الشيخ العالم الداعية مسعود عالم الندوي

cbgf1053.jpg

(1328 ـ 1373هـ = 1910 ـ 1954م)

     هو الباحث الإسلامي، الكاتب القدير، الصحفي البارز، والأديب الأريب الأستاذ مسعود عالم الندوي، يُعد من أكبر محبي اللغة العربية في القرن العشرين في الهند، فإنه لم يمارس اللغة العربية دراسة وتدريساً وكتابة فحسب، بل رفع لواء اللغة العربية كلغة حية في الهند، وبقي طول حياته يحبها، ويكتب فيها، ويدعو العامة والخاصة إلى دراستها كدعوته إلى دين الإسلام، وأنشأ «دار العروبة الإسلامية».

   قال فيه العلامة سليمان الندوي: “إنه شكيب أرسلان في شبه القارة الهندية”، وقال الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي: “إنه كان متصلبًا في اللغة العربية إلى حد كبير”.

وخير شاهد على ذلك ما كتبه الأستاذ مسعود عالم الندوي بنفسه في رسالة إلى الشيخ أبي الحسن الندوي قائلاً: “سوف أستمر في نشر الأفكار الندوية، والمنهج السليم، والعربية حتى أن أسقط شهيداً في سبيلها”.

مولده، ومنشأه:

ولد الأستاذ مسعود عالم الندوي في قرية “أوغاؤں” من مديرية “نالنده” بولاية بهار في الهند في 21 من محرم 1328هـ/ المصادف 11 من فبراير1910م.

وكانت أسرته معروفة في العلم والعمل.

ركّز أبوه الطبيب عبد الفتح عبد الشكور على تعليمه اللغة العربية تركيزا ًخاصًّا.

وكانت النتيجة أن تملكه حب اللغة العربية منذ صباه، وامتزج بلحمه ودمه وتسلسل طول حياته.

الدراسة، والتكوين:

تلقى دراسته الابتدائية على والده، ثم دخل في مدرسة عصرية، ثم في مدرسة دينية تدعى “المدرسة العزيزية”.

وهنالك عكف على العلوم الدينية.

وتخرج فيها يحمل شهادة “المولوي”.

ثم انتسب في مدرسة “شمس الهدى”، وأكبَّ على دراسة العلوم الشرعية. ومن حسن حظه أنه كانت تتوفر في تلك المدرسة مجلات عربية عديدة، فاغتنم هذه الفرصة، وانقطع إلى دراسة اللغة العربية.

وبعد التخرج في “شمس الهدى” ذهب إلى دهلي يدرس في مدرسة المفتي كفايت الله الدهلوي، ولكنه لم يمكث هناك أكثر من شهرين.

وذات يوم، اتفق أن يلتقي بالعلامة السيد سليمان الندوي.

وثبت هذا اللقاء مباركاً جداً بالنسبة إليه.

فما إن اتصل به حتى تعلق به قلبه كأنه كان منه على ميعاد.

وبدأ يشاوره في كل أمر.

وبمشورة منه، التحق بدار العلوم لندوة العلماء في يوليو عام 1928م. \

وحصل منها على شهادة العالمية عام 1929م.

وبقي يدرس في قسم الأدب العربي عامين.

ثم عاد إلى وطنه بهار، وبدأ يدرس العلوم العصرية بشكل منظم.

الوظائف، والمسؤوليات:

في دار العلوم لندوة العلماء كأستاذ ومدير لمجلة “الضياء”:

   وفي عام 1932م، قرر العلامة سليمان الندوي، والشيخ تقي الدين الهلالي المراكشي إصدار مجلة عربية عن ندوة العلماء واستقر رأيهما على الأستاذ مسعود عالم الندوي لإدارة تلك المجلة.

ولما بلغه ذلك فرح فرحاً، وجاء تواً إلى ندوة العلماء.

وهكذا، صدرت أول مجلة عربية عن ندوة العلماء في محرم 1351هـ المصادف مايو 1932م. إلى جانب إدارة “الضياء” قام بالتدريس في دار العلوم.

تنقلاته في البلاد:

   كان الأستاذ مسعود عالم الندوي يفكر كل وقت في أداء الأفضل فالأفضل.

