إمام التابعين الحسن البصري

clip_image002_41ae2.jpg

الحسن بن يسار يكنى بأبي سعيد ولد قبل سنتين من نهايه خلافه عمر بن الخطاب رضى الله عنه. ولد في المدينة عام 21هـ/642م،كانت أم الحسن منقطعة لخدمة أم سلمه، فترسلها في حاجاتها فيبكي الحسن وهو طفل فترضعه أم سلمه لتسكته وبذلك فأنه رضع من أم سلمه، وتربى في بيت النبوة. وكانت أم سلمه تخرجه إلى الصحابة فيدعون له، ودعا له عمر بن الخطاب، فقال "اللهم فقهه في الدين وحببه إلى الناس". حفظ الحسن القرآن في العاشرة من عمره.

نشأ الحسن في الحجاز بمكان يسمى وادي القرن، وحضر الجمعة مع عثمان بن عفان وسمعه يخطب، وشهد يوم استشهاده (يوم تسلل عليه القتلة الدار) وكان عمره أربع عشر سنة. وفي سنه 37 هـ/657م انتقل إلى البصرة، فكانت مرحلة التلقي والتعلم، حيث استمع إلى الصحابة الذين استقروا في البصرة لمدة ست سنوات وفي السنة 43هـ/663م عمل كاتباً في غزوه لأمير خراسان الربيع بين زياد لمدة عشر سنوات رجع من الغزو واستقر في البصرة حيث أصبح أشهر علماء عصره ومفتي البصرة حتى وفاته.

تلميذه واصل بن عطاء انفصل عن الحسن البصري وكون الحلقة الأولى للمذهب الاعتزالي.

كان الحسن البصري رحمه الله مليح الصورة، بهيً، وكان عظيم الزند قال محمد بن سعد "كان الحسن فقيهاً، ثقة، حجة، مأمون، ناسكاً، كثير العلم، فصيحاً، وسيماً". وكان من الشجعان الموصوفين في الحروب، وكان المهلب بن أبي صفرة يقدمهم إلى القتال، وأشترك الحسن في فتح كابور مع عبد الرحمن بن سمرة. قال أبو عمرو بن العلاء "ما رأيت أفصح من الحسن البصري". وقال الغزالي: كان الحسن البصري أشبه الناس كلاماً بكلام الأنبياء، وأقربهم، هدياً من الصحابة، وكان غاية الصحابة تتصبب الحكمة فيه.

كان الحسن كثير الحزن، عظيم الهيبة، قال أحد الصحابة "ما رأيت أحداً أطول حزنا من الحسن، ما رأيته إلا حسبته حديث عهد بمصيبة.

كان يقول : نضحك ولا ندري لعل الله قد اطلع على بعض أعمالنا. فقال: لا أقبل منكم شيئاً، ويحك يا ابن آدم، هل لك بمحاربة الله طاقة؟ إن من عصى الله فقد حاربه، والله لقد أدركت سبعين بدرياً، لو رأيتموهم قلتم مجانين، ولو رأوا خياركم لقالوا ما لهؤلاء من خلاق، ولو رأوا شراركم لقالوا: ما يؤمن هؤلاء بيوم الحساب.

قال حمزة الأعمى: وكنت أدخل على الحسن منزله وهو يبكي، وربما جئت إليه وهو يصلي فأسمع بكاءه ونحيبه فقلت له يوماً: إنك تكثر البكاء، فقال: يا بني، ماذا يصنع المؤمن إذا لم يبكِ؟ يا بني إن البكاء داع إلى الرحمة. فإن استطعت أن تكون عمرك باكياً فافعل، لعله تعالى أن يرحمك. ثم ناد الحسن: بلغنا أن الباكي من خشية الله لا تقطر دموعه قطرة حتى تعتق رقبته من النار.

وعن حفص بن عمر قال: بكى الحسن فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: أخاف أن يطرحني غداً في النار ولا يبالي.

كان يقول: من علامات المسلم قوة دين، وجزم في العمل وإيمان في يقين، وحكم في علم، وحسن في رفق، وإعطاء في حق، وقصد في غنى، وتحمل في فاقة (جوع) وإحسان في قدرة، وطاعة معها نصيحة، وتورع في رغبة، وتعفف وصبر في شدة. لا ترديه رغبته ولا يبدره لسانه، ولا يسبقه بصره، ولا يقلبه فرجه، ولا يميل به هواه، ولا يفضحه لسانه، ولا يستخفه حرصه، ولا تقصر به نغيته.

