الأديبة الليبية زعيمة بنت سليمان الباروني

clip_image001_f82f4.jpg

ولدت السيدة زعيمة بنت سليمان باشا الباروني في جادو إحدى قرى جبل نفوسة سنة 1910م، وتلقت دراستها الابتدائية باللغة التركية في اسطنبول، حيث نشأت في أسرة تهتم بالعلم، (أسرة سليمان باشا الباروني).

تعلمت القراءة والكتابة فتنبهت في نفسها الرغبة في المطالعة والدراسة العميقة وعاشت مع والدها سنوات طويلة في المهجر استطاعت خلالها أن تتلقى قدراً من التعليم المنظم، وقد وجدت بالإضافة إلى ذلك مكتبة والدها الغنية بكل أنواع المعارف، فقرأت واستوعبت وتفتحت موهبتها وسط مناخ علمي لم يكن متاحاً لغيرها من النساء في بلادها، ثم استكملت دراستها باللغة العربية بعد العودة من تركيا إلى ليبيا، بعد أن عاشت مع والدها المناضل حياة التشرد والنفي بعيداً عن أرض الوطن، حيث شاركته تنقلاته بين الأقطار العربية، ثم رجعت إلى بلادها في أواسط العام 1947م حيث استقر بها المقام في طرابلس الغرب بعد وفاة والدها عام 1940م حيث عينت في سنة 1950م مدرسة بالمرحلة الابتدائية.

ولعل دخول السيدة زعيمة الباروني ميدان الكتابة والنشر من العلامات البارزة التي سجلتها فترة الخمسينات، فقد اطل عام 1955م ليمنح المشهد الثقافي الليبي إنتاجاً لامعاً قوياً رفيع المستوى خطته أنامل هذه السيدة الأديبة ابنة الوطن، فهي تنشر في شهر شباط قصة (فزان البعيد)، وتوالت قصص السيدة زعيمة في مجلات وجرائد ليبية متنوعة منها صوت المربي، وجريدة طرابلس الغرب، وهي تتحدث عن ما لاقته في هذا الأمر من صعوبات، إذ تقول السيدة زعيمة عن ذلك: (لا أدرى بماذا أقدم موضوعات كتبتها منذ سنة 1953م في بلادي، ونشر منها ما نشر في جريدة (طرابلس الغرب)، ومجلة (صوت المربي)، ومجلة (هنا طرابلس الغرب)، ولم تساعدني الظروف القاسية من كل جهة على نشرها مجتمعة في كتاب). وقد استطاعت التغلب على مصاعب عدة من أجل نشر كتابها تحت اسم (من القصص القومي) في سنة 1958م والكتاب عبارة مجموعة قصص هي مزيج من التاريخ والأسطورة في أسلوب لا يخلو من روعة ورشاقة.

السيدة زعيمة الباروني في العام 1965م أثناء مقابلة صحفية أجرتها معها مجلة محلية ولم يلق الكتاب الذي قامت بطباعته على نفقتها الخاصة عند صدوره التعليق الذي يستحقه من النقد أو النقاد، باستثناء محاولة يتيمة من الكاتب محمود الفساطوي بجريدة الرائد، في معرض حديثه عن قضية المرأة في ليبيا، في مقالة بعنوان (القصص القومي وأنصار المرأة)، فهو لم يتعرض لنقد المجموعة من الناحية الفنية أو من ناحية المضمون، فما لفت انتباهه إلى الكتاب هو وجود أدب نسائي لم ينل اهتماماً كافياً، رغم ما يوضع أمام المرأة الليبية من عقبات وقيود، معتبرا الكتاب بداية مباركة لمستقبل أدبي عظيم.

أما الأديبة شريفة القيادي ففي دراستها التوثيقية للكتابة النسائية الليبية (رحلة القلم النسائي الليبي)، فتشير إلى أدب السيدة زعيمة بأنها حاولت إحياء الشخصية الليبية بكل أبعادها، فالكاتبة تتوقف عند كثير من التفاصيل في وصف الأزياء والعادات والتقاليد الليبية حتى وإن أساء ذلك للناحية الفنية في بعض الاحيان.

وهناك من يرى أن السيدة حميدة العنيزي هي الوجه التنظيمي للحركة النسوية الليبية، فإن السيدة زعيمة الباروني هي الوجه الثقافي لهذه الحركة.