ففي عام 1937م، انتقل إلى بلدة “بجنور”، وانضم إلى الهيئة الإدارية لمجلة “مدينة” الأردية.

ولكنه غلب عليه الحنين إلى ندوة العلماء، فرجع إليها مرة أخرى على أمر من العلامة سليمان الندوي.

وبعد مدة قصيرة، اشتغل بمكتبة “خدا بخش” بـ”بتنه”.

ثم لم يزل يتنقل بين البلاد، واحدة تلو الأخرى، بين بلاد الهند وباكستان والعراق والحجاز، يتعلم دائماً، ويعمل مصنفاً ومترجماً وحركياً وداعياً. وبحكم شخصيته الفعالة.

انضم الشيخ مسعود عالم الندوي إلى حركة “الجماعة الإسلامية”، ولعب دورًا كبيرًا فيها.

آثاره الكتابية:

   وله مؤلفات قيمة، منها:

  • “تأثير الإسلام في الشعر العربي”.
  • ”تاريخ الدعوة الإسلامية في الهند”.
  • ”حاضر مسلمي الهند وغابرهم” في العربية.

أما مؤلفاته في الأردية فمنها:

4-“الحركة الإسلامية الأولى في الهند”

5-”نظرة على أفكار الشيخ عبيد الله السندي”

6- ”محمد بن عبد الوهاب المصلح المظلوم والمفترى عليه”: ترجمه د. سمير عبد الحميد إبراهيم.

7- ”الاشتراكية والإسلام”

8- ”الترجمة العربية (في قواعد اللغة العربية)”

9- ”محاسن سجاد (حياة الشيخ أبي المحاسن محمد سجاد رحمه الله)”.

   و”إضافة في “اللغات الجديدة” للعلامة سليمان الندوي.

   أما مقالاته التي نشرت في الجرائد الأردية والعربية فهي كثيرة بالإضافة إلى نقل عدد من كتب الشيخ أبي الأعلى المودودي إلى العربية.

وفاته:

   ولأجل انتمائه إلى الجماعة الإسلامية انتقل الأستاذ مسعود عالم الندوي إلى مدينة “راولفندي” بباكستان بعد التقسيم.

وساهم في نشاطاتها مساهمة كبيرة، وتوفي في “كراتشي” في 17 من مارس عام 1954م، رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته.

أصداء الرحيل:

   مسعود عالم الندوي والتواصل مع الجزائر:

وكتب أ.د مولود عويمر يقول:

لمحة عن حياته:

   ولد الأستاذ مسعود عالم الندوي في مديرية بتنا من مقاطعة بهار في الهند سنة 1328 هـ/ 1910 م. واشرف والده الطبيب على تربيته وتعليمه وتثقيفه. ثم التحق ببعض المدارس فتعلم العربية والعلوم الشرعية. وفي عام 1928 قصد دار العلوم التابعة لندوة العلماء في لكناو لمواصلة دراسته العليا والتخصص في الأدب العربي.

   وصادف هذه الفترة وجود العالم المغربي الشيخ محمد تقي الدين الهلالي في هذه المؤسسة العلمية فدرس عليه الآداب العربية وعلم الحديث وتأثر به كثيرا. وقد قال الأستاذ في تلميذه: " وقد كان أفضل تلامذتي في كلية ندوة العلماء ... وما رأيت في الاجتهاد والتحصيل مثل مسعود عالم. وكان كذلك مخلصا أيضا في دينه وذا أخلاق كريمة وشجاعة لا يخاف في الحق لومة لائم. ولم يقتصر على ما حصّله على يدي في تلك المدة بل سافر من الهند إلى بغداد وأقام عندي سنة ... فلازم دروسي في المسجد والبيت."

   وتعمق في تعلم اللغة العربية حتى صار من أدبائها وكتابها المرموقين. وقد قال في هذا السياق الشيخ محمد البشير الإبراهيمي: "وصديقنا مسعود –لطف الله به – ثاني اثنين في القارة الهندية يحسنان الكتابة بالعربية كأبنائها، والآخر هو الأستاذ أبو الحسن الندوي."

