حدث في الثامن والعشرين من شعبان

زاهد أبوغدة

في الثامن والعشرين من شعبان من سنة 456 توفي في لَبلَة بالأندلس عن 72 عاماً، الإمام أبو محمد ابن حزم، علي بن أحمد بن سعيد بن حزم، الفقيه الحافظ الأديب الوزير، أحد أساطين المذهب الظاهري، وصاحب المؤلفات الكثيرة في الفنون المختلفة.

ولد سنة 384 في قرطبة لأسرة من العلماء والوزراء من أصلٍ فارسي من موالي يزيد بن أبي سفيان بن حرب الأموي رضي الله عنه المعروف بيزيد الخير، نائب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب على دمشق.

وكان والده أبو عمر أحمد بن سعيد وزيراً في الدولة المنصور بن أبي عامر، محمد بن عبد الله المتوفى سنة 392، ومن أهل العلم والأدب والخير، وكان من بلغاء عصره، قال أحمد بن رشيق الكاتب: كان الوزير أبو عمر بن حزم يقول: إني لأعجب ممن يلحن في مخاطبة، أو يجىء بلفظة قلِقَة في مكاتبة، لأنه ينبغي له إذا شك في شيء أن يتركه ويطلب غيره، فالكلام أوسع من هذا. وهذا لا يقوله إلا المتبحر الواسع العلم. وقال ابنه علي: أنشدني الوزير أبي في بعض وصاياه لي:

إذا شئت أن تحيا غنيا فلا تكن ... على حالة إلا رضيتَ بدونها

ووزر والده للمنصور ثم لابنه المظفر، وتوفي سنة 402، رحمه الله تعالى.

نشأ ابن حزم في تنعم ورفاهية، وسمع الحديث في سنة 400 وما بعدها على عدد من محدثي الأندلس، واتجه أولاً للأدب والأخبار والشعر ومهر فيها، ولكنه أقبل على العلم وتفرغ للفقه في سنة 410 لحادثة جرت معه ورواها، وذلك أنه شهد جنازة لرجل كبير من إخوان أبيه، فدخل المسجد قبل صلاة العصر والخلق فيه، فجلس ولم يركع، فقال له أستاذه الذي رباه بإشارة أن قم فصل تحية المسجد، فلم يفهم، فقال له بعض المجاورين له: أبلَغتَ هذه السن ولا تعلم أن تحية المسجد واجبة؟ وكان قد بلغ حينئذٍ ستة وعشرين عاماً، قال: فقمت وركعت، وفهمت إذاً إشارة الأستاذ إلى بذلك. قال: فلما انصرفنا من الصلاة على الجنازة إلى المسجد مشاركةً للأحباء من أقرباء الميت، دخلت المسجد فبادرت بالركوع فقيل لي: اجلس اجلس، ليس هذا وقت صلاةٍ، فانصرفت عن الميت وقد خزيت ولحقني ما هانت علي به نفسي، وقلت للأستاذ: دلني على دار الشيخ الفقيه المشاور أبي عبد الله بن دحون، فدلني فقصدته من ذلك المشهد وأعلمته بما جرى فيه، وسألت الابتداء بقراءة العلم واسترشدته، فدلني على كتاب الموطأ لمالك بن أنس رضي الله عنه،  فبدأت به عليه قراءةً من اليوم التالي لذلك اليوم، ثم تتابعت قراءتي عليه وعلى غيره نحو ثلاثة أعوام، وبدأت بالمناظرة.

وممن ترك أثره في نفس ابن حزم الصالح الزاهد محمد بن إسحاق، كان رجلا صالحاً على طريقة من الزهد محققة؛ وله كلام يدل على إخلاصه وصدق طويته. قال ابن حزم: سمعت أبا عبد الله محمد بن إسحاق بن عبيد الله بن إدريس بن خالد يقول للوزير أبي رحمه الله على سبيل الوعظ في بعض مناجاته إياه: احرص على أن لا تعمل شيئاً إلا بنية، فإنك تؤجر في جميع أعمالك؛ إذا أكلت فانوِ بذلك التقوي لطاعة الله، وكذلك في نومك، وتفرجك، وسائر أعمالك، فإنك ترى ذلك في ميزان حسناتك. قال ابن حزم: وما زلت منذ سمعت ذلك منتفعاً به، كما أني انتفعت بما رويت عن الخليل رحمه الله من قوله: ينبغي للمرء أن يستشعر في أحواله كلها أن يكون عند الله عز وجل من أرفع طبقته، وأن يكون عند الناس من أوسط أهل طبقته، وعند نفسه من أقلهم وأدناهم؛ فبهذا يصل إلى اكتساب الفضائل.

