الشيخ أحمد الحصري (5)

أدب العالم الربانّي (*)

"الشيخ أحمد الحصري(5)" رحمه الله تعالى

يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، وصلاة وسلاماً تامين دائمين على من علمَّ البشرية الأدب فكَمُلَ أدبه وعظم خلقه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

قال الله تعالى   " ... قوا أنفسكم وأهليكم نارا ... " التحريم الآية 6 ، جاء في التفسير عن ابن عباس : فقهوهم وأدبوهم  ص277 ، المرجع الرسالة القشيرية

وكما قيل: أنّ في كل فكرة أدبا.

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ان الله عز وجل أدبني فأحسن أدبي " (1)

وقال صلى الله عليه وسلم " أحسنوا لباسكم ، وأصلحوا رحالكم، حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس " .

قلت: أن يكون المؤمن شامة ومتميزا في باطنه وظاهره، والذي يكشف عن ظاهر المرء وباطنه بل عن علمه وعقله هو أدبه مع الله وعباده، إذ ما قيمة العلم والعقل بلا أدب حين يطيش عقل المرء ويرغي ويزبد لأتفه الأسباب، ويجر به ذلك إلى أمور لا تحمد عقباها.

فالأدب عماد من أعمدة الحياة الطيبة، بل هو روح الحياة وأسها، وعنوان ديمومة الحضارة ومستقرها.

قال الحسن: مثقال ذرة من الورع السالم خير من ألف مثقال من الصوم والصلاة.

قال في مراقي الفلاح :

آداب: جمع أدب، وعرف بأنه وضع الأشياء موضعها، وقيل: الخصلة الحميدة، وقيل الورع، وفي شرح الهداية: هو ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم مرة أو مرتين ولم يواظب عليه، وحكمه الثواب بفعله وعدم اللوم على تركه، ص49 فللوضوء آداب، وآدابه أربعة عشر شيئا، منها التسمية، ص49 ، وللصلاة آداب منها دفع السعال ما استطاع وكظم فمه عند التثاؤب   ص185

قال الإمام أبو حنيفة: (2) _ رحمه الله تعالى _   الحكايات عن العلماء ومحاسنهم أحب إليّ من كثير من الفقه لأنها آداب القوم، وشاهده قوله تعالى "أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده" وقوله سبحانه " لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب" انتهى .

قال سيدي المربي الفاضل الشيخ عبد الفتاح أبو غدة: – رحمه الله –   "إنّ للإسلام الحنيف آدابا وفضائل كثيرة ، تدخل في كل شؤون الحياة، وقد دعا الإسلام إليها، وحضّ عليها، لتكامل الشخصية المؤمنة، وتحقّق الانسجام بين الناس، ولا ريب أن التحلّي بتلك الآداب والفضائل، مما يزيد في جمال سلوك المسلم، ويعزّز محاسنه، ويحبّب شخصيته، ويدنيه من القلوب والنفوس، وهذا أمر من لباب الشريعة ومقاصدها، فليس معنى تسميتها (آدابا) أنها على طرف الحياة والسلوك ... فلا غرابة في التنبيه إليها, فانّ نفرا غير قليل منا، يقع منه الخطأ في مثل تلك البدهيّات" .انتهى قوله رحمه الله   . المرجع : رسالة المسترشدين للمحاسبي

   ورد في كتاب مراقي الفلاح (3) : ( قوله : وشُرعت الواجبات لإكمال الفرائض .. والسنن لإكمال الواجبات ، والأدب لإكمال السنة ) يعني أن السنة تكون كاملة بالأدب ، فالواجبات كالسور على الفرائض ، والسنن كالسور على الواجبات ، والآداب كالسور على السنن، فمن حفظ الأخير كان للأسوار الداخلة أحفظ ومن ضيعه ينجر به الحال إلى تضييع باقيها والتهاون بها.

قال في رسالة المسترشدين للمحاسبي   ص 102 " ... فان حجبك عن منهاجهم فقْد الأدب فارجع بالذمّ على نفسك .. وأعلم " أنّ في كل فكرة أدبا وفي كل إشارة علما" .

بين يدي الحديث عن الأدب

جاء في الرسالة القشيرية للعلامة القشيري رحمه الله تعالى

  • قال الله تعالى:   " قوا أنفسكم وأهليكم نارا ... " التحريم الآية 6 ، جاء في التفسير عن ابن عباس : فقهوهم وأدبوهم ص277
  • حقيقة الأدب اجتماع خصال الخير، والأديب الذي اجتمع فيه خصال الخير.
  • قال ابن عطاء: الأدب الوقوف مع المستحسنات، وقيل وما معناه، قال: أن تعامل الله تعالى بالأدب سرا وعلانية، فإذا كنت كذلك كنت أديبا، وإن كنت أعجميا ثم أنشد:

إذا نطقت جاءت بكل ملاحة     وان سكتت جاءت بكل مليح

ص278

  • قال عبد الله بن المبارك: قد أكثر الناس في الأدب ونحن نقول: هو معرفة النفس. ص280
  • ولما دخل أبو حفص بغداد، قال له الجنيد: لقد أدّبت أصحابك أدب السلاطين فقال له أبو حفص: حسن الأدب في الظاهر عنوان حسن الأدب في الباطن ص286
  • قال أحمد النوري: من لم يتأدب للوقت فوقته مقت. ص287

