هل لدينا معاشر المسلمين في هذا الزمان ما نتوسل به من صالح أعمالنا إلى الله عز وجل كي يستجيب دعاءنا ؟

من المعلوم  أن الله عز وجل قد أمرنا في محكم التنزيل بأن ندعوه ، و أخبرنا أنه قريب منا إذا ما دعوناه ، وأنه يجيب المضطر إذا دعاه ،كما أن رسوله صلى الله عليه وسلم حثنا على الإلحاح  في الدعاء ، ودلنا على أوقات وأحوال نمر بها في حياتنا إذا ما توجهنا فيها إلى خالقنا بالدعاء استجاب لنا . ولا شك أن هذا الذي تفضل به ربنا سبحانه وتعالى ، وبشرنا به رسوله عليه الصلاة والسلام أكبر نعمة على الإطلاق ، ذلك أنه فتح لنا باب الأمل والرجاء على مصراعيه في كل وقت وحين ، وخصوصا عند الاضطرار ، وفي أوقات معلومة مفضلة عنده لا يرد فيها من دعاه خائبا صفر اليدين، وهو حسير .

ولقد وجهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كيف يكون دعاء الاضطرار الذي يلجأ إلى المضطرون حين سرد علينا خبر النفر الثلاثة الذي كانوا يسيرون في فلاة ، وأمطرت السماء ، فاضطروا إلى الاحتماء بكهف إلا أن سيول المطر دحرجت صخرة فسد عليهم الكهف ، ونال منهم اليأس ، واضطروا إلى التوجه إلى ربهم بالدعاء متوسلين إليه بما ظنوه أعمالا صالحة لديهم وهو أعلم بها ،  فتشفع أحدهم ببر والديه ، والآخر بالكف عن اغتصاب  بنت عم له كان يحبها كأشد ما يكون الحب حين اختلى بها ذات يوم، فذكرته بمخافة الله تعالى فخشيه ، والثالث باستثمار مال أجير  كان عنده  ثم غاب زمنا طويلا ، فعاد يطلب أجره ، فوجده أكثر مما تركه قد نمّاه له مستأجره . وكانت الصخرة تتزحزح عن الكهف حسب العمل المتوسل به إلى الله تعالى ، ولم تزل إلا بدعاء المتوسل الثالث ،لأن ما قام به استحق عند الله عز وجل استجابة دعائه .

 ولا شك أن في هذا الحديث فوائد كثيرة، أولها أن كشف الضر ، والخروج من الضيق والشدة ، وكل ذلك مما يضطر الإنسان المؤمن معه إلى سؤال خالقه الفرج ، وثانيها أن المضطر  قد دله هذا الحديث على التوسل إلى ربه سبحانه وتعالى بما يظنه عملا صالحا، وربه أعلم به ، وثالثها أن استجابة دعاء المضطر تكون على قدر أو قيمة  العمل المتوسل به إلى الله عز وجل ، ولا يعلم  قدره وقيمته إلا هو سبحانه وتعالى ، ورابعها أنه لا ينفع ساعة الشدة إلا الصدق مع الخالق جل في علاه  وإخلاص النية له  في العمل ، وأن كل عمل أريد به غير وجهه ، لا يفيد المضطر شيئا  إذا توسل به إلى ربه .

ولا يجب أن يفهم أن توسل المضطر بصالح أعماله إلى ربه سبحانه وتعالى عبارة عن صفقة أو مقايضة بين الخالق سبحانه وتعالى وخلقه  ، لأن أعمال الخلق مهما بلغت درجات صلاحها ، فهي لا تعدل استجابة الدعاء الذي هو فضل ،و منة ، ورحمة من الله عز وجل . وقد لا يحظى توسل المضطر بصالح أعماله باستجابة دعائه بالرغم من صلاحها في ميزان وتقدير الله تعالى لحكمة لا يعلمها إلا هو ، وفي المقابل قد يستجيب جل شأنه دعاء  مذنب مضطر ،لا وسيلة لديه يتوسل بها إلى ربه  ، ويكون ذلك تعطفا منه سبحانه وتعالى ، وهو الفعّال لما يريد ، وله في خلقه شؤون.

ومما حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يحول دون استجابة دعاء المضطر حيث ذكر أن : " الرجل يطيل السفر، أشعث ، أغبر ، يمد يديه إلى السماء : يا رب ، يا رب ، ومطعمه حرام ، وملبسه حرام ، ومشربه حرام ، وغذّي بالحرام ، فأنّى يُستجاب لذلك ؟ "

وفي هذا الحديث ما يدل على أن إتيان المحرمات يحجب استجابة دعاء المضطر.

