المهرجان الأسري في يوم الجمعة

جاء في المعجم أن المهرجان : هو احتفال عام يكون عادة في إطار ثقافي أو ديني أو غير ذلك من المناسبات التي يهتم بهـا الناس . ويقام أيضا ابتهاجًا بحادث سعيد ، أَو إِحياءً لذكرى عزيزة ، ومن معاني الهَرْجُ : الكثرةُ في الشيءِ . طريقٌ نَهْرَجٌ: أي واسِعٌ .واسْتَهْرجَ الرأْيُ لفلان: قَوِيَ واتَّسَع . وفي ذلك حديث نبوي حول الهرج آخر الزمان . وتعتبر الأيام التي تقام فيها المهرجانات من الأيام المشهودة في حياة الناس . والتذكير بهذه الأيام المشهودات تملي على الإنسان المعاني التي توحي بفضلها تلك الأيام ، كأيام شهر رمضان المبارك ، وأيام العيدين السعيدين لدى المسلمين ، وأيام الفتوحات والنصر المؤزر لجنود الأمة على الأعداء . ولقد ورد في القرآن الكريم الأمر بتذكير الناس بأيام الله المشهودة بالخير والتأييد من الله سبحانه وتعالى . يقول تعالى : ( وذكرهم بأيام الله ) أي : بأياديه ونعمه عليهم ، في إخراجه إياهم من أسر فرعون وقهره وظلمه وغشمه ، وإنجائه إياهم من عدوهم ، وفلقه لهم البحر ، وتظليله إياهم بالغمام ، وإنزاله عليهم المن والسلوى ، يقول الله عزَّ وجلَّ : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ) 5/ إبراهيم . (وذكرهم بأيام الله ) أي : بأياديه ونعمه عليهم ، في إخراجه إياهم من أسر فرعون وقهره وظلمه وغشمه ، وإنجائه إياهم من عدوهم ، وفلقه لهم البحر ، وتظليله إياهم بالغمام ، وإنزاله عليهم المن والسلوى ، إلى غير ذلك من النعم . قال ذلك مجاهد وقتادة وغيرهمـا ــــــــ رحمهما الله ـــــــ