- سمعت الأستاذ أبو علي الدقاق يقول: العبد يصل بطاعته إلى الجنة، ويصل بأدبه في طاعته إلى الله تعالى. ص277

  • قال أبو عثمان: إذا صحت المحبة تأكدت على المحب ملازمة الأدب. ص280
  • قال يحيى بن معاذ: من تأدب بأدب الله تعالى صار من أهل محبة الله تعالى.
  • روي عن ابن المبارك أنه قال: نحن إلى قليل من الأدب أحوج منا إلى كثير من العلم.   ص279
  • قال سعيد بن المسيب: من لم يعرف ما لله عز وجل عليه في نفسه ولم يتأدب بأمره ونهيه كان من الأدب في عزلة.
  • روي عن سهل بن عبد الله أنه قال : من قهر نفسه بالأدب فهو يعبد الله تعالى بالإخلاص، انتهى ما جاء في الرسالة القشيرية.

قلت: ونحن مأمورون أن نعبد الله مخلصين له الدين، فعلينا أن نؤدب أنفسنا بأدب العلماء الربانيين الذين هم الورثة الحقيقيون للأدب النبوي الشريف.

قلت الأدب: هو أن تعلم ما لله تعالى عليك وتعمل لله بأدبه عليك، وفي هذا بيان لكل مؤمن أنّ الأدب " حاز شرف السبق بأن هذّب اللسان والقلب والعقل وجعل العلم والعمل توأمان ووجهان لأمر جلل "- إن صح التعبير – يستفيد منه المؤمن في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، ومن لم يكن له قلب سليم فليس له لسان سليم بل له لسان سليط، لأنّ الألسن مغارف القلوب، ومن لم يصلح قلبه لم يصلح لسانه، ولن يصلح إيمان مؤمن إلا بهما "قلبه ولسانه"، ويكفي الأدب فخرا وشرفا أنه زينة العقل، ومعقل اللسان، ودليل حال المرء مع الله ونفسه والناس. وقد حدثني أحد حملة الدكتوراه في الأدب الانكليزي قائلا : "إنّ الأدب الانكليزي ليس فيه أدب بل كله قلة أدب – كررها مؤكدا ذلك -." وسمعت مليحة من سيدي الشيخ محمد هشام برهاني – حفظه الله ورعاه ورحم والديه والمسلمين يقول: ليس في اوروبا مربى، انتهى قوله.

قلت: موضحا لكلام سيدي الشيخ أطال الله عمره، كل من لم يعرف الله وحقه والناس وقدرهم فهو ليس من الأدب في شيء، وادّعاء ابليس افتراء وبهتان "انا خير منه ...."

لا غربة مع الأدب

لاشك ان الرجل بعلمه وعمله وسربه وأدبه يشعر بالراحة والطمأنينة، ولكن الحق يقال أننا كلنا معاشر المسلمين في غربة في هذه الدنيا وإنما دار السلام " الجنة "هي دار لاغربة فيها، وقد كان سيدي الوالد الشيخ – رحمه الله - بعد سفر أولاده للعمل – خارج سورية – يشعر بغربة وهو في مسقط رأسه وعوضه عن ذلك كله حسن أدبه مع الله والناس، وكان الشيخ يأتي بعد العشاء من عمله إلى بيته، ولا يخرج من بيته إلا لضرورة ملحة أو أداء واجب، وقد لمست ذلك من حياته ورسائله إلي قائلا في بعضها" إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة واعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك نفسك ودع أمر العوام" الحديث، ثم كتب إلزم بيتك وعليك بخويصة أمرك.

- قيل ثلاث خصال ليس معهن غربة: مجانبة أهل الريب، وحسن الأدب، وكف الأذى، وأنشد الشيخ أبو عبد الله في هذا المعنى:

يزين الغريب اذا ما أغترب     ثلاث فمنهن حسن الأدب

     وثانية حسن أخلاقه           وثالثة اجتناب الريب

الرسالة القشرية   ص279 .

وصدق القائل: يا غريب كن أديب، ولولا المربي ما عرفت ربي ...

  

  • أدب الشيخ مع الله

كان الشيخ يرى أثر نعم الله عليه لا تعد ولا تحصى وأجلّها نعمة الإيجاد والإمداد والإيمان وهذا يتطلب الشكر من العبد فترى الشيخ شاكرا لله في كل أحواله، - شكرا بالعمل وشكرا باللسان- فما أن ينتهي من أعماله حتى يقرأ بالمصحف، ثم يذكر الله، وصدق القائل: حقوق في الأوقات تقضى وحق الوقت لا يقضى،

قلت: وأعظم علم يحمله المؤمن هو علمه بالله وعليه أن يحصنه بالأدب، ويصونه بالأخلاق الحسنة والسيرة العطرة، وينشره بالدعوة إلى الله، ويجمّله بالورع السالم، ومصيبة الأمة فيمن تعلم ولم يتأدب، وصدق القائل: زلَّةُ العَالِم زلَّةُ العالَم، ومن اتبع عالما لقي الله سالما.