وتولى ابن حزم سنة 414 الوزارة للمستظهر بالله، عبد الرحمن بن هشام بن عبد الجبار، ولكنها وزارة لم تطل أيامها فقد ثار عليه المستكفي الأموي، محمد بن عبد الرحمن بن عبيد الله ابن الناصر الأموي، مع طائفة من الغوغاء، وقتله بعد 47 يوماً من توليه الإمارة، ولم تطل أيام المستكفي، فقد أساء الحكم، ومما فعله أن سجنَ ابن حزم، فخلعه أهل قرطبة بعد 17 شهراً فهرب منها ولحق بالثغور حيث أدركته منيته عاجلة سنة 416.

ولعل هذه الاضطرابات قد أدت بابن حزم أن يعرض عن السياسة ويتفرغ لما هو أحب إلى قلبه وأقرب إلى نفسه، فاعتزل المناصب الحكومية وأقبل على قراءة العلوم وتقييد الآثار والسنن، ويُقال إنه في البداية اتجه للتفقه على أصول المذهب الشافعي، ثم اتجه إلى المذهب الظاهري الذي أسسه الإمام داود بن علي بن خلف الأصفهاني، ومن قال بقوله من أهل الأخذ بظاهر النص وعموم الكتاب والحديث دون التمعن في دلالاته ومناسبته، ونفي القياس كله جليِّه وخفيِّه.

وتميز ابن حزم بين فقهاء زمانه بعنايته بعلم المنطق وتطبيقه على مسائل أصول الفقه والفقه، وألف كتاباً في المنطق سماه كتاب التقريب لحدود المنطق حاول فيه تبسيط مسائل المنطق وأورد فيه أمثلة فقهية باللغة العامية، وأثار هذا استهجان جمهرة عريضة من العلماء لأسباب مختلفة، فمنهم من يستهجن علم المنطق لكونه يستند إلى أقوال فلاسفة اليونان وأولهم أرسطو، ومنهم من يعتبر بدعة أن يستخدم المنطق اليوناني في أصول الشريعة واستنباط الأحكام، وساهم في تفاقم الأمر أن ابن حزم تولى الدعوة للمذهب الظاهري في الأندلس وهي البلد التي لم تعرف التنوع المذهبي منذ دخلها مذهب الإمام مالك على يد الكبار من تلاميذه، وأضف إلى ذلك كله أن ابن حزم رحمه الله كان على ملكاته العظيمة لا يتردد في قول ما يراه حقاً وبأصرح العبارات وأشد التعابير، لا يعرف التعريض والتلميح، وكان هناك جانب سياسي في الأمر وهو تشيعه لأمراء بني أمية ماضيهم وباقيهم بالشرق والأندلس، واعتقاده لصحة إمامتهم وانحرافه عن سواهم من قريش.

فاجتمعت هذه العوامل لتجعل من ابن حزم وفقهه أمراً لا يرحب به في أوساط الفقهاء والعلماء في الأندلس، قال أبو العباس ابن العريف، أحمد بن محمد بن موسى الصنهاجي الأندلسي، المتوفى بمراكش سنة 536: كان لسان ابن حزم المذكور وسيف الحجاج بن يوسف شقيقين. وإنما قال ذلك لأن ابن حزم كان كثير الوقوع في الأئمة المتقدمين والمتأخرين، لم يكد يسلم منه أحد.