   ألف الأستاذ مسعود الندوي عدة كتب بالعربية وأكثرها بالأردية منها: كتاب "نظرة إجمالية في تاريخ الدعوة الإسلامية في الهند وباكستان"، وكتاب "محمد بن عبد الوهاب مصلح مظلوم ومفترى عليه" الذي قام بتعريبه الأستاذ عبد العليم عبد العظيم البستوي، وطبعته وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف السعودية سنة 1400 هـ.

   كذلك، ساهم في الصحافة الإسلامية الصادرة في الهند وباكستان مثل الهلال والضياء وترجمان القرآن.

وكانت الضياء مجلة عربية شهرية يشرف عليها الشيخ الهلالي ومسعود الندوي وسليمان الندوي. وسنحت هذه المجلة للأستاذ مسعود التدرب على الكتابة ونشر أفكاره، كما كانت "خير وسيلة إلى تعارفه مع نخبة من أهل العلم ورجال الصحافة العرب وإلى الإطلاع على سير السياسة والثقافة والاجتماع في أقطار العروبة عن طريق الصحف والمجلات التي كانت ترد عليه في المبادلة."

   أما مجلة ترجمان القرآن فيترأسها الأستاذ أبو الأعلى المودودي، وهي "تتحدث بلسان العصر عن قضايا إسلامية تعرض في ثوب جديد، وتسلسل من منطق مستنير" كما وصفها أحد الباحثين المعاصرين. وقد أعادت الشهاب نشر مقاله "انتشار الإسلام في الهند" الصادر في مجلة الضياء.

   واشتغل أيضاً بالسياسة فساهم مع الأستاذ المودودي في تأسيس الجماعة الإسلامية في عام 1941.

كما أشرف على دار العروبة للدعوة الإسلامية منذ تأسيسها في عام 1944 إلى وفاته.

وأصدرت عدة مطبوعات حول الدعوة الإسلامية والحركة الفكرية في بلاد الهند وباكستان.

مسعود الندوي في العالم العربي:

   نشر الأستاذ الندوي مقالات في عدة صحف ومجلات عربية عرّف من خلالها القراء بالتراث الإسلامي في الهند وباكستان، وعمل عن طريق هذه الوسائل الإعلامية على بناء جسر التواصل بين النخبة الإسلامية في شبه القارة الهندية والعالم العربي.

كما راسل رجال الفكر والصحافة العرب أمثال الأمير شكيب أرسلان والشيخ محمد البشير الإبراهيمي وغيرهما لتبادل الآراء حول قضايا فكرية وسياسية...الخ.

   وفي سنة 1949 قام برحلة إلى المشرق العربي، وسجل انطباعاته عنها في كتابه: "شهور في ديار العرب". وقد ترجمه إلى العربية الدكتور سمير عبد الحميد إبراهيم، وطبعته مكتبة الملك عبد العزيز العامة بالرياض في عام 1999م.

   وتعرف خلال هذه الرحلة على العديد من العلماء والمفكرين العرب الذين اكتشفوا فيه أخلاقه العالية، وغزارة علمه الشرعي وتضلعه في الأدب العربي وغيرته على اللغة العربية. وقد قال فيه أحدهم: ّ " والأستاذ مسعود الندوي من العلماء الذين يزينهم التواضع والبساطة في المظهر والملبس والحديث والمعاملة، كما هو الشأن الغالب في علماء شبه القارة الهندية، ولكنه على قدر كبير من المعرفة بالعلوم الإسلامية وعلوم اللغة العربية، كما أن له إطلاعاً واسعاً على الأدب العربي شعراً ونثراً، وله إسهامات في الكتابة عن الموضوعات الإسلامية والقضايا المعاصرة باللغتين الأردية والعربية على حد سواء."

وقد نالت هذه الرحلة التوفيق والنجاح، وبقي ذكرها راسخا في الأذهان والقلوب. وقد لمس آثارها الشيخ أبو الحسن الندوي حين زار بدوره المشرق العربي في سنة 1951.