والعاقل من ملأ قلبه مهابة ووقارا وتعظيما لله ومن ثمرات هذه: الاستحياء من الله، وعدم مخالفته، أو إيذاء خلقه، ولقد كتب لي سيدي الوالد رحمه الله في أحد رسائله قائلا : (لم تؤخذ عليّ نقطة سوداء من الدولة والناس)، ولقد كنا نرى للشيخ دعوات مستجابة، منها: الدعاء وهو على المنبر والشمس ساطعة بقلب المسجد فما خرج الناس من الصلاة إلا والمطر يستقبلهم على الأبواب. ومن الأدب مع الله أن تكون معتصما به في كل أحوالك والشيخ كان يعلنها صراحة من على منبره "وما توفيقي ولا اعتصامي إلا بالله عليه توكلت واليه انيب" وما حِفْظُهُ من مصائبَ جمّةً، وفشل محاولة إغلاق مدرسته واغتياله إلا من دقائق ألطاف الله ورحمته وأثر من آثار حسن ظن الشيخ بالله جل وعلا "ومالهم من دونه من وال"، وليس من الأدب مع الله أن يتق العبد الله ثم يظن أن غيره مجازيه بحسن عمله فجميع أعمال الشيخ – عدا عمل الإمامة والخطابة – كانت لله ومحتسبا بها الأجر والثواب من الله تعالى وذلك علما من الشيخ بحقيقة الآية "من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ماكانوا يعملون" وبقدر تمسك العبد بأدبه مع الله تعالى تعلو همته (وهذا ميزان دقيق وتنبيه للغافلين   لأداء الواجبات و عدم الاستغراق في الأخذ من زينة الدنيا الدنيئة بحجج ومبررات لإشباع شهواتهم)، قال الله تعالى: "ولكم في رسول الله أسوة حسنة"، فعندما تعلو الهمة يرتفع مقام العبد وتسمو مكانته وتعظم كرامته فيصبح من أهل الولاية وقد سمعت   أكثر من مرة   - من مشايخ أجلاء - في حياته وفي حضرته وبعد مماته – أنّ الشيخ رحمه الله كان قطبا. ومن الأدب مع الله أن يأخذ المؤمن نصيبا وافرا من الورع، وكان لشيخنا حظا منه لايستهان به، وقد عرف بذلك.

قال الحسن : مثقال ذرة من الورع السالم خير من ألف مثقال من الصوم والصلاة ، المرجع الرسالة القشيرية ص112 ، ومن الأدب مع الله أن يتخذ المؤمن قدوته الرسول صلى الله عليه وسلم في معالجة الازمات وحفظ قلبه ويده والحرص على حقن دماء المسلمين وخدمتهم فهم عيال الله تعالى.

  • أدب الشيخ مع كتاب الله تعالى

أعظم أدب للمؤمن أن يتخذ القرآن منهج حياة – وأن يكون القرآن خلقه - يحبب عباد الله لتطبيقه في حياتهم واللجوء إليه في معالجة نواحي الحياة فإن القرآن لم يترك شيئاً إلا فصله تفصيلاً "وكل شيء فصلناه تفصيلاً" فكان الشيخ يقتبس أخلاقه من كتاب الله، وسيرته صلى الله عليه وسلم. فهو لا يغضب إلا لله وكان غضب الشيخ باتزان وعقل عندما تنتهك محارم الله وكان الشيخ يطمئن قلبه لذكر الله عند تلاوة بعض آياته وتغلبه الدمعة فيخفيها ويحس بها بعض أهل الله فتدمع عيونهم خشية لله (اتلوا القرآن وابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا). حديث

كان يعلمنا كيف نقلب ورق المصحف بكل لطف وَرِقَّةٍ بحيث يبقى المصحف وكأنه خرج من المطبعة للتوِّ.

وكان للشيخ نبرة ندية طرية وحلاوة نتذوقها ونحن صغاراً حين قراءته للقرآن "زينوا القرآن بأصواتكم" حديث، وكان الشيخ يقوم واقفاً عندما نأتيه بالقرآن إجلالاً له وتعظيماً رغم كبر سنه أو مرضه، ويأمرنا ألا نمس القرآن إلا على طهارة أو بحائل تعظيما ً وإجلالاً لكتاب الله، وأن نجلس له جلسة الصلاة، وان يكون محازيا لصدرنا أثناء القراءة، وكنا نرى الشيخ يقبل القرآن ويضعه على جبينه، وفي هذا اتباع لفعل عمر وعثمان رضي الله عنهما، (كان عمر يأخذ المصحف كل غداة ويقبله، وكان عثمان يقبله ويمسحه على وجهه)، المرجع مراقي الفلاح ص216

وكان الشيخ يقبل الحجر الأسود ويسجد عليه ثلاثا، ومن الأدب مع القرآن أن تحفظه وألا تجعل للنسيان عليك سبيلاً وذلك بمراجعة الحفظ وتلاوته حتى لا يتفلت منك، وقد كنت أرى الشيخ والقرآن أمامه ويقرأ عن ظهر قلب، وكان يأمرنا أن نضع القرآن في أعلى الكتب وأن لا يعلو عليه شيء ولو كان بسماكة ورقة رقيقة جدا، تعظيماً له.

  • الأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم

قال الله تعالى : "فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أ يصيبهم عذاب أليم" قد تكون الفتنة هي الشرك كما قال ابن تيمية رحمه الله.

قلت: نعوذ بالله من الشرك ومن خسف القلوب، فقد يمرق المرء من تطبيق السنن كمروق السهم من الرمية، وهو لا يدري، لابتعاده عن الأدب النبوي الشريف، فلا بد من الإتباع لا الابتداع "فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم من ذنوبكم" .   فالشيخ مطلع على سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، ويقرنها بالواقع بالحال والترحال، والأزمات التي تعيق تقدم الأمة، ويعطي لها الحلول بما يناسب الظروف الراهنة ومصلحة المسلمين وحقن دمائهم.