ومن الأقوال التي لا يمكن أن يقبلها أهل الأندلس ما قاله ابن حزم في تعليقه على قول من يقول: أجلُّ المصنفات: الموطأ. فرد على ذلك وجعل الموطأ في آخر هذه المصنفات فقال: بل أولى الكتب بالتعظيم صحيحا البخاري ومسلم، و صحيح ابن السكن، ومنتقى ابن الجارود، والمنتقى لقاسم بن أصبغ، ثم بعدها كتاب أبي داود، وكتاب النسائي، والمصنف لقاسم بن أصبغ ، ومصنف أبي جعفر الطحاوي، ومسند البزار، ومسند ابني أبي شيبة، أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، وأبو الحسن عثمان بن محمد بن أبي شيبة، ومسند أحمد بن حنبل، ومسند إسحاق، ومسند الطيالسي، ومسند الحسن بن سفيان، ومسند ابن سنجر، ومسند عبد الله ابن محمد المسندي، ومسند يعقوب بن شيبة، ومسند علي بن المديني، ومسند ابن أبي غرزة، وما جرى مجرى هذه الكتب التي أفردت لكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم صرفا، ثم الكتب التي فيها كلامه وكلام غيره مثل مصنف عبد الرزاق، ومصنف أبي بكر بن أبي شيبة، ومصنف بقيِّ بن مخلد، وكتاب محمد بن نصر المروزي، وكتاب ابن المنذر الأكبر والأصغر، ثم مصنف حماد بن سلمة، وموطأ مالك بن أنس، وموطأ ابن أبي ذئب، وموطأ ابن وهب، ومصنف وكيع بن الجراح، ومصنف محمد بن يوسف الفريابي، ومصنف سعيد بن منصور، ومسائل أحمد بن حنبل، وفِقْهِ أبي عبيد، وفِقْهِ أبي ثور.

وأثار عليه حفيظة الفقهاء إزراؤه بسحنون الفقيه المالكي الكبير صاحب المدونة في الأبيات التالية:

أنائم أنت عن كتب الحديث وما ... أتى عن المصطفى فيها من الدين

كمسلم والبخاري اللذين هما ... شدا عرى الدين في نقل وتبيين

أولى بأجر وتعظيم ومحمدة ... من كل قول أتى من رأي سحنون

يا من هدى بهما اجعلني كمثلهما ... في نصر دينك محضا غير مفتون

والأبيات التالية تعبر عن تحديه لمناظريه ومناوئيه، وتأمل البيت الأخير:

قالوا تحفَّظ فإن الناس قد كثرت ... أقوالُهم وأقاويل الورى محنُ

فقلت: هل عيبهم لي غير أني لا .... أقول بالرأي إذ في رأيهم فتن
وأنني مولع بالنص لست إلى ... سواه أنحو ولا في نصره أهِنُ
لا أنثني لمقاييس يقال بها ... في الدين بل حسبي القرآن والسنن
يا برد ذا القول في قلبي وفي كبدي ... ويا سروري به لو أنهم فطنوا
دعهم يعضوا على صم الحصى كمدا ... من مات من قوله عندي له كفن

وكان ابن حزم يعتقد أن سبب ما يعانيه كونه محسوداً من قومه، فلو كان غريباً لأحلوه بين ظهرانيهم بالترحاب والتقدي، وعبر عن ذلك في قصيدة يخاطب بها قاضي الجماعة بقرطبة عبد الرحمن بن بشيرٍ يفخر فيها بعلمه ويتمنى الرحيل إلى العراق حيث يعرف فضله وينشر عرفه:

أنا الشمس في جو السماء منيرةً ... ولكن عيبي أن مطلعي الغرب

ولو أنني من جانب الشرق طالع ... لجد على ما ضاع من ذكرى النهب

ولى نحو أكناف العراق صبابة ... ولا غرو أن يستوحش الكلف الصب

فإن نزل الرحمن رحلي فيهم ... فحينئذٍ يبدو التأسف والكرب

فكم قائلٍ أغفلته وهو حاضر ... فأطلب ما عنه يجيء به الكتب

هنالك تدرى أن للبعد غصةً ... وأن كساد العلم آفته القرب

فواعجبا من غاب عنهم تشوقوا ... له ودنو المرء من دارهم ذنب

وإن مكاناً ضاق عنى لضيق ... على أنه فيح مذاهبه سهب

وإن رجالاً ضيعوني لضيع ... وإن زماناً لم أنل خصبه جدب

ولكن لي في يوسفٍ خير أسوةٍ ... وليس على من بالنبي ائتسي ذنب

يقول مقال الحق والصدق إننى ... حفيظ عليم ما على صادقٍ عتب

وتصدى لمناظرته في حياته عددٌ من علماء الأندلس من أبرزهم الإمام المحدِّث أبو الوليد الباجي، سليمان بن خلف التجيبي القرطبي المتوفى سنة 474 عن 71 عاماً، وكان من أصل فقير وعمل حارساً ليلياً في مقتبل حياته يدرس على ضوء المشاعل، وجرت بينهما مناظرة فلما انقضت قال الفقيه أبو الوليد: تعذرني فإن أكثر مطالعتي كان على سُرُج الحراس، فقال ابن حزمٍ: وتعذرني أيضاً، فإن أكثر مطالعتي كانت على منائر الذهب والفضة! أراد - وهو محقّ- أن الغِنى أضيعُ لطلب العلم من الفقر.

ورغم كونه قد حصل من علوم الشريعة ما لم ينله أحد قط بالأندلس قبله، وصنف المصنفات الكثيرة الفريدة، فقد آل الأمر أن حاربه الفقهاء حرباً لا هوادة فيها، وبسط عليه حمايته في أول الأمر الوزير أبو العباس أحمد بن رشيق، المتوفى بعد سنة 440 عن سن متقدمة، ولكن ابن حزم كان يرد على منتقديه بما يضرم نار العداوة بينه وبينهم، فتمالؤوا على بغضه، وأجمعوا على تضليله، وشنعوا عليه، وحذروا سلاطينهم من فتنته، ونهوا عوامهم عن الدنو إليه والأخذ منه، وآلت الأمور إلى أن أقصته ملوك الأندلس فعاد إلى بلده من بادية لَبلَة Niebla غربي أشبيلية، وهنالك كان يختلف إليه أصاغر الطلبة، فيحدثهم ويفقههم، وواظب هو على التأليف والإكثار من التصنيف، ولكن الناس أحجموا عن كتبه، إذ حاربها الفقهاء، وأحرق المعتضد بن عباد بعضها بأشبيلية ومزق علانية، فقال ابن حزم:

فإن تحرقوا القرطاس لا تحرقوا الذي ... تضمنه القرطاس بل هو في صدري

يسير معي حيث استقلت ركائبي ... وينزل إن أنزل ويدفن في قبري

دعوني من إحراق رِقٍّ وكاغِد ... وقولوا بعلم كي يرى الناس من يدري

وإلا فعودوا في المكاتب بَدأة ... فكم دون ما تبغون لله من ستر

كذاك النصارى يحرقون إذا علت ... أكفهم القرآن في مدن الثغر

ولكن ابن حزم لم يعدم من أنصفه وانتصر له، قال معاصره القاضي المؤرخ أبو القاسم الأندلسي، صاعد ابن أحمد المتوفى سنة 462 عن 42 عاماً: كان أبو محمد بن حزم أجمع أهل الأندلس قاطبة لعلوم الإسلام، وأوسعهم معرفة مع توسعه في علم اللسان، ووفور حظه من البلاغة، والشعر، والمعرفة بالسير والأخبار.

وقال تلميذه وصاحبه الحافظ أبو عبد الله الحميدي الأندلسي، محمد بن فتوح المتوفى ببغداد سنة 488 عن 68 عاماً: كان أبو محمد بن حزم حافظاً عالماً بعلوم الحديث وفقهه، مستنبطاً للأحكام من الكتاب والسنة، متفنناً في علوم جمةٍ، عاملاً بعلمه، زاهداً في الدنيا بعد الرياسة التي كانت له ولأبيه قبله في الوزارة وتدبير الممالك، متواضعاً ذا فضائل جمة وتآليف كثيرة في كل ما تحقق به من العلوم، وجمع من الكتب في علم الحديث، والمصنفات، والمستندات كثيراً. وسمع سماعاً جماً. ثم ذكر جملة من أسماء تآليفه ثم قال: وما رأينا مثله في ما اجتمع له مع الذكاء وسرعة الحفظ وكرم النفس والتدين، وكان له في الآداب والشعر نَفَس واسع، وباع طويلٌ.

وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: ما رأيت في كتب الإسلام في العلم مثل المحلى لابن حزم، وكتاب المغني للشيخ موفق الدين ابن قدامة المقدسي، عبد الله بن أحمد المتوفي سنة 620.

قال الإمام الذهبي في السير: أعرض عن تصانيفه جماعة من الأئمة، وهجروها، ونفروا منها، وأُحرِقت في وقت، واعتنى بها آخرون من العلماء، وفتشوها انتقادا واستفادة، وأخذا ومؤاخذة، ورأوا فيها الدر الثمين ممزوجا في الرصف بالخرز المهين، فتارة يطربون، ومرة يعجبون، ومن تفرده يهزؤون. وفي الجملة فالكمال عزيز، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان ينهض بعلوم جمة، ويجيد النقل، ويحسن النظم والنثر وفيه دين وخير، ومقاصده جميلة، ومصنفاته مفيدة، وقد زهد في الرئاسة، ولزم منزله مُكِبَّا على العلم، فلا نغلو فيه، ولا نجفو عنه.

ولابن حزم مصنفات جليلة في مواضيع متعددة، وأورد بعضها هنا مع تبيان مواضيعها كي أبرز متانة علمه وسعة اطلاعه:

فله في الفقه وأصوله: كتاب الخصال الجامعة لجمل شرائع الإسلام في الواجب والحلال والحرام، مجلدان، وشرحه في كتاب الإيصال إلى فهم كتاب الخصال الجامعة لجمل شرائع الإسلام في الواجب والحلال والحرام والسنة والإجماع، أورد فيه أقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة المسلمين، في مسائل الفقه، والحجة لكل طائفة وعليها، وهو أكبر كتبه في خمسة عشر ألف ورقة، وله كتاب الإحكام لأصول الأحكام،  في غاية في غاية التقصي وإيراد الحجج، وكتاب المُجَلَّى، في الفقه مجلد، وكتاب المُحلَّى في شرح المجلى بالحجج والآثار، في ثمان مجلدات حققه العلامة الشيخ أحمد شاكر، كتاب الآثار التي ظاهرها التعارض ونفي التناقض عنها، في عشرة آلاف ورقة، لكن لم يتمه، كتاب ما انفرد به مالك وأبو حنيفة والشافعي، كتاب اختلاف الفقهاء الخمسة مالك، وأبي حنيفة، والشافعي، وأحمد، وداود، كتاب در القواعد في فقه الظاهرية،  ألف ورقة،  كتاب  الإملاء في قواعد الفقه، ألف ورقة أيضا، ورسالة في الغناء الملهي.

وله في الحديث وشرحه: كتاب الجامع في صحيح الحديث،  كتاب الإملاء في شرح الموطأ، ألف ورقة، ورسالة في أسماء الصحابة رواة الحديث وما لكل واحد من العدد،

وله في الفرق والمذاهب والأديان: كتاب الفصل في الملل والنحل، مجلدان كبيران،  كتاب الرد على إسماعيل بن النغريلة اليهودي، الذي ألف في تناقض آيات القرآن، كتاب تبديل اليهود والنصارى للتوراة والإنجيل

وله في الأنساب: كتاب جمهرة أنساب العرب حققه الأستاذ العلامة عبد السلام هارون.

وله في السيرة النبوية والتاريخ: كتاب  السير والأخلاق، مجلدان، كتاب جوامع السيرة، ويسميه الذهبي السيرة النبوية، ورسالة في تسمية من روي عنهم الفُتيا من الصحابة ومن بعدهم على مراتبهم في كثرة الفتيا، ورسالة جُمل فتوح الإسلام، ورسالة في أسماء الخلفاء المهديين والأئمة أمراء المؤمنين.

وله في القراءات: رسالة في القراءات المشهورة في الأمصار الآتية مجئ التواتر.

وله في الأدب وعلم النفس: كتاب طوق الحمامة في الألفة والأُلاف، ورسالة في مداواة النفوس، وفصل في معرفة النفس بغيرها

قال أبو رافع الفضل إنه اجتمع عنده بخط أبيه من تأليفه نحو أربع مئة مجلد تشتمل على قريب من ثمانين ألف ورقة.

