أطباء أدباء من حلب

✿✦لا يُخْفى على أحدٍ أثرُ الموهبة في توجيه الإنسان وتكوينه فالموهبة طاقة خلاّقة، لا تقيّدها مهنة، ولا تحدُّ من طاقاتها العوائق فالمبدع الحقُّ يشقُّ طريقَه وسطَ الطرق الوعرة ويفجِّرُ طاقتَه كما ينبعث الماءُ العذب من جلمود الصخر فالإبداع الإنساني فوق القيود على مختلف أشكاله وأساليبه التعبيرية من رقص وتمثيل وموسيقى وشعر وقصة ونحت وتصوير وغيرها من وسائل التعبير التي تعتمد الصورة أواللون أوالإزميل أوالفرشاة والقلمَ والكلمة. إنَّ الإبداع الإنساني هبةُ من الله. ونبعٌ نميرٌ صاف، وهذا الإبداع إلهامٌ تصقلهُ الثقافةُ والتجربةُ والمتابعةُ والوعي المعرفيُّ لمكنوناته وذرّاته الخاصة به. هذا اللونُ من الجمال الإنساني ينطلق عفويّاً وذاتياً ليشكلَ جدولاً رقراقاً، يقترف إثمَ كتابته أوتعاطيه إنسانٌ امتلك وسائلَهُ، وأتقنَ التعاملَ معها. فراح ينفُخُ فيه من روحِهِ وثقافته وتجربتِه إلى جانب ممارستِهِ مهنتهِ التي يعيش منها ولذلك يُعْتَبَرُ وسيلة من وسائل الرقيِّ الإنساني عن طريقه يهرب الإنسانُ إلى عالمه المنشودِ وإلى السحرِ الحلالِ ممَّا يبتغيه. في تاريخنا الكثيرُ من الأدباء الذين امتهنوا حرفة يعيشون من دخلها إلى جانب إشباعِ أرواحهم العاشقةِ أوالمتعبةِ الحزينة. فهناك محامون ومهندسون وأطبّاء وغيرهم قد نبغوا في مجالات الأدب وتفوَّقوا على أقرانهم، وسطّروا اسمَهم في صفحات الكتبِ والنقد والإبداع.

✿✦هناك أسماءُ لامعةٌ نبغت في الأدب إلى جانب ممارسة مهنة الطبّ. وبعضهم طغت عليه صفة الأديب وأسدلت ستائرها على مهنته، فعُرِف بجانبه الإبداعيِّ على حساب مهنة الطّبِّ. والكتب القديمة تروي لنا عن أطبَّاءَ قدماءَ كانت لهم حكمتُهم وفلسفتُهم وآراؤُهم الأدبية، والسردُ التاريخي المعرفي يفيدنا في شدَِّ عُرا التواصل كيلا نعتبرَها ظاهرةً عابرة لا تتكرّر. فهي حقيقة جليَّة، تدعونا للتوقُّفِ عندها ومدى تأثير الأدب على الطبّ وبالعكس أيضاً...

إنَّ مهنة الطبّ مهنة إنسانية نبيلة، تحتاج للكلمة العذبة الرقيقة المؤثِّرة، وللحكمة البليغة الموجزة، وتحتاج إلى قلب رحيم دافئ. ولمواقف إنسانيةٍ شفيفة. وهذا أمرٌ يحرُص عليه الأدب الذي ينحوتجاه بناء الإنسان وتهذيبه وإعدادِه وبعث روح الأمل والثقة به،

وهذا الأدبُ متنفَّسٌ للإنسانِ من تبعات الحياةِ وهمومها، والطبيب واحدٌ من الذين تعترضهم حالاتٌ مؤلمة ومزعجة وملهمة، فهناك قصّة وحكاية وراء كلِّ مريض، وما أكثر الطرائفَ التي تمرُّ بالأطباء الذين يتعاملون مع مختلف شرائح البشر في طباعهم وتكوينهم وانتماءاتهم وهذه كلُّها تشكِّلُ رافداً ومادةً إبداعية ثريّة يستفيد منها وتغنيه بشكل مباشر أوغير مباشر. فالإبداعُ ملاذٌ ومرفأ للروح والبدن والمهنة مخزنٌ مليء بالمواد الأولية التي تُثْري التجاربَ الإنسانية.

✿✦من الكتب التي ترجمت للأطباء كتاب (عيون الأنباء في طبقات الأطباء) لابن أبي أصيبعة المتوفى سنة ستمئة وثمان وستين للهجرة، والمولود في دمشق سنة خمسمئة وثمان وتسعين هذا الكتاب يحوي الكثير من تراجم الأطباء عبر التاريخ وعلى مختلف الأجناس والأقاليم. وفي هذا الكتاب ذكر وترجمة لأطباء قالوا الشعر، ونطقوا بالحكمة، ومنهم الفلاسفة (أفلاطون – أرسطو– أرسطوطاليس) وجالينوس الذي يذكر في كتابه، محنة الطبيب الفاضل، إني منذ صباي تعلمت طريق البرهان ثم إني لما ابتدأت بعلم الطب رفضت اللذات، واستخففت بما فيه من عرض للدنيا ورفضته. حتى وضعت عن نفسي مؤونة البكور إلى أبواب الناس للركوب معهم من منازلهم وانتظارهم على أبواب الملوك.... لكن أشغلت نفسي ودهري كله بأعمال الطب والروية والفكر فيه...