كنا نرى الشيخ حريصا كل الحرص على اتباع السنة في كل أفعاله في مأكله ومشربه وملبسه ونومه وفي داخل بيته وخارجه حتى في وقوفه أمام قبر أمي – رحمهما الله –

روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أن الله عز وجل أدبني فأحسن أدبي" ( 4)

ومن وجبت طاعته وحرمت مخالفته لزم التأدب معه في جميع الأحوال في المأكل والمشرب والملبس – لم نر الشيخ مرة يشرب واقفا أو بشماله أو يأكل بشماله أو يخلع ثوبه أو نعله بيمينه – قال سهل بن عبد الله التستري : " من أحبّ أن يكاشف بآيات الصدّيقين فلا يأكل إلا الحلال ،ولا يعمل إلا في سنة " قلت : من تأدب في أفعاله وأقواله سهل عليه تطبيق السنن فكل السنن التي تعلمناها من سيدي الوالد كانت من حاله وعمله، وعمل سيدي الشيخ الوالد كان بهدوء وصمت وتحت عين الشمس وكل ذلك لخير العباد والبلاد مبتغيا الأجر من الله تعالى،  

ومن الأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم أن تحبه أكثر من ولدك ووالدك والناس أجمعين.

وفي الحديث "والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين" فالرسول صلى الله عليه وسلم كَمُلَ خَلْقَهُ وخُلُقُهُ، "وإنك لعلى خلق عظيم"، وحباه الله من كمال النفس و الذات فهو أجمل مخلوق وأكمله صلى الله عليه وسلم.

ومن الأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم إحياء سنته وإبلاغ دعوته وإنفاذ وصاياه وخفض الصوت عند قبره وفي مسجده لمن شرفه الله زيارة قبره الشريف صلى الله عليه وسلم وكنت أرى تصرفات الوالد الشيخ عند زيارته فلا أسمع له إلا صوتاً خفيفا، وكان يرجع إلى الوراء خطوات تأدباً معه صلى الله عليه وسلم عندما تنتهي زيارته كي لا يعطي ظهره لحضرة مولانا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وكنت أقلد الشيخ بذلك وكنا نرى أن الشيخ رحمه الله يحب كل شيء أحبه صلى الله عليه وسلم، من الطيب وغيره. كتقبيل أحفاده وأولاده ومداعبتهم ويحّن على الفقير ويحسن إليه ويأمرنا أن نأخذ بعض الطعام إلى الفقراء وكان الشيخ يعلمنا بحاله قبل مقاله.  

  • أدب الشيخ في النوم

كان والدي الشيخ رحمه الله تعالى عندما يأوي إلى فراشه يحرص على

قراءة آية الكرسي، وخواتيم سورة البقرة، من قوله تعالى: "آمن الرسول بما انزل اليه من ربه" إلى آخر السورة، والنوم على جنبه الأيمن، وكان لا ينسى أن يضع وصيته تحت وسادته كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما كان ينام على وضوء، وكان يستحضر نية القيام في الليل، كونه عودنا على ذلك، وما رأيته عند نومه إلا وهو جامع يديه ويقرأ قل هو الله أحد والمعوذات ثلاثا، ويمسح بها جسده، وكنا نراه يقوم من الليل حتى قبيل أذان الفجر- في رمضان – فيتناول لقيمات لاتتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة.

  • الأدب   مع النفس

إنّ من سعادة المؤمن أن يؤدب نفسه ويزكيها "قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها" ويتبع الحسنة الحسنة وهذا دليل قبول العمل والله أعلم، ومن الأدب مع النفس أن يبتعد المرء عن الغفلة - وهي مضيعة للعمر- فالعبادة مطلوبة دائما "فإذا فرغت فانصب" واللبيب اللبيب من فطن إلى تأديب نفسه فهي أولى من غيرها، ومن عجز عن تأديب نفسه فهو عن تأديب غيره أعجز،

  • الأدب في الكلام

كان والدي الشيخ رحمه الله يعطي المتكلم حقه وقدره، ويصغي إليه بإجلال ولا يقاطعه الحديث وإليك أخي الفاضل مثل على ما سبق : (جاء أخوان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحدثاه بحادثة وقعت لهما، وكان أحدهما أكبر من أخيه، فأراد أن يتكلم الصغير، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم "كبّر كبّر " 0(5) . أي أعط الكبير حقه ، ودع لأخيك الأكبر الكلام -.

سِمةُ كلام الشيخ هو انتقاء الكلم الطيب - وهذا يذكرني بقوله تعالى "وهدوا الى الطيب من القول " وهذه صفة من صفات أهل الجنة، - وفي النصيحة القليل منه حتى يُفهم، ولا ينسي بعضه بعضاً، وكان كلام الشيخ قليلا جدا إلا في موعظة أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو ما يصلح شأنه، وقد عدّ أهل الأدب والعقل أنّ ما سوى ذلك فهو من فضو ل الكلام. نقل عن عطاء بن أبي رباح: يا بني أُخيَّ: إن من كان قبلكم كانوا يكرهون فضول الكلام وكانوا يعدون فضوله ماعدا كتاب الله عز وجل أن تقرأه وتأمر بمعروف أو تنهى عن منكر أو تنطق بحاجتك في معيشتك التي لابد لك منها "أتنكرون أنّ عليكم حافظين كراما كاتبين عن اليمين وعن الشمال قعيد، ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد" ( 6 ).