سُئل الحسن عن النفاق فقال: هو اختلاف السر والعلانية، والمدخل والمخرج، ما خافه إلا مؤمن (أي النفاق) ولا أمنه إلا منافق.

قالوا عن الحسن رحمه الله:

هذا أنس بن مالك، سُئل عن مسألة فقال: سلوا مولانا الحسن، قالوا: يا أبا حمزة نسألك، تقول: سلوا الحسن؟ قال: سلوا مولانا الحسن. فإنه سمع وسمعنا فحفظ ونسينا.

وقال أنس بن مالك أيضاً: إني لأغبط أهل البصرة بهذين الشيخين الحسن البصري ومحمد بن سيرين.

وقال قتادة: وما جالست رجلاً فقيهاً إلا رأيت فضل الحسن عليه، وكان الحسن مهيباً يهابه العلماء قبل العامة.

أما عن سبب حزنه فيقول الحسن رحمه الله "يحق لمن يعلم أن الموت مورده، وأن الساعة موعده، وأن القيام بين يدي الله تعالى مشهده، أن يطول حزنه". وكان الحسن البصري يصوم الأيام البيض، والأشهر الحرم، والاثنين والخميس.

لقد كان الحسن أعلم أهل عصره، يقول قتادة "ما جمعت علمه إلى أحد العلماء إلا وجدت له فضلاً عليه، غير أنه إذا أشكل عليه كتب فيه إلى سعيد بن المسيب يسأله، وما جالست فيها قط فضل الحسن". وكان للحسن مجلسان للعلم: مجلس خاص بمنزله، ومجلس عام في المسجد يتناول فيه الحديث والفقه وعلوم القرآن واللغة وغيرها وكان تلاميذه كثر.

رأى الحسن عدداً كبيراً من الصحابة وروى عنهم مثل النعمان بن بشير، وجابر بن عبد الله، وابن عباس، وأنس رضوان الله عليهم، ونتيجة لما سبق فقد لقبه عمر بن عبد العزيز بسيد التابعين حيث يقول "لقد وليت قضاء البصرة سيد التابعين". هل قلت السيدة عائشة رضي الله عنها قالت (عندما سمعتة يتكلم قالت من هذا الذي يتكلم بكلام الصديقين).

عاش الحسن رحمه الله الشطر الأكبر من حياته في دولة بني أمية، وكان موقفه متحفظاً على الأحداث السياسية، وخاصة ما جرّ إلى الفتنة وسفك الدماء، حيث لم يخرج مع أي ثورة مسلحة ولو كانت باسم الإسلام، وكان يرى أن الخروج يؤدي إلى الفوضى والاضطراب، وفوضى ساعة يرتكب فيها من المظالم ما لا يرتكب في استبداد سنين، ويؤدي الخروج إلى طمع الأعداء في المسلمين، ولأن الناس يخرجون من يد ظالم إلى ظالم، وإن شق إصلاح الحاكم فما زال إصلاح المحكومين يسير. أما إن كان الحاكم ورعاً مطبقاً لأحكام الله مثل عُمر بن عبد العزيز، فإن الحسن ينصح له، ويقبل القضاء في عهده ليعينه على أداء مهمته.

كتب الحسن لعُمر بن عبد العزيز ينصحه فقال "فلا تكن يا أمير المؤمنين فيما ملكك الله كعبد ائتمنه سيده واستحفظه ماله وعياله فبدد المال وشرد العيال، فأفقر أهله وبدد ماله". ولقد عنف الحسن البصري طلبة العلم الشرعي الذين يجعلون علمهم وسيلة للاستجداء فقال لهم "والله لو زهدتم فيما عندهم، لرغبوا فيما عندكم، ولكنكم رغبتم فيما عندهم، فزهدوا فيما عندكم ".

توفي الحسن رحمه الله عشية يوم الخميس في أول رجب سنة 110 هـ/10 تشرين الأول 728م، وعاش ثمان وثمانين سنة، وكانت جنازته مشهودة، صلى عليه المسلمون عقب صلاة الجمعة بالبصرة.

وسوم: العدد 842