الشيخ محمد بن العربي العلوي وصلته بالجزائر

الشيخ محمد بن العربي العلوي

وصلته بالجزائر

أ.د. مولود عويمر

مسار في سطور:

ولد الشيخ محمد بن العربي العلوي في مدغرة بتافيلات جنوب المغرب في عام 1880. ثم انتقل به والده إلى فاس للدراسة. ودرس في جامع القرويين على نفر من العلماء منهم: الشيخ محمد بن محمد كنون، والشيخ عبد السلام الهواري، والشيخ خليل الخالدي، والشيخ أبو شعيب الدكالي الذي " أنار فكره وقوى عزيمته وأخرجه من ربقة التقليد الأعمى."[1]

اشتغل الشيخ ابن العربي بعد تخرجه بالتعليم في نفس الجامعة. وقد وصف المؤرخ عبد السلام ابن سودلة تأثير الشيخ ابن العربي على هذه المؤسسة العلمية، فقال: "فدخل إلى القرويين وصار ينير مشكاتها ويضيء جوانبها بقبس من النور، فما لبث أن التف حوله نخبة من الشباب لا يستهان بهم وانتشر مذهبه في الأوساط العلمية الراقية."[2] وكان من أبرز تلامذته: محمد تقي الدين الهلالي، عبد الحي الكتاني، علال الفاسي، ومحمد المختار السوسي...الخ.

ويرى الدكتور محمد عابد الجابري أن الشيخ بن العربي هو مؤسس السلفية الوطنية في المغرب الأقصى، حيث جمع بين الدعوة إلى السلف الصالح ومقارعة الاستعمار وأذنابه. فقال في هذا السياق: " كان الشيخ محمد بن العربي العلوي نموذجا للعالم السلفي المناضل المتفتح. لقد ظل يحمل فكرا نيّرا يتطور مع تطور الفكر الوطني والنضال الشعبي في المغرب، سواء أثناء عهد الحماية أو خلال عهد الاستقلال."[3]

وكان من أبرز مواقفه السياسية هي مساندته للأمير عبد الكريم الخطابي في حربه الاستعمار الاسباني والفرنسي، ودعمه للملك محمد الخامس حينما نفته الحكومة الفرنسية واستبدلته بابن عمه محمد بن عرفة العلوي، فرض الشيخ ابن العربي الاعتراف بهذا الأخير، ودعا المغاربة إلى محاربته لأن حكمه غير شرعي. وقد لقي في سبيل مواقفه الجريئة عقوبات كثيرة، ومضايقات عديدة.

واستطاع الشيخ ابن العربي أن يعطي روحا جديدة للسلفية التي لا تهتم فقط بالعودة إلى العقيدة الصحيحة والدين القويم بل تولي أيضا اهتماما بمصير المغرب ومتطلبات مستقبله في ظلال الاستقلال وبناء الدولة الحديثة. فقد تحولت "السلفية في المغرب على يديه من سلفية تقليدية وهابية الطابع –في نظر الدكتور الجابري- إلى سلفية وطنية مناضلة كونت الجيل الأول من رجال الحركة الوطنية المغربية وقدمت لهم الأساس الفكري، العربي الإسلامي، لتطلعاتهم النهضوية التحديثية ومواقفهم السياسية النضالية."[4]

وهكذا اشتغل الشيخ محمد بن العربي بالتعليم والإرشاد كما ولى القضاء بفاس وعمل وزيرا للعدل بين 1936 و1944. فكان عالما وقاضيا ووزيرا جمع بين العلم والممارسة الميدانية للقضاء والسياسة والإدارة. وهذا المزج بين العلم والالتزام والنضال نجده عند العديد من تلامذته، ولعل أشهر مثال على ذلك هو الأستاذ علال الفاسي المفكر والمناضل ورئيس حزب الاستقلال والوزير...الخ.

وتوفي الشيخ محمد بن العربي العلوي رحمه الله في 23 محرم 1384 هـ الموافق لـ 4 جوان 1964. ونقل إلى إقليم تافيلات ليدفن في مدغرة إلى جوار والده وأجداده.

بين الشيخ ابن باديس والشيخ ابن العربي:

كتب الشيخ محمد بن العربي تقريظا للرسالة التي ألفها الشيخ عبد الحميد بن باديس المعنونة بـ "جواب السؤال عن سوء مقال" الصادرة عن المطبعة الجزائرية الإسلامية بقسنطينة. وقد قال عنها الشيخ ابن العربي: " فالذي أدين الله به وأعتقده هو ما سطره سيدنا العلامة المشارك الدر النفيس السيد عبد الحميد بن باديس لأنه مؤسس المبنى صحيح اللفظ والمعنى، لم يبق فيه قول لقائل، ولا تشوف لمراجعة مجيب أو سائل."[5]

وقد حاول ابن باديس زيارة المغرب في أوت 1937 للمشاركة في تأبينية الشيخ أبي شعيب الدكالي وزيارة الشيخ محمد بن العربي غير أن السلطة الاستعمارية اعترضت سفره، لقطع العلاقة بين علماء المغرب العربي، وفصل بعضهم عن البعض.

وقد تأسف ابن باديس كثيرا لهذا التصرفات القمعية، وعبر عن احتجاجه في مجلة الشهاب بمقال صريح عنوانه: " الاستعمار يحاول قطع الصلة بين الإخوان"[6].