ولم نستطع أن نرى للشيخ زلة ونحن نعيش معه ونخدمه وكنا نرى الحياء في وجهه ونظراته إن بدر منا شيء لا يعجبه فكان توجيهه لنا باللحظ - بالحال - ، ولو شئنا أن نعد كلامه في اليوم لما زاد عن أسطر معدودة، ليس في مجلسه محل للغيبة أو الجرح.

  • الأدب في رسائل الشيخ

كان والدي الشيخ رحمه الله يرد على جميع الرسائل ويجيب على الأسئلة الشرعية لرسائل من خارج القطر ويبين فيها المراجع للمسألة الشرعية، أما رسائله فهي من الحجم المتوسط وفي غاية الوضوح والتمام من أخبار الأهل والبلد ويصدرها ب"بسم الله الرحمن الرحيم" ثم السلام ثم قوله احمد الله إليك ... وكل رسائله مجملة، فيها الدعوة إلى الله من الوعظ والإرشاد كقوله في رسالة لي (المرء بعمله عند الله وذكراه الحسنة عند الناس) و (والغِنْمُ كل الغُنْمِ في الرضى فيما يرضاه الله والعاقل الكامل من يترك مراده لمراد خالقه) و(أوصيك بتقوى الله في سرك وعلنك والنصح لكل مسلم ... واستعن بالله وسله التوفيق لأقوم طريق)،   وبعض الأدعية المأثورة. وقد أرسل لي سيدي الوالد –رحمه الله -   دعاء لتفريج كل كرب ودفع كل هم وغم وهو (اللهم إني أسالك بأن لك الحمد لا اله إلا أنت الحنان المنان ذو الجلال والإكرام لا اله إلا أنت يا حي يا قيوم)، والدعاء للمرسلة إليه، ثم يختمها بالتوقيت الهجري وتحته التوقيت الميلادي، ثم يطويها بشكل أنيق، ويترك مكانا خاليا لفتح الرسالة، ثم توقيعه المميز.

  • الأدب مع حاله

يترفع بنفسه عن سفاسف الأمور ويحب معاليها، ذو همة عالية وبنية قوية لا يستطيع أحدا أن يخدعه لفطنته وخبرته بالحياة ومعرفته بأعداء الإسلام، يحلم على الجاهل، إن نظرت إلى حال الشيخ في بيته تصفه حاضر غائب (حاضر بهيبته – حتى وان كان نائما أو مسافرا- علينا غائب عنا بمطالعته للعلوم الشرعية أو بذكره لله) بل غائب حاضر، ترى حاله مع الله تعالى دائما، لا نعرف أنّه موجود في البيت إلا إذا رأيناه، لا تسمع له صوتا في البيت إلا لضرورة ملحة، فكم وكم تعلمنا من حال الشيخ أشياء كثيرة عرفناها فيما بعد أنها من أصل الشريعة ولبها، لا يخرج إلا متعطرا، وبأحسن حال فهو أنيق وجميل وشجاع وكريم وحليم، ولقد سمعت من سيدي الشيخ الدكتور محمد هشام البرهاني – أطال الله عمره وجزاه الله خيرا - أنّ لآل البيت ثلاث صفات   وهي الشجاعة والكرم والجمال. وقد تعلمنا من أهل الأدب أن لا يدخل المرء على غرفته الخاصة، إلا بإذن. ولقد سمعت كلمة لا أنساها من السيد الجليل عبد القادر عفيسي – مدير مدرسة سعيد العاص– وكان إلى جواره ولدين من أولاد الشيخ- وهما محمود والذي يكبره مباشرة- فقال المدير لصاحب المحل الحاج عمر الريحاني وبوجود الأستاذ القدير سليم الشيخ طه : (هذان الولدان أأدب أولاد المدرسة عندي وأحسنهم أخلاقا) .

لم أره مرة يتفل في الشارع، أو يمد يده إلى أنفه في الصلاة أو غيرها، لم أشم منه إلا كل ريح طيبة حيث كان يخرج خمسة أيام في الأسبوع لجمع الزكاة في الصيف من القرى التابعة للمعرة، يغتسل لكل جمعة وعيد، ليس له يوم إجازة في الأسبوع (لأنه إمام وخطيب في الجامع الكبير)

جميع السنن التي نطبقها تعلمناها من تصرفات الشيخ أمامنا من حاله ودون أن يتكلم بها من إطعام زوجه، وخمّ بيته بشماله، ومعالجته لأكبر الأمور وأصغرها والدفاع عن الإسلام وأهله، وتواضعه، وابتداء السلام منه على من لقيه. وقد بلغني عن بعض أولاد الشيخ رحمه الله أنه يستغفر لخواطر لم تكن لله فيها نصيب.

  • الأدب في الملبس :

قال صلى الله عليه وسلم "أحسنوا لباسكم، وأصلحوا رحالكم، حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس". لا يخرج الشيخ من بيته إلا متعطرا، ملمعا نعله، لابسا أحسن ثياب، و كان الشيخ أنيقا في ملبسه وإكرام نفسه، جاءه مرة رجل يختبر تواضعه، فقال له: ممكن شيخي أن تلبس المرقع فأجابه هل يضر الشيخ الحصري أن لبس ثوبا فيه رقعة، وكان عمر بن الخطاب في ثوبه أربع عشرة رقعة يوم فتح بيت المقدس، وكان ذات مرة في السوق ومعه الحاج محمد جميل جعفر وقال أريد أن أذهب إلى البيت لألبس فانه عندي لقاء مع مدير المنطقة فأجابه الحاج إن ثيابك أنيقة فقال الشيخ يوجد في البيت أجمل وأحسن منها، يخلع ثوبه بشماله ويضعه في مكانه المناسب ولا يمكن أن ترى في السنة كلها أنّ ثوب الشيخ في غير موضعه المناسب.

