عميد الشيوعيين العرب خالد بكداش

محمد فاروق الإمام

عميد الشيوعيين العرب

خالد بكداش

محمد فاروق الإمام

[email protected]

ولد خالد بكداش عام 1912م في حي المهاجرين (حي الأكراد) في دمشق. والده من أصل كردي وعشيرته لم تتميز بأي نشاط وطني أو اجتماعي، رغم أن والده خدم في الجيش العثماني، ثم في الجيش العربي خلال حكم الملك فيصل سنة 1920م.

أنهى خالد بكداش تعليمه الابتدائي والعالي في المدارس الحكومية في دمشق، لكنه لم يتمكن من متابعة دراسة القانون في كلية الحقوق بسبب نشاطه السياسي المبكر، أولع بالسياسة فانكب على المؤلفات السياسية التي كان لها تأثير كبير في قضايا الساعة يومذاك.

انخرط بكداش عام 1929م في صفوف الكتلة الوطنية، وبذل معهم جنباً إلى جنب جهده لشق طريقه في مجال السياسة، وفي عام 1930م انضم إلى الحزب الشيوعي، واعتقل مرتين بتهمة إثارة شغب سياسي كانت الأولى سنة 1931م حيث سجن أربعة أشهر، والثانية سنة 1933م، لكنه فر إثر اعتقاله، وفي تلك الأثناء عكف على ترجمة (البيان الشيوعي) وكانت تلك أول ترجمة بالعربية، ثم سافر بعد ذلك إلى موسكو طلباً للعلم.

التحق خالد بكداش في موسكو بمعهد لينين في بادئ الأمر، ثم بجامعة طشقند. وقد تعلم اللغة الروسية حتى صار يتكلمها بطلاقة، كما قرأ الكثير من الأدب الروسي. اختير رئيساً للوفود العربية التي اشتركت في المؤتمر السابع للكومنترن في سنة 1935م.

أصبح بكداش قبل ذهابه إلى موسكو أميناً للمجموعة السورية في الحزب الشيوعي السوري اللبناني، وبعد عودته من موسكو اختير أميناً عاماً للحزب، وحين ألفت الجبهة الشعبية الحكومة في فرنسا في عام 1936م، وهي الجبهة التي يؤيدها الشيوعيون الفرنسيون برئاسة ليون بلوم، تجلى نشاط بكداش في دمشق في تأييد الحكومة الفرنسية، والدعوة إلى التفاهم معها من أجل الوصول إلى معاهدة ينتهي بموجبها الانتداب الفرنسي ويعلن استقلال سورية. ولم يكتف بذلك بل توجه إلى باريس ليضمن تأييد الحزب الشيوعي الفرنسي لهذه المفاوضات. ومهد بذلك إلى اجتماع أقطاب السياسة السورية بالأمين العام للحزب الشيوعي الفرنسي، كما هيأ لقاءات مع عدد من أعضاء المجلس النيابي الفرنسي اليساريين لخدمة النظرية الأممية.

ونظراً لدور اليسار الفرنسي في معاهدة 1936م التي اعتبرت معاهدة استقلال بالنسبة للسورين فقد سُمح لبكداش أن يروج للدعاية الشيوعية. وهكذا بدأ تنظيم دعايته بإلباسها ثوب التحرر الوطني، واستغل هو وأتباعه الحرية التي منحت لهم إلى أبعد حد في نشر دعوتهم على نطاق لم يتهيأ لهم من قبل. وفي سنة 1937م ظهرت لأول مرة جريدة تنطق باسم الحزب الشيوعي وهي (صوت الشعب) فنشرت خطابات بكداش والنشرات الشيوعية دون أن تمر على الرقابة، وبذلك امتد نفوذ بكداش فتجاوز المشرق ونودي به زعيماً بدون منازع.

بعد الحرب العالمية الثانية بدأ خالد بكداش بإجراء اتصالات أوثق بين حزبه والأحزاب الشيوعية الأخرى، وعلى الأخص الأحزاب الأوروبية، كما بدأ يشترك في مؤتمرات دولية. وفي سنة 1946م توجه إلى لندن لإجراء محادثات مع الشيوعيين البريطانيين، وحضر وهو في طريقه إلى لندن اجتماعات شيوعية سرية عقدت في شمالي إيطاليا حيث اطلع على النشاط الشيوعي الإيطالي، وظل كذلك على اتصال بنشاط الشيوعيين في البلدان العربية الأخرى، وعلى الأخص في دول الهلال الخصيب الذي كان يمارس بعض النفوذ عليه حتى سمي بالمندوب السامي السوفييتي على الشيوعية العربية. وفي سنة 1947م حضر المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي البريطاني كمندوب رسمي، وكان من هذا النشاط في الخارج أن تعززت مكانة بكداش في بلاده وغدا زعيماً معروفاً في المجالس الشيوعية الدولية، وبالتالي فقد عينه الكومينفورم في سنة 1948م مديراً للحزب في الأقطار العربية.

