الشهيد الشيخ عبدالله الحلاق

تُرى.. من هذا الشيخ المهيب، يقطع شوارع مدينة حماه بسمته الحسن وعمامته الصفراء ومعطفه القصير؟

ترى من هذا الشيخ الذي يمضي سحابة يومه في تعليم طلاب العلم الشرعي أمور دينهم، ويربيهم على أخلاق الإسلام، ويبث في قلوبهم الغيرة على هذا الدين، والحماسة لقضايا الأمة، والاستقامة على النهج الإسلامي السوي؟

ترى.. من هذا الخطيب المفوه، يعتلي المنابر، فيهزها ويهز سامعيه وهو يصدع بالحق، ويعلن موقف الإسلام، ولا يخشى في الله لومة لائم؟

إنه الداعية الشيخ عبدالله الحلاق.. أبو صالح، ولد الشيخ عبدالله في حي سوق الشجرة عام (1910) في أسرة علم وفضل ودين، في أسرة عرفت بآل الشيخ، فهو شيخ وابن شيخ، وجده شيخ.. وهكذا دواليك..

نشأ عبدالله على الدين والأخلاق القويمة، التي استقاها من والده الشيخ الوقور، الذي أرضعه لبان العفة والمروءة والشهامة وكل ما في الإسلام من قيم الخير.. إذ وجهه إلى دار العلوم الشرعية في حماة عام 1924، لينهل من معين علمائها العاملين الأبرار: الشيخ سعيد الجابي، والشيخ خالد المشنوق، والشيخ توفيق الصباغ، والشيخ محمد سعيد النعساني مفتي حماة، وعلى يد المربي الكبير الشيخ أحمد سليم المراد.

وفي عام 1927 انتقل إلى مدينة حلب، طالباً في المدرسة الخسروية الشرعية، حيث أمضى فيها ست سنوات، كانت مترعة بفيوضات المعرفة والتربية، ثم عاد إلى حماة، ليرفع لواء العلم الشرعي، والدعوة إلى الله، مع أساتذته وإخوانه، كالشيخ خالد الشقفة، والعالم المجاهد محمد الحامد، الذي اتخذ – فيما بعد - من زميله الشيخ عبدالله حلاق، مستشاراً له، يستشيره في كثير من القضايا السياسية والاجتماعية، لما عرفه فيه من ألوان الخبرة بالناس والرجال.

تسلم الشيخ عبدالله مديرية دار العلوم الشرعية، وانطلق يدير شؤونها، ويدرس طلابها، وينمي فيهم الحس الإسلامي والحس الوطني، ويلهب مشاعرهم ومشاعر الناس بخطبه الجريئة الصريحة التي يلقيها في جامع سوق الشجرة، ثم في جامع الأشقر، فجامع الشيخ إبراهيم.. فقد كانت خطبه تلك أشبه بالمحاضرات والتحليلات لسائر القضايا المستجدة التي تشغل الناس آنئذ كما كانت خطب إثارة يريد بها إثارة هؤلاء الناس، كيلا يخلدوا إلى الأرض، ويدعوا المفسدين المستعمرين يفسدون البلاد والعباد.

وعندما تداعى رؤساء الجمعيات الشرعية إلى اللقاء من أجل توحيد جمعياتهم والتنسيق بينها كان في طليعة المطالبين بتوحيدها، تحت اسم الإخوان المسلمين وكان بهذا من مؤسسي هذه الجماعة المجاهدة.. كما كان رئيساً لمركز حماة يرسي دعائم هذه الجماعة في حيويته ونشاطه وبذله السخي، الذي عُرف به حتى آخر لحظات حياته.

وعندما اشتعلت الثورة في حماة ضد المستعمرين الفرنسيين عام 1945 نهض بدور فعال في المعارك الطاحنة التي دارت في حماة إذ أشرك معه مشايخ جمعية العلماء في حماة التي كان يشغل أمانة سرها، كما قاد أعضاء الإخوان المسلمين فيها واستمر في جهاده حتى جلاء الفرنسيين عن سورية الحبيبة.

وعندما دعا داعي الجهاد لتحرير فلسطين من براثن الصهاينة عام 1948، كان الشيخ عبدالله على رأس كوكبة من مجاهدي الإخوان في حماة قادهم إلى بطاح فلسطين، وانضم إلى كتائب الإخوان الذين كان يقودهم الدكتور مصطفى السباعي المراقب العام للإخوان آنذاك وأبلى بلاءً حسناً هو وإخوانه الأبطال.

واستمر الشيخ في كفاحه السياسي بجرأة وشجاعة نادرتين يتصدى للطواغيت الصغار والكبار ينتقدهم مرة وينصحهم أخرى لا يبالي تهديداً ولا وعيداً إلى أن أقاله النظام الطائفي من جميع مناصبه عام 1970.

وفي عام 1980 منعه الطائفيون من الخطابة بمناسبة وبغير مناسبة ولكنه لم يأبه لذاك المنع، كما لم تقعد به سنّه عن مشاركة إخوانه وأبناء مدينته فيما يصبه الطائفيون عليها من أنواع البلاء، حاول تحذير الطائفيين فلم يرعووا عن غيهم، واستمروا في ضلالهم وضربوا عرض الحائط بكل نصح أو تحذير يوجه إليهم.. أنذرهم سوء المصير إن هم استمروا في ارتكاب الجرائم والمجازر بحق أبناء الشعب السوري عامة وأبناء حماة خاصة ولكنهم سخروا منه ومن سائر علماء الإسلام.

حتى إذا كان الثاني من شباط عام 1982 كانت مؤامرة النظام الطائفي مُطبقة على حماة وعلى أهلها الأبرياء وكان قصف من الجو والبر وكانت جرائم سوف يبقى التاريخ يتحدث عنها إلى الأجيال على مدى قرون، وكانت جريمة كجريمة هولاكو في بغداد عندما قتل العلماء والأدباء والشعراء والوجهاء ورمى بأطنان الكتب في قلب دجلة.

كانت جريمة السفاح أسد بقتل العلماء والأطباء والمهندسين والمثقفين في مدينة حماة ورمى بجثثهم في قلب العاصي، لتصبغ مياهه بالحمرة القانية، كما اصطبغت مياه دجلة بسواد المداد وكان فيمن قتله شيخنا علامة حماة عبدالله الحلاق في الثامن من شباط من العام 1982 أمام باب داره وعلى مرأى من زوجته وأولاده، قتلوه وهو في ثياب النوم ولم يراعوا شيخوخته لأن الوحوش لم تكن يوماً لترعى حق شيخوخته.

تغمدك الله بفيض رحمته ورضوانه (أبا صالح) ولن تذهب دماؤك سدى وإن يوم الثأر قريب وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

وسوم: العدد 688