  • الأدب في المأكل :

ومن الأدب مع الله أن تأكل مما أمرك الله كما أمرك وبذلك يطيب مطعمك وتكون مستجاب الدعوة، لم أره يوما يرفع لقمة إلى فيه بشماله، وكان الشيخ صاحب ذوق رفيع في مأكله وكان يرشد زوجه في صناعة المربيات وغيرها ولا يحب الطعام الساخن جدا، يأكل مع أولاده ولا يطلب شيئا خاصا به، عرفنا فيما بعد أنه كان يحب الطعام الذي يحبه الرسول صلى الله عليه وسلم "الدباء أو اليقطين، اللبن ... " يلعق أصابعه قبل أن يغسلها، يحفظ معدته ان كان ضيفا، طعامه قليل، ولا يوجد وقت معين لتناول طعامه فقد يخرج صباحا من بيته ولا يعود إلا بعد العشاء – لكثرة أشغاله –وكنت أقول له أضع لك العشاء فيشير كشبه ابتسامه أفهم منها أن هذا الأمر غير مهم جدا، فأضع له وبسرعة بعض الطعام، كنا صغارا ونحن نأكل مع الشيخ إن سقطت منا بعض الطعام داخل المائدة يبعد الصحون ويتناولها، لم أره مرة يأكل بصلا أو ثوما

وترى الشيخ في مهنة أهله (كعمل الباذنجان للقديد .. ويري الشيخ عمله المتقن لمن حوله ..)، حتى إذا أذن المؤذن ترك كل شيء وقام إلى الصلاة مباشرة ،

  • الأدب في الزيارة :

كان الشيخ رحمه الله يقرع الباب بلطف، قرعا يسمعه القريب من الباب (وكنا ونحن جلوس في فناء البيت نتساءل كأنّ الباب يقرع فيخرج أحدنا وإذا الشيخ بالباب واقف)،- وقد كان الصحابة يقرعون باب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأظافر. رواه البخاري في "الأدب المفرد " أدبا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (7) ، -وان قيل له من بالباب – أو من يتكلم بالتلفون- قال أحمد الحصري ، إن كان قريبا من بيت أحد أحبابه يزوره - مودة وصلة - يقبل عذر من اعتذر قال الله تعالى "وان قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم"، ولا تكون زيارته إلا عن موعد مسبق، دقيق في المواعيد، حريص على أن تكون الزيارة قصيرة، قلت له في السعودية لو تزور عند أختي وتنام في بيتها فرفض وقال هذا بيت صهري وذاك بيت ابني، ولا أريد أن أكلف صهري، يجلس حيث أجلسه صاحب البيت، يحفظ بصره ومعدته ويخفض صوته يخلع نعليه ويصفهما متنحيا عن مدخل الناس، وكلامه قليل.

12- أدبه مع أهل العلم :

يعرف للعالم مكانته ويقدمه للخطابة أو للرد على بعض الأسئلة، وما أن يتخرج الطالب -ولو كان في سن أولاده - من مدرسته حتى يزيد في إجلاله وتوقيره ويناديه يا أستاذ و كأنهما في العمر والعلم سواء، وان أجاب على بعض الأسئلة في حضرة العلماء ذكر اسم المرجع والمؤلف، سمعته مرة يقول كنت والمفتي -الشيخ بديع الجندي رحمه الله- معا فأردنا أن ندخل مجلسا يخص المفتي والناس ينتظرون دخول المفتي، وأنا على اليمين فتأخرت وقدمت المفتي ليدخل قبلي، يتواضع للعلماء ويسألهم بعض الأسئلة، ويعرّف الناس بهم ويجلهم، وتعلمنا من الشيخ –رحمه الله تعالى– أن نضيف كلمة "تعالى أو سبحانه" عند كتابة لفظ الجلالة، و أن نصلي على النّبي كلما ذكر وأن نقول عند ذكر الصحابي رضي الله عنه، وعند ذكر العلماء أن نترحم عليهم، كذلك نترحم على من مات من المسلمين، وقد وجدت مثل هذا الكلام في كتاب رسالة المسترشدين للمحاسبي – رحمه الله تعالى– ص4 وهو منقول أصلا من قول الإمام النووي رحمه الله تعالى في مقدمة شرحه لكتاب "صحيح مسلم   1 /39

13- أدب الشيخ مع ضيفه :

   بيت الشيخ مفتوح ليلا ونهارا أمام ضيوفه – للأسئلة الشرعية وللضيوف من المحافظات - يلاقي ضيفه بالبشاشة وأحسن الثياب ويكرمه أيما إكرام وربما حمّله بعض الهدايا، ويلح عليه بالطعام -وان كان صائما نفلا – حتى يفطر وربما كان الوقت عصرا، ويسرع في تقديم العشاء لضيفه ويلح على الغريب بالمبيت عنده ويودعه إلى خارج المنزل داعيا له " أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك " الحديث، ويبقى واقفا حتى يغيب الضيف – أو ولده المسافر- عن ناظريه ويقول لنا اذهب – أو رافق أو امش - مع عمك إلى كراج السيارات – خارج المعرة - و يعطينا مبلغا من المال لندفع أجرة الطريق لسائق السيارة.

