على المضي فيه، وما أتى هؤلاء جرمهم إلا حقدًا على بريغش العظيم.

محمد حسن بريغش:

أجراها: محمد صالح حمزة  

إذا أردت أن أصف ضيفنا لهذا العدد بكلمة واحدة لاخترت –دون تردّد- كلمة "الرّفق"، فهو، لا نزكّي على الله أحداً، من الذين يَألَفُون ويُؤْلَفُون بسرعة قياسية... رفيق في حواراته، يتكلّم بتلقائيّة آسرة لا يملك محاوره إزاءها إلاّ أن يقتنع بما يقول.. أو على أقل تقدير أن يحترم آراءه إلى أبعد حد..

بإنصافه المميّز ينظر الأستاذ "محمد حسن" علي بريغش إلى الأمة العربية والإسلاميّة محدداً واقعها وما تُعانيه.. وسبل النّهوض بها.. فلا يُحمّل الأعداء وحدهم تبعة هذا الواقع على طريقة الذين يؤثرون السّهولة في الحكم على الأشياء.. بل يضع يده على موطن الوجع ويقول: هنا يجب أن نُعالج..

نترك القارئ مع الأستاذ يسمع منه:

هل لكم أن تُقدّموا للقرّاء بطاقتكم الشّخصيّة؟

محمد حسن بن علي بريغش من مواليد بلدة التّل التي تُبعد 15كم شمال دمشق عام 1942م.

نلت شهادة الليسانس باللغة العربية عام 1966، والدّبلوم العامة في التربية عام 1968.

أحببت القراءة والكتابة منذ الصّغر وبدأت الكتابة منذ بداية المرحلة المتوسّطة.

إنتاجكم، والصّحف التي نشرتم بها

نشرت عشرات المقالات والبحوث والدّراسات في عشرات الصّحف والمجلات منها: مجلة الشّرطة ومجلّة جيش الشّعب "سورية" الإصلاح "الإمارات" الشّرق الأوسط والمسلمون، المشكاة والدّفاع الأدبي "المغرب". البعث الإسلامي "الهند"...

أما الكّتب فإنّها تزيد على 14 كتاباً إضافة إلى العديد من الكتب المدرسية في المملكة العربية السّعوديّة.

ومن الكتب المطبوعة: مصعب بن عمير ـ أبو بصير ـ ظاهرة الرّدة ـ ذات النّطاقين ـ المرأة المسلمة الدّاعية ـ في الأدب الإسلامي المعاصر ـ الأدب الإسلامي أصوله وسماته ـ الشّعر الإسلامي الحديث ـ أدب الأطفال ـ في القصّة الإسلامية المعاصرة...

الإنتاج الذي تعتزّون به أكثر من غيره، ولماذا؟

الكاتب يُحبّ إنتاجه، لأنّ هذا الحبّ رمز للصدق وصورة من صوره ولكنّني أحُبّ مصعب بن عمير الذي كان أوّل إنتاجي لأنّه حقق ما كنتٌ أريده منه، في إعطاء صورة عن الشّاب الدّاعية الذي يهجر دنياه ومغرياتها ويُفضّل مرضاة الله عزّ وجل.

وكذلك كتاب "الأدب الإسلامي: أصوله وسماته" وكتاب "أدب الأطفال" لأنّه –من وجهة نظري- أوّل دراسة جادّة لأدب الأطفال من التّصوّر الإسلامي.

العمل الحالي:

أعمل الآن في التّطوير التربوي –قسم المناهج في المملكة العربية السّعوديّة بالرئاسة العامة لتعليم البنات.

آمال عزمتم على تحقيقها: ماذا تحقّق منها وما الذي لم يتحقّق بعد..؟

الآمال كثيرة، وتحقّق بعضها، وبعضها لم يتحقّق..

وأهمّها: الكتابة في مجال التربية لتوضيح أصول التربية الإسلامية بعيداً عن منعكسات الفلسفة التربوية الغربية.

وكذلك موضوعات خاصّة بتربية الأطفال على أسس إسلامية.

وكتابة تاريخ الأدب الإسلامي –عن طريق إعادة كتابة تاريخ الأدب العربي على أسس إسلامية.

السّاحة الأدبية تعجّ بأدعياء الأدب، ورافعي راية الحداثة، كيف تنظرون إلى هذا الواقع.. وماذا تقولون لهؤلاء؟

نعم الساحة الأدبية تعجّ برافعي راية الحداثة، ولا شكّ أن بعضهم يمتلك الموهبة الأدبية ويتسلّح بالثقافة العصرية ولكنّه منحرف في عقيدته وتفكيره، لذا يوظف موهبته ضد الإسلام وكل القيم المرتبطة به.

