مجلة الأزمنة العدد 262

شمس الدين العجلاني

شمس الدين العجلاني*

[email protected]

وقعت جريدة المنار الجديد لصاحبها بشير العوف في عام 1955 بأيدي القضاء؟ وقيل حينها إن كلاً من وزير العدلية علي بوظو والزعيم الوطني خالد العظم تدخلا في مجريات القضية، مما دعا المجلس النيابي آنذاك لإثارة هذه القضية، وقام عدد من أعضاء المجلس باتهام علي بوظو بالتدخل بالقضاء، في حين رد الوزير هذه التهمة وقال إن الذي تدخل هو خالد العظم؟ 

 أركان الحكاية: هم علي بوظو.. خالد العظم.. جريدة المنار وصاحبها.. المجلس النيابي. 

علي بوظو

هو علي ابن عبد الوهاب بوظو، من الأسر الكردية الشهيرة في حي الأكراد بدمشق، ومعنى بوظو بالكردية الأبيض كالثلج، ولد بدمشق عام 1916 تلقى علومه في مدارس التجهيز والكلية العلمية الوطنية ومعهد الحقوق العربي بدمشق ويحمل من الشهادات البكالوريا الأولى بفرعيها العلمي والأدبي والبكالوريا الثانية (فرع الفلسفة)، زاول المحاماة مدة ثم تعاطى الزراعة وقد برزت مواهبه في الخطابة منذ أن كان طالباً فتزعم حركة الطلاب وترأس لجنتهم ضد المستعمر ووقف مع رفاقه الطلاب في وجه كل تهاون بمطالب البلاد القومية وقد لاقى في سبيل ذلك الاضطهاد والسجن حتى أنه قد دخل السجن في سنة واحدة عشرات المرات وعمل أثناء ذلك مع الزعيم الدكتور الشهبندر وكان أصغر عضو في الهيئة الإدارية العل يا للحزب الذي شكله الشهبندر، كما كانت له في الميادين العامة في ذلك الوقت لاسيما في عام 1938 وما بعده جولات هامة وخطب قوية إذ عُرف أنه إلى جانب قيادته للطلاب والشباب كان خطيبهم المفوّه وكان أن عمل بجرأة وقوة في المعارضة ضد الحكم القائم آنذاك وكانت معارضته ترمي إلى البناء وتصحيح الأوضاع الفاسدة، ساهم في تأسيس حزب الأحرار وانتخب أميناً عاماً له كما أنه ترأس تحرير الجريدة التي أصدرها هذا الحزب ناطقة باسمه، وعندما حصلت مفاوضات مع هذا الحزب للدخول كمؤسس في حزب الشعب، حضر مندوباً عنه في المؤتمر وألغي حزب الأحرار وولد حزب الشعب عام 1924 فكان من مؤسسيه، وانتخب عضواً في المكتب التنفيذي للحزب، كما انتخبه هذا المكتب أميناً عاماً له، وكذلك ترأس تحرير الجريدة التي أصدرها حزب الشعب باسمه ولما حدث الانقلاب الذي قام به حسني الزعيم طلب منه أن يكون وزيراً مفوضاً ومندوباً فوق العادة للعراق فرفض ولكنه قبل خدمة الفكرة الانقلابية وأن يكون مستشاراً سياسياً مع أكرم الحوراني للزعيم، ولما رأى أن الزعيم بدأ ينحرف عن الخطة الموضوعة وعن أهداف الانقلاب الأساسية تخلّى عنه بعد مدة قصيرة.. تقلّد علي بوظو خلال أعوام 1951 و1954 و1958 و1960 و1962 و1963م عدداً من الوزارات فكان خلالها وزيراً للداخلية، وللعدلية، وللاقتصاد الوطني، وللزراعة، كما كان عضواً في الجمعية التأسيسية عن دمشق عام 1928، وفي المجلس النيابي عام 1954 أيضاً. 