14- أدب الشيخ مع خصومه

ورد في الحديث "إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم"

الخصومة تمحق الدين وتشغل العقل وتقتل طمأنينة القلب والخاطر وتقضّ المضاجع وتجعل سويداء الإنسان جحيما دائم الاستعار والاتّقاد (8)

حدثني رجل لا أشك في صدقه قائلا: لقد استفدت من أدب الشيخ فائدة عظيمة وهي ألا أتكلم إلا بعد وزن الكلمة بميزان الأدب والوقوف على أبعاد الكلمة، فلقد حصل بيني وبين أحد الإخوة خصومة فطغى علي ّواستعمل كل ما في قواميس الدنيا من شتائم ومارس البلطجة أكثر من البلطجيين أنفسهم لأن له لسانين ووجهين، فتركته لله وأرسلت له سطرا واحدا وهو " لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين " 28 المائدة، "والفتنة أشد من القتل"، وكنت أدعو الله أن يكفيني شر الدنيا والآخرة وشره.

كان أسلوب الشيخ مع خصومه خاضع لقوله تعالى "ادفع بالتي هي أحسن" فقد تحتاج الخصومة إلى عدم الرد وكظم الغيظ وتمر الأزمة وكأنها ظل سحابة أو زوبعة في فنجان. وكانت للمسامحة الصدر الأعلى في معاملته لخصومه وامتازت حياته بالعفو والصفح عمن أساء إليه، قال لي مرة كنت أهم بالدخول إلى الجامع فجاءني رجل وقال لي: يا شيخي سامحني أنا آذيتك كثيرا، فقلت له: الله يسامحك، ولم أسأله عن أذيته لي لأنني قد سامحته.

قال له أحد خصوم الإسلام – أمام مدير المنطقة يوم ثورة المعرة– إن الناس يسمعون كلامك "وهو يريد أن يلصق الأمر أي الثورة بالشيخ وقد أخذت الثورة سلاحا من فرع الجيش الشعبي بدون علبة المغلاق -" فأجابه الشيخ لو يسمعوا كلامي لشاوروني قبل أن يخرجوا في المظاهرة، وألقى بيانا على مسامع أهل المعرة، حرصا من الشيخ على حقن دماء المسلمين...، لم يسمح الشيخ لخصوم الإسلام بالتطاول عليه فكان يتصدى لهم وينصحهم ولا يخاف في الله لومة لائم، فهو شيخ المعرة وهذا حقه في الدفاع عنها ولو كلفه ذلك حياته، فكم وكم تعرض الشيخ لمحاولة اغتيال وسامح الجميع ليلقننا درسا لا ننساه في التسامح –مع الخصوم- إن كان الأمر متعلقا بشخصه وذاته، ولم يعط الولاء لغير الله، وكان شديدا صلبا على أعداء الإسلام، ودودا حنونا على أهل بلده والمسلمين، ولم يحمل عصا حتى لا يظن أعداء الإسلام أن الشيخ قد ضعف، فيشمت به أعداء الإسلام ويتجرؤوا على محارم الله  

15- أدب الشيخ في دروسه

الكثير من دروس الشيخ كما يقول الدكتور الشيخ موسى إبراهيم (مفكر إسلامي وتلميذ الشيخ) تبدأ من بعد الفجر إلى بعد العشاء يتخللها فترات قليلة جدا لانجاز أعمال أخرى، يقول الشيخ الدكتور نور الدين عتر، رحمه الله: "كان الشيخ أحمد الحصري عالما عاملا ربانيا فالفراغ الذي تركه الشيخ يلزمه عشرة من العلماء العاملين ليملؤوه".   قلت آخر ما يفكر فيه الشيخ رحمه الله الطعام ثم راحته

يقول الشيخ الدكتور موسى إبراهيم في نشرة عن الشيخ رحمه الله عنوانها العالم الرباني "الشيخ أحمد الحصري" : أما دروس الشيخ متنوعة بين الفقه والسيرة والوعظ والآداب والسلوك ومن كثرة دروس الشيخ فقد أضحى روادها من عوام الناس على قدر من العلم والتأدب بآداب الشرع، انتهى قوله

قلت لم أره يوما يمد رجله في دروسه ولقد اشتكى لي مرة من ألم في رجليه وقال لي إن هذه الكرسي – التي يجلس عليها في المسجد لدروسه - غير مريح لي، سمعته مرة يدرس عن المشاكل الزوجية فقال: إن الشيطان ينتقل بين المرأة والرجل ويشعل بينهما نار الفتنة حتى يوصلهما إلى الطلاق، يأتي الشيطان إلى المرأة ويقول لها قولي له: إذا كنت رجل طلقني فقال الشيخ يجب على الرجل أن يقول لها أنا رجل ولكن لن أطلقك.

قلت: فليلحق الرجل إذا وقع منه الطلاق كلمة إن شاء الله مباشرة، فيسلم أمره بذلك إن شاء الله، كان يعلق على قول بعض الناس: أنا لا أستحي من الحق أقول للأعور أنت اعور بعينه "أي بوجهه" فقال الشيخ هذا ليس من الأدب بين الأخوة.