فمن الأيام المباركة في حياة عامة المسلمين يومُ الجُمُعَـةِ . ولقد ذكرنا في المقال السابق ( البيت المسلم في ليلة الجمعة ونهارهــا ) . وبعد أن رأينا فضل الجمعة ، وفضل مايقوم به المسلم والمسلمة في ليلها ونهارها من طاعات . كأداء صلاة الجمعة والتبكير إليها بعد غسل وطيب ولبس الثياب النظيفة . مع أداء الصلوات المفروضات والسنن الواردات قبل الفريضة وبعدها ، وتلاوة القرآن الكريم آناء ليلها ونهارها ، وهـو خير يوم طلعت عليه الشمس ، وحيث تخرج خطايا مَن أذنب بعد الوضوء لهـا من جسده ، وكذلك لغيرها من الصلوات . فتلك الطاعات والأعمال الصالحات وهي تتبلور أنسًا وقربًـا من الله تعالى في محراب العبد المسلم وهو يذكر الله طاهر النفس سليم القلب في بيته ومعه زوجته وأبناؤُه ومَن يعيل من أب أو أم ... لهـو المهرجان الروحاني الذي يرتقي بالأسرة على رفارف الرضوان والزلفى من الله . فأعمال مباركات ، وأخلاق فاضلات ، ونجاوى بين يدي الله في خشوع وتضرع ، مع ألسنة طاهرة تلهج بالصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ... تلكم وغيرُها من صدقات وأدعية وتَبتُّل تنهض بالأسرة لتأخذ مكانها المرضي عند ربها ، ومكانتها العالية في مجتمعها الذي تعيش بين قاطنيه . وحين تخرج من بيتها إلى هذا المجتمع فكأنها خرجت من مهرجان روحاني عظيم ، فهي تستشعر جلال هذا اليوم ومكانته عند الله ، وهي تحمل للمجتمع أصداء ما تشعر به من قيم تلك المكانة . فإن يوم الجمعة من أحب الأيام إلى الله عز وجل، ففي الحديث الشريف عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَام، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلَاةِ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرَمْتَ - أَيْ يَقُولُونَ قَدْ بَلِيتَ - قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ حَرَّمَ عَلَى الأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلام). ولعل الله سبحانه يهب هذه الأسرة من فضله ساعة الإجابة فينالون بها مايتمنونه من خيري الدنيا والآخرة . تلك الساعة التي يلتمسها الأوفياء للطاعات ، والحريصون على نيل الفضل من الله . فمن أحب ما يتمنَّى المسلم من الله في يوم الجمعة الساعة التي يستجاب فيها الدعاء ، وفي هذا ورد قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( التَمِسُوا السَّاعَةَ الَّتِي تُرْجَى فِي يَوْمِ الجُمُعَةِ بَعْدَ العَصْرِ إِلَى غَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ )رواه الترمذي عن أنس رضي الله عنه. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة فقال : ( فيهـا ساعة لايوافقها عبدٌ مسلم وهو قائم يصلي يسألُ الله شيئا إلا أعطاه إياه ) . متفق عليه . وهنا التفافة حانية وسلوك جدير بالاهتمام ، فإن الأسرة التي تأخذ بهذا المهرجان الروحاني الأسري تشد مشاعر أطفالها منذ نعومة أظفارهم إلى هذه الأجواء السامية ، (وأبواه هنا يؤكدان حقيقة الإسلام ومافية من طيب الحياة في نفسه ) ، فينشأ الأطفال على حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وحب هذا الدين العظيم ، ويُغرسُ في أحنائهم التولًّعُ بالطاعات وبالأعمال التي يرونها في بيتهم ، فيتعلقون بها ويشتاقون لأدائها ، بل إنهم ينتظرون يوم الجمعة ــ بالذَّات ــ لينالوا من هذا النعيم الروحي الغامر بمشيئة الله تبارك وتعالى . ويندفعون على سجيتهم بحماس وثقة وهم مطمئنون كونهم في ظلال الرحمة والأنس والفرح الروحاني الذي يتجلى في وجوههم النَّيِّرة . ولسوف يشعر الأطفال فيما بعد ، ويتذكرون الساعات المباركات التي قضوها في هذا المهرجان الأسري المبارك ، وهم يسرعون مع والدهم إلى المسجد لأداء الفرائض ، ويذكرون كيف صلوا على سطح الدار أو في بهوها أو تحت ظل شجرة في يوم من الأيام . ويبقى يوم الجمعة بمآتيه الغالية المحببة إلى القلوب محاضرة أسبوعية ،تفيض بالرضوان والقبول من الله تعالى . ولو كشف الله الحجاب عمَّــا أعده لهؤلاء في الغيب من المنازل والمكرمات لاندفع الواحد منهم ومن كل مسلم ومسلمة إلى الطاعات ، وإلى مثل هذا الموسم الفياض بالرحمات والمقامات العاليات ، ولواظب الجميع على مافرضه الله وأرشد إليه رسوله صلى الله عليه وسلم . وفي سيرة هذا البيت وما في السيرة من آثار إيجابية

تتجلى قيم الإسلام العاليات ، وفيهـا دعـوة صريحة وحانية لأولئك الذين خوت نفوسُهم ، واجتاحت الغفلةُ وعيَهم ، وأقفلت الأهـواءُ الرخيصةُ أبوابَ السماء التي لاتغلق لأي داعٍ ولا لأيِّ منيب ... ولعلهم يتعظون ، وإلى ربِّهم يؤوبون .

         في نهار الجمعة البهيج بنور التفاؤل ، وليلها المغدق بالتَّجليات الروحانية ، والنفحات الربانية ، و وقت سَحَرِها حيث تتدلى الهبات الإلهية على أهل المناجاة وهم يلهجون بذكر الله ودعائه مرددين : يا من لا تُغلَقُ أبوابُ عفوه، ولا تُحجَبُ هباتُ رحماتُه... هب لنا من لدنك رحمة وهيِّئ لنا من أمرنا رشدا ، واجعل معونة الحسنى لنا سندا ، فيكثر من الاستغفار ومن الدعاء ، وقد أدَّى خلال الساعات المنصرمات العديد من أنواع الطاعات ، ومن الأعمال المستحبات يوم الجمعة مثل : - كثرة الدعاء - غُسل الجمعة - قراءة سورة الكهف ـــــــ التطيب- لبس أحسن الثياب- التسوك- التبكير إلى المسجد- كثرة الصلاة على النبي- تحري ساعة الإجابة

وغيرها من القربات الأخرى التي لاتخفى على أي مسلم . ويرجون منها رضوان ربِّهم ، ونيل الثواب بأكبر قدر من الحسنات، واستبدالها بالسيئات.