ولست بصدد استعراض الكتاب الذي يستحق أكثر من وقفة ودراسة. وقد أصدرت مجلة الهلال المصرية عدداً خاصاً بعنوان «أطباء أدباء» عدد آذار عام آلف وتسعمئة وثلاثة وسبعين وفيه ذكر واستعراض لهذه الظاهرة. فهناك ذكر للطبيب اللامع ابن سينا الملقب بالشيخ الرئيس والمعروف بقصيدته الفلسفية الصوفية، العينية، هبطت عليك

من المحل الأرفع

محجوبة عن كل مقلة عارف

وصلت إلى كره إليك وربما

ورقاء ذات تعزّز وتمنّع

وهي التي سفرت ولم تتبرقع

كرهت فراقك وهْي ذات تفجّع

وذكرت المجلة تعريفاً بالطبيب اللغوي الأديب أحمد عماد عضومجمع اللغة العربية. وفيها تعريف بأطباء أدباء من الأندلس منهم (الشاعر أمية بن عبد العزيز الداني) وهومتنوع المواهب، وقال فيه الدكتور أحمد هيكل: أكان أميّة طبيباً يهوى الطب. أم كان طبيباً يهوى الأدب؟ بل نتساءل – ونحن في دهشة بالغة – أكان مهندساً أم فلكياً أم فيلسوفاً أم مؤرخاً أم موسيقياً أم طبيباً أم أديباً..؟

ومن شعره في الطبيعة:

خضر خمائلها، زرق جداولها

دوح وظلّ يلذّ العيش بينهما

يجري الغشيم على أرجائها دنفاً

فالحسّ مؤتلف فيها ومختلف

فذا برفُّ كما نهوى وذا يرف

وملؤه أرج يشفي به الدنف

✿✦ومن الأطباء المشهورين في الوطن العربي والذين عرفوا بشهرتهم الأدبية الدكتور القاص يوسف إدريس. والشاعر الرقيق إبراهيم ناجي صاحب قصيدة الأطلال المشهورة، والدكتور الشاعر احمد ذكي أبوشادي وكلاهما لم يكتفيا بقول الشاعر ونظمه بل كانت لهما نظرة في الحركة الشعرية ودعوة للتجديد.

فقال الشاعر خليل مطران في تجربة الشاعر أحمد زكي أبوشادي، في ديوان «أطياف الربيع» فاجأ هذا الطبيب الشاعر الأديب السليقة العربية مفاجأة جاوز بها جراة المجترئين على التجديد من قبل ولم يرعَ أن تلك السليقة بطيئة في تحولها، حريصة على مألوف يسرّها ويرضيها، وما زالت متشبعة باقتناعها أن فيها الكفاية والغناء عن كل ما سواه، وفي العراق أدباء أطباء منهم ابن شبل البغدادي الملقب بشاعر المشيب، والشاعر الأديب البديع الاسطرلابي والشاعر الطبيب أبوالقاسم هبة الله ابن الفضل وكان شاعراً خبيث اللسان، وهوالذي أطلق لقب «حيص بيص» على الشاعر الأمير أبي الفوارس. وهناك في الأندلس الفيلسوف الفقيه الطبيب ابن رشد

ويمكننا أن نذكر بعض أسماء الأطباء الأدباء في الأدب الفرنسي المعاصر. ومنهم «جورج وهامير» صاحب كتاب دفاع عن الأدب وصاحب رواية «مغامرات سالافان» والتي اتبعها ب «آل باسكييه» وهناك الطبيب الروائي «فرديناند وتيوش» صاحب كتاب «رحلة إلى نهاية الليل» وهذا الكتاب شاع وانتشر وقوبل بحماس. وله رواية «موت على الحساب»

✿✦وأما في الأدب الانكليزي فهناك أسماء كثيرة منهم جون كيتس الذي هجر الطب إلى الأدب والشعر خاصة. وهناك الروائي «توبياس سموليت» وفي رواياته التي تقترب من قصص الشطار. «روديريك راندوم» و«رحلة همغري كلينكر»

✿✦وفي سوريا مجموعة متميِّزة من الأدباء الأطباء الذين بصموا، واشتهروا كأدباء لامعين لهم محاضراتهم وكتبهم ودواوينهم الشعرية ورواياتهم. ولهم حضورهم الثقافي المستمر في مقدمتهم الأديب المرحوم الدكتور عبد السلام العجيلي الذي سطّر اسمه الإبداعي بما امتلكه من موهبةٍ وخُلُقٍ وانتماء وأدب وتواضع. وكانت مهنته الطبيّة منهلاً للكثير من ابداعاته وخاصة في مدينة الرقة المتكئة على نهر الفرات، فاسمهُ ارتبط بها، وارتبطت به اعتزازاً، وقد أسَّس لجيل متميِّز من كتاب القصّة. ومن حمص يطلُّ علينا الشاعر والمترجم الدكتور شاكر مطلق وقد أغنى المكتبات بأشعاره وترجماته في الدوريات العربية والمحلية، وإلى جانبه ينطلق صوت الشاعر والباحث جمال الدين خضور طبيب القلبية في حمص وللدكتور جمال الدين خضور حضور ثقافي متوهِّجٌ اكتسبه من غزارة إطِّلاعه ومحاكمته للواقع الثقافي والموروث التاريخي فله رؤية عقلية نزقة وفي مدينة حماه يطل علينا الشاعر المحبوب الطبيب وجيه البارودي بغزله وسخريته ودعابته. وأذكر من أدباء دمشق النزارين، الدكتور الشاعر نزار بني مرجة والشاعر الدكتور الجراح نزار بريك هنيدي وكلاهما حاذق في مبضعه وكلمته وعطائه، وقد ترأس الدكتور بريك هنيدي جمعية الشعر في اتحاد الكتاب العربي وحظي بالتكريم وكنتُ رفيقاً له في مهرجان الرمثا الشعري في دورته العاشرة عام ألفين وأربعة. مع لفيف من الشعراء العرب ولمدة ثمانية أيَّام. والدكتور نزار بني مرجة درس في حلب وأحبَّها وكتب عن الأستاذ محمد قجَّه وعن شقيقه الشهيد المرحوم محمد منير قجَّه. ويطلُّ على المدينة في الأمسيَّات والمهرجانات وكلاهما له عدَّة مجموعات شعرية مطبوعة.

