أنجح جغرافيي الأندلس

د. علي عبدالله الدفاع

تعريف بكتاب البكري

د. علي عبدالله الدفاع

هو أبو عبيد الله عبدالله بن عبد العزيز البكري من كبار علماء الأندلس، وعرف باسم القرطبي، كما لقب بالأندلسي، وينتمي بنسبه إلى بكر بن وائل، عاش فيما بين 432 - 487 هجرية (الموافق 1040- 1094 ميلادية) ولد بمدينة شالطيش بالأندلس، وتوفي في قرطبة. وتلقى تعليمه في قرطبة ولم يبرح الأندلس، بل قضى كل حياته في التعلم والتعليم والبحث والتأليف فيها، وهذه الظاهرة قليلة الوجود بين علماء المسلمين الأوائل لأنهم اشتهروا بالرحلات العلمية وزيارة المراكز الثقافية والمكتبات المنشودة.

ويروي لنا عبد الرحمن حميدة في كتابه: "أعلام الجغرافيين العرب ومقتطفات من آثارهم" ما نصه: "ولد البكري في مدينة شالطيش (Saltes) في بيت شرف وإمارة بإحدى إمارات الأندلس الغربية، وقد تمكنت أسرته بعد سقوط أمويي الأندلس أن تؤسس إمارة صغيرة في شالطيش وفي حلوة في جنوب غرب شبه الجزيرة إلى الغرب من اشبيلية حيث كان جده وأبوه يوماً ما أميرين عليها.. ولكن هذه الإمارة لم تصمد أمام إمارة معادية هي إمارة بني عباد في اشبيلية، فاضطر أبوه أن يتخلى عن أملاكه، ورحل مع ابنه إلى قرطبة التي احتفظت بعد سقوط الأمويين بأهميتها حيناً من الدهر كمركز ثقافي وكملاذ لأمراء الأقاليم الذين فقدوا سلطانهم".

عندما توفي والد البكري سنة 456 هجرية (الموافق 1064) رحل إلى مدينة المرية، ففرح به حاكمها محمد بن معن فاستوزره، وبقي البكري هناك يجمع بين الدبلوماسية والتأليف في علوم الجغرافية وعلوم الأرض.

ويقول عبد الرحمن حميدة في كتابه المذكور آنفاً: "وعلى إثر وفاة والده ذهب إلى المرية حيث حظي بسرعة كبيرة بمكانة مرموقة لدى الأمير محمد بن معن، حاكم هذه المدينة وأصبح وزيراً له.. كان أديباً ذا ميل واضح المعالم نحو الموضوعات الأدبي،ة وبما أنه كان موظفاً كبيراً ودبلوماسياً، فقد قام بمهمة دبلوماسية لدى بلاط الأمير الشاعر المعتمد بن عباد باشبيلية.. وقد امتدح نفيس أحمد في كتابه "الفكر الجغرافي في التراث الإسلامي" البكري واعتبره من أنجح الجغرافيين الأندلسيين إذ قال: "أنجبت الأندلس جغرافيين متعددين ذوي ميزات بارزة إذ يتمتعون باتساع نطاق رحلاتهم ودقة ملاحظاتهم ولهم كتابات مستفيضة وافية..

وقد أجمع المؤرخون والجغرافيون في أن المعلومات التي سطرها أبو عبيد الله البكري في كتابيه "معجم ما استعجم" و"المسالك والممالك" واضحة وصادقة، وتدل على طول باعه ليس فقط في علم الجغرافية، ولكن أيضاً في علوم الأرض.

وقدم لنا السيد عبد العزيز سالم في كتابه "التاريخ والمؤرخون العرب" تعليقاً على كتاب المسالك والممالك للبكري يتلخص بأن البكري اعتمد في الفصل التمهيدي على كتابي بطليموس في الجغرافية والمجسطي، وفي بعض أجزاء كتابه اعتمد على كتاب "المغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب" للبارون دي سلان، كما استفاد البكري من كتاب "مسالك إفريقية وممالكها" لأبي عبدالله محمد بن يوسف الوراق، وعلى الرغم من أنه لم يبرح قط أرض الأندلس، وأنه اعتمد في تصنيفه لكتاب المسالك والممالك على مؤلفات من سبقوه من الجغرافيين، فإن كتابه المذكور يعتبر من أعظم وأجل ما كتب في جغرافية المغرب، وقد أظهر البكري في تأليفه قدرة عظيمة على تنظيم المادة وتنسيقها.

ويذكر عبد الرحمن حميدة في كتابه المذكور أعلاه أن كتاب المسالك والممالك لم يبق منه في الوقت الحاضر سوى نبذات عن العراق وسكان نواحي بحر قزوين والأندلس والقسم الخاص بمصر والقسم المتعلق بإفريقيا الشمالية والسودان.

ويذكر علي أحمد الشحات في كتابه "أبو الريحان البيروني" أن كتاب (معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع) وضع لأسباب غير جغرافية فقال:

"وقد وضعه غير مفكر في الناحية الجغرافية الخالصة ولا معني إلا بما تحتاج إليه النصوص القديمة من ضبط وتفسير.

فما أكثر أسماء الأماكن والبلاد العربي التي ترد في الشعر والسير والحديث والتاريخ، وما أكثر ما يقع فيها من التحريف والتصحيف والاختلاف، وما أشد حاجة هذه الألفاظ إلى الضبط والتحقيق".

ومن أجل هذا وضع البكري معجمه، ويرجع إلى هذا المعجم كثير من الجغرافيين والمستشرقين لما يمتاز به من الدقة والضبط.

ويذكر أبو عبيد الله البكري في مقدمة كتابه معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع.. فيقول:

"هذا كتاب معجم ما استعجم ذكرت فيه جملة ما ورد في الحديث والأخبار والتواريخ والأشعار من المنازل والديار والقرى والأمصار والجبال والآثار والمياه والآبار والدارات والحرار منسوبة محددة ومبوبة على حروف المعجم مقيدة. فإني لما رأيت ذلك قد استعجم على الناس أردت أن أفصح عنه بأن أذكر كل موضع مبين البناء معجم الحروف حتى لا يترك فيه لبس ولا تحريف".

مؤلفاته:

لقد اهتم البكري بالتأليف على الرغم من حياته السياسية، المملوءة بالمشاكل، فقط صنف الآتي:

1- المسالك والممالك.

2- معجم ما استعجم (أربعة أجزاء).

3- أعلام النبوة.

4- شرح أمالي القالي.

5- فصل المقال في شرح كتاب الأمثال لابن سلام.

6- الإحصاء لطبقات الشعراء.