فقد برزت في فترة الخمسينيات (المرأة قضية تنمية ووعي)، تـحت شعار (الـحجاب والسفور)، أي ثنائية الـحداثة والأصالة. مـحور الـجدل الدائر آنذاك، والذي لـم يتوقف. كان هذا الـجدل رجالـي الطابع فيما كانت المرأة تدخل مُعترَك الكتابة والقضايا الاجتماعية، فالسيدة زعيمة الباروني تكتب قصصها وتوقِّع بـ (بنت الوطن)، دون اهتمام مباشر بالـجدل الدائر، وكأن السفور عندها هو حالة الكتابة ذاتها، فالعرقلة نصيب كتاب (زعيمة البارونية) فكان لا بُدَّ من الـحذر وترك القصص بدون أسـماء، فالسيدة زعيمة تشير للإهمال الذي لحق بكتابها، والسبب في ذلك صاحب المكتبة الذي تعهد ببيعه فركنه في زاوية داخلية بالمكتبة فلم يلتفت إليه أحد. طُبِع هذا الكتاب فـي زمن غير زمن أهله، فكان نصيبه من الإهمال بل والعرقلة نصيب صاحبته (زعيمة البارونية)، فكان لا بُدَّ من الـحذر وترك القصص بدون أسـماء، وغيره. زعيمة البارونية (بنت الوطن).

وكانت إسهامات زعيمة الباروني غزيرة ومتعددة، كتبت المقالة الصحافية والاجتماعية، وهي أحيانا تخوض معركة من معارك الكلمة أو تنبه إلى قضية من القضايا وبين الفينة والأخرى كانت تعرج على الأدب فتكتب قصة أو خاطرة أدبية تظل مشحونة بكل همومها وإحساسها بوطأة الظروف القاسية التي كان يعيشها الإنسان في وطنها.

وكانت مقالاتها تفيض سحراً وبهاءً تهز القلوب والعقول حيث شاركت في مختلف الصحف والمجلات مثل مجلة (صوت المربي) الطرابلسية ومجلة الأفكار. مركزة اهتماماتها منذ البداية على قضيتين رئيستين أولاهما تربية النشء تربية سليمة بما يحقق ذاته ويصون أمجاده وتاريخه العريق ويحقق طموحه في ارتياد التقدم، والأمر الثاني هو حفظ تراث المجاهدين الذين ضحوا في سبيل هذا الوطن ومن جملة ذلك حفظ تراث والدها. ولها مراسلات قيمة في مثل هذه الشؤون العامة مع أخيها تدل على مبلغ علمها وثقافتها وأخلاقها وإخلاصها لمبدئها، امتازت هذه السيدة الفاضلة بأسلوبها القصصي الشيق، الخفيف الروح.

كما أخرجت زعيمة للمكتبة الليبية مجموعة من الكتب منها كتاب صفحات خالدة من الجهاد الليبي للمجاهد سليمان الباروني، جمع وترتيب زعيمة سليمان الباروني، وديوان (السيف الوقاد) تأليف إبراهيم بن قيس الحضرمي تحقيق زعيمة الباروني، وهو كتاب يتحدث عن مفاخر العروبة والإسلام. فمن وجهة نظر السيدة زعيمة الباروني ضرورة الاستفادة من كتب التراث ذاكرة ذلك للأديبة لطفية القبائلي في مقابلة معها في مجلة البيت في العام 1969م: (نصيحتي لهؤلاء الشباب أن يستفيدوا من كنوز الأدب القديم ويفهموا ويطبقوا ويجربوا).

وكانت السيدة زعيمة متعلقة بوالدها سليمان الباروني تعلقاً كبيراً، وترك ذلك اثر عميق في حياتها، فمن ضمن مؤلفاتها (أبي كما عرفته) وهو كتاب عن حياة والدها سليمان باشا الباروني، وورثت زعيمة الروح الفدائية عن والدها العظيم، واختارت لنفسها حياة الانقطاع من أجل عملها ووطنها ومن أجل أبناء أخيها إبراهيم فلم تتزوج، وبذلت الوقت والجهد لتربية أبناء أبناء أخيها إبراهيم فكانت تقول: (إني أعاهد الله أن أبذل جهدي في تنشئة أبناء أخي التنشئة التي أرادها لهم جدهم المرحوم الوالد الباشا ولو كلفني ذلك آخرة قطرة من دمي).

كما كانت من العضوات المؤسسات لجمعية النهضة النسائية في طرابلس سنة 1958م، حيث شاركت من خلالها في مؤتمرات خارج ليبيا تهتم بقضايا المرأة منها، مؤتمر المرأة الأفرو آسيوية بالقاهرة سنة 1960م، برفقة السيدة حميدة العنيزي رئيسة جمعية النهضة النسائية ببنغازي.