✿✦ومن إدلب يبزغ نحم الأديب الطبيب صالح الرحّال وهومختص بأمراض الأذن والأنف والحنجرة ويكتب الشعر والرواية ومعروف بكدِّه وسعيه مجرِّباً في مجال الابداع ويحمل حسَّاً شفيفاً يوصل به إلى النزق الجميل. ومن اللاذقية يلمع اسمُ الأديبة طبيبة العيون هيفاء البيطار، تكتب القصة والدراسة والزاوية الصحفية الرشيقة الماتعة.

✿✦هذه بعض الأسماء التي تذكرتها د ون البحثِ والتقصِّي وجمعِ جميعِ الأسماء وهذا بعيدٌ عن موضوعي، ولكن أحببت التنويه الذي جاء مطوَّلاً لخدمة البحث، والتقصِّي والدراسة الشاملة ربّما تكون في كتاب مستقلٍّ.

✿✦آن التوقّف في مدينة حلب التي تحتفي بنخبة لا بأس بها من الأدباء الأطباء، وبعضهم تجاوز حدود المحليّة إلى خارج القطر بسمعته ومكانته، وهذه الطاقة الجميلة منوّعة وملوّنة تلتقي في الأدب وقد لا تلتقي في اتجاهات الأدب ووظائفِهِ ومفهومهِ. وهذا أثرٌ جميلٌ وليس هذا قصدنا، لذلك أجد صعوبة في التصنيف وسوف أتجاوز الولادة والنشأة وأقتصر على من يمارس المهنة في مدينة حلب، ولن أسلِّط سيف النقد بل سأحترم إبداعهم وأقبلُه إبداعاً إنسانياً يهذِّب النفس ويوقظ الروحَ ويدغدغ المشاعر بالكلمة العذبة والمعنى النبيل. وإني سعيْتُ جاهداً وأرجوالمعذرة إن غفلت عني بعضُ الأسماء، ربَّما لتقصير منِّي وهوالأغلب أولعدمِ معرفتي بالأدباء الذين أغفلتهم أولأنهم يقترفونَ الإبداعَ على خجل واستحياء، فابتعدوا عن الوسط الأدبي حضوراً ومشاركة وإنتاجاً، أولعدم تجاوبهم الأمثل وهذا حدث مع بعضهم للأسف.

والغايةُ من البحث إزكاء الدافع فيهم، وتحريضهم على المغامرة واقتحامِ سدود الخجل والعزلة ليشكلوا فريقاً جميلاًَ يتغنى بالكلمة الرقراقة والصورة الفاتنة والفكرة الساطعة. لامَسْتُ أدبهم برويَّة ومحبّة وتقدير وكنت على مساحة واحدة من الجميع، وحسب حدود معرفتي ومتابعتي رغم صعوبة البحث والتواصل، ولن أنحاز إلى شكلٍ أدبي أورؤية على حساب غيرها. هؤلاء الأدباء يشكلون حديقة أدبية فيها من الأشجار المثمرة اليانعة وبعضها ينتظر الانجاز وبعضها شامخٌ وأخرى تنموعلى استحياء. فيها ما لذَّ وطاب هؤلاء الأدباء جمعهم حبُّ الأدب واعتزازُهم وإيمانُهم بدور الكلمة.

ستكونُ أولى محطّاتي مع الأدباء الذين فارقوا الحياة وتركوا آثاراً إبداعية جميلة فهذا الدكتور خالص الجابري المتوفى عام ثمانية وثمانين وتسعمئة وألف. مختصٌ بالجراحة العامة وصدرت له عدّةُ روايات (قف أنا دخيلة عليك) 1969 و(حب في زحل) 1971. وله كتاب تأملات وخواطر وكانت له اهتمام بالرسم والفن والسينما وهوصاحب أول شركة سينما.

✿✦ويلمع ذكر الأديب (سلمان قطاية) المتوفى عام ألفين وأربعة وهودكتور مختصٌ بالأذن والأنف والحنجرة، وكانت اهتماماته العلميةُ والأدبيةُ غنيَّةً ومتميِّزة، كان يحب العمل والمساهمة والانطواء تحت جناح الجمعيات العلمية. كتب في الطب والمسرح والقصة، وله مشاركة في الفن التشكيلي وحاصلٌ على عدة جوائز. طبع له بحدود خمسةٍ وعشرين كتاباً بالعربية والفرنسية منها (المسرح العربي من أين وإلى أين؟) – (نصوص من خيال الظلّ في حلب) – (ابن النفيس –سلسلة أطباء العرب) – (الطب والصيدلة في المكتبات العامة بحلب) ويحضرني التساؤل المرُّ ألا يستحق إحياء ذكرى وفاته وتكريمه وإجراء ندوة عنه...؟

✿✦ أتوقّف عند الدكتور الأديب (كيفورك تيميزيان) المتوفى عام ألف وتسعمئة وتسعة وتسعين وكان له حضور ثقافي جميلٌ في مجال الطب والأدب وحصد الكثير من محبَّة الناس فهومختصٌّ بأمراض القلب، وممَّن وطَّدَ العلاقاتِ العربيةَ الأرمنيةَ، وترأَّسَ جمعيةَ النهضةِ وله ثلاثُ مجموعات شعرية بالأرمنية – بحر وجزيرة – و– حركة – و– سرينادْ....