بين عامي 1947 و1949م، حين ثارت ثائرة العرب ضد تقسيم فلسطين وحين اندلعت الحرب العربية الإسرائيلية الأولى امتدت الأصابع إلى الشيوعيين تتهمهم بتأييد السياسة السوفييتية التي تنادي بالتقسيم. فقام خالد بكداش الذي عرف عنه دفع الأحزاب الشيوعية العربية إلى التهاون مع قيام الدولة اليهودية في فلسطين، قام بزيارة سرية إلى حيفا حيث عقد محادثات مع الزعماء الشيوعيين الإسرائيليين تتناول خططاً جديدة لمواجهة الانفجارات الشعبية، وربما ليحث هؤلاء الزعماء على انتهاج سياسة يتنصلون فيها عن الجرائم المخزية للمنظمات الإرهابية. ولا شك في أن تأييد السوفييت لتقسيم فلسطين ثم اعترافهم بإسرائيل قد أثر تأثيراً معاكساً في الدعاية للشيوعية في العالم العربي.

خيب الموقف السوفييتي المؤيد لإسرائيل آمال العرب بحيث أثار النزاع في سورية بين الوطنيين والشيوعيين، ليس هذا فحسب بل إن الكثير من العرب الذين كانوا أعضاء في الحزب الشيوعي انسحبوا منه وعادوا إلى صفوف الوطنيين ثم راحوا يتهمون بالخيانة كل من ظل في المعسكر الشيوعي، ورفضوا أية تسوية معهم. لكن عندما اختارت إسرائيل الاعتماد على المساعدة الأمريكية لا المساعدة السوفييتية حفزت بذلك الاتحاد السوفييتي على تأييد العرب ضد المطالب الإسرائيلية، لذا تنفس خالد بكداش الصعداء لدى رؤيته أهداف حزبه تعود لترتبط بالأهداف الوطنية، ودخل حزب البعث والشبان الوطنيين في تحالف مع الشيوعيين وأقاموا فيما بينهم اتحاداً وطنياً عمل على إسقاط نظام الشيشكلي وإعادة الحكم للرئيس الأتاسي. واستغل بكداش هذا التحالف الجديد وراح يعد نفسه لانتخابات سنة 1954م.

عام 1954م انتخب خالد بكداش عضواً في المجلس البرلماني السوري بدعم ومساندة من حزب البعث، وكان بكداش أول شيوعي يحتل مقعداً نيابياً في أي بلد عربي، وقد بلغ نفوذ الشيوعيين ذروته خلال القترة التي كان بكداش فيها نائباً من سنة 1954م إلى سنة 1958م، فقد تغلغل الشيوعيون في كل دائرة من الدوائر الحكومية واحتلوا مناصب عسكرية رفيعة. وبصفة بكداش زعيماً للحزب الشيوعي فقد زاد من نشاطه في الأوساط الرسمية وغير الرسمية، وأكثر من زيارة الرئيس القوتلي مطالباً بوجوب الاعتراف رسمياً بحزبه، فضلاً عن زياراته المتعددة لموسكو وحضوره الحفلات التي تقيمها المفوضيات الشيوعية في دمشق، وقد حاول الشيوعيون مرتين الاستيلاء على الحكم، مرة سنة 1956 ومرة سنة 1957م ولكنهم أخفقوا وفشلوا.

عارض خالد بكداش قيام الوحدة المصرية السورية عام 1958م، وحين وافق النواب السوريون بالإجماع على الوحدة كان مقعد بكداش في البرلمان المقعد الوحيد الخالي، حيث ترك دمشق إلى موسكو، ولم يعد إلا عام 1966م في ظل تمتين العلاقات  السورية مع الاتحاد السوفييتي (أيام حكم القطريين البعثيين لسورية).

أعيد انتخاب خالد بكداش مع ستة من أعضاء حزبه في انتخابات 1973م، ومثل حزبه بجناحيه وزيران في الحكومة السورية عام 1977م والتي رئسها اللواء عبد الرحمن خليفاوي.

تعرضت قيادته أوائل السبعينات لنقد شديد داخل الحزب بسبب فرديته وتسلطه ومعارضته للقومية العربية، وتزعم الجناح المعارض له كل من ظهير عبد الصمد ودانيال نعمة ثم سوى الخلاف بينهما، إلا أن جناحاً بزعامة رياض الترك استمر في المعارضة وانتهى أخيراً إلى الانشقاق.

جُدد انتخابه أميناً عاما للحزب عام 1974م ثم عام 1980م وفي مطلع عام 1980م تعرضت قيادته مجدداً للنقد من داخل حزبه ذاته بسبب ممارسته التنظيمية الداخلية التي وصفها خصومه بأنها غير ديمقراطية.

ظل خالد بكداش عضواً في القيادة المركزية للجبهة الوطنية التقدمية منذ تأسيسها عام 1972م. تزوج خالد بكداش من فتاة كردية تدعى وصال فرحة سنة 1951م، أصبحت داعية نشيطة للشيوعية بين النساء، فكانت مصدر قوة لحزبه.

توفي خالد بكداش في 24 تموز 1995م.