تقلبات المعركة في سوريا

تقلبات المعركة في سوريا

جيفري وايت (*)

من الواضح أن استمرار هجوم النظام السوري على قوات «الجيش السوري الحر» الذي بدأ في أواخر يناير 2012م، قد ترك لدى الكثيرين انطباعاً بأن النظام يكسب الحرب، وأن المعارضة المسلحة في طريقها إلى الهزيمة. لكن واقع هذه الحرب -مثل معظم الحروب- هو أنها تشهد تقلبات دائمة، حيث يتمتع أحد الطرفين بميزة في القتال في أوقات مختلفة.

ففي يناير بدا أن تشكيلات «الجيش السوري الحر» تكسب مزية في العديد من المواقع بينما بدا النظام في وضع دفاعي. ويبدو الآن أن النظام أصبحت له اليد الطولى حيث "تتراجع" تشكيلات «الجيش السوري الحر» على جميع الجبهات.

ومع ذلك، لم يتعرض «الجيش السوري الحر» "للهزيمة" أو "الفرار" كما أن النظام لم يكسب المعارك في العمليات القتالية. إن التوقعات بأن «الجيش السوري الحر» يستطيع أن يواجه جيش النظام في معركة مفتوحة ويكسبها ليست في موضعها وغير واقعية وتتعارض مع الطريقة التي خاض بها «الجيش السوري الحر» الحرب.

و«الجيش السوري الحر» هو قوة وليدة وليس قوة نشأت عبر فترات مكتملة وبمقدرة عالية. فلديه نقاط ضعف كبيرة لكنه مع ذلك مرنٌ وتنمو قدراته باستمرار. وقد غيَّر «الجيش السوري الحر» طبيعة الصراع في سوريا، وإذا ما حصل على المساعدات الملائمة يمكن أن يصبح بصورة متزايدة جزءاً مهماً من الإستراتيجية السياسية والاقتصادية والعسكرية لدحر النظام.

 * حالة «الجيش السوري الحر»:

لم تتعرض قوات «الجيش السوري الحر» للهزيمة من خلال هجمات النظام أثناء فصل الشتاء. ففي حين تعرضت هذه القوات لخسائر في الأرواح وأُجبرت على ترك مناطق سيطرت عليها سابقاً إلا أنها لم تُنزع سلاحها أو تُهزم (كما ذُكر آنفاً) أو حتى تبدي علامات على ضعف المعنويات. ورغم ما ظهر من تراجعات في فبراير ومارس إلا أن «الجيش السوري الحر» قد حقق مكاسب هامة.

والعلاقة بين الشعب في الشارع والجنود الأحرار المسلحين هي مركز ثقل «الجيش السوري الحر» بل في الواقع مركز ثقل الثورة نفسها. ولا يستطيع «الجيش السوري الحر» أن يصمد من دون دعم مادي ومعنوي من الشعب، وقد حاز حتى الآن على هذا الدعم.

وهناك القليل من الأدلة أو ربما لا توجد أدلة على أن السكان في المناطق التي حارب فيها «الجيش السوري الحر» قد تخلوا عنه أو ألقوا عليه باللائمة عن الموت والدمار الذي لحق بهم على يد قوات النظام. فالمظاهرات الشعبية لدعم «الجيش السوري الحر» ما تزال تجري في مختلف أنحاء البلاد، وهو الحال بالنسبة للاحتجاجات السلمية ضد النظام.

 ويبدو أن عناصر «الجيش السوري الحر» قد أدركت الحاجة إلى قيام مستوى أكبر من التعاون والتنظيم سواء داخل سوريا أو خارجها. فداخل سوريا هناك أدلة على التعاون المتزايد بين تشكيلات «الجيش السوري الحر».

وقد ظهرت المجالس الإقليمية أو المحلية العسكرية في دمشق وحلب ودرعا وحماة، بينما تم الإعلان مؤخراً عن تشكيلات بحجم ألوية في محافظتي حلب ودير الزور. إن ذلك يؤشر على ظهور هياكل قيادة على مستوى أعلى داخل سوريا بين التشكيلات الفردية وفي مقر قيادة «الجيش السوري الحر» الاسمية في تركيا.

ويبدو أيضاً أن عمليات الكتائب المتعددة والتعاون بين الكتائب آخذ في التصاعد. وهناك كتائب تنتسب إلى بعض الألوية كما أن العديد من السرايا تنتسب إلى هذه الكتائب.