ملاحظة وتنبيه:

هذه طائفة من أدب الإسلام تمثلت في حياة سيدي الوالد الشيخ أحمد الحصري – رحمه الله – لعلها تفيد ألباب العقول، ومن الخطأ أن نعطي للنفس الأمارة مساحة واسعة ونترك الحبل على الغارب لتأخذ حريتها من الاستهزاء والطعن وادعاء وحدة الحال بين الأهل والأصحاب وادّعاء قول الحق وان كان مرا، كمن يدّعي الجرأة في الكلام بشتم الآخرين ثم يقول أنا قلبي سليم أو بقوله أنا لا أستحيي من قول الحق فأنا مستعد أن أقول للأعور أنت أعور وما علم هذا أنّ العمى أصاب قلبه، نحن أيها الأخوة بحاجة إلى تحصين عقولنا بآداب أهل الحلم، قال سيدنا علي رضي الله عنه " إياك وما يسبق إلى العقول إنكاره، وان كان عندك اعتذاره " مراقي الفلاح للشرنبلا لي ص662 .   قلت: إننا بحاجة إلى الأدب أكثر من الطعام والشراب، وما العبادات عنا ببعيد وشرعت العبادات لتنهى النفس عن الفحشاء والمنكر وليكون المؤمن من المتقين " ...لعلكم تتقون "

يقول سيدي الشيخ عبد الفتاح أبو غدة - رحمه الله - ... وعدم ادّعاء أنّه لا كلفة بين الأهل والأخوان، فأحق الناس بالبر واللّطف منك أهلك وأصحابك ، فقد جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " يارسول الله من أحقّ الناس بحسن الصحبة مني قال: أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك، ثم أدناك أدناك " . أي الأقرب فالأقرب . رواه البخاري ومسلم، منقول من كتاب رسالة المسترشدين للحارث المحاسبي تحقيق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة.

سبحانك ربي ما أحلمك وبحالي ما أعلمك أنت ثقتي وأنت رجائي فاجعل حسن الظن فيك جزائي. (9)، قلت: هذا الدعاء يدل على عظم أدب الشيخ -العارف بالله أحمد حارون رحمه الله- مع الله عز وجل.

"سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين".

..........................................................................

( * ) عالم ربّاني : قلت : كان الشيخ عالوا لما حوى صدر الشيخ من علوم شرعية متعددة ونجاحه بها بدرجات مائة بالمائة وتدريسه لطلابه والناس من بعد صلاة الفجر الى بعد العشاء "قال عنه الشيخ الدكتور موسى ابراهيم الابراهيم ( مفكر اسلامي وأزهري ومن تلاميذ الشيخ الوالد ) : مارأيت كالشيخ في اسلوبه ومنهجه في التعليم فقد كان رحمه الله على درجة من العلم وكأن الفقه الشافعي أصوله وفروعه بين عينيه يصول ويجول غير محتاج الى تحضير أو استذكار . المرجع العالم الرباني فضيلة الشيخ احمد الحصري / د موسى ابراهيم الابراهيم

قلت كان الشيخ ربانيا : أقصد كان الشيخ حكيما فقيها قال ابن عباس كما في كتاب العلم من صحيح البخاري " كونوا ربانيين حكماء فقهاء .انتهي ،،

قال عنه الشيخ الدكتور نور الدين عتر : كان الشيخ أحمد الحصري " عالما عاملا ربانيا فالفراغ الذي تركه الشيخ يلزمه عشرة من العلماء العاملين ليملؤوه

قلت تجلت حكمة الشيخ الوالد في معالجته للأزمات التي مرت على المسلمين قبل وأثناء الاحداث في سورية في الثمانينات من القرن العشرين وقال لي سيدي الوالد كنا نعيل 287عائلة جاءت من حماة الى المعرة وباشراف الدولة

قلت :كان الشيخ الوالد رحمه الله فقيها قال الشيخ الدكتور موسى ابراهيم الابراهيم (امتاز الشيخ بتخريج الفروع على الاصول والربط بالواقع وتنويع الأمثلة التطبيقية على المسالة محل البحث وكم أمضينا درسا كاملا حول مسالة واحدة فقهية ومتعلقاتها وتطبيقاتها مع الجدية كاملة وعدم التكرار...

  • الحديث رواه ابن مسعود ، وأخرجه ابن السمعاني في أدب الإملاء، وصححه السيوطي في الجامع الصغير 1/310 ن ولكن المناوي ضعّفه في الفيض 1/244 منقول من الرسالة القشيرية
  • المرجع رسالة المسترشدين للحارث المحاسبي - رحمه الله - ص3-4
  • المرجع: مراقي الفلاح : ص164- 165 الطبعة الثالثة بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر سنة 1381هجرية
  • الحديث رواه ابن مسعود، وأخرجه ابن السمعاني في أدب الإملاء، وصححه السيوطي في الجامع الصغير 1/310 ن ولكن المناوي ضعّفه في الفيض 1/244 منقول من الرسالة القشيرية
  • رواه البخاري ومسلم، المرجع رسالة المسترشدين للحارث المحاسبي تحقيق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة ص 190
  • منقول من كتاب الصفوة من صفوة الصفوة /عدنان سعد الدين
  • منقول من كتاب رسالة المسترشدين للحارث المحاسبي ، تحقيق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة ص187 . .
  • منقول من كتاب رسالة المسترشدين للمحاسبي ص90
  • هذا دعاء الولي العارف بالله الشيخ أحمد حارون قدس الله سره ورحمه الله والمسلمين.