خالد العظم

من أكثر رجالات السياسة جدلاً وشهرة في الوطن العربي، هو رجل دولة وداهية سياسة، جاهد وناضل منذ نعومة أظفاره، فكتب زهاء نصف قرن من تاريخ سورية وتاريخ العرب الحديث.. حكم في سورية وزيراً ورئيساً للوزراء ونائباً وسفيراً ورجل اقتصاد بامتياز، وكاد يدخل قصر الرئاسة في المهاجرين.. والده محمد فوزي السياسي العريق، ولد خالد العظم بدمشق في 6 تشرين الثاني 1903م، أسرته من الأسر الدمشقية الارستقراطية العريقة في الحكم، من المُرجح أن أصولها تركية من عشائر قونيه، اعتنق الأفكار الاشتراكية، وكان قد درس في دمشق والآستانة، وتخرج من جامعة دمشق عام 1923، في مجال القانون، تنقل في مناصب حكومية ووزارية كثيرة جداً، فكان وزيراً للعدلية والخارجية عام 1939، ورئيساً لمجلس الوزراء ووزيراً للداخلية عام 1941،وخلال هذه الوزارة صدر قرار المفوض السامي رقم 70 ل.ر تاريخ 2-4-1941 يتضمن: (لرئيس الحكومة بعد استطلاع رأي مجلس الشورى إصدار مراسيم لها قوة القانون)،وخلال الفترة من عام 1943 إلى عام 1956 تقلد عدة مرات وزارات المالية والدفاع الوطني والاقتصاد الوطني والعدلية والخارجية ورئاسة مجلس الوزراء.. وآخر منصب وزاري تقلده قبل أن يغادر سورية كان رئيساً لمجلس الوزراء عام 1962،وانتهت هذه الحكومة يوم الثامن من آذار عام 1963، فهرب إلى بيروت وأُسقطت حقوقه المدنية وصُودرت أملاكه الشاسعة.. وتوفي ودفن فيها يوم الخميس 18 شباط عام 1965م.

جريدة المنار وصاحبها

في شهر تشرين الأول من عام 1949 ميلادي أصدر بدمشق كل من بشير العوف وعدنان مصطفى جريدة المنار الجديد وعُهد إلى بديع لؤلؤ بإدارتها وإلى ممدوح الحافظ بتحريرها، وهي جريدة يومية سياسية مستقلة، وكان مكتب إدارة الجريدة يقع في شارع السنجقدار بدمشق، ثم عادت ملكية الجريدة إلى بشير العوف فكان صاحبها ورئيس تحريرها. استقطبت الجريدة العديد من الكتاب والصحفيين المرموقين آنذاك، منهم الشاعر عمر بهاء الدين الأميري الذي عمل لفترة محرراً بالجريدة، كما كان من كُتابها المحامي المعروف صلاح الدين كديمي.. وبشير العوف هو: هو ابن حمدي العوف الشاعر والكاتب وأحد أعلام الصحافة السورية، ولد في دمشق، عام 1917 أو 1918م وتلقى علومه في دمشق وبيروت، عمل في عدد من الصحف السورية، فكان مديراً مسؤولاً لجريدة "الأيام"، وفي عام 1946 كان مديراً مسؤولاً في جريدة "المنار"، وفي عام 1949 أصدر جريدته "المنار الجديد"، وفي عام 1950 أصدر جريدته "المساء"، كما درس في عدد من المعاهد والجامعات العربية، ونال العديد من الجوائز الأدبية (الجائزة الأولى في مسابقة الملك فاروق للصحافة 1950، ووسام الكوماندوز من ملك المغرب 1958، وشهادة تقدير من مجلس اتحاد الصحفيين بسورية 1992، عمل في حقل الصحافة حتى 1963، ثم تفرغ للقراءة والكتابة والعمل في المؤسسات العلمية والفكرية، ترك لنا عدة آلاف من المقالات والدراسات في السياسة والأدب والفكر الإسلامي، وعدداً ضخماً من المقالات الإذاعية وأكثر من عشرين مؤلفاً وخمسة دواوين شعرية: (اشتراكيتهم وإسلامنا - تعاليم الإسلام بين الميسرين والمعسرين- ثمالات الندى - سنابل الحنين - همس الغروب - بائسة - قطوف المعرفة - زوجة المشير). اضطره وضعه السياسي إلى حمل جوازات لبنانية, وأردنية, وسعودية، وكانت ابنته مؤمنه تجيد الشعر في وقت لم تستطع النساء نشر نتاجهن الأدبي فأصدرت أول ديوان شعر لها (شراع بلا مرسى) باسم مستعار هو (سلافه العامري)، توفي بشير العوف في جدة من عام 1994م.