وعلاوة على ذلك، ترتبط بعض الكتائب والألوية بشكل واضح بقيادة «الجيش السوري الحر» في تركيا، على الرغم من أنه يبدو ببساطة بأن الكثير من الكتائب تعمل تحت مظلة «الجيش السوري الحر». وتوجد أيضاً أدلة على التعاون الوثيق بين عناصر «الجيش السوري الحر» في حمص والمعارضة السياسية المحلية.

أما خارج سوريا، فإن فرص الاندماج الأفضل للمعارضة المسلحة والأخرى غير المسلحة تبدو أيضاً في تحسن حيث يتردد أن «المجلس الوطني السوري» و «الجيش السوري الحر» يتجهان نحو تعاون أكبر. ومن المهم أن يتطور «الجيش السوري الحر» من كونه مجموعة من الكتائب، هي في أغلبها مستقلة عن بعضها، إلى قوة أكثر اندماجاً وهيكلة وجاهزية للتوجيه السياسي والعسكري الأعلى، ولذا فإن كل هذه العلامات تبشر بالأمل.

و«الجيش السوري الحر» ليس كله لغزاً، فقدرٌ كبير من المعلومات معروف عن بعض تشكيلاته على الأقل. فهناك وحدات مثل كتيبة خالد بن الوليد وكتيبة الحمزة في الرستن وكتيبة الفاروق في حمص قد أقامت مناطق عمليات وسجلات قتال مطولة وقادة معروفون، بعضهم بقي في القيادة لعدة أشهر. ومنذ نهاية يناير أعلنت أعداد متزايدة من عناصر المقاومة المسلحة عن وجودها أو تم تحديدها على أنها داخل سوريا وقد بلغ مجموعها حوالي الستين في الفترة ما بين 1 فبراير و17 مارس.

على أن الكثير من هؤلاء ربما يكون بقاؤهم قصيراً والبعض ليسوا مرتبطين بـ «الجيش السوري الحر» لكن يبدو أن عدداً منهم لديه قاعدة وجود حقيقية إلى حد ما. ويزيد نموهم بفضل الانشقاقات المستمرة من قوات النظام.

وتتعلم وحدات «الجيش السوري الحر» الآن كيفية مقاتلة النظام. فمن الناحية التكتيكية تقوم بالكثير من الأشياء الصحيحة، حيث تتكرر الهجمات على نقاط أو مواقع النظام المكشوفة وغالباً ما تظهر بأنها ناجحة إذ تؤدي إلى تدمير المعدات والاستيلاء على أسلحة وذخيرة وقتل أفراد النظام أو إصابتهم بجروح. وتؤدي هذه الأعمال أيضاً إلى حدوث انشقاقات من جانب قوات النظام.

والتكتيك المفضل هو نصب كمائن للمركبات واستهداف المواكب بالنيران المباشرة أو استخدام العبوات الناسفة لتعطيل خطوط الاتصالات الطويلة والصعبة. ويتردد أن العبوات الناسفة هي المستخدمة بازدياد، وقد بدأت عناصر «الجيش السوري الحر» في استخدام العديد من العبوات الناسفة ضد مركبة واحدة لزيادة فرص تدميرها.

وقد شوهدت حالياً الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات لدى عناصر من «الجيش السوري الحر» في محافظات إدلب وحماة ودرعا مما يمثل زيادة في القدرات المضادة للمدرعات على حساب قذائف الدفع الصاروخية الـ "آر پي جي" المنتشرة جداً والتي ما تزال فعالة. وفي تطور أخير دمرت عناصر «الجيش السوري الحر» معبراً في محافظة درعا مما يؤكد فهمها لأهمية نظام الطرق بالنسبة للتحرك الاستراتيجي والعملياتي لقوات النظام.

وقد أثبتت وحدات «الجيش السوري الحر» مرونتها. ففي حين تبدو غير قادرة على الوقوف ضد الأعداد الكبيرة والنيران الكثيفة التي يستطيع النظام استخدامها متى شاء، إلا أن تشكيلات «الجيش السوري الحر» قد أثبتت كفاءتها في تجنب التدمير بينما تُلحق في الوقت نفسه خسائر بالنظام. ولو أُجبرت على الانسحاب من منطقة معينة فإنها تعيد الانتشار في منطقة أخرى أو تعاود الظهور عندما تنتقل قوات النظام. وقد كان هذا هو النموذج المطبق منذ بداية المقاومة المسلحة.