وهذا التّيار –الحداثي العلماني- يتمتّع بدعم كبير من الحكومات وتوضع تحت تصرّفه وسائل الإعلام المختلفة، وتُتاح له الفرص في مختلف المناسبات، فضلاً عن الدّعم الغربي بجميع صوره..

وهذا الواقع صورة طبيعية للوضع العام الذي تقوده القوى الغربية وتعمل على محاربة الإسلام وطمس معالمه.

وهناك عامل مهم في الواقع وهو "فشل الحركات الإسلاميّة وعجزها عن حمل الدعوة بصورة صحيحة، ووقوع بعض أبنائها في أخطاء قاتلة، وانحرافات كثيرة، وتوزّع ولاءاتهم بعيداً عن منهج الدّعوة.

وليس غريباً أن يفعل الحداثيون ما فعلوا، ولكنّ الغريب ألاّ يكون للإسلاميين أهداف واضحة، ومناهج واضحة في خدمة دينهم، ومغازلة الكثيرين من حملة الأدب للحداثة، ووقوع بعضهم في خدمة أهداف خاصّة، أو ولاءات رسمية.

أعداء الإسلام يتّهمون الإسلاميين باحتكار الحقيقة. وبالتالي نفي الآخر.. كيف تردّون على هذه الفرية، وما هو حكم الإسلام تجاه الرّأي الآخر؟

الإسلاميون لا يحتكرون الحقيقة. هكذا أتصوّر أمر الدّعوة. ولكنّ بعض الأساليب الخاطئة من الإسلاميين يوحي بمثل هذه الفكرة التي يستغلّها أعداء الإسلام، ويضخّمونها، ويُهاجمون الإسلام والمسلمين عن طريقها.

وفي نظري أن الحركات الإسلامية حصرت عملها في جانب واحد –رغم الادعاءات المغايرة- وهو الجانب السياسي والحزبي وقصّرت في حمل الدّعوة.

الدعوة توجّه لكل الناس، وتطرح الإسلام بشموله وتكامله، وتدعو فئات الناس جميعاً، تدعو الحاكم ومن يُحيطونه عن طريق دعاة مختصّين بهذا المجال، وتدعو الطّبقة السياسية، وتدعو الطبقة الاقتصادية، وتدعو العمال، وتدعو الأطفال، وتدعو النّساء، وتدعو جميع فئات المجتمع.

نحن بحاجة إلى دعاة مؤّهلين، يعرفون الإسلام أوّلاً، لا كما يعرفه الحركيون الحزبيون، فكر ونظرات قائمة على العقل فقط – بل يعرف الإسلام من مصدره، ويدرسه دراسة متأصّلة.. والواقع محزن، فأكثر قادة الحركات الإسلامية لا يعرفون دينهم، بل يتحدّثون به عن جهل.

ينبغي أن يبيّن الدعاة أنّ الإسلام ليس بديلاً عن مصلحة الناس ومنافعهم، بل هو الذي يُحقّق لهم الخير، والمنفعة بالطرق السليمة التي تحفظ للفرد قيمته وكرامته، وللمجتمع طمأنينته، وسلامته، وتوازنه.

إنّ الأمر يحتاج إلى تصوّر واضح للدّعوة، وإن الحركة وسيلة لحمل الدّعوة وليست بديلاً عنها.

الأمّة العربية والإسلامية تمرّ بمرحلة غاية في الدّقة والخطورة.. كيف تنظرون إلى ذلك.. وما هو في رأيكم الدّاء.. وما هو الدّواء؟

تمرّ الأمة العربية، والمسلمون جميعاً بمرحلة خطيرة، إنّهم أشبه ما يكونون بالرّجل الغائب عمّا يجري في العالم، أمريكا والغرب، ومن ورائهم يهود العالم ينفّذون مخطّطاً رهيباً لإفقار المسلمين وتجويعهم.

إنّها أخطر هجمة، وأكبر مخطّط يُجابه المسلمين، وفي الوقت ذاته المسلمون غائبون، إنّهم يتجرّعون الآلام، والإذلال، والقتل، والتّجويع، والمخاوف ويسكتون.

أفترض أن المسلمين بأعدادهم الكثيرة، لو أرادوا الوقوف موقف الرافض لهذه المخطّطات، والمقاوم مقاومة سلمية لأثاروا في أمريكا والغرب كثيراً من المخاوف.

تصوّر لو أن الناس قالوا بأفعالهم لهؤلاء: إنّنا نستطيع أن نعيش بدونكم، وإننا نستطيع أن نتعامل مع غيركم، فماذا يحصل بهذا العالم الذي يعبد المادة، ويرسم خططه على أساس استهلاكنا لما يُنتجون. الدّاء أن المسلم صيغ –في هذا العصر- على أساس الحياة المادية صياغة غربية –رغم ادعاءاتنا- فالأمور المادية هي الأساس في حياتنا وهي المحرك لتفكيرنا، والمكوّنة لعلاقاتنا، والمحدّدة لأهدافنا. لذا أصبحت مصائرنا وحياتنا بيد الغرب لأنّه يملك المادة.

