سطور من حياة الداعية الرباني عمر التلمساني (14)

سطور من حياة الداعية الرباني

عمر التلمساني (14)

بدر محمد بدر

[email protected]

وفي عام 1976 قدم الشيخ المجاهد صالح عشماوي (وكيل جماعة الإخوان والرجل الثاني في عهد الإمام الشهيد حسن البنا) مجلة "الدعوة", التي حافظ على ترخيص صدورها منذ الخمسينيات, إلى الجماعة من جديد فصدرت أول كل شهر عربي, ونجحت في إيصال مواقف القيادة إلى عموم الإخوان المسلمين, ليس في مصر فقط, بل وفي العالم أيضاً, واستطاعت أن تحسن صورة الجماعة جزئياً, بعد أن شوهتها وسائل الإعلام الرسمية على مدى أكثر من ربع قرن.

ومنذ الأعداد الأولى كان شعار الإخوان المسلمين (المصحف بين سيفين متقاطعين وتحته كلمة "وأعدوا") أحد العلامات البارزة والدائمة على غلاف المجلة, وألزمتها شهرية الصدور بالاعتماد أكثر على المقالات, سواء السياسية أو الثقافية أو التاريخية أو التربوية أو الاجتماعية, وساهم الأخ العزيز والزميل الكريم الأستاذ محمد عبد القدوس وزملاء آخرون, منذ الأعداد الأولى في إضفاء الأجواء الصحفية على المجلة, خصوصاً بعد فترة من الصدور والانتشار.

يقول الأستاذ عمر " .. لم يكن العاملون في مجلة الدعوة فنيين ولا صحفيين متخصصين, بل كانت تقوم على أكتاف شباب كلية الاعلام المتخرجين فيها, والذين لايزالون في دور الطلبة, وكنا نجتمع مساء كل يوم أحد, لنراجع العدد الماضي, وما فيه من أخطاء وتقصير, وماينقصه من أبواب وتجديد, ومع ذلك فقد انفردت بأنها المجلة التي لا مرتجع لها, إلا بفعل عوامل لاتخفى علينا, وهذا المرتجع كان ضئيلاً لا يقام له وزن.. لقد كان كل العاملين في مجلة الدعوة شباباً, عداي (الأستاذ عمر) والحاج مصطفى مشهور (رحمه الله) والمرحوم الحاج صالح عشماوي (توفي في 12 / 1983) صاحب الترخيص ورئيس التحرير.. وكانت المناقشات عند اختلاف الرأي, تدور في جو هادئ, وكنت أنصت لأتعلم, إذ ليس لي بالصحافة خبرة, وما كنت أتدخل إلا إذا طال الجدل لأضع له حداً.."

بدأت مجلة الدعوة في شقة صغيرة في ميدان السيدة زينب (مكتبة الآن), ثم انتقلت في عام 1978 إلى شقة أوسع في أول شارع سوق التوفيقية بوسط القاهرة, وكانت تطبع ما بين الخمسين والستين ألفاً شهرياً, وكان المرتجع لايزيد كثيراً عن الألف نسخة, وفي إحدى زيارات الأستاذ عمر للكاتب الكبير إحسان عبد القدوس ـ كما أخبرني الأستاذ محمد عبد القدوس ـ سأل الأستاذ عمر: هل من الطبيعي أن يصل المرتجع إلى ألف نسخة في العدد الواحد (أي نحو 2% من الكمية المطبوعة) فعبر الأستاذ إحسان عن دهشته لتواضع الرقم, لافتا إلى أن المجلة الناجحة تصل نسبة المرتجع فيها ما بين 20: 25% من إجمالي المطبوع, فاستراح الأستاذ عمر كثيرا!.

كانت وسائل الإعلام المحلية والدولية تترقب صدور الجديد من مجلة الدعوة, وكانت هيئة الإذاعة البريطانية ـ القسم العربي ـ عادة ماتنقل خبراً أو تلقي الضوء على موقف من المواقف التي تعبر عنها المجلة, كأن تقول: أعلن الإخوان المسلمون كذا... أو رفض أو انتقد أو كشف... الخ, وفي إحدى هذه المرات, علق الأستاذ عمر في جلسة مجلس التحرير, وكنت أحد شهودها, قائلاً: "لو عرف هؤلاء الذين يكتبون عن مجلة الدعوة ويتحدثون عن قوة تأثيرها في مصر والخارج, وتتصدر موضوعاتها الأخبار والعناوين, أن هذا العدد البسيط (حوالي العشرة أفراد) هو الذي يصنع كل هذا, لما صدقوا, ولعبروا عن دهشتهم, ولكنه الإخلاص والصدق, الذي يرزقه الله لأحدنا, حتى ولو كان هذا الأخ الساعي الذي يقدم لنا الماء البارد والمشروبات الساخنة, فليكتب الله كل هذا التأثير لهذه المجلة".

كان قراء مجلة "الدعوة" ينتمون في معظمهم إلى شرائح ثلاث من المجتمع المصري:

1 ـ الإخوان الحاليون الذين يتواصلون عبرها مع القيادة والفكر والمنهج والرابطة التنظيمية, ويتلقون التوجيهات ويستفيدون من الموضوعات المنشورة, في دينهم ودعوتهم وحركتهم.   

2 ـ  الإخوان السابقون الذين ابتعدوا عن الجماعة لأسباب أمنية أو سياسية أو اجتماعية, بينما لاتزال جذوة الحب لدعوة الإخوان تشتعل في صدورهم, ويسعون للارتباط بها والانتماء لها حتى ولو كانت المرحلة الأولى شراء المجلة واستعادة ذكريات زمن مضى وترقب حاضر يتشكل.   

3 ـ  جيل جديد من الشباب, تفتحت أمامه بعض أبواب الحرية, وبدأ يبحث عن الطريق من خلال الواقع, خصوصاً أن الجامعات المصرية في ذلك الوقت, تولد فيها تيار إسلامي طلابي قوي, يحتاج إلى التوجيه والنصح والاحتضان الدعوي.

وشكل مقر مجلة الدعوة, خصوصا في مرحلة سوق التوفيقية, مكاناً مهماً لالتقاء الإخوان من داخل مصر ومن الخارج أيضا, كما شكل نافذة إعلامية لعرض آراء وأفكار الجماعة, وإجراء الحوارات الصحفية والإذاعية والتلفزيونية مع القيادة من مختلف أرجاء المعمورة, ليس هذا فقط, بل استقبل الأستاذ عمر التلمساني فيه العديد من المسئولين السياسيين والدبلوماسيين الأجانب, الذين حرصوا على التعرف على مواقف الإخوان في القضايا السياسية والدولية, خصوصاً في مرحلة مابعد كامب ديفيد.