التواصل مع جمعية العلماء الجزائريين:

   لقد ترجم الأستاذ مسعود الندوي أكثر من عشرين كتابا من مؤلفات الشيخ المودودي إلى العربية، فأخرج بذلك فكره من عالم العجمة إلى عالم العربية الفسيح، فلقي فيه رواجا كبيرا حتى زاحم الفكر الإسلامي السياسي الذي سيطرت عليه في تلك الفترة مدرسة الإخوان المسلمين.

   وكان يشرف بنفسه على طباعتها في دار العروبة، ويحرص على ترويجها وتوزيعها في كل أرجاء العالم، وعلى سبيل المثال كان يرسل في كل مرة نسخا منها إلى جمعية العلماء المسلمين الجزائريين. وهذا الشيخ محمد البشير الإبراهيمي رئيس هذه الجمعية يؤكد على ذلك، ويثني على ترجمة أستاذ مسعود المتقنة، فقال: " وقد ترجم أحد أعضاء الجماعة طائفة من كتبه إلى العربية فمكن بذلك أبناء العرب من الإطلاع على أفكاره، وهذا العضو هو صديقنا الوفي الشيخ مسعود عالم الندوي، وقد أهدى لي جميعها منذ سنوات وأنا في الجزائر. فلمحت فكرا شفافا، ورأيا حكيما، وفكرا عميقا، وتساوقا بين الألفاظ ومعانيها، ولا ينم على أن هناك انتقالا من لغة إلى لغة، وتبينت السر في ذلك، وهو أن الموضوعات إسلامية، واللغتان إسلاميتان، والمؤلف والمترجم سليلا فكرة، فعملت الروح عملها العجيب في ذلك."

   وكانت من أهم ترجماته للكتب التالية: الدين القيم، شهادة الحق، منهاج الانقلاب الإسلامي، نظرية الإسلام السياسية، نظام الحياة في الإسلام، معضلات الاقتصاد وحلها في الإسلام.. إلخ.

وكان الأستاذ يتابع نشاط الحركة الإصلاحية في الجزائر من خلال جريدة البصائر، وصلته برجال جمعية العلماء وعلى رأسهم الشيخ الإبراهيمي والشيخ الفضيل الورتلاني اللذان جمعتهما لقاءات في باكستان سنة 1952 بعد أن تعارفا على الغيب منذ فترة طويلة.

   وتقديراً لجهوده العلمية وتأكيدا لهذه الروابط الفكرية ورغبة في التواصل معه، اختارته جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في مؤتمرها العام في سنة 1951 رئيسا شرفيا لها، وممثلا لها في شبه القارة الهندية.

   وقد قرر الأستاذ مسعود عالم الندوي في سنة 1954 القيام برحلة ثانية إلى العالم العربي لزيارة الدول التي لم يزرها في رحلته الأولى سنة 1949 مثل بلاد المغرب العربي غير أن قضاء الله سبق إرادة العبد، فقد    توفي الأستاذ الندوي في مدينة كاراتشي في 16 مارس 1954 وهو يستعد للسفر.              

   وكتب د. تقي الدين الهلالي يقول: (كان من أوائل من عرفتهم من الدعاة ـ غير العرب ـ عام 1368هـ 1949م عن طريق أستاذنا الشيخ الدكتور تقي الدين الهلالي المغربي الذي أوصاني به خيراً، وطلب مني ومن إخواني عبد العزيز الربيعة وعبد الواحد أمان، وعمر الدايل، وعبد الله الرابح، وعبد الهادي الباحسين، وعبد الصمد الرديني، مساعدته في جولته في البلاد العربية، لأنها أول زيارة يقوم بها، وقد ذكرها في كتابه (شهور في ديار العرب) بقوله: «.. بعد وصولنا البصرة يوم الخميس 6 رجب 1368هـ الموافق 5/5/1949م ذهبنا نبحث عن عبد الله العقيل حيث كان الأستاذ الكريم الفاضل الدكتور تقي الدين الهلالي قد أعطانا عنوانه.

