(الأم المثالية) أمنة بنت وهب أم الهدى والنور

عزة الدمرداش

[email protected]

متى نصحح فكرتنا الشائعة عن الأنوثة والأمومة العربية قبل الإسلام و أن نضع إلى جانب المرويات الموروثة و ما لحق بها من ظلم ، عسف ، نضع بعض ما تحدثوا به عن منزلتها الرفيعة . و يعنينا هنا أن نلتمس بوجه خاص ضوء الكشف عن خير و أفضل أم أنجبت خير خلق الله على الأرض خاتم الرسل و النبيين عليهم أفضل السلام و ما كان لها أثر في تكوين ولدها الخالد الذي أضاء الله به الكون . هي أمنة بنت وهب بن عبد مناف سيد بني زهرة شرفا و حسبا و نسبا فمازال النبي صلى الله عليه وسلم يعتز بنسبه في حديث رواه أبن عباس رصى الله عنهما : ( لم يزل الله ينقلني من الأصلاب الطيبة إلى الأرحام الطاهرة مصفى مهذبا لا تتشعب شعبتان إلا كنت خيرها إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشا من كنانة و اصطفى قريش من بني هاشم و اصطفاني من بني هاشم فأنا خيار من خيار من خيار ) . أمنة بنت وهب تفتح صباها في مكة في أعز بيئة و أطيب منبت فأجتمع لها من أصالة النسب و رفعة الحسب ما تزهو به في ذاك المجتمع المكي المعتز بشرف الأعراف و كرم الأصول .

 تزوجها عبد الله بن عبد المطلب يوم افتدائه من النحر على نحو يذكر بجده الأعلى إسماعيل و هي يومئذ أفضل امرأة في قريش نسبا و موضوعا ، بقي عبد الله مع عروسه أياما لم يحدد لنا التاريخ عددها و لكنها لم تتجاوز العشرة أيام ؟إذ كان عليه أن يلحق بالقافلة التجارية المسافرة إلى غزة و الشام في عير قريش ، استيقظت العروس من نومها و أقبلت على زوجها تحدثه عن رؤياها (رأت كأن شعاعا من النور ينبثق من كيانها فيضئ الدنيا من حولها و سمعت هاتفا يهتف بها (قد حملت بسيد هذه الأمة ) . ودع عبد الله زوجته أمنة حين أذن المؤذن برحيل القافلة و مضى شهرا لا جديد فيه ألا أن أمنة شعرت بالبادرة الأولى للحمل فأتاها آت بين النوم و السقظة فقال إنك حملت بسيد هذه الأمة و نبيها و ذلك يوم الإثنين تمنت لو طارت البشرى إلى عبدالله . و عادت القافلة و لم يعود عبد الله و أخبروها إن وعكة قد ألمت به و هو في الطريق فبعثت إليه أخاه الحارث كي يصحبه في الطريق و عاد الحارث وحده لينعي أخاه و دفن هناك ، و لبست مكة كلها ثوب الحداد على الشاب الذي كان في ريعان شبابه و أنزل الله السكينة في قلب أمن فطوت أحزانها في أعماقها وقالت : كأنني عرفت سر الذي كان ، إن عبد الله لم يفتد من الزبح عبثا لقد أمهله الله ريثما يودعني هذا الجنين و الذي من أجله يجب أن أعيش . و جاءها المخاض فجر يوم الأثنين من شهر ربيع الأول من عام الفيل سألت قريش شيخها عن أسم حفيده فأجاب أردت أن يكون محمودا في الأرض والسماء . . . ولدا الهدى فالكائنات ضياء و فم الزمان تبسن و ثناء

 الروح و الملا الملائكة حوله للدين و الدنيا بشراء

 و العرش يذهو و الحظيرة تزهي و المنتهى و السدر و العصماء

 ( شوقي )

أحست السيدة أمنة بعد أن وضعت وليدها أن الشطر الأهم من رسالتها قد انتهى بمولد ابنها المبشر بأنه سيد البشر بعد أن انتهت رسالة أبيه عبد الله و أقبلت الأم على صغيرها ترضعه لكن لبن أمنة جف بعد ثلاثة أيام و كانت حليمة السعدية زوجة الحارث بن عبد العزى من هوزان هي مرضعته إلى أن بلغ مقامه في البادية و عادت به السيدة حليمة ألى أم القرى مهد مولده . و قد بذلت الأم أمنة لولدها في تلك المرحلة غاية ما يرجى من عناية و رعاية بما كان لها من أثر جليل في هذه المرحلة من عمر نبي الإسلام حيث يقول بن إسحاق : كان النبي صلى الله عليه وسلم مع أمه في كلاء الله و حفظه ينبته الله نباتا حسنا .

وأثمرت العناية ثمرتها فبدت على محمد صلى الله عليه و سلم بوادر النضج المبكر ورأت فيه أمه عندما بلغ السادسة من عمره مخايل الرجل العظيم الذي طالما وعدت به في رؤياها عندئذ أدركت أنها أن الأوان لكي تحقق رغبة طال انتظارها فحدثت إبنها عن رغبتها في زيارة والده عبد الله و أن يتعرف على أخواله الموجودين بيثرب . و في العودة إلى مكة بعد أن زارات قبر زوجها و في الطريق بين البلدين أحست إنه الأجل المحتوم فنظرت إلى إبنها صلى الله عليه و سلم و قالت : بارك الله فيك من غلام ياابن الذي من حومة الحمام نجا بعون الملك الغلام فورى غداة الضرب بالسهام بمائة من إبل سوام .

ثم أمسكت تستريح ثم همت في حشرجة الإحتضار و زاب صوتها فما تكلمت بعدها أبدا . و كان محمدا صلى الله عليه و سلم أبن السادسة من عمره و عاد إلى مكة وحيدا مضاعف اليتم قد زاق الحزن ورأى بعينبه مشهد الموت في أعز من له . وكذلك سوف تشهد مكة عودة الصبي اليتيم يوم يرجع إليها من دار هجدرته عام الفتح و يدخلها ظافرا منتصرا ليحطم الأصنام و يهتف من أعلى البيت الحرام

 ( الله أكبر ) و تضئ بهذا الدعاء مشارق الأرض و مغاربها ألا تستحق أمنة أن تكون خير أم في الكون أخرجت خيرخلق الله .