هجرة ابن خطيب قريش

قصة مهاجر (4)

هجرة ابن خطيب قريش

د. نعيم محمد عبد الغني

[email protected]

قصة مهاجرنا في هذه الحلقة تأتي أهميتها من أن بطلها كان من أوائل المهاجرين إلى الحبشة، في وقت كان أبوه من أشد أعداء الإسلام، بل كان خطيبا يهجو الإسلام حتى هم سيدنا عمر بن الخطاب أن ينزع ثنيته، فلا يستطيع الكلام، فنهاه النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقال: "عسى أن يقوم مقاماً يحمد فيه".

وقد كان لسهيل بن عمرو موقفه الذي حمد فيه، فقام بمكة خطيبا عند وفاة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بنحو من خطبة الصديق بالمدينة، فسكنهم وعظم الإسلام.

وكان كلامه كوقع السحر على نفوس الناس، به يعجبون، وعلى وقعه يستمتعون ويتأثرون، وكان في الجاهلية يستخدم هذه المهارة في مهاجمة الإسلام والمسلمين، فقال بعد غزوة بدر يحرض على الإسلام: (يا آل غالب أتاركون أنتم محمدا والصباة يأخذون عيركم؟ من أراد مالا فهذا مال ومن أراد قوة فهذه قوة).

وعندما يسلم ابنه غير مفتون بعبارة أبيه الرنانة، وألفاظه الطنانة، فإنه بذلك يكون قد هز ثقة الناس في هذا الخطيب البليغ.

إنه عبد الله بن سهيل بن عمرو الذي هاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية، فلما قدم مكة أخذه أبوه فأوثقه وفتنه، قال ابن سعد قال محمد بن عمر بن عطاء: "خرج عبد الله بن سهيل إلى نفير بدر مع المشركين مع أبيه سهيل، ولا يشك أبوه أنه قد رجع إلى دينه فلما التقوا انحاز عبد الله إلى المسلم حتى جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل القتال فشهد بدرا مسلما، وهو ابن سبع وعشرين فغاظ ذلك أباه غيظا شديدا".

ولكن الابن الذي جعل الدين عليه أعز من أبيه، لم ينس أباه يوم الفتح، حيث طلب الأمان له من رسول الله، كما ذكر ابن عبد البر في الاستيعاب، إذ يقول عبد الله: يا رسول الله أبي تؤمنه؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "نعم هو آمن بأمان الله فليظهر"، ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمن حوله: "من رأى سهيل بن عمرو فلا يشد إليه النظر. فلعمري إن سهيلا له عقل وشرف، وما مثل سهيل جهل الإسلام، ولقد رأى ما كان يوضع فيه أنه لم يكن بنافعه" فخرج عبد الله إلى أبيه، فأخبره مقالة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال سهيل: كان والله برا صغيرا وكبيرا.

وأسلم سهيل بن عمرو وأبلى في الإسلام بلاء حسنا، وكان كثير الصلاة والصوم والصدقة، خرج بجماعته إلى الشام مجاهدا، ويقال: إنه صام وتهجد حتى شحب لونه وتغير، وكان كثير البكاء إذا سمع القرآن.

أما عبد الله ابنه فقد سبقه إلى الهجرة والإسلام والشهادة؛ قال ابن سعد: وشهد عبد الله أحدا والخندق والمشاهد كلها، وقتل باليمامة شهيدا وهو ابن ثمان وثلاثين سنة فلما حج أبو بكر في خلافته أتاه سهيل بن عمرو فعزاه أبو بكر بعبد الله فقال سهيل: لقد بلغني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (يشفع الشهيد لسبعين من أهله) فأنا أرجو أن لا يبدأ ابني بأحد قبلي.

نعم كانت هذه قصة المهاجر الذي تحدى أباه وترك كل شيء لله، فعوضه الله خيرا، إذ أسلم أبوه، واعترف له بالفضل، وكان له بعد إسلامه أشد حبا وأكثر قربا، وفي هذه الهجرة درس خلاصته أن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه.

وإلى لقاء مع قصة مهاجر جديد إن شاء الله.