الشهيد محمد أمجد سراقبي

من شهداء الشباب في انتفاضة الثمانين

يحيى بشير حاج يحيى

[email protected]

أن تعرف مدينة برجل عظيم فكثيرة هي تلك المدن، أما أن تعرف برجال عديدين زادوا على العشرات والمئات، فتلك مدينة لا تقاس بغيرها. وإلى أيهم نسبته عرفت المدينة، إنه من بلدة أبي الفداء، وعرين الشهداء: حماة.

ولد في عام ١٩٦١، وتجرع مرارة اليتم ولما يتجاوز الأربعين يوماً وبي ربوعها وفي أفياء مساجدها ترعرع، وفي الظلال الحانية لعلمائها وشبابها الإسلامي نشأ.

هو تلميذ الصف الأول الثانوي الذي يخترع جهازاً للتشويش، ويبتكر جهازاً يلتقط المكالمات اللاسلكية بين أجهزة القمع، إن أبصرته أبصرت فتىً ذا أدب رفيع وبيان واضح، أعانه على ذلك حفظ كتاب الله.

تشعر وأنت تتفرس في وجهه أنك أمام رجل- وأي رجل- لم تستطع إبتسامته الطفولية البريئة أن تخفي ملامح قيادة مبكرة، وفكر ثاقب.

إن نظرت إليه رأيت فتىً ما تجاوز العشرين، وهل كان أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلا فتياناً وشباباً ؟ وهل كان كثير من قادة الفتح إلا شباباً ناهضين ؟

هذا الفتى ذو الوجه الأبيض، والمظهر الهادئ، والخطى الرتيبة، والقامة المعتدلة، إن أردت أن تحدد شخصيته وجدت فيه التوازن، لين بلا ضعف، وكبرياء بلا غرور، وقوة بلا طيش، لسان بليغ، وقول فصيح، وأدب عال رفيع، وعقل مفكر، وذهن وقاد، وثقافة ألمت باحتياجات العصر، وجسم قوي يدرك أنواع الرياضة النافعة، وجنان امتلأ بالإيمان وذاق حلاوته، ونبوغ قل نظيره بين أقرانه، فهو الأول على محافظة حماة في الثانوية العامة، والثالث على سورية.

ذو طموح يرتفع بصاحبه ليدفع به- وهو الشغوف باكتشاف المجهول، والإستفسار عن كل ماحوله- إلى مزيد المعرفة النافعة.

لقد خولته الدرجات العالية التي حصل عليها الدخول في أرفع الفروع العلمية في الجامعة- وهو يعرف كيف يختار- فتقدم " لمعهد الأبحاث التكنولوجية في دمشق" وتوقع أن يكون من أوائل المقبولين، ولكنه فوجيء كما فوجيء الآخرون برفض الطلب لأنه غير منتم لحزب السلطة الحاكم، غير أنه اجتاز كل العقبات بعزيمة الواثق وبصيرة المؤمن، ودخل فرع الهندسة الكهربائية، ففيه إشباع لميوله ونفع لأمته.

ويبقى التوازن سمة في حياة الفتى: توازن بين الهواية والدراسة، وبين العبادة والرياضة، وثقافة المسموع والمقروء، لو أردت أن تقيس عمله إلى كلامه لوجدتهما في كفتين متعادلتين، يزينهما إخلاص وفهم واضح لفكرته.

وفي آذار "مارس" وفي محنة التمشيط التي أرادها الطاغية إرهاباً للشعب، وترويعاً للآمنين، اعتقل أمجد مع من اعتقل وما أكثر الأسباب التي يختلقها المجرمون للإعتقال: تشابه في اللقب، أو لحية خفيفة تزين وجه شاب أو قامة مديدة وزنود مفتولة، أو وجه يترقرق فيه الإيمان، أو كتاب تفوح من ثناياه دعوة للحق، وتنديد بالباطل، أو تفسير أنيق وضعه صاحبه على رف من رفوف مكتبته.

ويبقى "أمجد" يومين كاملين تحت سياط التعذيب: ويفرج المجرمون عنه، ثم بدا لهم أن يعتقلوه، فينشرون مخبريهم حول بيته وبيوت أقربائه للمراقبة، ويخرج "أمجد" من بينهم وهو يردد:" شاهت الوجوه وعميت الأبصار".

وتمضي أيام عيد الفطر، وتشاء إرادة الله عز وجل أن تزف كوكبة من الشهداء إلى جنان الخلد، ومقام كريم، وتشهد بساتين "حمص" في ١٩٨٠/٨/١٦ معركة بين قوات البغي يدعمها أرتال من العناصر المسلحة أو المغرر بها، وبين الحق المدعم بقوة الإيمان، وتستمر من العاشرة مساءً إلى الثانية عشر ظهراً، ولسان حال المجاهدين كما يقول أبو تمام:

فأثبت في مستنقع الموت رجلـــه      

                               وقال لها: من تحت أخمصك الحشر

تردي ثياب الموت حمراً فما أتى 

                                لها الليل إلا وهي من سندس خضر

ولا تسل كيف استشهد أمجد وإخوانه الأربعة، فعند ملائكة البشارة نبأ عن الفتية المؤمنين وهي تردد:

" ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون، نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم، ولكم فيها ماتدعون، نزلاً من غفور رحيم".