ربانية العلماء المسلمين في هذا الزمان رهينة بتقديم خوفهم من الخالق سبحانه على خوفهم من المخلوق

من المعلوم أن الله عز وجل قد وصف عباده المؤمنين من ضمن ما وصفهم به أنهم يخشونه ، ولا يخشون معه أحد من خلقه في قوله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا من يرتدد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم )) ، فهذه الآية الكريمة التي حذرت من الردة عن دين الإسلام ، تضمنت وصفا لقوم يحبهم الله عز وجل ، ويحبونه ، وهم أذلة على المؤمنين ، وأعزة على الكافرين ، ويجاهدون في سبيل الله لا يخافون لومة لائم . وهذا الذي وصفهم به رب العزة جل جلاله، إنما هو فضل من عنده، شاء أن يؤتيهم إياه ، لأنه واسع النعم ، وواسع العلم بكيفية تصريفها بين خلقه  . وإذا كانت أوصاف من يحبهم سبحانه وتعالى كما جاء في هذه الآية تشمل عموم خلقه ، فأولى بها أهل العلم منهم ، لأنه لم يسوّ سبحانه بين الذين يعلمون ، والذين لا يعلمون في درجة الفضل .

والأولى بعلماء المسلمين أن يتمثلوا الصفات التي وردت في هذه الآية الكريمة ،كي يكونوا  محبين لربهم سبحانه وتعالى  ، ويكون محبا لهم ، ويكونوا أذلة على المؤمنين، لا تغرهم مكانتهم العلمية ، ولا تحملهم على ازدراء المؤمنين والتكبر عليهم ، ويكونوا أعزة على الكافرين ، لا هوادة في عزتهم عليهم ، ويجاهدوا  في سبيل الله ، علما بأن جهاد هم يكون بعلمهم، وهو مفروض عليهم فرض عين ، وألا  يتقاعسوا عنه بالخوف من لوم اللائمين من ذوي السلطان والطغيان، الذين يصرفونهم عن الجهاد بعلمهم في سبيل الله ليكون في خدمتهم  ، وهو  أفضل الجهاد عندما يكون كلمة حق عندهم أهل الجور منهم ، كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .

 ومن أوتي منهم  هذه الصفات ،فعليه  أولا أن  يحمد ربه سبحانه وتعالى  عليها، لأنها منة ونعمة منه يؤتيها من يشاء من عباده  ممن يحبهم ،  وثانيا عليه أن يفرح بمحبة الله عز وجل له .

والسؤال الذي  يجب أن يطرح في هذا الظرف العصيب، الذي يمر به إخوة لنا في الدين، وهم  تحت حصار جائر شديد في غزة ، هو ما شأن علمائنا إذا ما عرضوا على هذه الآية الكريمة ، والجواب أنهم  : فئتان ، فئة تستحق أن توصف بما جاء في الآية  من صفات محمودة  ، وأخرى ليس بينها وبين هذه الصفات صلة ، ومع ذلك تحسب على العلم.

أما الفئة المستحقة لفضل الله تعالى الوارد  ذكره في هذه الآية الكريمة ، فإنها لم تدخر جهدا في نصرة المؤمنين المستضعفين في غزة بعلمها ، وقد ذلّت لهم ، وعزّت على من يحاربهم ، دون أن تخشى لوم لائم ممن يوالون عدوهم من ذوي السلطان  والطغيان .

وأما الفئة المحرومة من هذا الفضل  العظيم ، فقد صرفها الخوف من لوم اللائمين عن الجهاد بعلمها ، واشتغلت بما ليس له أولوية  أو سبقا في ظرف  محنة المؤمنين  الذين  يعيشون تحت الحصار الخانق ، ليوهموا الناس بأنهم يسدون ثغورا يرونها الأولى والأجدر بأن تسد ، وما ذلك في حقيقة الأمر سوى فرار من الجهاد  الواجب الذي أوكله الله تعالى إليهم . ومن صفات هذه الفئة أنها تتخندق في  خندق اللائمين من أهل السلطان والطغيان الأعزة على المؤمنين ، والأذلة على الكافرين، خلافا لأوصاف الربانيين من العلماء. وهذه الفئة من المترسمين، تطربها عبارات الثناء عليها من قبيل علامة ، وفهامة ، وراشخ  قدم في العلم ... إلى غير ذلك من عبارات الإطراء ، دون أن تحضرهم  لحظة عبارة الصديق رضي الله عنه حين كان يمدح ، فيقول في سره : " اللهم اجعلني خيرا مما يظنون ، واغفر لي ما لا يعلمون " . وإن هؤلاء العلماء المترسمين ليقتفون أثر الطغاة  في طغيانهم ، فيستخفون بعموم المؤمنين احتقارا لهم ، ويتعالون عليهم بعلمهم ، ويسخرون منهم ،لأنهم ليسوا أهلا لمثل علمهم ، ولا قبل لهم بالمعرفة ، ويصرفون وقتا من كلامهم في تحقيرهم ، و لومهم  وعتابهم على ذلك  بقولهم على سبيل المثال لا الحصر :" أنتم لا تقرءون ، أنتم لا تفهمون ... "  كأنهم يخاطبون جهالا ، وكأنهم وحدهم الأوصياء على الفهم والعلم والمعرفة .

 ولقد آثروا السكوت الشيطاني في وقت لا يحمد في  مثله هذا السكوت من عامة  المؤمنين، بله من علمائهم، و الحال أن المؤمنين في غزة يبادون إبادة جماعية ، وهم في حصار خانق جياع، وعطاش، ومرضى ،  وأصحاب السلطان والطغيان،  يتفرجون على إبادتهم ، وعلى مرمى حجر منهم فك الحصار المضروب عليهم ، وهم يستغيثونهم باسم الأخوة في الدين، و باسم الأخوة في الإيمان  ، ولكن لا إيمان لمن لا أمانة له ، ولا دين لمن لا عهد له ، وأي أمانة هي أكبر وأخطر من نصر دين الله عز وجل ، ونصر المؤمنين المستضعفين ، رجالا، ونساء ، وولدانا ،لا يستطيعون حيلة ، ولا يهتدون سبيلا ؟  وإنهم من خيانة أمانة الله عز وجل التي وكلت بهم ، ليتطلعون إلى إبادة هؤلاء المستضعفين ، ويستعجلونها إرضاء لأعدائهم ، وحرصا على مقاعدهم التي مصيرها الزوال السريع ، وهو زوال سيسلمهم عما قريب إلى مقاعد من نار في دار البقاء ، إلا أن يسارعوا بتوبة نصوح ، ويتداركوا ما فرطوا في حق  المستضعفين من المؤمنين ، وفي حق دين رب العالمين .

  ومن شرار العلماء المترسمين  من تتعدى شماتته بالمجاهدين  والمرابطين  في أرض الإسراء والمعراج ، حد النيل منهم  سفها  ،وهم يتملقون بذلك  ذوي السلطان والطغيان الموالين سرا وعلانية للمحتلين الظالمين ، وفي ذلك  أحط وأخس شماتة بمن يحبهم الله عز ويحبونه، و يجاهدون في سبيله ، ولا يخافون  في ذلك لومة لائم ممن يوالون أعداءهم  ممن خانوا أماناتهم وعهدهم ، وخانوا الله ورسوله ، المؤمنين ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

وسوم: العدد 1071