نجم الدين أربكان.. البروفيسور الحُجة

نجم الدين أربكان.. البروفيسور الحُجة

نجم الدين أربكان

محمود المنير

مدير تحرير جريدة الحركة/الكويت

[email protected]

توفي أمس الأحد نجم الدين أربكان، أبرز قادة تيار الإسلام السياسي في تركيا وأقوي من تحدى قواعد العلمانية الكمالية المتشددة التي حكمت تركيا منذ أواسط عشرينيات القرن الماضي ، وأول رئيس حكومة إسلامي في تاريخ تركيا عن 84 عاما إثر إصابته بأزمة قلبية، وفقدت تركيا والأمة الإسلامية جمعاء واحدا من أعظم رجالها وقادتها المخلصين

ينحدر البروفيسور نجم الدين أربكان من نسل الأمراء السلاجقة الذين عرفوا في تاريخ تركيا باسم "بني أغوللري "، وكان جدُّه آخر وزراء ماليتهم، وكانت أسرة أربكان تلقَّب بناظر زاده أي ابن الوزير.

ولد أربكان عام 1926 في سينوب، على البحر الأسود وكان طالبا لامعا عرف بتوجهاته الإسلامية منذ أن كان في الجامعة. وفي عام 1948 تخرج من كلية الهندسة الميكانيكية وبدا مسيرته الأكاديمية في العام نفسه قبل أن يمضي عاما في كلية الهندسة بجامعة آخن (ألمانيا).

تربى أربكان في كنف الطريقة النقشبندية برعاية شيخها محمد زاهد كوتكو، وأنشأ عام 1970 بدعم من تحالف طريقته مع الحركة النورسية حزب النظام الوطني الذي كان أول تنظيم سياسي ذا هوية إسلامية تعرفه الدولة التركية الحديثة منذ زوال الخلافة عام 1924.

بدأ أربكان حياته السياسية بعد تخرجه من كلية الهندسة، وأصبح رئيسا لاتحاد النقابات التجارية ثم انتخب عضوا في مجلس النواب عن مدينة قوينة، لكنه منع من المشاركة في الحكومات المختلفة بسبب نشاطه المعادي للعلمانية، وكان تأسيس حزبه أول اختراق جدي لرفض القوى العلمانية المهيمنة له.

وفي عام 1953 أصبح في سن السابعة والعشرين اصغر أستاذ جامعي تركي قبل أن يعود إلى ألمانيا للعمل في احد المصانع، ومع عودته إلى تركيا دخل المجال السياسي عام 1969، وبعد أن رفضه حزب العدالة (السابق على حزب الطريق القويم بزعامة تانسو تشيلر) انتخب نائبا غير مسجل عام 1969.

وفي عام 1970 أنشا حزب النظام الوطني (إسلامي) الذي تم حظره عام 1971 بضغط من الجيش. وفي عام 1972 أسس حزب الإنقاذ الوطني (إسلامي) الذي حصل على 12% من الأصوات في الانتخابات التشريعية عام 1973.

أصبح البروفيسور أربكان نائبا لرئيس وزراء الائتلاف الذي تشكل عام 1974 بين حزب الشعب الجمهوري (اشتراكي- ديمقراطي) بزعامة رئيس الوزراء بولند أجاويد وحزب الإنقاذ الوطني. وبعد انفراط عقد هذا التحالف أصبح شريكا في ائتلاف من أربعة أحزاب بقيادة سليمان ديميريل (1975-1977).

ومثل الكثيرين منع من ممارسة السياسة لمدة عشر سنوات بعد انقلاب 1980. وبعد رفع الحظر عام 1987 أصبح زعيما لحزب الرفاه.

وفي عام 1995 أصبح الرفاه أول حزب في البلاد بحصوله على 21% من الأصوات ليتولى أربكان رئاسة الوزراء في حزيران/يونيو 1996 بفضل تحالفه مع تانسو تشيلر.

وكان نجم الدين أربكان، الذي يتزعم حزب "السعادة" الصغير، تولى رئاسة حكومة ائتلافية عام 1996، لكنه اضطر إلى الاستقالة بعد عام واحد تحت ضغط الجيش، حامي علمانية الدولة، بسبب محاولة حزبه تطبيق الشريعة الإسلامية في الحياة اليومية.

وفي عام 1998 أعلنت المحكمة الدستورية العليا حظر حزبه "الرفاه" بداعي المساس بعلمانية الدولة وحرمت أربكان من حقوقه المدنية.