وكان على علم بوصولي لكنه لم يكن يعرف تاريخ الوصول بالضبط ولهذا لم يستطع القدوم لاستقبالنا في الميناء، لقينا الرجل بترحاب، وبحب وإخلاص وود، رجل في عنفوان الشباب له مكانة طيبة، سلفي العقيدة ليس بضيق الأفق ولا بقصير النظر، ظل يسأل عن الحال بكل ودّ ومحبة ويتحقق من أن أمورنا تمضي على ما يرام، عاطفة دينية صادقة، وحماس فياض، لغته سهلة بسيطة مستواها أعلى من اللغة العادية، ربما كان هذا من فيض الأستاذ الهلالي؛ تأثرت كثيراً بهذا الشاب، فما يتصف به من حماس وما بداخله من عاطفة قوية لخدمة الدين أمر يستحق التقدير العظيم.

   في صحبة عبد الله العقيل التقيت بعدد من الشباب، حلقة طيبة، تضم طلاب علم، وموظفين في مكاتب رسمية، يعملون في صمت، فإذا ما وجدت أدنى شبهة في انتمائهم إلى حركة دينية مثل الإخوان المسلمين بدأت المحاسبة والمؤاخذة، فالتشدد مع الإخوان المسلمين في العراق ومصر على حد سواء.

وقد رافقنا عبد الله العقيل وعبد الهادي الباحسين إلى الفندق، وشرحنا لهما أوضاع الجماعة الإسلامية بالهند وباكستان، وأخذا نسخة من كل كتيب باللغتين العربية والإنجليزية من مطبوعات الجماعة الإسلامية، وقلت لهما: هذه هدية مشتركة للإخوان بالبصرة.

وفي يوم الجمعة صلينا الجمعة بمسجد المقام بالعشار، والتقينا مساء بشباب الإخوان، وكان الحديث حول الدعوة الإسلامية، وقد امتدح عبد الهادي الباحسين كتاب (النظرية السياسية)، وكتاب (الحكومة الإسلامية) للسيد أبو الأعلى المودودي .

وفي يوم السبت جاء عبد الله العقيل عصراً، فذهبنا معه إلى مكتب جمعية الآداب الإسلامية في جامع الخضيري بالعشار حيث يتجمع هناك شباب الإخوان يومياً، وبعد صلاة المغرب ذهبنا إلى بيت عبد الهادي الباحسين وقد أوضحت للإخوان أسلوب ومنهج الدعوة لدى الجماعة الإسلامية، فقال عبد الهادي الباحسين: كلاماً كان له أعظم الأثر على قلبي، فقد شرح خطر فكرة القومية العربية، وأنها أخطر من القومية الهندية؛ لأن ما كسبه العرب، وحصلوا عليه كان عن طريق الإسلام، وبسببه، فكيف نأتي بها بديلاً عن الإسلام ؟.

وفي يوم الأحد زرنا مدينة الزبير التي تبعد عن البصرة مسافة عشرة أميال تقريباً، وتقع في سوق المربد القديم وفيها قبور الزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله، والحسن البصري، ...وغيرهم.

وسكان الزبير كلهم من القبائل النجدية التي استوطنتها منذ ثلاثة قرون، والحالة الدينية في البلدة طيبة وفيها من العلماء: محمد أمين الشنقيطي وتقي الدين الهلالي وناصر الأحمد ومحمد السند وعبد الله الرابح.. وغيرهم، وفيها مدرستان أهليتان (مدرسة النجاة الأهلية)، و(مدرسة الدويحس الدينية) وفي الزبير جماعة من الشباب المحافظين على دينهم المتحمسين لعقيدتهم كما توجد (مكتبة المنار) التي يشرف عليها عبد العزيز سعد الربيعة، وهو شاب ممتاز جداً التقى بي، ورحب بي ترحيباً حاراً حيث كان عبد الله العقيل قد أخبره بوجودنا، وبقينا معاً إلى المساء حيث تناولنا العشاء في بيته.

   إن الاستقبال الذي شهدناه في البصرة من عبد الله العقيل، ثم من عبد العزيز الربيعة في الزبير، وما اتصفا به من حسن خلق ومحاولاتهما توفير جميع سبل الراحة لنا بجميع الأشكال أمر لا يمكن لأحد أن يتصوّره لا في الهند ولا في باكستان ورغم هذا فهما دائماً يعتذران، ويرددان هذه العبارة: (والله إننا مقصرون).