         ومن فوائد هذا المهرجان الإسلامي الروحاني الأسري أنه ينقل الأبناء من حال الضياع والشتات في التوجهات ، وتضييع الأوقات ... إلى جادة الصراط المستقيم التي نزل بها الوحي الأمين من عالَم الغيب إلى عالَم الشهادة ، عالَم العمل والابتلاء . لينالوا وقد أخذوا بهذا المنهج الرباني الأسري القويم ... منازلَ المكافأة الإلهية في عليين برحمة من الله وعفو ورضوان . وهذه التربية المنزلية الأسرية لها أثر كبير وهام ومثمر في حياة الناشئين ، وهذا الأثر الجليل يبقى تأثيره في نفس الطفل والذي سيكبر ويغدو شابا فكهلا فشيخا ، وهذه المزايا والسمات تكبر معه ، ولكنها لاتهرم ولا تشيخ ، بل إنها تحافظ على حيوية هذا الشيخ الذي بلغ من العمر عتيا ، لأن حافظ على مستلزمات هذه الحيوية منذ صغره . فحفظ الله لعباده الصَّالحين أمر حقيقي ، لمن حسن إسلامه ، وتسامى بإيمانه ، مبتعدا عن المحرمات عامة والكبائر منها بصورة خاصة . ولقد علمنا عن العديد من الحالات الراقية لرجال جاوزوا السبعين والثمانين بل والتسعين من العمر ، وما زالوا يملكون من حيويتهم الكثير بفضل الله .وهذا حال صاحب الحضور التربوي الإسلامي في إحدى مهرجاناته السامية ، لينال منها وسام الإيجابية ، ويطمئن لنسائم التفاؤل والإلهام الرباني ، ولينال أيضا مزايا الحضور الذهني ، وليعلم عندئذ   أبعاده الروحية ، هذا الحضور الموهوب من الله لبعض عباده الصَّالحين هـو   الإرث المفقود لأعمال البر ، وما تحث عليه التقوى . وهنا يجفو هذا الناشئ المبارك مايعاني منه الكثير من الشباب ، وخصوصا في الأقطار غير الإسلامية من معدلات الانتحار ، ومن كوابيس القلقوالاضطراب .

ونختم هذا المهرجان الإسلامي الأسري الأسبوعي ببعض ماتوصلت إليه الدراسات لدى بعض مفكري المسلمين والأجانب أيضا حول مقاصد مثل هذا المهرجان للقول : ( يعتقد بعض الناس أن الأمراض العقلية والحالات الانفعالية تعود لأسباب بيولوجية بحتة. ولكن إذا تدخّلت العناصر البيولوجية في مشاعرنا وعقولنا فهذا لا يعني أنها الوحيدة، حيث توصّل علم النفس الحديث إلى أن الروحانية تُشكّل جزءًا من جوهر العقل البشري. وفي هذا السياق يقترح عالم النفس الأميركي البروفسور روبرت إيمونز، أنه ينبغي اعتبار الروحانية نوعًا مستقلًا من العلوم الإنسانية، وأن الذكاء الروحي في جوهره يعني قدرة الإنسان على مسايرة العالم من حوله واكتشاف معناه ومغزاه. وتتضمّن تلك المسايرة -في الإسلام-التأمل في آيات الله من حولنا واستخلاص العِبر الّتي تطلعنا بكيفية التصرف والتفكير والشعور ) .وبل ويتابع هؤلاء المنصفون وهم يؤكدون أثر التربية الإسلامية في القدرة على الفهم والاستنبط والاستشراف أكــــــــثر من غيرهـــــم فقالوا : ( وأمّا الإنسان صاحب معدلات الذكاء الروحي المنخفضة فإنه إمّا يدرك المعاني غير الحقيقية من العالم حوله . أو يفشل أيضًا في التعرّف على آيات الله. ويدعّم ذلك حالات الغضب، والغيرة، والغرور والتكبّر. وأفضل مثال لهذا الشخص هو ما يخبرنا به القرآن الكريم عن الرجل صاحب الجنتين. فبعد وصف طبيعة الجنتين الساحرة يذكر القرآن المفاهيم الكاذبة الّتي استخلصها الرجل منها بسبب ضعف ذكائه الروحي.فقال ( مَا أَظًنًّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا. ومَا أظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً ولَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبَّي لأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا ) . وبعد مرور سنوات على الجنتين، فشل الرجل في فهم آيات الله البيّنات في تعاقب الفصول، ودورة الموت والنشور المستمرّة. ألا ينبغي أن يوجهه ذلك ليدرك طبيعة حياته المؤقتة، وسهولة فقدان ما يملكه. أيضًا ألم يفطن أن دورة الموت والنشور ما هي إلّا آية على وجود الآخرة ؟! وهنا يأتي دور صاحبه التقّي صاحب الذكاء الروحي مفسرًا ما يُستخلص من الآيات ) :

(وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللهُ لَا قُوَّةَ إلّا بِالله )

وسوم: العدد 1073