وتذكر لنا كتب التاريخ أن ابن حزم خلف ولدين هما أبو رافع الفضل، وكان ذا أدب ونباهة، وروى عن أبيه وابن عبد البر، وكتب بخطه علماً كثيراً، واستشهد في معركة الزلاقة سنة 479 وهو في جيش المعتمد بن عباد. والولد الآخر هو أبو أسامة يعقوب، وروى كذلك عن أبيه، وعن أبي عمر بن عبد البر إجازة، وكان من أهل النباهة والاستقامة، وولد سنة 440 وتوفي سنة 503.

وقد كتب عنه كثيرون في العصر الحديث، فكتب الأستاذ العلامة محمد أبو زهرة رحمه الله كتابه: ابن حزم: فقهه وآراؤه، وذلك ضمن السلسلة التي كتبها عن أئمة الفقه الإسلامي، وكتب الدكتور عبد الحليم عويس: ابن حزم الأندلسي وجهوده في البحث التاريخي والحضاري، وحقق الأستاذ العلامة المحقق سعيد الأفغاني رحمه الله، ترجمة له بتحقيقه مستلَّة من سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي، حيث ترجم له الذهبي ترجمة ضافية جداً، ونشرت في مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق سنة 1941 م.

كان ابن حزم شاعراً مطبوعاً يقول الشعر على البديهة وبسرعة، وله شعر كثير جمعه تلميذه أبو عبد الله الحميدي:

هل الدهر إلا ما عرفنا وأدركنا ... فجائعه تبقى ولذاته تفنى

وإذا أمكنت فيه مسرة ساعةٍ ... تولت كمر الطرف واستخلفت حزنا

إلى تبعاتٍ في المعاد وموقفٍ ... نود لديه أننا لم نكن كنا

حصلنا على همٍّ وإثمٍ وحسرةٍ ... وفات الذي كنا نلذ به عينا

حنينٌ لما ولى وشغل بما أتى ... وغمٌّ لما يرجى فعيشك لا يهنا

حصلنا على هم وإثم وحسرة ... وفات الذي كنا نلذ به عنا

كأن الذي كنا نُسرُّ بكونه ... إذا حققته النفس لفظٌ بلا معنى

وله:

مُنايَ من الدنيا علومٌ أبثها ... وأنشرها في كل بادٍ وحاضر

دعاءٌ إلى القرآن والسنن التي ... تناسى رجالٌ ذكرها في المحاضر

وألزم أطراف الثغور مجاهدا .... إذا هيعة ثارت فأول نافر
لألقى حمامي مقبلا غير مدبر ... بسمر العوالي والرقاق البواتر
كفاحا مع الكفار في حومة الوغى ... وأكرم موت للفتى قتل كافر
فيا رب لا تجعل حمامي بغيرها ... ولا تجعلني من قطين المقابر

ومن شعره:

أقمنا ساعة ثم ارتحلنا ... وما يغني المشوق وقوف ساعه

كأن الشمل لم يكُ ذا اجتماع .... إذا ما شتت البينُ اجتماعه

ومن نثره يصف الأندلس: أرضها شامية في طيبها، تهامية في اعتدالها واستوائها، أهوازية في عظم خراجها وجبايتها، عدنية في منافع سواحلها، صينية في معادنها، هندية في عطرها وطيبها وذكائها. وأهلها عرب في الأنساب والعزة والأنفة، وفصاحة الألسن، وطيب النفوس وإباء الضيم، وقلة احتمال الذل والإهانة، والنزاهة عن الخضوع؛ هنديون في فرط عنايتهم بالعلوم وحبهم لها؛ بغداديون في ظرفهم ونظافتهم، ورقة أخلاقهم ونباهتهم، ولطافة أذهانهم وحدة أفكارهم؛ نبطيون في استنباط المياه، معاناتهم للغراسة وتركيب الشجر والفلاحة؛ صينيون في إتقان الصنائع العلمية، وإحكام المهن الصورية؛ تركيون في معاناة الحروب ومعالجة آلاتها، والنظر في مهماتها.