   إن شباب الإخوان المسلمين هم محطّ آمالنا في العراق، وتعتبر محاولة هؤلاء الشباب العودة إلى الدين ودعوة الآخرين للدين عمل شجاع وهمة عالية، وسط هذا الجو الذي يسوده خراب الأخلاق ونزعة الابتعاد عن الدين، وهم متحمسون تماماً ومخلصون، والحب الذي يجمعهم يدعو للغبطة والسرور وقد تحدثت مع هؤلاء الشباب لفترة طويلة فمطبوعاتنا تجد قبولاً لديهم ومعظمهم متأثر بها.

   بعد المغرب ذهبنا إلى بيت عبد الله العقيل حيث تناولنا بعض الأطعمة والمشروبات فلا يوجد أحد في بيته ليلة الجمعة لأن أسرته تذهب إلى الزبير.

   ولا بد أن أشير هنا إلى أن والده وأسرته قلقون جداً بسبب علاقته بالحركات الدينية وبسبب نشاطه الواسع ومن ناحية أخرى فهو أكثر الشباب هنا تحمساً لقد أعجبني كثيراً أسلوب هذا الشاب ومسلكه وطريقته في التعامل ومن المفرح أيضاً أنه لا يغيب عن نظره قوله تعالى: {وصاحبهما في الدنيا معروفاً}.

   وفي الزبير التقيت الحاج محمد العقيل والحاج سعد الربيعة والحاج فهد الراشد والشيخ عبد الله المزين، وقد دعانا هؤلاء جميعاً إلى بيوتهم وزرناهم، وتناولنا الطعام فيها.

   كما دعانا عبد الصمد الرديني وهو من شباب الإخوان المسلمين بالبصرة إلى تناول طعام الغداء في بيته مع عبد الله العقيل، وطالب السامرائي وشباب الإخوان المسلمين في البصرة والزبير...» انتهى.

حدثنا الشيخ الهلالي بقوله: «إنني عملت في ندوة العلماء بلكنهؤ بالهند كمدرّس، وأصدرت مع سليمان الندوي مجلة عربية باسم «الضياء» وذلك في 1932 م قبل سفري إلى ألمانيا».

   والأستاذ مسعود الندوي من العلماء المتمكّنين في العلوم الإسلامية والعلوم العربية كزميله الشيخ أبي الحسن الندوي ـ رحمهما الله ـ وكان من المؤسسين للجماعة الإسلامية في الهند، وباكستان التي يرأسها السيد أبو الأعلى المودودي، كما أنه مدير دار العروبة للدعوة الإسلامية بباكستان، وقد بدأ الأستاذ مسعود بترجمة مؤلفات المودودي إلى العربية، وكانت ترجمته إلى العربية من أقوى التراجم وأدقها ومن هذه الكتب التي تم ترجمتها سنة 1367هـ 1947م: الدين القيم، وشهادة الحق، ومنهاج الانقلاب الإسلامي، ونظرية الإسلام السياسية، و الإسلام والجاهلية، ونظام الحياة في الإسلام ، ومعضلات الاقتصاد وحلها في الإسلام.. إلخ.

   والأستاذ مسعود الندوي من العلماء الذين يزينهم التواضع والبساطة في المظهر والملبس والحديث والمعاملة، كما هو الشأن الغالب في علماء شبه القارة الهندية، ولكنه على قدر كبير من المعرفة بالعلوم الإسلامية وعلوم اللغة العربية، كما أن له اطلاعاً واسعاً على الأدب العربي شعراً ونثراً، وله إسهامات في الكتابة عن الموضوعات الإسلامية والقضايا المعاصرة باللغتين الأردية والعربية على حد سواء.

   وكان رفيقه في رحلته إلى البلاد العربية الأخ محمد عاصم الحداد، الذي تولى أمر إدارة دار العروبة للدعوة الإسلامية بعد وفاة الأستاذ مسعود الندوي.