مشاكل «الجيش السوري الحر»:

رغم نجاحاتها ومرونتها إلا أن تشكيلات «الجيش السوري الحر» لا تزال تعاني من مشاكل كبيرة. وبادئ ذي بدء هي غير قادرة على مضاهاة قوة نيران العدو إلا في اشتباكات صغيرة على مستوى الوحدات مثل هجمات على نقاط التفتيش ونصب الكمائن.

وفي الاشتباكات الأكبر التي يستطيع فيها النظام حشد القوات وجلب المدرعات والمدفعية، تصبح تشكيلات «الجيش السوري الحر» عاجزة عن الصمود لفترة طويلة. والذي يزيد في هذا النقص هو عدم توفر إمدادات ذخيرة مضمونة. ويتردد أن تشكيلات «الجيش السوري الحر» تعاني من نقص أو نفاد الذخيرة في عدد من المعارك ضد قوات النظام.

ورغم تحسن القيادة والتحكم إلا أنه ما تزال هناك نقطة ضعف لدى «الجيش السوري الحر» سواء من القيادة في تركيا أو الألوية والكتائب في سوريا أو داخل الألوية والكتائب نفسها. وما تزال تبدو قيادة «الجيش السوري الحر» وهي تقدم التوجيهات أكثر من ممارستها السيطرة.

كما لا يبدو أيضاً أن ألوية «الجيش السوري الحر» وكتائبه هي هياكل مندمجة بإحكام أو أنها تقوم بالتنسيق أو التعاون مع الوحدات المنتسبة لها بدلاً من القيادة والتحكم فيها بالمعنى التقليدي. والعدد المتزايد للتشكيلات المرتبطة بـ«الجيش السوري الحر» هي نفسها تفرض تحدياً من حيث الاندماج وتنسيق أنشطتها.

وعلاوة على ذلك فإن تطور هياكل القيادة المتوسطة المستوى داخل سوريا (مجالس وألوية) تشير إلى إمكانية حدوث نزاعات في المستقبل بين مجموعات قيادة «الجيش السوري الحر» الداخلية والخارجية.

وقد أدت نقاط الضعف في القيادة والتحكم إلى وقوع سلسلة من "المعارك الفردية"، تحارب فيها كل كتيبة بصورة منفردة أو بأدنى تعاون من الكتائب الأخرى حتى تلك الموجودة في نفس المناطق. ورغم أن هذا الوضع قد بدأ في التغير كما ذُكر في وقت سابق إلا أن ثمة حاجة واضحة لتحسين القيادة والتحكم.

إن الاستقلال النسبي لتشكيلات «الجيش السوري الحر» يخلق الفرصة لارتكاب سلوك سيء من جانب وحدات محلية. ونظراً للعدد المتزايد من التشكيلات المرتبطة بـ «الجيش السوري الحر» وكذلك منظمات الدفاع المحلية وبعض العناصر القتالية الإسلامية المحتملة فلن يكون من المفاجئ ظهور انتهاكات لحقوق الإنسان على يد قوات المقاومة المسلحة.

إن وحدات «الجيش السوري الحر» ليست قوات ميدانية بل هي في المقام الأول قوى محلية مرتبطة بمدينة أو منطقة داخل محافظة. وحتى الآن لم تظهر هذه الوحدات المقدرة على إعادة الانتشار عبر المحافظات أو الاحتشاد للعمليات رغم إظهارها بعض المقدرة على المناورة العملياتية، وذلك لتجنب تدميرها من قبل قوات النظام في المقام الأول. إن هذه القدرة المحدودة على المناورة تجعل من الصعب على الوحدات استغلال حاجة النظام لنشر قواته في جميع أنحاء البلاد - مما يخلق بذلك نقاط ضعف محتملة - أو مساعدة غيرها من وحدات «الجيش السوري الحر».

لقد وقعت وحدات «الجيش السوري الحر» في أخطاء عملياتية. فمعركة ضواحي دمشق في كانون الثاني/ يناير 2012 التي تحدت فيها تشكيلات «الجيش السوري الحر» مباشرة النظام بالاستيلاء على مناطق قريبة من مركز العاصمة ربما كانت مثالاً على ذلك. وكانت أخطاء مماثلة أخرى هي استيلاء «الجيش السوري الحر» على مناطق مثل الزبداني وأجزاء من حمص وإدلب وكذلك استيلاؤه على جيوب معزولة من الأرض - على الرغم من أنها أحرجت النظام - مما أتاح لقوات النظام التعامل مع وحداته بشكل متعاقب وحشد القوات وتقليل كل جيب بالتسلسل.