أما لو أعدنا صياغة حياتنا على أسس جديدة، على أساس الإيمان ووضعنا الحاجات المادية موضعها، فأصبحت الضّرورات فقط هي التي نحتاجها وليس الكماليات ووسائل التّرف والراحة الشّخصيّة.

الدّاء فينا الرّكون إلى الدّنيا نعم هذا بالنسبة للدّعاة فكيف حال بقية المسلمين.

إننا نتلهى بألعاب لفظية تحت اسم المعاصرة ونخدع أنفسنا ونزداد غرقاً فيما نحن فيه.

ماذا يجول في الخاطر وتودّون أن تقولوه للقارئ؟

أُريد أن أقول للقارئ المسلم: إذا أحسنت قراءة كتاب الله عزّ وجل فسوف تحسن بعدها قراءة ما يكتب في مختلف شؤون الفكر قراءة إسلامية. أما إذا عجزتَ أو قصّرتَ عن قراءة كتاب الله قراءة صحيحة فلن تستطيع قراءة غيره إلاّ كما يُريد أعداء الإسلام.

3- أشكال الكتابة عنده:

أثرى بريغش المكتبة الإسلامية بكتابات متنوعة تقدر بما يفوق عشرين مؤلفا وعشرات المقالات واللقاءات والحوارات...ويمكن عرض أهم ما خلفه الرجل من كتابات كالآتي:

أ ـ كتب في النقد الأدبي:

_ في الأدب الإسلامي المعاصر دراسة وتطبيق.

_ الأدب الإسلامي أصوله وسماته

_ أدب الأطفال أهدافه وسماته

_ في القصة الإسلامية المعاصرة دراسة وتطبيق

_ دراسات في القصة الإسلامية المعاصرة مع عرض ودراسة لعدد من قصص الدكتور الكيلاني.

بـ ـ كتب في التراجم والسير ومنها: مصعب بن عمير الداعية المجاهد ـ أبو بصير قمة في العزة الإسلامية ـ خالد بن سعيد بن العاص الصحابي المجاهد ـ نسيبة بنت سعد المازنية (أم عمارة) ـ ذات النطاقين أسماء بنت أبي بكر الصديق ـ أم أيمن بركة (حاضنة رسول الله صلى الله عليه وسلم)...

ج- مجموعة قصصية تضم القصص القصيرة الآتية: همام وطبيب القلب - توقفت الآلة الصغيرة - مسافر- تماثيل من الشمع - مباحثات رسمية - الشجر لا يموت إلا واقفا - من أوراق الدكتور سعد - الإجازة والغربة - الشيخ والزعيم - الحلم والثعبان.

د ـ جمع وتحقيق الأشعار:

_ ديوان هاشم الرفاعي: الأعمال الكاملة، جمع وتحقيق.

_ من الشعر الإسلامي الحديث، مختارات.

هـ ـ كتب في التربية والدعوة الإسلامية: ظاهرة الردة في المجتمع الإسلامي ـ المرأة المسلمة الداعية ـ المرأة الداعية والأسرة المسلمة ـ الصحوة وآفاق التربية الإسلامية ـ التربية ومستقبل الأمة ـ نحو منهج إسلامي أصيل...

و ـ كتب تعليمية:

_ تعليم المرأة في المملكة العربية السعودية خلال مائة عام (وهي موسوعة كبيرة من حوالي ألف صفحة).

_ وشارك في تأليف عدد من الكتب الدراسية منها: كتاب المرشد في الإملاء لمعلمات المرحلة الابتدائية ـ كتاب القراءة والكتابة للسنة الأولى لمرحلة مكافحة الأمية وتعليم الكبيرات (من نسختين مختلفتين: الأولى للطالبات والثانية للمعلمات)...

وزيادة على تأليف الكتب، نشر بريغش عشرات المقالات والحوارات: وأغلبها كان منصبا على النقد الأدبي، وبعضها كان في قضايا دعوية وتربوية، كما شارك في عدد من اللقاءات الدولية حول الأدب وغيره.