   إن لقاءنا بالأستاذ مسعود عالم الندوي، يعتبر فاتحة اطلاعنا على فكر الأستاذ المودودي إذ إن الكتب التي اصطحبها بالعربية والمطبوعة في باكستان سنة 1367هـ 1947 م والمذكورة آنفاً، هي أول زاد نتلقاه عن فكر المودودي، كما أننا من خلال الأستاذ مسعود، وتلميذه الأخ عاصم، عرفنا الكثير عن الجماعة الإسلامية التي يرأسها المودودي، وأدركنا الشبه الكبير بينها، وبين جماعة الإخوان المسلمين في العالم العربي.

   وحين ذهبتُ إلى مصر للدراسة الجامعية أواخر سنة 1368هـ 1949 م أخذت نسخاً من تلك الكتب، وأطلعت عليها إخواننا الزملاء في الدراسة، فأعجبوا بها غاية الإعجاب، واعتبروها ظهيراً لفكر الإخوان المسلمين وكثيرة الشبه ـ إلى حد كبير ـ بما كتبه الأستاذ حسن البنا في رسائله الدعوية والحركية، وتحمسوا لطباعتها بمصر، وقام الأخ عبد العزيز السيسي ـ رحمه الله ـ بطباعتها عن طريق مكتبة الشباب المسلم بالحلمية الجديدة بالقاهرة، وتم توزيعها بأعداد كبيرة في أوساط الإخوان والشباب المثقف بجامعات مصر.

   ألّف الأستاذ مسعود الندوي كتابه عن رحلته إلى البلاد العربية (شهور في ديار العرب)، ولكن باللغة الأردية، وقد حدثنا عن هذا الكتاب أستاذنا السيد أبو الحسن الندوي حين زار مصر سنة 1951م، والتقينا به، فإذا به يعرفني من خلال الأستاذ مسعود، وقال لي: عرفتك قبل أن أراك، لأن الأستاذ مسعود ذكرك في كتاب رحلته (شهور في ديار العرب) وفي هذا الكتاب يقول مسعود الندوي عن الإخوان المسلمين: «في بغداد شعرنا بوجود حسد شديد بين العلماء، فالطبقة الجديدة منهم طبقة بعيدة عن الدين، وينتشر فيها سوء الخلق؛ وفي دائرة الإخوان المسلمين يوجد عدد لا بأس به من الشباب الصالح يتحلون بالشجاعة، وفيهم أيضاً عاطفة التضحية.

   فهؤلاء الشباب هم محط آمالنا في العراق، وتعتبر محاولتهم العودة إلى الدين ودعوة الآخرين للدين عملاً شجاعاً وهمّة عالية وسط هذا الجو الذي يسوده خراب الأخلاق ونزعة الابتعاد عن الدين، وهم متحمّسون تماماً ومخلصون والحب الذي يجمعهم يدعو للغبطة والسرور ففيهم حماس ورغبة في العمل تجمعهم محبة شديدة، ويضمهم انسجام يفوق ما نشاهده لدى رفاقنا في الهند وباكستان إلاّ أنهم يفتقدون ما لدى رفاقنا من عمق الفكر وبعد النظر والفهم الصحيح للقضايا وهذا هو الفرق بين الأسلوب الأساسي للدعوة فرئيس جماعتنا المودودي يخلو من العواطف، ويعتمد كلية على الفكر والنظر، وعلى العكس منه كان المرحوم حسن البنا الذي كان يميل كلية إلى العواطف والـحماس، وقد أدركت ذلك بعد قراءة مذكرات الدعوة والداعية لـ حسن البنا .

ويمكن أن لا يكون رأيي صحيحاً تماماً، ولكن هذا لا يعني أيضاً أن فهمه للدين لم يكن صحيحاً فالإخوان لا يكتفون ـ مثل جماعة مولانا الياس التبليغية ـ بنطق كلمة الشهادة فقط، بل يوجد في دعوتهم تصور شامل وجامع للدين» انتهى.