وتُرْجِمَ الأخيرُ إلى العربية عن طريق الدكتور غسَّان كجّو، ومن هؤلاء الأدباء الدكتور طه إسحاق الكيالي المتوفى عام سبعة وتسعين وتسعمئة وألف وهومختصٌّ بالتخدير والإنعاش، ودرَّس في كلية الطبّ بحلب ومعهد التراث العلمي العربي، وقد ترك مجموعة من المخطوطات منها (أدب الأطباء) و(حلبيّون منسيّون) وله (المستدرك لإعلام النبلاء في تاريخ حلب الشهباء للطباخ) وأصدر بالاشتراك ترجمة كتاب (حياة بعد حياة) للباحث الأمريكي (ريمون أجودي) ومن محاضراته الجميلة التي قدّمها (الطبيب الملاك والطبيب الشيطان).

✿✦ومن الأطباء الذين أنجزوا كتباً في الأدب والفكر الدكتور عبد الرحمن الكيالي المتوفى عام تسعة وستين وتسعمئة وألف. وقد تولّى منصب وزارة المعارف ووزارة العدل، ووزارة الاقتصاد، واستلم رئاسة الحزب الوطني وكان عضواً في المجمع العلمي العربي ورئيس جمعية العاديات ومن كتبه الصادرة:

- الجهاد السياسي والردّ على المفوّض السامي (بونسو)

- شريعة حمورابي.

- أضواء وآراء من جزأين.

- المراحل من أربعة أجزاء...

✦✿✦ وتذكرُ حلبُ أسماء عدّة أطباء أغنى حضورُهم وأبحاثُهم المشهد الثقافي في المنتديات والمجالس وفي عياداتهم. منهم الدكتور بدر الدين زيتوني المتوفى عام ألفين واثنين، وقد امتلك عقلاً تحليلياً ومركّباً معاً في معالجته للقضايا التراثية التي آمن بها ودافع عنها بما يملكه من غيرة ومعرفة واجتهاد في مجال البحث عن الجذور والآثار، كتب الكثير من الأبحاث وحاضَرَ في المركز الثقافي وجمعية العاديات واتحاد الكتاب وهوأوّل من طرح قضيّة الفكر الكنعاني على منابر حلب وصحف سوريا، ويعتقد أن الفكر الكنعاني أوّل مجتمع قام على أرض الوطن العربي الكبير بين الفرات والنيل والكنعانية تمثّلُ الاستقرار الأول للمجتمع الأول وكانت له اهتماماته بعلم الأعشاب والتداوي بها ونال تكريم محافظة حلب.

✿✦وأتصوّر أمامي الدكتور المرحوم إحسان شيط بقامته اليافعة ونظرته الثاقبة، وهوطبيب أطفال وكان معروفاً بحسِّه الفنِّي والإنساني ونزقه البريء الذي يلامسك دون أن يزعجك وقد عُرِفَ بتعامله الإنساني مع المرضى وكان موطن حبِّ الأدباء والفنانين وله عدة أبحاث في الدراسات الهندسية عن العمارة الإسلامية وغير الإسلامية، وقد أعدَّ حلقات أسبوعية خاصة عن مدينة حلب ومعالمها وآثارها وكان يهوى فن التصوير وهوصاحب فكرة فرقة الجلاء الفنية لجمعية العاديات التي كان عضواً إدارياً فاعلاً بها وكان رئيساً لجمعية الشهباء. ومن المفروض ألا تنسى حلب الدكتور الشاعر علي الناصر الذي توفي عام ألف وتسعمائة وسبعين غيلة على مكتب عيادته وقد ضاع دمه هدرا، ولم يمش وراء جنازته إلا قلة من الناس. والشاعر الطبيب معروف بشاعريته المتألقة وموهبته المتوثبة وريادته مع بعض أبناء جيله لقصيدة التفعيلة والشاعر يقرأ نهايته أحياناً وهذا ما يبدوفي هذه الأبيات:

أيها الغيبُ ! دع ختام حياتي

لا تعكِّرْ عليَّ بهجةَ سكري

إنَّ في الغورِ من خرائب نفسي

غفلةً، كي أجابهَ الأقدارا

بخمَارٍ فقد سئمت الخمْارا

عازفاً جنَّ، يقضم الأوتارا

وكانت عيادته موطن عمله ومكتبه وبيْتَه في آخر حياته وكان يعتز بشاعريته وإحساسِه، ونشرَ في مجلة الأديب البيروتية وغيرها وكان عازفاً عن نشر دواوينه فقد نشر مطلع شبابه ديوان (الظمأ) ولم يجد من الاستجابة إليه ما تمنّاه فانعكس ذلك على نفسيته وهذا يعود إلى اقتراب تجربته من تجربة الشعر الغربي الذي لم يكن مألوفاً لدينا في البداية، ثم انقطع ونشر ديوان (سريال) وهومشترك مع صديقه الشاعر أورخان ميسر والذي يميل إلى التجريد. ولم يصل إلى مستوى ديوانه الأول، وصدرت له دواوين أخرى منها. قصة أيام، قصة الكون الثاني – الأغوار – الحديد... وديوانه الأخير (اثنان في واحد) وقد كتب مقدِّمتَهُ الدكتورُ الأديب عبد السلام العجيلي ومما قال فيه: (إنه يقع على عوالمَ غريبة، ومشاعرَ غريبة وتشبيهاتٍ غير مألوفة، وصورٍ تصلُ إلى حدِّ النشوز وله أربعة مخطوطات، ويستشهد الأديب خليل الهنداوي بدراسته عن الشاعر علي الناصر بقصيدة له وردت في ديوان (اثنان في واحد الذي يكثر الاقتراب فيه من الموت، فيعتبرها تنضم إلى مصاف القصائد العربية بل العالمية:

تلاقيتُ والموتُ وجهاً لوجهٍ

ظواهرُ فيها الودادُ الأكيدُ

تلاقيتُ والموتُ في حانةٍ

تلاقيتُ والموتُ في معبدٍ

تلاقيتُ والموتُ في غادةٍ

تلاقيتُ والموتُ طيَّ الربيع

تلاقيتُ والموتُ.... لكنني

فلا هويُظّهِرُ مكنونَهُ

تلاقيتُ والموتُ وجهاً لوجه

فكان ابتسامٌ، وكان ازدراءُ

وأخرى يتمتم فيها الرّياءُ

يهلهِلُ في زائريها الرجاءُ

يتمِتمُ في مؤمنيهِ الشقاءُ

يرى الغدرُ فيها شقيقَ الوفاءِ

وطيَّ الخريفِ وطيَّ الشتاءِ

وإيَّاهُ دوماً نجيد الدهاء

ولا أنا أهتك سرَّ الخفاء

فكان ابتسامٌ، وكان ازدراء

وقد أنصفه الروائي فاضل السباعي في الكتاب الثاني من سلسلة أدباء من حلب في النصف الثاني من القرن العشرين وكانت بينهما جلسات ورسائل وبوح، وشعره يزاوج بين العاطفة والفكرة ويعتبره من روّاد قصيدة التفعيلة في الشعر العربي وأعتقد أن نهاية الدكتور علي الناصر ومسارَ حياته يشكّلُ مادة إبداعية للدراما مع المرحوم خير الدين الأسدي

أكتفي من ذكر الأموات رحمهم الله وأتوقف عند بعض تجارب الأدباء الذين يُغْنون المشهد الثقافي بإبداعهم وتجاربهم وحضورهم. فهناك طاقة جميلةٌ تتابعُ وتشاركُ وتنشر زواياها ومقالاتِها وكتبَها في الصحفِ والدورياتِ فدكتور العينية سمير أنطاكي وهوعضوفي أكثر من جمعية وكان محاضراً في جامعة حلب. له مؤلفات طبية وغير طبيّة منها (الحب أعمى) ومنها (روّاد طب العيون في سوريا) وكلاهما من وحي الاختصاص. وله مقالات وقصص منشورة في صحيفة الجماهير ومجلّة الضاد والصحف اللبنانية وبعضها ترجم إلى الأرمنيّة... وكذلك زميل اختصاصه ورفيق مهنته الدكتور الكسندر كشيشيان، وقد عرف من خلال اهتمامه بالآثار والتراث، ويتقن أكثر من لغة ومن مؤلفاته وكتبه (قتل أمّة 1913 – 1916) وهوترجمة صفحات وثائقية من جريدة التقدم الحلبية. يتناول الأحوال الأرمنية والعربية في الدولة العثمانية والبلاد الشامية، وله كتاب (النظام النقدي في الدولة الأموية والعباسية) وله كتاب (الدليل الموسع للأوابد السورية) وهوعضوإداري في جمعية العاديات.

✿✦ومَنْ لا يعرف الدكتورَ محمد بشير الكاتب المختص بالجراحة الصدرية، وعميدَ كلية الطبِّ سابقاً وابنَ رجلِ العلمِ والثورةِ والنضالِ أحمد صفا الكاتب.. فالدكتور بشير معروف بخلقِهِ ورقةِ طبعهِ ولغتِهِ المعافاة وثقافته المدفونة في أعماقه. والدكتور الكاتب لا يميل إلى شهوة الكلام، لذلك يحرص على تقديم المفيد والنافع في الندوات والمحاضرات والصحف، وله مشاركات عديدة، وهورئيس جمعية العلوم لعدَّة دورات وله أبحاثه الطبية ومقالاته الاجتماعية وحظي بتكريم من جامعة حلب ونقابة الأطباء وجمعية العلوم وكان تكريماً يليق بعطائه وخلقه.

✿✦وللدكتور المعروف عامر شيخوني مبادرات أدبيَة واجتماعية وموسيقية إضافة إلى مهنة الطب، فقد ألقى عدَّة محاضرات وشارك في الكثير من الندوات على المنابر الثقافية وذلك في الموسيقى والطب والأدب وحفلات فرقة الجلاء. وإلى جانبه طبيب القلبية مصطفى ماهر العطري الذي ينشر مقالاتِه ودراساتِه في المجلات الطبيّة والعلمية وله زوايا في صحيفة الجماهير الحلبية، ويتعامل مع اختصاصه بروح أدبية رقيقة ويسعى إلى تأديب العلم عامة والطب خاصة ويعمل على إبراز إنسانية الطب وينطبق هذا على الدكتور محمد نهى شيط المختص بعلم الأغذية، فقد قدَّم نفسه باحثاً حاذقاً في مجالات علم الاجتماع والعلوم وفي فترة وجيزة على منابر مديرية الثقافة وجمعية الشهباء.