وكما ذُكر سابقاً تعتمد وحدات «الجيش السوري الحر» على دعم السكان لكن وجودها بين السكان - سواء في المدن أو الريف - يُعرض الناس لهجمات النظام الذي تقوم قواته بعمليات الحصار والقصف والهجوم على المناطق التي هي في حوزة وحدات «الجيش السوري الحر» أو في المناطق التي يتواجد فيها «الجيش السوري الحر». وتهدف هذه التكتيكات ليس فقط إلى تدمير تشكيلات «الجيش السوري الحر» بل أيضاً إلى معاقبة الناس وتقليل دعمهم لـ «الجيش السوري الحر».

قياس فعالية «الجيش السوري الحر»:

بالنظر إلى أن مجريات المعركة في سوريا من المرجح أن تواصل التحول فكيف ينبغي قياس فعالية «الجيش السوري الحر»؟ والمقاييس المباشرة تشمل اتجاهات في الفعالية القتالية لـ «الجيش السوري الحر» وقدراته العملياتية ونموه وتماسكه التنظيمي ونطاق أنشطته (مناطق عملياته وأعداد اشتباكاته) والدمار الذي يُلحقه بقوات النظام. ووفقاً لهذه المقاييس نجد أنه يتحسن الآن من حيث الفعالية.

وتتعلق المقاييس غير المباشرة برد الفعل الذي يستقبله «الجيش السوري الحر» من الناس والنظام والمجتمع الدولي. وفي الواقع، كان «الجيش السوري الحر» قادراً على كسب وامتلاك تأييد الشعب في المناطق التي يعمل بها رغم محاولات النظام كسر هذا الرابط.

وتتزايد هجمات النظام عنفاً من أجل سحق «الجيش السوري الحر»، وهي نفسها مرآة لفعالية «الجيش السوري الحر»، حيث يرى النظام في «الجيش السوري الحر» تحدياً خطراً، غير أن نقص الدعم الكبير من المجتمع الدولي لـ«الجيش السوري الحر» -على الرغم من أن ذلك لا يتعلق فقط بنقاط ضعفه- هو مقياس سلبي لفعاليته مما يعكس مشاكل الوحدة والهوية والتنسيق مع المعارضة السورية الخارجية.

وعلى نطاق أوسع، فإن التوقعات بشأن أداء «الجيش السوري الحر» ينبغي أن تكون واقعية وغير مبنية على أحدث العناوين الرئيسية، سواء كانت تُنبئ بحصول فوز أو حدوث خسارة لـكتائبه.

الدلالات:

في هذه المرحلة من الحرب، يصبح مركز عمليات «الجيش السوري الحر» في سوريا، حيث تحارب تشكيلاته ضد النظام، وليس قيادة «الجيش السوري الحر» في تركيا. وتحتاج هذه التشكيلات إلى إسناد ودعم لتعزيزها وتقويتها لكي تظل في المعركة وتلحق المزيد من الخسائر بقوات أمن النظام وجيشه.

ويبدو أن هناك وحدات وقادة أكفاء في «الجيش السوري الحر»، ويمكن أن يتدفق الدعم إليهم إلى أن تصبح القيادة ذات المستوى الأعلى فعالة أو تتطور هياكل قيادة عليا مؤهلة داخل سوريا.

وأيّاً ما كان مصدر القلق لدى الدول الغربية وبقية المجتمع الدولي حول «الجيش السوري الحر» وتشكيلاته، فإنه ينبغي معالجته عن طريق الاتصال -السري إذا لزم الأمر-، فضلاً عن جمع المعلومات الاستخباراتية وتحليلها. وأخيراً ينبغي تسليح كتائب هذا الجيش، ليس لدحر النظام في حد ذاته وحسب، بل كجزء من إستراتيجية سياسية واقتصادية وعسكرية للإطاحة بالنظام.

               

(*) ضابط كبير سابق في الاستخبارات الأمريكية وباحث في معهد واشنطن، متخصص في الشؤون العسكرية والأمنية لدول المشرق العربي وإيران.