   كمـا ألّف الأستـاذ مسعـود كتاباً عن المصلح المجدد الإمـام محمـد بن عبد الوهاب، ودافع عنه، ورد كيد الذين تطاولوا عليه كذباً وزوراً، وبيَّن دعوته وأهدافها، وأنها دعوة سلفية تتخذ الكتاب والسُّنَّة منهجها، وتتصدى للبدع والخرافات وما أُلصق بالدين وليس منه، وقد أحدث هذا الكتاب أثره في القارة الهندية لأن الكثير من المسلمين قد شوهت في أذهانهم حركة الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب نتيجة كتابات بعض الجهلة والمرتزقة وأدعياء العلم.

وصفوة القول:

     إن الأستاذ مسعود عالم الندوي، رجل اجتمعت فيه صفات عدة، فهو عالم وداعية وأديب وكاتب ومؤلف ومترجم، فضلاً عن أنه رحالة يجوب الأقطار، ويتصل بالدعاة والعاملين في الحقل الإسلامي بكل مكان، ويدعو إلى توحيد جهود العاملين للتصدي لأعداء المسلمين الذين أجمعوا أمرهم على حرب الإسلام والمسلمين.

   ومسعود عالم يُنسب إلى الندوي، لأنه خريج ندوة العلماء بلكنو بالهند، وهو من زملاء علماء الندوة وأبي الحسن الندوي وغيرهم ممن سبقهم أو زاملهم أو أتى بعدهم، فكلهم ولله الحمد علماء غيورون على الإسلام، دعاة إلى الله يعنون بالعربية عناية تامة، باعتبارها لغة القرآن الكريم والنبي العظيم ولذا نجد معظم الندويين أدباء باللغة العربية، وكتاباتهم وخطبهم ومحاضراتهم في غاية البلاغة والفصاحة بخلاف الكثيرين من علماء الهند، رغم تبحرهم في العلوم الإسلامية الأخرى.

   وأخيراً فقد كان للأستاذ مسعود عالم الندوي فضله في التعريف بفكر المودودي والجماعة الإسلامية بين المسلمين خاصة في البلاد العربية وعلى الأخص وسط العاملين في الحقل الإسلامي بعد أن قام بترجمة أكثر مؤلفات السيد أبي الأعلى المودودي ونشرها.

كما أن له مؤلفات كثيرة باللغة الأردية وباللغة العربية منها:

- كتاب (نظرة إجمالية في تاريخ الدعوة الإسلامية في الهند وباكستان)

– وكتاب (الشيخ محمد بن عبد الوهاب الداعية المظلوم والمفترى عليه)،

-وكتاب (شهور في ديار العرب) الذي قام بترجمته من الأردية الدكتور سمير عبد الحميد إبراهيم الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وقامت بطباعته مكتبة الملك عبد العزيز العامة بالرياض وذلك بمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس المملكة العربية السعودية سنة 1419هـ 1999 م.

والأستاذ مسعود عالم الندوي من المهتمين بنشر اللغة العربية وآدابها باعتبارها لغة القرآن الكريم حتى إنه سمى الدار التي تتولى طباعة الكتب الإسلامية (دار العروبة للدعوة الإسلامية) وهو مديرها، ويساعده الأستاذ محمد عاصم الحداد رفيقه في الرحلة إلى البلاد العربية والحج، والذي تولى الإدارة بعد وفاة الشيخ مسعود الندوي، ثم بعد وفاة الأستاذ محمد عاصم الحداد تولى إدارة دار العروبة للدعوة الإسلامية الأستاذ خليل أحمد الحامدي رحمهم الله جميعاً وجزاهم كل خير على ما قدموا.

   ونسأل الله المولى القدير أن يتقبل عمل أستاذنا مسعود الندوي وأن يجزيه عن الإسلام والمسلمين خير ما يجزي عباده الصالحين، وأن يتغمده برحمته ورضوانه، ويجمعنا وإياه في جنته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.

مصادر الترجمة:

  • الموسوعة التاريخية الحرة.
  • مجلة الرائد (الهند): الأستاذ مسعود عالم الندوي: حياته وآثاره: مبين أحمد الأعظمي الندوي
  • موقع الدكتور تقي الدين الهلالي.
  • الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين.
  • مسعود عالم الندوي والجزائر: بقلم مولود عويمر، رابطة أدباء الشام.
  • مواقع إلكترونية أخرى.

وسوم: العدد 1053