4- من شهادات الأدباء والنقاد الإسلاميين فيه:

يقر كثير من الأدباء والنقاد الإسلاميين في شهاداتهم بحماسة الرجل الشديدة للأدب الإسلامي، وتميزه في الدفاع عن الفكرة الإسلامية وما يرتبط بها من قيم ومبادئ، كما يذكرون ما كان لكتاباته من أثر طيب على هذا الأدب. ومن أولئك مع أقوالهم في الرجل ما يلي:

_ د. عبد القدوس أبو صالح (رئيس رابطة الأدب الإسلامي العالمية): "كانت حماسته للأدب الإسلامي أشد ما تكون، وكان أشد ما يحرص عليه هو تميز الأدب الإسلامي وفرادته، مع الإصرار على أن الأديب الإسلامي لا يجوز أن يكون مزدوج الشخصية، يؤمن بالأدب الإسلامي فنا ويخالف الإسلام خلقا والتزاما بأوامره ونواهيه..." [7]

_ د. حسن الأمراني: "...كان من السباقين إلى تأسيس الأدب الإسلامي المعاصر، بمقالاته وبحوثه التي كتبها منذ وقت مبكر، ونشرها في مجلة حضارة الإسلام، وبالرغم من أنه من مؤسسي رابطة الأدب الإسلامي العالمية، وهو أول من تولى منصب أمين السر فيها...فإن الراحل عاش مظلوما ومات مظلوما حتى من بعض المقربين..." [8]

_ د.عبد الله الطنطاوي: "أما أبو الحسن رحمه الله تعالى فقد كان وفيا لمبادئه، وللأدب الإسلامي، ولمذهب (الإسلامية) ولإخوانه، وقدَّم جهده، فكتب وقرأ واستشهد بكتابات الإسلاميين، ونوه بأعمالهم..." [9]

_ د.حلمي محمد القاعود: "لم يكن الصديق العزيز محمد حسن بريغش رحمه الله مجرد أديب أو حامل قلم، فما أكثر الأدباء الذي يحملون أقلاما، ولكنهم يتخذونها وسيلة للتكسب أو الوجاهة الاجتماعية أو الشهرة في عالم الناس. بريغش حمل القلم دفاعا عن قضية ودعوة لفكرة وتبشيرا بمستقبل، لذا كرس حياته وجهده لخدمة قضية الأدب الإسلامي والتعريف بها والذود عنها، وفقا لقدراته وطاقاته، وقد ظل وفيا لهذه القضية حتى وافاه الأجل المحتوم، لا ينتظر من الناس جزاءا ولا شكورا، وقد تحمل في سبيلها ضريبة قاسية بصبر المؤمن وإخلاص المجاهد"[10]

_ د. وليد قصاب: "إن محمد حسن بريغش كان من الدعاة المتميزين للأدب الإسلامي، وقد قدم خدمات جليلة لهذا الأدب، وكانت له فيه آراء نفيسة سبق بها غيره، وكان شديد الحماسة لهذا الأدب الهادف النظيف، يرى فيه المعبِّر الحقيقي عن هوية الأمة، بل عن فطرة الإنسان السوية في كل مكان وزمان، ولذلك كان حريصا كل الحرص على تنقيته من جميع الشوائب التي تعتري نماذجه الإبداعية أو محاولات التنظير النقدية، وعلى إبراز خصوصيته وتميزه عن[11] الآداب الأخرى"[12]

ويتبين من خلال الوقوف مع المحطات الرئيسة في حياة الرجل، وأعماله التي قدمها، والشهادات التي قيلت في حقه...أننا أمام شخصية نقدية إسلامية ذات تركة وميراث نقدي طيب، يستحق وقفة علمية لدراسة جوانبه، والتنقيب بين طياته، وتسليط الضوء على خفاياه بما يخدم الأدب والنقد الإسلاميين.

من قضايا الأدب الإسلامي في تراث الأديب الناقد محمد حسن بريغش –رحمه الله

1_ وظيفة الأدب:

يعتبر بريغش الأدب مسؤولية يتحمل الإنسان تبعاتها، وإذا كان الكلام العادي في ميزان الإسلام مقدرا بقدره فالكلام الفني من باب أولى، وهذه الحقيقة ينبغي أن يعيها الأديب بحكم التأثير الذي يمكن أن يمارسه على غيره، يقول بريغش: "وإذا كانت المسؤولية عند الله على قدر الطاقة والمعرفة، فإن مسؤولية الأديب جد كبيرة...لأنه في موضع الريادة والتوجيه..."(1)

إن هذه المسؤولية هي التي تدفع الأدب إلى النهوض بوظيفته دون كلل أو ملل، والأدب الإسلامي حري بذلك من غيره، لعظم الأمانة التي يحملها، وهذا ما جعل بريغش يركز جهوده في معالجة هذه القضية.