ومن رحمة الله تعالى بعباده أنه لم ييئسهم  أو يقنّطهم من رحمته ، ومن استجابة دعائهم ، وجعل اليأس من روحه ورحمته صفة للكافرين ، أوالضالين، فقال على لسان خليله إبراهيم عليه السلام لما  استغرب تبشيره بغلام، وهو شيخ كبير ، وامرأته عاقر ، فأمرته الملائكة ألا يكون من القانطين فقال : (( ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضّالون " . كما قال على لسان نبيه يعقوب عليه السلام حين يئس إخوة يوسف من استرجاع أخيهم : (( يا بني اذهبوا وتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون )) ، ففي هذه الآية ما يدل على أن اليأس إنما يصدر عن كافرين لا يؤمنون بخالقهم ، وهذا يعني أن المؤمنين ليس من طبعهم اليأس من روح الله تعالى على ما يكون منهم من ذنوب ومعاص  ،وأن شأنهم شأن إخوة يوسف ، وقد فعلوا فعلتهم بأخيهم لما ألقوه في غيابات  الجب. وفي الآية ما قبل الأخيرة ما يدل على أن القانطين من رحمة ربهم إنما هم الضالون، وليس ذلك من شأن المؤمنين المهتدين بإيمانهم .       وها نحن اليوم معاشر المؤمنين ، وقد زاد عددنا في المعمورعن المليار ونصفه ،نعيش  أشد ظروف الاضطرار ، وندعو ربنا أن يكشف ما يعاني منه إخواننا في أرض الإسراء والمعراج من إبادة جماعية على أيدي الصهاينة المجرمين ، ومن تجويع ، وحصار ، وحرمان ، وخوف شديد ... ولا نرى بوادر استجابة دعائنا إذ يزداد التقتيل فيهم يوميا ، وتستمر أنواع التنكيل بهم ، ويشتد الحصارعليهم ، و يستمر التجويع ، والتشريد ... وهم يطلبون منا الدعاء لهم ليرفع عنه الله تعالى ما هم فيه من شدة ، ومن سوء الحال ، وندعو ونحن مليار ونصف المليار ، ولا يستجاب  لنا ،لأننا عدمنا من صالح الأعمال ما نتوسل به إلى خالقنا سبحانه وتعالى ، وفينا الشُّعث الغُير الذين تحول معاصيهم عن استجابة  الله تعالى دعاءهم، وهم يتضرعون إليه .

و يوجد مثل ما بأهل فلسطين  من بأساء ، ومن بأس في  العديد من بقاع  من المعمور من ظلم ، واضطهاد ، ومن جفاف وقحط ، ومجاعات ، ومن خوف وحرمان ، و من أمراض وأوبئة ... والذين يعانون من  كل هذه المصائب  يدعون الله عز وجل ليل نهار كي كشف الضر عنهم ، ويدعو لهم غيرهم  ، ويتأخر فرج الله تعالى ، فيدب اليأس  في قلوب  جلهم أو بعضهم  مع أن نفوسهم مستيقنة اليقين الراسخ بأنه لا قنوط ، ولا يأس من روح ورحمة الله تعالى .

وعليه ، فإنه يتعين علينا  معاشر المسلمين المؤمنين مراجعة ذواتنا من أجل التعجيل بصلح صادق مع خالقنا سبحانه وتعالى  ، وقد استيقنا أنه ليس لدينا من صالح الأعمال ما نتوسل به إليه كي يستجيب دعاءنا ، ويكشف ما ألم  بأمتنا من  شدائد . وأول ما يتعين علينا مراجعته، هو ترك المعاصي ، يليه بعد ذلك  الاجتهاد في صالح الأعمال، والتي  يجب أن تكون أسرارا بين العباد وخالقهم سبحانه وتعالى، وتكون  خالصة له ، لا تخالطها سمعة أو رياء ، ثم التوسل بها ،والتضرع إليه  جل في علاه، وهو يحب الإلحاح  منا في الدعاء ، ثم تكون لنا قطيعة مع القنوط واليأس من رحمته ، وروحه ، وقطيعة مع استعجال الاستجابة ، لأنه عز وجل يدير شؤون ملكوته بحكمة، وبعلم ،وخبرة ، و قدرة ، ورحمة ... وذلك ما لا نعلمه ، ولا نفقه كنهه ، ولو أطلعنا على غيبه لعلمنا أن كل  ما يفعله بخلقه هو خير لهم يجهلون خيريته . اللهم إنا نعول في استجابة دعائنا على رحمتك التي وسعت كل شيء ، ونحن ندين أنفسنا ، ونتهمها ، وقد غرقنا في المعاصي والآثام ، وبلغت عندنا حد الإسراف ، وأنت سبحانك لم تقنط ، ولم تيئس من رحمتك وروحك المسرفين ، وأرصدتنا من فعل الخيرات مجرد أصفار ، فجد علينا يا جوّاد جودا، ومنة ،وتفضلا  منك ، فإنه لا إله، ولا رب لنا ندعوه أو نرجوه سواك . اللهم عجل لأمة نبيك سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام بفرج قريب عاجل  قبل حلول شهرك الذي عظمته بنزول القرآن الكريم.

والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

وسوم: العدد 1070