المجلس النيابي

في عام 1955، قام وزير العدلية علي بوظو في زمن حكومة فارس الخوري بإجراءات عقابية تجاه جريدة المنار الجديد التي كان يصدرها بشير العوف، ونظراً لما تتمتع به هذه الجريدة ورئيس تحريرها من مصداقية ورصيد شعبي كبير، أديا إلى طرح هذه القضية تحت قبة البرلمان، ففي إحدى جلسات المجلس النيابي في شهر كانون الثاني من عام 1955، في زمن رئاسة المجلس من قبل ناظم القدسي وبعد أن انتهت جلسة المجلس النيابي التي اتهم بها علي بوظو بأنه تدخل بالقضاء لمحاربة جريدة "المنار" وحمله على الحكم عليها، اجتمع بعدد من أصدقائه وأخذ يعلن لهم بصورة خاصة بطلان هذه التهمة التي وجهها النواب إليها.. فقال: (إنه يتحدى كل من يدّعي بأنه تدخل مرة في القضاء لمصلحة جهة من الجهات، وقال إن التدخل في القضاء يعدّ مخالفة دستورية صريحة، فالقضاء مستقل والقضاة مرتبطون بمجلس القضاء الأعلى، ولا سلطان لي عليهم. 

وتابع وزير العدلية بوظو بالقول لأصدقائه: (إني بالحقيقة أعتبر صفراً على الشمال في وزارة العدلية، فما فكرت في يوم بالتدخل في أمر القضاء بقضية من القضايا، ولا يمكن أن أفكر بذلك، وأستطيع أن أقول إنني منذ توليت وزارة العدلية حتى اليوم ما طلبت من نائب عام أن يحرك دعوى، مع العلم أن النواب العامين مرتبطون بالوزير أو بالأحرى يمثلون الوزير... ولذلك فإن التهمة بأني أتدخل بالقضاء ليست تهمة بسيطة، بل هي مخالفة دستورية صريحة، وأنا لا يمكن أن أرتكبها مهما كانت الدواعي ومهما كانت الأسباب، وأتحدى كل من يتّهمني بذلك.) ويبدو أن أصابع الاتهام لبعض النواب والعاملين في مجال الصحافة آنذاك أشارت إلى الزعيم الوطني خالد العظم وبأنه وراء الإجراءات في توريط جريدة المنار الجديد، وقيل حينها إن الذي تدخل في هذه القضية هو خالد العظم الذي استدعى القاضي الذي تحت يديه قضية الجريدة وهو ابن عمه وطلب منه التدخل ضد مصلحة جريدة "المنار" وإدانة الجريدة وصاحبها بشير العوف. 

ولكن كل ذلك لم يفسد للود قضية لأن الوزير علي بوظو كان صديقاً دائماً للصحفيين حسب قول عادل أبو شنب:(كان وزير الداخلية المرحوم علي بوظو يستقبلني قبل أي مسؤول كبير من طلاب لقائه. كان يعطيني رؤوس أقلام الافتتاحية، وكثيراً ما كتبت افتتاحيات أسقطت وزارات).

                

* صحفي وكاتب