ومن المهام المتفرعة عن وظيفة الأدب الإسلامي لدى بريغش:

1- إبلاغ رسالة الإسلام: فالأدب الإسلامي مطالب بالإسهام بتجديد الدين بين أبناء الأمة ونشره وتبليغه إلي الناس عامة، والأديب مسلم مسؤول عن بناء مجتمع نظيف يقوم في أساسه وجميع مراحله على الإسلام.(2)

2- جهاد الكلمة: الأدب من صنوف الكلمة التي انتبه لها الأعداء في العصر الحديث، فعملوا على استخدامها لمحاربة الإسلام، ولابد لأدباء المسلمين أن يفطنوا لهذا السلاح ويجابهوا عدوهم بالوسيلة المناسبة، ويقدموا للناس بديلاً يحمل إليهم الفكرة الإسلامية ويدفع عنهم ضلالات الأعداء.(3)

3- التربية والتكوين والتوعية والتثقيف: من أهداف الأدب الإسلامي أن يسعى إلى تثبيت القيم الفاضلة وتوضيح التصورات الصحيحة، وهذه الوظيفة تكون آكد وأوضح تجاه الناشئة نظرا للاستعداد والقابلية للتأثر الذي يتميز به الأطفال، لذا ينبغي لأدباء الإسلام أن يكونوا يقظين، وأن يعطوا لأدب الأطفال ما يستحق من العناية إبداعا وتنظيرا، وأن يصححوا كثيرا من الأخطاء التي لحقته جراء التأثر بالثقافة الغربية والتي أدت إلى نتائج خطيرة أهمها نشر كثير من المفاهيم المخالفة للتصور الإسلامي.(4)

2_ الأدب الإسلامي والالتزام:

ثمة تداخل بين هذه القضية والقضية السابقة، ذلك أن إدراك الأديب لمسؤوليته ووظيفته وسعيه للقيام بها جزء أساسي من الالتزام غير أن الأهم من ذلك كله هو أن يكون هذا الجزء منبثقا عن التزام أشمل وأكمل بالإسلام منهجاً وعقيدة وسلوكاً.

وقد ركز بريغش على إسلامية الأديب معتبرا ذلك شرطا أساسيا حيث يقول: "عندما نتناول صفة الأديب نرى أن هويته لا تتحدد إلا من خلال هذه الصفة (المسلم) وأنه لا يدخل في إطار الأدب الإسلامي إلا من خلال هذا المدخل فقط، لأن صفة الأدب يشترك فيها مع غيره من الأدباء مهما كانت وجهتهم وصفاتهم..." (5)

وينبغي أن يكون إسلام الأديب حقيقياً، والتزامه صادقاً، مقتدياً في ذلك بأسلافه الذين بايعوا رسول الله من الشعراء والخطباء...(6) وهذا يجعل دائرة الأدب الإسلامي واضحة ومحددة، ويقطع الطريق على بعض الشبهات والمشاكل التي يمكن أن تدخل إليه من باب التساهل في إسلامية القائل.

ولعل من العوامل التي دفعت بريغش إلى هذا الموقف ما يلي:

1- أن ضعف الالتزام قد يقود الأديب إلى الإخلال بوظيفته من حيث يدري أو لا يدري، وإذا كنا نقبل من الأديب أن لا يلتزم بالإسلام وبما افترضه الله عليه في سلوكه فحينها لا نعجب إذا رأيناه يدعو للآثام باسم الفن، ويروج المنكر والفساد باسم الأدب...(7) وهذا ما تعيشه فئة عريضة من الأدباء المنتسبين للإسلام قديما وحديثا، وقد عاشوا حينا من الدهر ينشرون الرذيلة، ويدعون إلى مخالفة الشريعة، ومرد ذلك كله إلى غياب التزام حقيقي بالإسلام.

2- أن مفهوم الالتزام ما زال غامضا لدى فئة من الأدباء والدارسين الإسلاميين، فهم يحصرونه في التعبير عن قضايا الإسلام والمسلمين، وسبب هذا الغموض هو إسقاط مفهوم الالتزام لدى المدارس الغربية على الأدب الإسلامي مع أن الفروق بين الأديب المسلم وغيره متعددة وجوهرية.

3_ تاريخ الأدب العربي:

ناقش بريغش قضية تاريخ الأدب في سياق استحضار التراث الأدبي العربي القديم باعتباره إحدى الركائز المهمة التي يقوم عليها الأدب الإسلامي الحديث، يقول في هذا الشأن:" إن إنشاء أدب جديد منبثق من التصور الإسلامي ومعبر عن الروح الإسلامية لا ينفصل عن دراسة التراث العربي القديم منذ الجاهلية حتى اليوم..."(8)

وينطلق بريغش-في مناقشته لهذه القضية- من نقد الدراسات السائدة لهذا التراث والقائمة على أساس التحقيب، الذي يجعل الأدب مرتبطا بالعصور التي مر بها وما تميزت به من تقلبات سياسية وفكرية، ويرى الكاتب أن هذه النظرة تقود إلى سلبيات كثيرة منها:

_ ربط الأدب بالدولة الحاكمة وجعله رهين الأمور السياسية والصراعات المذهبية...