وتذكر السيدة زعيمة عن رأيها في الجمعيات النسائية الليبية ومنها جمعية النهضة النسائية بطرابلس، (أنها تحاول جميعها تحاول ليس أكثر، فبالنسبة لجمعية النهضة النسائية في طرابلس، لها محاولات لا بأس بها، ولكن تغيير الرئيسة دائما يربك سير الجمعية، لأن كل رئيسة جديدة لها تخطيط غير الذي وضعته الأولى، وهذا الأمر يجعل الجمعية تحبو بعد أن كانت تمشي، لتعدد الخطط وتعدد البرامج، وقلة التنفيذ، ولكن إجمالياً أرى أن كل محاولة نسائية يجب أن تقابل بالتشجيع طالما أن غايتها سليمة، وأهدافها بناءة).

وربما السيدة زعيمة انسحبت من نشاط الجمعية في فترة ما من حياتها، وذلك لوجهة نظرها المذكورة أعلاها، على الرغم من إعادة تقييم التجربة النسائية الليبية من جديد في استطلاع أجرته مجلة المرأة الجديدة بعد تغير نظام الحكم في ليبيا عام 1969م، مع مجموعة من السيدات الفاعلات في تلك الجمعية ومنهن السيدة زعيمة، فذكرت: (رغم معاصرتي للحياة في بلادي من قبل الاستقلال، ورغم انتسابي لجمعية النهضة منذ تأسيسها في طرابلس وصداقتي مع جميع العاملات ومحبتي لحركة المرشدات، فإن ظروفي الخاصة لم تساعدني مع الأسف على العمل المستمر معهن ولهذا لا أخول لنفسي الحكم على مسيرة هذه الجمعية أو تقييم أعمالها، فإلى من كن مسؤولات حقاً، الرأي تبنى على الصحة وتنبع من النزاهة وشرف القصة). 

كما كانت من ضمن المشاركين في مؤتمر الكتاب والأدباء الليبيين المنعقد ببنغازي في شباط سنة 1973م.

بالإضافة لعدم توقفها عن الكتابة في المجلات والجرائد فقد كتبت في إحدى أعداد مجلة المرأة مقالاً ضمنته تهنئة حارة إلى خريجات إحدى الكليات العلمية في بلادنا في أسلوب أدبي رفيع مع إعطائهن النصح والإرشاد، كما أنها كانت ترى رغم الأصوات الرافضة لفكرة وجود أقلام نسائية ليبية فمن وجهة نظرها أن الواقع عكس ذلك، (أن الإبداع أو الخلق الإبداعي يبدأ بالتدريج إلى أن يأخذ مكانته اللائقة، وهكذا أدبنا، وعدم الاعتراف بوجود أدب نسائي من شأنه أن يحطم آمال الطبقة الناشئة من الكاتبات ويغلق الأبواب أمامهن، ويجب ألا نقارن أدبنا بأدب البلدان التي سبقتنا، والمفروض أن نبني على ماضينا إلى أن يخرج لنا إنتاج طيب).

توفيت زعيمة يوم الاثنين 10 أيار عام 1976م حيث نعتها الأديبة لطفية القبائلي في مجلة البيت الصادرة سنة 1976م: (لوعنا بنبأ وفاة المربية والأديبة زعيمة الباروني، أول من حمل القلم من النساء في بلادي، أول من تصدرت مطبوعاتها المكتبة الليبية كمؤلفة وأديبة ومؤرخة، إنها الابنة البارة، المرأة الوقورة دائما، المتدينة دائماً، أتخيلها بصوتها الخافت حتى ليصل إلى الهمس، أتخيلها الآن وهي تنصحنا في ساحة المدرسة: إياكن يا بناتي والبعد عن كتاب الله، إياكن وتضييع الوقت، أطعن والديكن دائماً، لا تبخلن على آبائكن بجهد، لا تهملن في إدارة البيت، فالفتاة الناجحة هي التي تنجح في الميدانين حتماً بيتها وعملها)، ملخصة حياة رائدة حقيقية ذات نظرة تقدمية في ما يخص حرية المرأة وتعليمها وتثقيفها، ومناضلة سياسية ساهمت في حفظ جزء من التاريخ الليبي من خلال وثائق والدها.

وسوم: العدد 875