سطور من حياة الداعية الرباني عمر التلمساني (23)

سطور من حياة الداعية الرباني

عمر التلمساني (23)

بدر محمد بدر

[email protected]

وفي المجال الإعلامي سعي الأستاذ عمر بكل مايستطيع كي يمتلك الإخوان وسيلة إعلامية تعبر عنهم, ووجد الإخوان أن قانون المطبوعات يتيح لهم اصدار مطبوعة "غير دورية", لا تشترط الحصول على ترخيص مسبق, وكانت هناك بعض التيارات السياسية والفكرية تستفيد من هذه الفرصة, وصدرت بالفعل مطبوعات وفق هذا القانون, منها: مجلة الموقف العربي ـ رسالة التوحيد ـ قضايا فكرية وغيرها, وبالفعل شرع الإخوان في إعداد مطبوعة غير دورية في عام 1985 بعنوان "البشير" يديرها ويشرف عليها عمر التلمساني ويرأس تحريرها جابر رزق, وكان سكرتيرا التحرير الزميل صلاح عبد المقصود وكاتب هذه السطور, لكن أجهزة الأمن سارعت بمصادرتها عقب الانتهاء من طباعتها, بحجة عدم الحصول على ترخيص قانوني, ورفع الإخوان الأمر إلى القضاء, وقدموا حافظة مستندات تضم نحو 12 مطبوعة غير دورية تباع في الأسواق ومنافذ التوزيع الصحفية الرسمية, وحصل الإخوان على حكم قضائي بالإفراج عن العدد الأول والأخير من مجلة "البشير" بعد نحو عام من مصادرته, ووفاة الأستاذ عمر خلال هذه المدة !.. وسارعت الحكومة بتقييد هذه المادة في قانون المطبوعات, بعد أن عدلت القانون في مجلس الشعب!.

وفي عام 1985 عُرض على الأستاذ عمر رعاية إصدار مجلة "لواء الإسلام" الشهرية التي كان يصدرها الأستاذ أحمد حمزة منذ الخمسينيات والستينيات, وتتولى ابنته السيدة فاطمة حمزة إدارتها وهي صاحبة الترخيص, وبالفعل صدرت المجلة برعاية الإخوان, واعترضت عليها الأجهزة الأمنية أيضاً, لكن القضاء حكم لصالح استمرار ترخيصها, ونجحت المجلة طوال النصف الثاني من الثمانينيات في أن تصبح أقوى المجلات الشهرية والأوسع انتشاراً, حيث كان توزيعها يصل إلى نحو 90 ألف نسخة شهرياً, لكن ضغوطاً مورست عليها في عام 1990, حتى تركها الإخوان, فتعثرت بعد ذلك.

كان الأستاذ عمر حريصاً على ايصال رسالته وتبليغ دعوته في كل مكان, رغم تقدمه في السن, وذات مرة ـ في منتصف الثمانينيات ـ دعاه حزب "التجمع  الوحدوي" الذي يضم عدداً كبيراً من القيادات الشيوعية واليسارية في مصر, لإلقاء محاضرة في إحدى ندواته عن الحريات, فلبى الدعوة وحضر الندوة الجماهيرية, التي امتلك زمامها بامتياز, وانتزع اعجاب الحاضرين, الذين عبروا عن تقديرهم البالغ له بالتصفيق أكثر من مرة, وخرج الأستاذ عمر وجمهور الحاضرين يكاد يحمله على الأعناق.

مواقف ومواقف!

وبين عامي 84 , 1985 بدأت المتاعب الصحية تتزايد, وكثرت زيارات المرشد العام إلى ألمانيا وسويسرا للعلاج, وكان يسافر معه الأستاذ إبراهيم شرف أو الأستاذ جابر رزق أو هما معاً, وكانت هذه الأسفار تستغرق عادة ما بين أسبوعين أو ثلاثة يعود بعدها إلى مصر بعد أن تتحسن حالته الصحية نوعا ما, فإذا اشتد المرض عاد إلى الخارج من جديد, وكان ـ رحمه الله ـ يحرص أثناء سفره على الاتصال بمقر الإخوان يومياً في الصباح, ليتابع أهم ما يجري على الساحة الوطنية من أحداث وقضايا ومواقف, ثم بعد ذلك يتحدث إلى كل فرد من العاملين بالمكتب, وله مع كل فرد خصوصية يمازحه فيها.. وفي إحدى سفرياته, وكنت قد تزوجت قبلها ببضعة أشهر (يناير 1984), سألني إن كنت نجحت في وضع رسالة في صندوق البريد, (وكان يقصد هل حملت زوجتك؟!), فقلت: الله أعلم, فدعا لي بخير.

وحدثني الأستاذ إبراهيم شرف ـ رحمه الله ـ أن الأستاذ عمر ما كان يترك قيام الليل حتى مع المرض والسفر, رغم أن هناك رخصة شرعية في المرض والسفر, ويقول إنه كان يحدثنا في بعض الأمور ثم نراه يسكت, وأدركنا أنه ينشغل بأوراد الذكر والاستغفار في الصباح والمساء, مهما كانت أهمية الموضوع الذي نتحدث فيه, وكان يقرأ الورد القرآني في الصباح يومياً, قبل أن يبدأ مباشرة مسئولياته.

كان الأستاذ عمر رحمه الله حريصاً على مشاعر إخوانه, وكان هذا جزءاً لا يتجزأ من طبيعته وأخلاقه, وذات مرة كنت معه في مكتبه, وكان معنا أيضاً الأستاذين إبراهيم شرف وجابر رزق, فقال: أريد إبراهيم وجابر وحدهما, وخرجت من المكتب دون أن يكون لدّي أي غضاضة, فأنا أدرك أن هناك أمورا تنظيمية أو سياسية أو حتى شخصية خاصة لا يجوز أن أطلع عليها, وعندما ذهبت إلى مكتبي جاءني بعد عدة دقائق من يبلغني بأن الأستاذ عمر يطلبني, فذهبت إليه, فإذا به ـ رحمه الله ـ يطلب مني أن أسامحه, مبرراً ذلك بأنه لم يشأ أن يحملني مالا أطيق من معلومات (إذا استدعتني أجهزة الأمن مثلاً), وأدركت كم كان الرجل حريصاً على توضيح الأمر, وإذابة أي أثر سلبي في النفس, من باب احترام مشاعر إخوانه, وكنت لا أزال طالباً في الجامعة!