إخلاف الوعد ونقض العهد فقدان للمصداقية وعنوان للضعة ودليل على النفاق

إخلاف الوعد ونقض العهد

فقدان للمصداقية وعنوان للضعة ودليل على النفاق

محمد شركي

[email protected]

مصداقية الإنسان رهينة بإنجاز الوعد وصيانة العهد . والعهد في اللغة العربية له دلالات منها الوفاء والميثاق والذمة والضمان والأمان ... ونظرا لقدسية هذه الدلالات يتخذ العهد يمينا وقسما فيقال : " علي عهد الله لأفعلن " وكل من يعطي عهدا يكون بمثابة الحالف  أو المقسم . ويسمى العهد أيضا وعدا وهو التزام من شخص لآخر بأن ينيله شيئا ويمكنه منه . ويعجبني الرأي القائل بأن الوعد لا يجمع على وعود لأنه إذا جمع تكرر ، وإذا تكرر تعلق الأمر بالمماطلة والإخلاف ،لهذا يجدر بالوعد أن يكون مفردا لا يجمع . ومما يقال لمن يخلف الوعد  مرات عبارة : أين هي وعودك ؟ وإذا عدنا إلى كتاب الله عز وجل وهو محكم التنزيل لأصدق القائلين نجده سبحانه وتعالى يصف ذاته المقدسة بالوفاء بالعهد  فيقول :(( ومن أوفى بعهده من الله )) كما يصف عباده المؤمنين برعاة العهد فيقول :(( والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون )) وقوله هذا  يدل على أن العهد أمانة. ويعتبر الله عز وجل العهد مسؤولية فيقول :(( إن العهد كان مسؤولا )) كما أنه تعبد الخلق بالوفاء بالعهد  فقال : (( وأوفوا بالعهد إذا عاهدتم )) ، ويربط الله عز وجل  بين العدل  والوفاء بالعهد  فيقول :(( وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا)) . ومن علامات النفاق وهو إظهار الإنسان عكس ما يضمر في باطنه نقض العهد وإخلاف الوعد وخيانة الأمانة . وفي الحديث النبوي الشريف : " لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له " . وبالرغم مما للعهد والوعد من مكانة عند الخالق سبحانه وتعالى فإن كثيرا من خلق الله يستخف بهما فيخلف الوعد وينقض العهد ، ولا يبالي بمصداقيته . وربما اعتبر البعض إخلاف الوعد ونقض العهد شطارة وذكاء ودهاء وفطنة.... وغالبا ما يسجل إخلاف الوعد ونقض العهد عند صنف من البشر يوليهم الله عز وجل أمرا من أمور الأمة فيقصدهم أصحاب الحاجة والمظلومين  والمقهورين  والمغبونين   والمحرومين... فيقرعون أبوابهم مضطرين فيواجهونهم بالوعد والعهد الكاذبين ويسوفون  فيزداد أصحاب الحاجة احتياجا ويتجرع المظلومون الظلم مرتين وتكون الثانية بسبب الوعد الكاذب ممن ينتظر منه رفع الظلم  فيعد بذلك ويخلف . ويزداد المقهورون والمحرومون والمغبونون قهرا وحرمانا  وغبنا بسبب إخلاف الوعد ونقض العهد ممن ينتظر منهم  دفع القهر  والحرمان  والغبن عنهم . ولقد صار نقض العهد وإخلاف الوعد عملة يتعامل بها معظم  المسؤولين ، ويعتبرونهما من لوازم التدبير في نظرهم ،والحقيقة أنهما مؤشران على فشل التدبير والتطفل على المسؤوليات ذلك أن المسؤول الذي  لا يرعى مسؤوليته حق رعايتها ولا يحسن التدبير يجعل من الوعد والعهد الكاذبين وسيلة للالتفاف على فشله ، ولا يزال يعد ويخلف  حتى يكتب كذابا عند الناس  ومنافقا  ووضيعا  قد ضيع مصداقيته . و قد يعتبر مخلف الوعد  وناقض العهد نفسه ذكيا لو كان عند ه مثقال ذرة من ذكاء لما رضي زوال مصداقيته . وإذا كان لسان الوفي بالعهد وناجز الوعد على مقاس ذراعه كما يقول المثل العامي فإن مخلف الوعد طويل اللسان  وقصير الذراع كقصر حبل كذبه ، وهو بذلك ضحكة ـ بضم الضاد وتسكين الحاء ـ وأضحوكة عند الناس ، وهو فاقد لرجولته بفقدان مصداقيته ، وقد وصف الله عز وجل الذين يوفون  بعهدهم بأنهم رجال فقال عز من قائل : (( من المؤمنين رجال  صدقوا ما عاهدوا الله عليه ))  وبناء على هذا فلا رجولة لمن لا يخلف الوعد وينقض العهد.