_ تجاهل تأثير الإسلام في الأدب والتركيز على مقولة ضعف الشعر في صدر الإسلام.

_ توجيه القارئ مسبقا إلى الحكم عليه بناء على الظروف المرتبطة بالعصور التاريخية، وتعميم أحكام كبيرة اعتمادا على إشارات طفيفة لا تسمح بهذا التعميم.

_ والتحقيب نفسه من وضع المستشرقين والمنصرين الذين كانت لهم أهداف عدائية للإسلام والعربية.

وهذا ما جعل بريغش يتبنى الدعوة إلى إعادة دراسة تاريخ الأدب العربي من منظور إسلامي صحيح بدءا من دراسة التاريخ العربي القديم، وتاريخ الإسلام من مصادره الأساسية بعد التمحيص والتمييز والتوثيق الصحيح ونبذ الدخيل أو المشوه أو المغشوش...

ومن الخطوات التي اقترحها بريغش لخوض هذه الدراسة:

_ المراجعة الذاتية لممتلكات الذات مع ما تتطلبه من صبر ووعي ومعرفة وعزيمة.

_ الانطلاق من التصور الإسلامي الصحيح والمفهوم الإسلامي للأدب باعتباره "نتاجا إنسانيا وصورة من التفاعل بين الإنسان والكون، أو من علاقة الإنسان بأخيه الإنسان، وأحيانا من علاقة الإنسان بربه الخالق المدبر" (9)

_ تسطير منهج يستند عليه البحث ينطلق من التصور الإسلامي ويراعي الآثار التي ستشملها الدراسة.

ويتوسع بريغش في دعوته لتشمل الآداب الإسلامية باللغات الأخرى، يقول في ذلك: "ولابد من دراسة الآداب الإسلامية في اللغات الأخرى كالأوردية والتركية والفارسية والكردية وغيرها من اللغات إن وجدت، والاطلاع على تراثها وكتابة تاريخ هذه الآداب في ظل المنهج الإسلامي لكي تكون رافدا وصلة للدراسات الأخرى في الأدب العربي..." (10)

غير أن هذه الدعوة لم تتجاوز حيز التنظير، ولم يصدر بريغش دراسات عملية تطبيقية تثمنها، وأن أهميتها لا تخفى في الكشف عن بعض الملابسات والاختلالات التي شابت تاريخنا بشكل عام وتاريخ أدبنا بشكل خاص.

3_ الأدب الإسلامي والتجديد:

يبدو بريغش شديد الحذر من دعوات تجديد الأدب التي ما فتئت تتكرر منذ ما يعرف بعصر النهضة، نظرا لما يلفها من غموض من حيث الدوافع والأسباب والكيفية والجهات الداعية والراعية لها، ومن ثم فهي مرفوضة إذا ثبت أنها:

_ قائمة على تقليد الغرب،

_مؤدية إلى الانفتاح غير المشروط على الغرب،

_ متجاوزة لمعطيات الذات ومقاطعة لها.

وهذه المعايير الثلاثة قمينة بتحديد هوية الدعوات التجديدية، وصون الأدب الإسلامي من المؤثرات الأجنبية المصممة على اقتحام معاقله وتخريبها من الداخل.

ولذلك فالتجديد لدى بريغش يقوم على ثلاثة ركائز أساسية هي:

1_ نقد الثقافة الغربية عامة ومناهجها ومدارسها الأدبية خاصة: يربط كثير من المهتمين بالأدب كل جديد على الساحة الأدبية بالغرب، متجاهلين معطيات الشعوب الأخرى، وهذا ما يرفضه بريغش معتبرا إياه تمويها للحقيقة، ومبرزا في الوقت ذاته عوار ما قدمه الغرب في هذا الباب، ذلك أن الظروف التاريخية السيئة التي صاحبت هذا النتاج أثرت فيه أيما تأثير، وجعلته يركض وراء المجهول، ويغيب في دهاليز الأوهام، ويقفز على كل الحواجز، ويتجاوز كل الحدود المشروعة.

2_ رفض الانفتاح غير المشروط على المعطيات الأجنبية: لا ينكر بريغش كون المناهج والمدارس العربية جاءت بإيجابيات، ولكنه يحذر من المؤثرات الثقافية التي يمكن أن تنقلها إلى أدبنا، ذلك أن "الأشكال ليست بريئة، وهي تحمل في طياتها بعض مظاهر الجمال، ولها تأثير في تشكيل الأذواق والصور... والإبصار والتبصر وتشكيل الألفة"(11)

ولذلك فالانفتاح على هذه المعطيات ينبغي أن يخضع لشروط صارمة لا تسمح بمرور إلا ما حاز بطاقة البراءة والسلامة من المؤثرات، واتصف بالحيادية والفنية الخالصة.