✿✦وللدكتور زهير أمير براق مساحةٌ طيَّبةٌ في ذاكرةِ الناسِ فهوطبيبُ عظميةٍ ولكن له حضورهُ الثقافيُّ والاجتماعيُّ في مجال الأدب والمسرح والكتابة الدرامية للتلفاز، وقدم نفسه كاتباً دراميّاً متمكّناً من أدواته، وقد أعدَّ عدَّة مسرحيات منذ يفاعته. فأعدَّ مسرحية (غداً تشرق الشمس) وأخرجها نادي شباب العروبة الذي ترأَّس إدارته فترة، وعرَّب مسرحية (ثمن الحرية) وكتب عدَّة تمثيليات إذاعية ومسلسلات كوميدية للإذاعة منها (صور اجتماعية ضاحكة) ومن المسلسلات (الجذور – الطبيبة – وحصاد السنين – وقلوب دافئة – والحريق) وأنجز مع الشاعر يوسف طافش والدكتور واهه سيسريان مسلسل (حي المزار) والذي قدّم صورة درامية عن إمكانية العمل الجماعي، وكذلك له نشاطاته الأدبية والفنية في نادي شباب العروبة، وهومن أسَّس فرقة نقابة الأطباء في حلب. وربَّما يغيب عن بال الأكثرية نشاطُ دكتورِ السنيّة (محمد فؤاد الذاكري) وهوباحث في التراث العلمي العربي ومحقّق له، وله مبادرات في قضايا المصطلح الطبِّي، ويهتم بتاريخ العلوم الطبيّة تحقيقاً ونشراً ومن إصداراته: (في حفظ الأسنان واللّثة واستصلاحها للعالم العربي حنين بن إسحاق) و(في بيان الحاجة إلى الطبّ والأطباء ووصاياهم للعلامة (قطب الدين محمود بن مسعود الشيرازي) (وشارك في تحرير موسوعة أعلام العرب والمسلمين الصادرة عن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم. وله مشاركات في العديد من المؤتمرات العلمية، وله بالاشتراك مع الدكتور محمد منير أبوشعر كتاب (علم الفلك الطبّي)....

✿✦ومن بين هذه الأشجار الوارفة بالعطاء نجد الدكتور المصري سيد الحديدي المقيم في حلب من فترة لا بأس بها. وهومدرِّسٌ في كلية الطب وهوغزيرُ الإنتاج ومشاركٌ في العديد من المؤتمرات العالمية، وله أكثرُ من خمسين مؤلفاً في العلوم الطبيّة والمعجمية وإلى جانبها مجموعةٌ قصصيةٌ بعنوان (جمهورية طلبة الطب) الصادرة عن دار أفنطة وقد حوت عشرَ قصص قصيرة، وله كتاب محاضرات في الطبّ والحياة فيها ما هوطبيّ يتناول موضوعات ساخنة كالاستنساخ والهندسة الوراثية والسمنة، ومحاربة الميكروبات، وقدَّمها بأسلوبه الأدبي وهناك أربع محاضرات في موضوعات إنسانية مختلفة – النار في الأساطير والأديان – كوارث الطبيعة والإنسان – شخصيات صنعت الموت ونشرت الدمار – وله في الشعر، أبجدية حروفها دموع. وهومجموعة قصائدَ ينتظمها الإيقاعُ التفعيلي وقصيدةُ النثر وبلغةِ شعرية موحية:

دعوني أسافر

في عمق الأحزان

أنسى الماضي والحاضر

ألغي المستقبل

وكلَّ الأزمان

دعوني

أفزعُ من عمق السجن

قلباً يصرخ

روحاً تبكي وتئنُّ

دعوني أنسف تلك القضبان

وأسحق هذا السجّان.

✿✦وللدكتور حديدي أعمال أخرى ستصدر ومنها مجموعتان قصصيّتان ويصحبنا الدكتور الأديب وليد السباعي المقيم في حلب قادماً من حمص ومختصاً بالعلاج الفيزيائي من يوغسلافيا.وهوعضواتحاد الكتاب العرب، كتب القصة القصيرة والروية والدراما التلفزيونية، وحصل على عدّة جوائز أدبية، طبع له: (رجال بأربعة أصابع) رواية مترجمة عن وزارة الثقافة وله رواية مترجمة (الفناء الملعون) وله رواية (تمرّد البلقان) وكتبها باليوغسلافية. بالإضافة إلى أعماله الخاصة، ولقصصه عالمُها الخاص وجاذبيتها الشائقة القادرة على شدِّ انتباه القارئ أوالمستمع لأنها تعتمد على شيء من الغرائبية.

✿✦وفي مدينة إعزاز الوادعة يُمْضي الشاعرُ الدكتور عادل المصري الكثير من أيّامه في عيادته بين المرضى والأصدقاء، يلتفّ حوله الأدباءُ الشبابُ ومثقفوالبلدة وهومن المنشِّطين للمركز الثقافي في إعزاز. والدكتور الشاعر عادل المصري كتب الشعر مبكراً، وله الكثير من القصائد التي ألقاها في المنتديات الثقافية وشارك في عدَّة مهرجانات شعرية وهومن الشعراء الحريصين على التراث وعلى جذوة الجملة الشعرية المحبوكة بإحكام وله محاولات جيدة في التشطير وقصيدة التفعيلة، ويبحث عن معجم خاص له في شعره فيحيي بعض المفردات التي كادت تهمل ولم يطبع بعد أعماله وهذه دعوة له لطباعتها يقول في إحدى قصائده:

صديقي يا بنَ واحاتٍ ونخلٍ

ملكتُمْ من صفاءِ الحرفِ.... كَنْزاً

عظامُ القحفِ تجمعُها دُروذٌ

وبيتُ الشعر إن لم يعط معنى

يكنْ كالدودِ تحت الأرضِ أمسَتْ

ألغِّزُ ما أشاءُ من المعاني

لها في الشامِ.... زيتونٌ وأَرْزُ

فلِمْ لا يعتليَ كالشمسِ كَنْزُ

يُشَوَّهُ حبكُها إنْ شذَّ دَرْزُ

معنّى.... لا يحَرِّكُ أوْ يهزُّ

شرانِقُهُ تراباً لا يقزُّ

ويُسْعدني إذا ما حُلَّ لغزُ

✿✦ تدرّجْتُ بالحديث عن الأدباء لأصل إلى مجموعة من الأدباء الأطباء الشباب الذين ما زالوا في سنِّ الشباب وقد تجاوزه بعضهم، وكانت لهم تجاربهم ومشاربهم الأدبية في حركة الأدب النقدية والفنية فالدكتور الجرّاح الشاعر محمد فؤاد قدّم نفسه على منابر الجامعة شاعر قصيدة نثر مع لفيف من زملائه كالدكتور بسَّام الحسين وكلاهما امتلك أدوات القصيدة، فقد صدرت للدكتور محمد فؤاد ثلاث مجموعات:

طاغوت الكلام

المتروك جانباً

قالت بيدبا.

والديوان الرابع قيد الطبع بعنوان (الداء الحيوان) بالإضافة إلى مجموعة مشتركة بالفرنسية مع الشاعرين نزيه أبوعفش وممدوح عدوان، وصدر في عدد مجلة (الفعْل الشعري) مجموعةٌ مشتركة مع شوقي بغدادي ونزيه أبوعفش ولقمان ديركي ومنذر مصري.

وقد مثَّلَ سوريا في مهرجان «شعراء المتوسط» في فرنسا – مونبليه، في العام الماضي، ودرس تجربته الأستاذ الناقد محمد شويحنة في دراسة ستصدر في الجزء الرابع من كتاب أدباء من حلب في النصف الثاني من القرن العشرين.... يقول الشاعر محمد فؤاد في إحدى قصائده:

الفرصة الأخيرة

التي أعطتني إيّاها في التاسعة مساءً

لأرى العالم من زاوية منفرجة

أنتِ الآن تعرفين

في آخر أيّار في العالم الثالث

في الألف الثالث

أنني ضيَّعتها

ونزلت عن الرفّ.

وللدكتور الشاعر مسلّم الزيبق تجربة في الشعر فقد صدر له ديوان (سوناتات للفرح) عن دمشق وربّما يكون له غيره، ومن بين هؤلاء الأطباء نجد الشاعر الدكتور سامر كبة المتخصّص في الأمراض العصبية وعلم النفس الطبي، فهويكتب الشعر والقصة القصيرة وصدر له ديوان (أوراق مسافر)

✿✦ومن الأسماء الشابة دكتور الأسنان الشاعر حسن قجّة الذي مال إلى العمل الإداري بعيداً عن الطبّ وله نشاط موجز ومختصر، وله مجموعة شعرية بعنوان (زفرات ضائعة) وقد قدّم لها مجموعة من الأدباء الروائي الأستاذ وليد إخلاصي والدكتور الأديب المرحوم عبد السلام العجيلي والشاعر هنري زغيب. وكتبت مجموعة قصائدها ما بين عام 1990 وعام 2003 بالإضافة إلى كتاباته الخاصةِ في قضايا الإنسانِ والفكرِ في صحيفةِ الحياةِ وأخبارِ الأدب، ومناهلَ ثقافيةِ أخرى، وقد أنجز مجموعةً من المؤلفات الموسيقية والأغاني ونصوصه تميل إلى البساطة في التعبير، والبوح الذاتي الذي لا ينفصل عن العام. فهناك قضايا خاصة ولكن لا تنحاز انحيازاً مطلقاً بل تنهل من الواقع العام، يقول:

المركب الكبيرُ في مجاهل المحيط

دونه السماءُ ومضةٌ

والليل لحظةٌ

وصيفه بريق شمس مثلْهُ وحيدةٌ

تُواصِلُ الظهورَ والعبور والغيابْ

. قبطان مركب الخيالِ واللّيالي والشهورِ

تُسرَق الشهورُ منه

تسرق السنونَ منه

يُسرَق الهدوء والهياج والأمان...

أين مني عشبُ أرضي؟

أين أحجارُ المباني

أين أضواء الشوارع

والأثاثُ بغرفتي

تلك التي أحببْتُها

وحسبْتُها قصراً يطير...

أين منيّ من أحبُّ؟

وأين صارت طقوسُ عيشي؟

✿✦ومن الأدباء الشباب الدكتور جمعه أبوالخيل وهونشيط وعصاميّ في مجال حياته وأدبه وواثق من خطواته وقد اختصَّ بالجراحة البولية ويعمل خارج القطر في السعودية وشارك في الكتابة والتحرير لصحيفة الثقافة الأسبوعية وله مشاركات متعدِّدة ومتمكن من الوزن الخليلي منذ كان طالباً في المرحلة الثانوية وكان لي شرف تدريسه والاعتزاز بنشاطه ولي وقفة عند الشاعر الطبيب الشاب محمود المنلا الذي يشقّ طريقه بهدوء بما يملكه من لغة شعرية وروح شاعرية وذادٍ معرفيٍّ من المطالعات وعرفتْهُ منابر الجامعة والمنتديات الثقافية وصدر له ديوانان شعريان في عام واحد «لا عقل حين الحبّ يأتي» آب 2002، والثاني «قصائد لست أدري ما أسميها» أيلول 2002، وإني أرى عدم التوفيق بالتسمية فالعنوان طويل وبعيد عن الحالة الشعرية. وفي قراءة للديوانين نلمح حسَّ شاعرٍ فيّاض بالمشاعر والأحاسيس، تشغله الجملة الشعرية الواقعية، وتشدّه هموم الواقع الذاتية والعامة وبما يتناسب مع سنّه وتجربته:

حكايتي انتهت

فيا جميلتي.... اتركي يدي

إنّك تعلمين أنّي

لَسْتُ من صنف الخراف

لسْتُ من صنف العبيد

فما سيجديك بقائي؟

ما سيجديك وجودي.