وفي عام 2002 حكم على البروفيسور أربكان بالسجن لمدة عامين وأربعة أشهر وتم تخفيف العقوبة إلى الإقامة الجبرية في منزله ، ثم عاد أربكان إلى الساحة السياسية في تشرين الأول/أكتوبر الماضي بانتخابه رئيسا لحزب السعادة التي أسسه عام 2001 على أنقاض حزب "الفضيلة" الذي حله القضاء.

إنه نجم الدين قولا وفعلا ..

· إنَّه نجم الدين أربكان الذي شهدت العلاقات التركية العربية أول عملية تقارب حقيقي يوم أن كان نائباً لرئيس وزراء تركيا ثم رئيساً لوزرائها، فقد كان أول شرط له للدخول في ائتلاف حكومي مع حزب العدالة أولاً ثم حزب الشعب الجمهوري ثانياً، ثم مع حزب الوطن الأم ثالثاً أن تُعطى العلاقات العربية التركية أهمية خاصة بحكم ما يربط العرب والأتراك من وشيجة الدين والعقيدة.

· إنَّه نجم الدين أربكان الذي قدَّم في شهر أغسطس من عام 1980م مشروع قانون إلى مجلس النواب التركي يدعو الحكومة التركية إلى قطع علاقاتها مع الكيان الصهيوني.

· إنَّه نجم الدين أربكان الذي أصرَّ على أن تصدر الحكومة التركية احتجاجاً رسمياً ضد إقدام (إسرائيل) على إعلان ضم القدس العربية إلى الكيان الصهيوني وإعلانها عاصمة لإسرائيل.

· إنَّه نجم الدين أربكان الذي قدَّم اقتراحاً بحجب الثقة عن وزير الخارجية التركي آنذاك خير الدين أركمان بسبب سياسته المؤيِّدة للكيان الصهيوني، والمعادية للعرب، وقد نجح أربكان وحزبه في طرد أركمان من وزارة الخارجية التركية.

· إنَّه نجم الدين أربكان الذي كانت ترتفع في كل المهرجانات التي كانت تقيمها الأحزاب التي أسسها هتافات (كهرواولسون إسرائيل) تسقط إسرائيل إلى عنان السماء.

· إنَّه نجم الدين أربكان الذي حاول أثناء رئاسته للحكومة إغلاق المحافل الماسونية وأندية الليونز والروتاري الماسونية.

· إنَّه نجم الدين أربكان، محامي فلسطين في تركيا، الذي كان يقول دائماً:" إن فلسطين ليست للفلسطينيين وحدهم، و لا للعرب وحدهم، و إنما للمسلمين جميعاً".

· إنه نجم الدين أربكان، الذي قاد نصف مليون تركي غاضب في مدينة قونية في شهر أغسطس من عام 1980م، يتقدمهم مجسَّمٌ ضخمٌ لقبَّة الصخرة المشرَّفة، يعلنون تضامنهم مع إخوانهم أهل فلسطين، ويطالبون بقطع جميع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع الكيان الصهيوني، وكانت هذه المظاهرة من أجل فلسطين سبباً في قيام جنرالات العلمانية بانقلاب عسكري وسجن أربكان، ومنع النشاط الإسلامي في تركيا.

· إنه نجم الدين أربكان الذي طالب نواب حزبه (حزب السلامة) في 27-3-1974م تحت قبة البرلمان، ولأول مرة في تاريخها بتحريم الماسونية في تركيا وإغلاق محافلها.

فى السياق : من أقوال البروفيسور أربكان"

"إن أمتنا هي أمة الإيمان والإسلام، ولقد حاول الماسونيون والشيوعيون بأعمالهم المتواصلة أن يُخرِّبوا هذه الأمة ويفسدوها، ولقد نجحوا في ذلك إلى حد بعيد، فالتوجيه والإعلام بأيديهم، و التجارة بأيديهم، و الاقتصاد تحت سيطرتهم، وأمام هذا الطوفان، فليس أمامنا إلا العمل معاً يداً واحدة، و قلباً واحداً، حتى نستطيع أن نعيد تركيا إلى سيرتها الأولى، و نصل تاريخنا المجيد بحاضرنا الذي نريده مشرقاً".

رحمه الله رحمه واسعة وسلام الله عليه في الخالدين ....