3_ الدعوة إلى التجديد اعتمادا على الذات: سعى بريغش جاهدا لإبطال التصور الذي يربط التجديد بثقافة الغرب، ويتهم ما سواها دوما بالعقم والجمود والتخلف. إن هذا الرأي يقفز على أول خطوة صحيحة في طريق التجديد الحقيقي وهي الاستفادة من مؤهلات الذات، ويأتي في مقدمة هذه المؤهلات التراث العظيم الذي خلفه الأجداد تأريخاً وتخريجاً ودراسة وتوظيفا.

ويضاف إلى ذلك ما وهبه الله تعالى للإنسان من قدرات عقلية قادرة على الإبداع، والأديب من أقدر الناس على استغلال هذه النعمة مهما كانت الظروف.

وفاته:

توفي الأديب الداعية محمد حسن بريغش بالرياض عاصمة السعودية في 19 يوليو 2003م.

رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته.

sfgghhhtgr10522.png

ذكرك باقية:

وكتب الشاعر المربي شريف قاسم قصيدة في رثائه، في يوم وفاة الأخ الأديب الإسلامي الأستاذ / محمد حسن بريغش ـ يرحمه الله ـ يقول فيها:

جودي بيومِ رحيلِه وأعيدي

وابكي أبا حسنِ الأبيِّ ، وردِّدي

غربتْ بيومِ وفاتِه شمسُ الوفا

واستأثري بجميل تذكارٍ له

قد عاشَ عمرا في ربيعِ تواضعٍ

مترفعًا عن كلِّ مايُدني الفتى

متمتعا بالصَّالحاتِ وبالتُّقى

مستأثرا بسكينةٍ في بيتِه

مستبعدًا أهلَ الشِّقاقِ ، ومَن له

ومجانبا مَنْ جاءَ بالقولِ الذي

ياصاحبَ الخُلُقِ الجميلِ ، ويا أخا

لمَّـا تصلْ منه الرسائلُ ملؤُها

إذ قلَّ في الزمنِ الرَّديءِ رجالُه

بشراك ــ إن شاءَ الإلهُ ــ بجنَّةٍ

وبمجلسِ القربِ الحبيبِ من الذي

إنَّا لنشهدُ يا أخي أن لم تعشْ

تحدو وتكتبُ دونَ أدنى نبرةٍ

طلَّقتَ أروقةَ الوجاهةِ راضيًا

واستنكرتْ كفَّاكَ أوسمةً لهم

( أَمُحَمَّد الحسن البريغش ) إنَّها

لم يبقَ منها غيرُ ماصنعَ الفتى

إنَّ الأُلى من قومِنا قد أدلجوا

ولظلِّ طوبى الباقيات تسابقوا

ماغرَّهم لعبُ الحياةِ ولهوُها

فلهم مآثرُ صدقِهم و ثباتهم

مستنكرين فعائلَ الطاغوتِ من

ورحلْتَ تحملُ آهةً مسجورةً

كم ذا هتفتَ وللبطولةِ أهلُها

                   ***

ذكراك باقيةٌ بسفرِ جهادِنا

فنَّدتَ دعوى لليهودِ خبيثةً

ذكراك في الكتبِ الأثيرةِ صفتَها

سفَّهتَ فيها ما الحداثةُ أحدثتْ

وصفعتَ بالحججِ السديدةِ زيفَها

ورحلْتَ لكنْ لم تزلْ برحابنا

ورؤىً لمن شاموا العلى وتزوَّدوا

وللآلِك الصبرُ الجميلُ فإنه

في أسرةٍ عاشت عقودا عذبةً

من زوجةٍ صبرتْ ، وبنتٍ حولها

يرعاهُمُ الرحمنُ في كنفِ الهدى

ويثيبُهم من فيضِ رحمتِه التي

ياربِّ أنزلْهُ المنازلَ ، أُفقُها

 

 

من شدوِكِ المفجوعِ بنتَ قصيدي

حُسْنَ العزاءِ فقد مضى لخلودِ

ونأتْ خصالُ مودَّةٍ وعهودِ

فالذكرُ يحلو بالفتى المحمودِ

فاحتْ مآثرُه كطيبِ ورودِ

من سوءِ فعلٍ أو هوىً مردودِ

كالطائرِ الجوَّابِ بالتغريدِ

مع أهلِه ، وبخُلْقِه المعهودِ

باعٌ بفنِّ المكرِ والتنكيدِ

يؤذي مجالسَه بغيرِ قيودِ

أهلَ الفضائلِ حزتَ سبقَ الجودِ

شذوُ الوفا إذ طابَ يومَ العيد ( 1 )