لم يبق لي... سوى الرحيل

بهذه العفوية وهذا النزق الشبابي يسيطر على مسار قصيدته التي تنتظر تألَّقَهُ وعطاءَهُ الإبداعيّ ولن أغفل طاقة طالب الطبِّ النابه نائل الحريري الذي بزغ نور إبداعه مبكّراً على مقاعد الدراسة الإعدادية، واستمرَّ في التطور والنبوغ على المستوى الدراسي والأدبي والموسيقي فنال الاستحسان والتقدير منذ بداياته، فحصد عدَّة جوائز تشجيعية وتقديرية من سوريا وخارجها حيث مثَّلَها في أكثر من ملتقى باسم الفصاحة والأدباء الشباب، ولنائل شخصية متميِّزة تتسلّح بالثقة والطاقة والتوجيه من والده الرائعِ بملاحقته وتوجيهاتهِ، وإني لأتنبَّأ لهذا الشباب الطبيب الشاعر الموسيقي مستقبلاً زاهراً يقول في إحدى قصائده:

خذي منّي الغرامَ وفيضَ شوقي

وأخشى – إن يراني الشوقُ – أمضي

خذي منّي الحنين إذا افترقنا

وأخشى إن قرأتُ الذكرَ أتلو:

فكم أخشى من الحبِّ الهروبا

فلا أجدُ الشمالَ ولا الجنوبا

فأخشى في متهاهتهِ الذنوبا

(عيونُك تجعل الولدان شيبا)

حاولْتُ أن أحصيَ الأديبات الطبيبات فوجدت صعوبة لا أدري سببها وربَّما تعدَّدت أسبابها، وربَّما تكون هناك أكثرُ من طبيبة، فقد أقحمْتُ في العام الماضي طبيبة الأطفال القاصة ثريَّا السروجي للمشاركة في مهرجان النادي العربي الفلسطيني «حلب» بعد أن علمت أنها تكتب القصَّة وتنشرها في المجلاّت الالكترونية، وتشارك في مسابقات إذاعة لندن القصصية وفازت أكثر من مرَّة.

وهذه دعوة لها للمشاركة واقتحام هذا الجدار، فأتمنّى المشاركة في المحافل والنشر في الصحف والدوريات وجمع أعمالها في مجموعة قصصيَّة.

✿✦والأديبة الثانية الشاعرة لميس حجة. وهي شاعرة إبداعاً وخلقاً ومثلاً. فرضَتْ إبداعَها الجميلَ في الشعر على المشهد الثقافي، وتدعى إلى العديد من الأمسياتْ وتشارك على استحياء منها. والدكتورة لميس تكتب القصيدة الهامسة الشفّافة التي تلامس شغاف القلب مستعينة بلغة عذبةٍ حييَّةٍ سهلةِ الإيقاعِ والتناولِ. صدر لها ثلاثُ مجموعاتٍ شعريةٍ.

تقدمة للغياب

نشيد المحبين

في المحاق يسطع نورك.

وحظيت دواوينها وأعمالها بدراسة الأدباء، ودُرِسَتْ في كتاب 

(من أدباء حلب في النصف الثاني من القرن العشرين)

✿✦ من قبل الأدبية إلهام أمينوالتي قالت في شعرها:

الشاعرة تنقلنا إلى أجوائها الروحية النقيّة حيث الطهرُ الوجداني والتألق الصوفي في عالمٍ أروعَ وقعاً في النفسِ وأكثر قرباً بالنور العلوي من خلال جمالٍ موسيقيٍّ بارع، يتناغم متتالياً عبر تفضيلات تتلاءَم وتتنامى في الدفقات الشعورية لها، تقول الشاعرة:

على صدر من

سوف أبكي

وفي أيِّ زاوية من جدار

سيأتي انهياري

على صدر من سأقول انتهينا

وأسلمني.... الحبّ للموت

على صدر من.... سأقول:

جفاني.... حبيبي

على صدر من.... سأبادر موتي

وأدفن وجهي

وشْهقْاتِ

صدريَ الْممزَّقْ

✿✦ومن الأدباء الأطباء الدكتور ابوالهدى الحسيني الذي تشهد له المنابر وفصاحته ومشاركته والدكتوالباحث محمود المصري

✿✦هذه جولة سريعة وتحتاج إلى مزيد من التقصِّي والبحث لتكون أكثر جدوى وفائدة، فهناك أدباءُ ناسون نفسَهم وهناك أدباء مبدعون نسيهم الوسط الثقافي وهناك أدباءَ أطباء يشكّلون حالاتٍ إبداعيةً استثنائيةً خاصةً بإبداعهم، ويحتاجون لدراسات خاصة كالدكتور قطاية والدكتور الناصر ولميس حجة ومحمد فؤاد....

وبذلك أكون قد مهَّدْت الدربَ، وحرَّضْتُ الكتّابَ والأطباءَ الأدباءَ الذين تنتظرهم حلبُ عطاءً إنسانيّاً روحاً وإبداعاً وعلاجاً...

وسوم: العدد 694