الشيخ ابن العربي في نظر الشيخ الإبراهيمي:

" والأستاذ الأكبر الشيخ محمد بن العربي العلوي إمام سلفي وعالم مستقل واجتماعي جامع. وهو -في نظرنا- أحق برتبة الإمامة من كثير ممن خلع عليهم المؤرخون هذا اللقب. ونحن في أخص الصفات التي تربطنا به وهي السلفية والإصلاح نجاوز درجة الإعجاب به إلى الفخر والتعاظم."[7]

بهذه الكلمات قدم الشيخ محمد البشير الإبراهيمي مقال الأستاذ علال الفاسي حول الشيخ ابن العربي. وقد نقلته جريدة "البصائر" للقارئ الجزائري عن صحيفة "الإخوان المسلمون" المصرية.

وأضاف الشيخ الإبراهيمي أن الزمان سينصف هذا المصلح المغربي خاصة إذا عرف الناس تاريخ نضاله الوطني وجهوده الإصلاحية، فقال: " ولعل الأقدار تقيّض من يكتب له ترجمة حافلة تكشف عن مواقع الأسوة بذلك الرجل خصوصا في سلفيته وجراءته في تلك السلفية. وهي نقطة التلقي الحقيقية بينه وبين جمعية العلماء المسلمين الجزائريين."[8] فالتقارب الفكري والهاجس الإصلاحي هما أساس الصلة بين الحركتين الإصلاحيتين الجزائرية بزعامة ابن باديس ثم الإبراهيمي، والمغربية بقيادة الشيخ محمد بن العربي العلوي ثم علال الفاسي.

الشيخ حمزة بوكوشة في ضيافة الشيخ ابن العربي:

حرص الشيخ حمزة بوكوشة -العضو الإداري لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين- خلال رحلته إلى المغرب في عام 1948، على زيارة الشيخ ابن العربي للاستفادة من علمه الوفير وتجاربه المتعددة. وقد صوّر هذا اللقاء تصويرا دقيقا، ونقله إلى قرائه فقال: "زرت علم المغرب العربي. الأستاذ سيدي محمد بن العربي العلوي. وهو ذو سمت ووقار وشخصية جذابة. مع غزارة العلم ودقة الفهم وبلاغة التعبير وصدق التصوير وسعة الإطلاع على الأمهات والفقه في أسرار التشريع مع التعليل والتدليل. وهو إمام حجة ينزع إلى الاجتهاد مع سعة العارضة. وقوة الحافظة. هو إمام السلفيين بالمغرب وعليه تخرجت النخبة المفكرة من رجال العلم والأدب والسياسة، وهو يجمع بين طموح الشباب وتجربة الشيوخ، وشخصيته محبوبة ومحترمة عند الجميع."

وبعد هذا الوصف الذي ينم عن تأثره في البداية بهذه الشخصية الفذة، واصل الشيخ بوكوشة حديثه عن شعوره بالألفة وهو يجلس إلى جانب هذا العالم المتواضع، ويحس بالاطمئنان وهو ينصت إلى حديثه العذب: " وبمجرد ما تعرفت به وتجاذبت أطراف الحديث معه. استولت على شخصيته وزالت الكلفة بيني وبينه وأصبحت كأني أحد أبنائه أو تلامذته المقربين. ولقد ركنت نفسي إليه ركونا لا يكيف، والأرواح جنود مجندة وقد كنت أسمع عن ابن العربي قبل رؤيته الكثير، ولكني لما رأيته وجدت الذي كنت أسمعه قليلا من كثير: وأعد أيام اجتماعي به فلتة من فلتات الزمان الضنين."[9]

وتعمقت قناعته أن الشيخ ابن العربي لم يكن منغلقا على نفسه في المغرب بل كان يتابع الحركة الإصلاحية في كل من الجزائر وتونس، فهو: "كثير الإطلاع على شؤون العالم الإسلامي مهتم بها اهتماما لا مزيد عليه، يرى أن من لا يهتم بشؤون المسلمين فليس منهم متتبع لما يجري في الجزائر وتونس بصفة خاصة مطلع على حوادث القطرين إطلاعا قد يخفى على كثير من سكانهما. ويرى أن مشكلتهما ومشكلة المغرب واحدة، وإن تعددت الأسباب المصطنعة وله علاقات روحية متينة بأحرار الشمال الإفريقي ومفكريه وهو الرئيس الشرفي لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين بالمغرب الأقصى."[10]

وترسخت هذه الذكريات في مخيال الشيخ بوكوشة، وازداد اهتمامه بالشيخ ابن العربي، وكان من علامات الوفاء كلمات معبرة صادقة كتبها في مقال خمس سنوات بعد هذه الرحلة حول هذا العالم المغربي فنوّه من خلاله بمكانته الرفيعة وفضله الكبير على الحركة الإصلاحية في المغرب العربي.

               

محمد حجي. موسوعة أعلام المغرب.دار الغرب الإسلامي، بيروت، مج 9، ص 1384.[1]

حجي. نفسه.[2]

[3]محمد عابد الجابري. تطور الأنتلجانسيا المغربية. الأصالة والتحديث في المغرب. دار الطليعة، بيروت، ص 27.

[4] الجابري، ص 28.

[5] عمار الطالبي. ابن باديس حياته وآثاره. دار الأمة، الجزائر، 2007، ج 3، ص 171.

[6] الشهاب، مج 13، ج 7، سبتمبر 1937.

[7]البصائر، العدد 30، 5 أفريل 1948.

[8]البصائر، العدد 240، 11 سبتمبر 1953.

[9]لبصائر، العدد 31، 12 أبريل 1948.

[10]البصائر، العدد 240، 11 سبتمبر 1953.