فالسوقُ بينَ مضلِّلٍ و بليدِ

تُرجى لكلِّ مرابطٍ وشهيدِ

وَعَدَ الكرامَ بحوضِه المورودِ (2)

إلاَّ رجاءَ الفوزِ بالموعودِ

دلَّتْ على طمعٍ لأيِّ صعودِ

برواقِ ذي التمجيدِ والتَّحميدِ

تزهو بزيفِ سرابِها في الجيدِ

دارُ الفناءِ لطارفٍ وتليدِ

لرضا الإلهِ الواحدِ المعبودِ

بمفازةٍ ، واستبشروا بمزيدِ

يزجون خطوَ الشوقِ بالتَّغريدِ

أو عاقهم ماكان من تصفيدِ

في وجهِ كلِّ معاندٍ عربيدِ

رأيٍ سقيمٍ أو أذى نمرودِ

من ظلمِ طاغيةٍ وبغيِ يهودِ

وهزئتَ رغمَ الضيقِ بالتهديدِ

               ***

ألقًا ينيرُ الدربَ سِفرُ صمودِ

مدَّتْ مفاسدها يدُ التلمودِ

بقويمِ فكرٍ ناصعٍ منضودِ (3)

من مكرِ مبتدعٍ ، وكيدِ حسودِ

فتهافتت بفسادها الموؤودِ

روحًا بظلِّ لوائِنا المعقودِ

من منهجِ التقوى بخيرِ جهودِ

نورٌ يضيءُ دجى الليالي السُّودِ

في بيتِ عـزٍّ بالفخارِ مشيدِ

وابنٍ أجادَ ، وآخرُ العنقودِ

من شرِّ يُتمٍ أو هوى مردودِ

تغشى حياةَ المؤمنين الصِّيدِ

مهوى قلوبِ مواكبِ التوحيدِ

 

* هوامش :

* نشرت بمجلة الأدب الإسلامي ــ العدد 42 ــ عام 1425هـ .

* كانت وفاته يرحمه الله في شهر جمادى الأولى للعام 1424هـ ، وذلك بعد وفاة ابنه الشاب ( بلال ) يرحمه الله بعام تقريبا ، حيث توفي الفتى يوم 12/4/1423هـ

* (1) إشارة إلى رسائله للأحبة أيام الأعياد .

* (2) إشارة إلى الحديث النبويِّ الشريف : ( أقربكم مني مجالس يوم

القيامة ... ) .

* (3) إشارة إلى مؤلفاته المطبوعة والمخطوطة .

sfgghhhtgr10523.pngsfgghhhtgr10524.pngsfgghhhtgr10525.pngsfgghhhtgr10526.pngsfgghhhtgr10527.png

مصادر الترجمة:

1-مجلة رابطة الأدب الإسلامي.

2-رابطة أدباء الشام.

3-موقع أخوان أونلاين.

4-الموسوعة التاريخية الحرة.

5 - الأديب الداعية محمد حسن بريغش، فهمي النجار، الأدب الإسلامي، ع 42، 1425هـ/2004م، ص 21.

6- وقفات وذكريات، الفيصل ع248، ص 78. وص 79

7- محمد حسن بريغش الإنسان، منير الغضبان، المشكاة ع 43-44، السنة 1425هـ/2004م، ص16.

8- أبو الحسن كما عرفته، الأدب الإسلامي، ع 42، 1425هـ/2004م، ص18.

9- من افتتاحية المشكاة في عددها الخاص ببريغش، وعنوانها: "إنهم يرحلون"، المشكاة، ع43-44، السنة 1425هـ/2004م،ص 9.

10- ديوان الرفاعي جمع وتحقيق محمد حسن بريغش: أشتات، المشكاة، ع43-44، السنة 1425هـ/2004م،ص 34.

11- رحيل أديب في صمت، المشكاة، ع43-44، السنة 1425هـ/2004م،ص 40.

12 - مفهوم الأدب الإسلامي عند محمد حسن بريغش، الأدب الإسلامي، ع42، 1425هـ/2004م، ص34.

13-مجلة الأدب الإسلامي - العدد 26

14-في الأدب الإسلامي المعاصر، محمد حسن بريغش مكتبه المنار، الزرقاء، الأردن، ط2،1405ه- 1985م،ص 38.

15- "أدب الأطفال أهدافه وسماته" محمد حسن بريغش، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 3 ،1418ه-1997م، وقد خصص بريغش فصلا كاملا لمعالجة أهداف أدب الأطفال ضمن هذا الكتاب.

16- الأدب الإسلامي أصوله وسماته، محمد حسن بريغش، دار البشير، عمان، الأردن، ط1، 1416ه-1992، ص 96

وسوم: العدد 1052