الشهيد عبد القادر خطيب

عندما يتناول الكاتب حياة الشهيد المربي عبد القادر خطيب، يقف حائراً، خاصة إذا كان يعلم الحيز الضيق المتاح له من الزمن..

إذ ما عساي أن أكتب؟ وعن أي الجوانب أتحدث؟ وهل من المعقول أن أتناول في شهيدنا الجانب التربوي مثلاً، وأٌغفل الجوانب الأخرى من حياته وهي حياة حافلة بألوان شتى من الجهاد المتواصل، والعمل الدؤوب في مجالي الحياة كلها؟

فالأستاذ عبد القادر خطيب يعتبر من الرعيل الأول الذي حمل عبء الدعوة في حلب، وكانت له باعٌ طويلة في التأسيس للحركة، والسهر على تربية أجيالها المتعاقبة، تربية روحية، وتربية بدنية في آنٍ واحد. فقد أوتي فقيدنا نباهة وقدرة على استيعاب الشباب، يصحبهم في رحلاتهم الكشفية، ويكون السباق دائماً إلى خدمة الرحلة، والقبام بعبء الحِلِّ والترحال، بنفسية المؤمن المخبت لربه، العامل على نشر دعوته، عن أي طريق كان.. عن طريق الرياضة البدنية، أو عن طريق التدريس المجاني في البيت وفي المدرسة بعد الدوام، يعمل على إفهام الطلاب ما أشكل عليهم من مادة الرياضيات التي يدرسها، أو من مادتي التربية الإسلامية واللغة العربية، فقد كان فقيدنا بارعاً ومتمكناً من هذه المواد الدراسية، وكان يتخلل تلك الرحلات وهذه الدروس نصائح وإرشادات وترشيد، يعود منها بزادٍ جديد لدعوته ولحركته.. ومن هنا كان اشتهاره مربياً فاضلاً يشهد له الأعداء قبل الأصدقاء بالفضل في هذا المضمار، حتى غدت مدارس حلب تتسابق للتعاقد معه. أو التدريس فيها معاراً من التربية وقد حافظ على سمعته الطيبة هذه، حتى لقي الله شهيداً على أيدي الفجرة الغادرين من سرايا الدفاع.

أما كفاحه السياسي فقد كان فيه مُجلِّياً أيضاً.. قارع الحكام الطغاة والمستبدين قراع الأبطال، ودخل السجون والمعتقلات في سائر العهود المظلمة التي مرت بسوريا، لم تلن له قناة، ولم يأبه لإغراءٍ في منصب، أو تهديد في سجن أو تسريح.

وعندما كان يعتقل وعندما كان يشتد البلاء على الجماعة، يقف مواقف الرجال الرجال، ويأوي إليه إخوانه المعتقلون والمبتلون، يصبرهم ويشد من عزائمهم، ويذكرهم بأنهم اختاروا هذا الطريق بأنفسهم، وطريق الدعوات محفوف بالأشواك والمخاطر والأهوال، وما يزال بهم، حتى تطمئن نفوسهم، وتسكن قلوبهم.

وكان رحمه الله شديداً على أعداء الله، رياضياً قوي البنية، شجاع القلب، جريئاً في الحق، لا تأخذه في الله لومة لائم.

وكانت صفات القائد بارزة فيه منذ شبابه، فقد كان قائداً طلابياً ناجحاً.. ولعل من الطريف أن نذكر السبب في إطلاق كنية (أبو عبدو) عليه مع أن اسم ابنه الكبير أنس، وكان ينبغي أن يقال له: أبو أنس...

في أيام الانتداب الفرنسي خرج الطلاب في مدينة حلب في مظاهرة كبيرة ضد الفرنسيين، وكان الطالب عبد القادر خطيب أحد قادتها، وتوجهت المظاهرة نحو الثانوية الصناعية التي فرض عليها مديرها آنذاك الدوام ومنع الطلاب من الخروج في المظاهرة...

حاول الطلاب المتظاهرون اقتحام الثانوية، ولكن بابها الحديدي الضخم حال دون ذلك، فما كان من الطالب عبد القادر خطيب إلا أن يشق الصفوف، ويخبط الباب خبطة قوية بجسمه القوي، وإذا الباب ينفتح على مصراعيه، فهتف الطلاب، عاش أبو عبدو، وهم يقتحمون المدرسة، ومنذ ذلك اليوم، والناسُ لا يعرفون الأستاذ عبد القادر خطيب إلا أبو عبدو على عادة الحلبيين في تضخيم الرجل بهذه الكنية (أبو عبدو).

ولعل من أبرز صفات الأستاذ عبد القادر خطيب، التواضع، وحسن الإصغاء إلى محدثه، وكان يُلح على هذه الصفة: أن تحسن الإصغاء كما تحسن الكلام.. إلى جانب زهده في حطام هذه الدنيا، وتقواه وورعه وشدة تمسكه بتعاليم هذا الإسلام العظيم...

أما الصفة التي كانت متأصلة فيه وفي الأخ الشهيد عدنان شيخوني، رحمهما الله تعالى والتي يحتاجها كل داعية إلى الله في وقتنا الحاضر، وعلى مر العصور فهي أنه يجمع بين صفات الجندي والقائد في وقت واحد.

إذا كان مسؤولاً برزت فيه صفات القائد، وإذا كان مرؤوساً برزت فيه الجندية بأجلى صورها ومعانيها، طاعة وانضباطاً والتزاماً بالأوامر. وأدباً مع المسؤول حتى لو كان من تلاميذه أو ممن كان يوجههم ذات يوم.

أبا عبدو يا أبا الأبطال: أيمن وياسر وأنس.

أبا عبدو يا أبا الشهداء: أيمن وياسر وأنس.

أبا عبدو يا مربي الأجيال على الجهاد.

لقد غدر بك القرامطة الجدد عندما انتزعوك من بين أهلك وأنت مريض في شيخوختك ليذبحوك أمام باب بيتك، ويُلقوا جسدك الطاهر في عرض الطريق..

كما غدروا بالكثيرين من آباء الشهداء والمجاهدين، وكما قتلوا الأستاذين الجامعيين: الدكتور أدهم سفاف والدكتور نذير زرنجي.

ولطالما كنت تحدثنا عن غدر هؤلاء الأوغاد..

طب نفساً مع أبنائك الشهداء، ومع زملائك الشهداء، ومع طلابك الشهداء، فالذين خلفتهم من طلابك ومريديك، لن ينسوا الدم الزكي المُراق.

وسوم: العدد 688